شبهة: مريم، أخت هارون وموسى! تفصيل الجواب – سامي عامري

يا أخت هارون لسامي عامري
القرآن مفسِّرًا نفسه مُبرأٌ من دعوى بنوة مريم لوالد موسى عليه السلام. 2-الحديث مفسِّرًا القرآن مبرأٌ من دعوى أخوة أم المسيح لهارون النبي. 3-لا توجد وثيقة تاريخية معتبرة تثبت أن والد مريم اسمه "يوياقيم" أو "يهوياقيم" كما في العبرية. 4-التناقض والخطأ في الأنساب ظاهرة توراتية وإنجيلية.

شبهة: مريم، أخت هارون وموسى! تفصيل الجواب

 
قال تعالى: {يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا}[مريم:28]. وقال تعالى: {وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِين}[التحريم:12]. وقال في أم مريم وأبيها: {إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيم}[آل عمران:35]
 

الشبهة التنصيرية الإلحادية:

تذكر التوراة لموسى وهارون عليهما السلام أختًا اسمها مريم (سفر الخروج 15/20) كما تذكر أنّ والد موسى عليه السلام هو عَمرام (سفر الخروج 6/20)؛ فالقرآن إذن قد أخطأ بالخلط بين مريم أخت هارون وموسى من جهة ومريم أم عيسى عليه السلام من جهة أخرى. والصواب هو أن مريم هي ابنة (يواقيم) .
 

الجواب: بُنيت هذه الشبهة على مجموعة من المغالطات:

1-القصص القرآني يضع مريم أم المسيح في الزمن نفسه لهارون وموسى عليهما السلام.
2-كلمة أخت تعني ضرورة من تشارك شخصًا آخر الأبوين أو أحدهما بصورة مباشرة.
3-حجيّة الكتاب المقدس والتراث الشفهي النصراني في معرفة الأنساب.
 

والردّ ينتظم في النقاط التالية:

1- هل زعم القرآن أن أم المسيح معاصرة لهارون النبي؟

قبل الجواب أقول إنّ الموافق والمخالف يتّفقان أنّ القرآن قطعة واحدة، فإما هو كتاب من عند الله أو هو اختلاق من نبيّ الإسلام صلّى الله عليه وسلّم، على خلاف أسفار الكتاب المقدس النصراني التي تنسب إلى مؤلفين مختلفين (تزعم الكنيسة أنهم كتبوا بإرشاد الوحي، ويرى المخالف أنّ جلّ المكتوب اختلاق).. ولذلك فالقرآن يفسّر -ضرورةً- نفسه لأنه من مصدر واحد، ومن جاء به للناس -سواء تبليغًا عن الله أو ادّعاء من عند نفسه –وهو نبيّ الإسلام صلّى الله عليه وسلّم، هو خير من يفسّر خبره التاريخي. وجواب دعوى الخلط التاريخي عندها هو التالي:
 
أ‌- الشهادة القرآنية:
أولا: لا يوجد في القرآن نص صريح يضع مريم أم المسيح مع هارون وموسى في زمن واحد أو قصّة واحدة، رغم أنّ قصة موسى عليه السلام هي أكثر القصص تكرارًا في القرآن. كما ذكر القرآن خبر ميلاد مريم وطفولتها وإنجابها للمسيح، ولم يُحدث ذكرًا للمعاصرة رغم اقتضاء المقام ذكر ذلك. والأمر نفسه واضح في الحديث النبوي. فلا تصريح إذن رغم ضخامة المادة التاريخية التفصيلية.
 
ثانيا: ذكر القرآن –على غير عادته- قصة ميلاد موسى ومريم، وقصة شبابهما؛ فنحن بذلك نعلم خبرهما في أعمار متقاربة لهما، ومع ذلك لا يوجد ذكر البتة لمريم في قصة موسى وهارون، ولا لموسى وهارون في قصة مريم.
 
ثالثا: يُفهم من النص القرآني (والتوراتي) أنّ موسى عاش في مصر ثم خرج حتى انتهى به الأمر في صحراء التيه في سيناء، وأنه لم يدخل القدس البتة، في حين يفهم من النص القرآني والحديثي أنّ مريم قد ولدت في القدس وأنجبت فيها المسيح؛ فكيف التقيا إذن؟!
 
رابعا: تذكر (سورة آل عمران) قصة (آل عمران) ضرورة. ونجد فيها قصة مريم وولادتها وكفالتها ونشأتها وإنجابها للمسيح، ثم قصة المسيح، وولادته، ودعوته، ومعجزاته، ومكر أعدائه به، ورفعه إلى السماء. ولا شيء في السورة في قصة حياة موسى وهارون ووالدهما رغم غزارة تفاصيل قصص موسى عليه السلام في القرآن، فكيف تغفل سورة تتحدث عن آل عمران-أي عمران وموسى وهارون ومريم، كما يزعم النصارى- ذكر خبر موسى وأخيه ووالدهما! إن هذا لشيء عجاب!.. وهذه نقطة حاسمة لمن عقل!
 
خامسا: السرد القرآني واضح في دلالته على أنّ قرونًا طوالًا تفصل بين هارون وموسى عليهما السلام وأم المسيح عليهما السلام. يقول د. إبراهيم عوض: “القرآن يفرِّق بين موسى وعيسى تَفرِقة واضحة في العصر والظرف والرسالة؛ بحيث لا يمكن الزعم بأنه كان يخلِط بينهما كما يتضح من النصوص التالية:
﴿ يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ فَعَفَوْنَا عَنْ ذَلِكَ وَآتَيْنَا مُوسَى سُلْطَانًا مُبِينًا * وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثَاقِهِمْ وَقُلْنَا لَهُمُ ادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُلْنَا لَهُمْ لا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا * فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآيَاتِ اللَّهِ وَقَتْلِهِمُ الأنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلا قَلِيلاً * وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا * وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا * بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا ﴾ [النساء: 153 – 1588]، فالإشارة إلى قتْل اليهود للأنبياء بعد نقْضهم الميثاق الذي أخذه الله عليهم في حياة موسى يدلُّ دَلالة لا تقبل الشك على أنه قد مرَّ زمن طويل بين موسى وعيسى بما لا يمكن أن يكون هذا ابن أخت ذاك، هو ما تجده أكثر تفصيلاً في الآية 70 من سورة “المائدة”: ﴿ لَقَدْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَأَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ رُسُلاً كُلَّمَا جَاءَهُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَى أَنْفُسُهُمْ فَرِيقًا كَذَّبُوا وَفَرِيقًا يَقْتُلُونَ ﴾ [المائدة: 700]، فهناك – حسبما تقول الآية – رُسُل قد تتابَعوا بعد موسى، وقابلهم بنو إسرائيل تارة بالتكذيب، وتارة بالتقتيل، مما يحتاج وقوعه إلى أزمان طويلة، وممن جاء بعد موسى من الأنبياء على وجه التحديد سليمان، الذي ذكَر القرآنُ أن الشياطين قد افترَوا عليه الأكاذيب حسبما جاء في الآية 102 من سورة “البقرة”، وهناك أيضًا أبوه داود، الذي لُعِن الكفار من بني إسرائيل على يديه، أو بالحريِّ: على لسانه، قبل أن يلَعنهم عيسى بدوره، وهناك عُزير، الذي زعَمت اليهود أنه ابن الله كما تقول الآية 300 من سورة “التوبة”، ولا ننسَ أن القرآن قد دان اليهود بأنهم حرَّفوا الكَلِم عن مواضعه ونسوا حظًّا آخر مما أتاهم به موسى – عليه السلام – مما أشارت إليه الآية 13 من سورة “المائدة”، وهذا كله يستدعي مرور الزمان الطويل؛ إذ لا يُعقل أن يتمَّ ذلك في نفس الجيل الذي جاءهم فيه موسى بالتوراة، وبالمِثل لا يمكنُ أن ينزِّلَ اللهُ كتابًا آخر على عيسى – عليه السلام – ولم يكن قد جفَّ الحبر الذي كُتبت به التوراة بعد.”
 
سادسا: تطرّق القرآن إلى خبر أخت هارون وموسى مرتين (طه/ 40، والقصص/ 11 – 12)، لكنه لم يذكر اسمها، رغم أن القرآن قد ذكر اسم مريم 34 مرة على غير عادة القرآن في ذكر أسماء غير الأنبياء؛ فكيف يصرّح القرآن بعلاقة مريم وهارون في مقام لا يقتضي ضرورة الربط بينهما، ويهمل التصريح في مقام الحاجة إليه؟!
 
سابعا: لمَ لمْ يذكر القرآن موقف موسى عليه السلام من الميلاد العذري لأخته وموقف اليهود المتشبثين بإقامة الحدود على الزناة طبق شريعة موسى عليه السلام، إلا أن يكون العصر غير العصر؟!
 
ثامنا: لا يوجد مانع عرفي يمنع أن يكون اسم والد مريم (عمران)، لأسباب:
* من عادة اليهود التسمّي بأسماء المعظّمين فيهم.
* لا توجد وثيقة تاريخية معتبرة تشهد أنّ والد مريم اسمه (يواقيم) كما يقول النصارى اليوم. وقد جاء هذا الاسم في (إنجيل يعقوب)، وهو إنجيل تعتقد الكنيسة أنّه مزيّف. ولم يرد الاسم في أناجيلهم الأربعة، وهي أيضًا أناجيل ضعيفة القيمة التاريخيّة على كلّ حال!
* كان من عادة اليهود زمن المسيح التسمّي بأكثر من اسم؛ فتلميذ المسيح (برثولماوس) له اسم آخر كما تقول الكنيسة هو (نثنائيل)، و(ألفاوس) والد يعقوب اسمه أيضًا -بشهادة بابياس في بداية القرن الثاني- (كليوباس). وبعيدًا عن اضطرار الكنيسة مرّات كثيرة لجعل اسمين اثنين علمًا على شخص واحد دفعًا للتناقض، فإنّ عادة التسمي بأكثر من اسم زمن المسيح لا يشكّك فيها النقّاد. وذاك لا يمنع أن يكون اسم والد مريم (عمران) و(يهوياقيم)، ويكون ذكر القرآن لاسم (عمران) من باب تقديم الاسم الأشرف، على التسليم جدلًا أن اسمه الآخر (يهوياقيم).
 
ب-الشهادة الحديثيّة:
سُئل نبي الإسلام صلّى الله عليه وسلّم نفسه عن خبر القرآن عن “أخت هارون”، فأجاب بما يرفع تداخل التواريخ؛ فقد روى مسلم في صحيحه أنّ نصارى نجران قالوا للصحابي المغيرة بن شعبة إنّ القرآن قد أخطأ بقوله إنّ أم المسيح هي أخت النبي هارون، فأجاب صلّى الله عليه وسلم: “ألا أخبرتَهم أنهم كانوا يسمون بالأنبياء والصالحين قبلهم؟“.
 
ومعنى الجواب النبوي هو أنّ اليهود الذين قالوا لمريم لما رأوها تحمل رضيعًا لها دون أن تكون قد تزوجت: “يا مريم، كيف تفعلين هذا، وأنت الهارونية الشريفة!؟” قد نسبوها إلى النبي هارون لأنها من بيت هارون النبي، وقد كان الهارونيون أهل شرف ديني، فقد كُرّسوا للهيكل، ومريم من هؤلاء الأشراف، بل قد نذرتها أمها للهيكل لما كانت جنينًا. وهذا الذي فهمه بعض السلف، ومنهم: علي بن أبي طلحة والسدي.
 
ومما يقوي التفسير السابق أنّ القرآن لم يقل على لسان اليهود: يا أخت موسى! وإنّما نسبها اليهود إلى هارون رغم أنّ نسبتها إلى موسى أولى من نسبتها إلى هارون في مقام تعظيم حال أسرتها؛ لمقام موسى عند قومه الذي لا يشكّ أحد أنه أرفع من مقام هارون عليهما السلام. فلمَ اختار القرآن نسبة مريم إلى هارون إلا أن يكون هارون هنا رأس السلالة التي تنتمي إليها، وليست هي من نسل موسى عليه السلام؟!
 
والعرف القرآني في استعمال كلمة “أخ/أخت” يوافق ما ذكرناه؛ فقد قال القرآن في نبي الله (هود): (واذكر أخا عاد) (الأحقاف:21)؛ فهو من قوم عاد. كما أن الكتاب المقدس يجيز استعمال ألفاظ القرابة القريبة للقرابة البعيدة التي تفصل قرون بين طرفيها، ومن ذلك أنه جاء في إنجيل لوقا 1/5: ” كَانَ فِي أَيَّامِ هِيرُودُسَ مَلِكِ الْيَهُودِيَّةِ كَاهِنٌ اسْمُهُ زَكَرِيَّا مِنْ فِرْقَةِ أَبِيَّا، وَامْرَأَتُهُ مِنْ *بَنَاتِ هارُونَ* وَاسْمُهَا أَلِيصَابَاتُ“. ومعلوم أنّ إليصابات زوجة زكريا قد عاشت بعد أكثر من ألف سنة من زمن هارون عليه السلام.
 
بل إنّ التوراة نفسها تستعمل كلمة (أخ) لنسبة المرء إلى عشيرته لا إلى من يشاركه الأب أو الأم أو أحدهما، ومن ذلك ما جاء في سفر العدد 25/18: (لأَنَّهُمْ ضَايَقُوكُمْ بِمَكَايِدِهِمِ الَّتِي كَادُوكُمْ بِهَا فِي أَمْرِ فَغُورَ وَأَمْرِ كُزْبِي أُخْتِهِمْ [אֲחֹתָ֔ם] بِنْتِ رَئِيسٍ لِمِدْيَانَ). وُصفت (كُزبى) في هذا النص بأنها أخت المديانيين “أي واحدة من قبيلتهم”
(keil and delitzsch Commentary on the Old Testament , 1 volume, p.793)
 

2- قلبُ الاعتراض على النصارى:

تشكيك النصارى في اسم والد مريم عجيب يبلغ درجة الوقاحة؛ إذ النصارى مضطربون في اسم والدها؛ ففي حين يشهد التراث القديم خارج الأناجيل أنه (يواقيم)، يرى جمهور النصارى اليوم أنّه (هالي)؛ وذلك أنّ إنجيل متّى وإنجيل لوقا قد ذكرا سلسلة نسب المسيح، وقد تسبّبا بذلك في حرج كبير للنصارى لأنّ الخلاف بين السلسلتين واضح جدًا لا ينكره عاقل، وفي السلسلتين جاء التصريح أنّهما تتعلّقان بنسب يوسف النجار الذي تزوّج مريم أم المسيح:
يقول متّى 1/ 16: ” وَيَعْقُوبُ وَلَدَ يُوسُفَ رَجُلَ مَرْيَمَ الَّتِي وُلِدَ مِنْهَا يَسُوعُ الَّذِي يُدْعَى الْمَسِيحَ.” = والد يوسف النجار اسمه: (يعقوب).
يقول لوقا 3/23: “وَلَمَّا ابْتَدَأَ يَسُوعُ كَانَ لَهُ نَحْوُ ثَلاَثِينَ سَنَةً، وَهُوَ عَلَى مَا كَانَ يُظَنُّ ابْنَ يُوسُفَ، بْنِ هَالِي” = والد يوسف النجار اسمه: (هالي).
 
كان الآباء الأوائل كلّهم على وفاق أنّ سلستَي النسب هما ليوسف النجار، وقد اكتشف خصوم النصرانية هذا التناقض بين السلسلتين منذ زمن مبكر، ومنهم الفيلسوف (فرفوريوس‎‎(Porphyry الذي عيّرهم بهذا التناقض في القرن الثالث. بسبب ذلك ظهرت تفسيرات متأخرة (يوحنا الدمشقي في القرن الثامن) تزعم أنّ سلسلة لوقا خاصة بنسب مريم رغم أنه لا ذكر لمريم فيها (!!) . وسبب الاضطرار لهذا التفسير هو محاولة رفع التناقض بين الإنجيلين. وهنا تورّطت الكنيسة في تناقض جديد؛ إذ إنها قبلت منذ القرون الأولى أن والد مريم هو (يواقيم)، فكيف تجمع بينه وبين (هالي) المذكور في إنجيل لوقا!!
 
حاول بعض النصارى الخروج من الورطة بالقول إنّ (يهوياقيم) (יְהוֹיָקִים ) والذي يعني (يهوه سيُعِدّ)، قد اختُصر في (إِلي) بمعنى إلهي، ثم نُطق (هالي) (Ἠλί) باليونانية.. وهذا عبث؛ فهو تغيير تام للكلمة ورجم بالغيب بلا برهان جاد، ولو فتح الباب لهذا النمط من التخريج لقال من شاء ما شاء!
 
وآفة الخلط بين الأسماء والأنساب كثيرة جدًا في الكتاب المقدس، ومنها ضبط اسم حمي موسى؛ فهو في سفر الخروج 3/1 : (يثرون) (יִתְרוֹ‎) وفي الفصل السابق له مباشرة 2/18: (رعوئيل) (רְעוּאֵ֖ל) دون ضرورة تاريخية لتغيير اسمه!!
واسم الكاهن الذي التقاه داود في نوب، هو (أخيمالك) في 1صموئيل 21/1 ولكنه في إنجيل مرقس 2/26 (أبياثار)!!
 
وقد يضطرب المؤلّف في أسماء الرجال بصورة مزرية كما في أمر اسماء الأولاد الخمسة لبنيامين:
سفر العدد 26/38-39: بالع وأشبيل وأحيرام وشفوفام وحوفام.
سفر أخبار الأيام الأول 8/1-2: بالع وأشبيل وأخرخ ونوحة ورافا!!
 
والاضطراب في الأسماء له أحيانًا لون آخر؛ إذ يتمّ تفسير اسم الشخص بأكثر من تفسير بما يكشف بشريّة هذه النصوص، ومن ذلك:
اسم (رأوبين) (רְאוּבֵ֑ן )، والذي يعني: “انظر، ابن!” كما هو تفسير الأحبار الربيين، وهو المتوجّه لغة، حوّله محرّر (أو محرّرا!) سفر التكوين إلى معنيين آخرين لا تشهد لهما اللغة العبريّة؛ فقد جاء في سفر التكوين 29/32: ” فَحَبِلَتْ لَيْئَةُ وَوَلَدَتِ ابْنًا وَدَعَتِ اسْمَهُ «رَأُوبَيْنَ» ، لأَنَّهَا قَالَتْ: «إِنَّ الرَّبَّ قَدْ *نَظَرَ إِلَى مَذَلَّتِي*. إِنَّهُ الآنَ *يُحِبُّنِي رَجُلِي*“.
التفسير الأول: (نظر الرب إلى مذلتي): بالعبري (رأى يهوه بعونيي). في هذا المقطع حروف (ر+ب+ن) من اسم (رأوبين).
التفسير الثاني: (يحبّني): بالعبري (يإهابني). في هذه الكلمة (ب+ن).
= حاول الكاتب جهده في نفس الجملة أن يقدم تفسيرين للاسم، وأخطأ في كليهما!
وهذا غيض من فيض. والسياق لا يحتمل الإفاضة…
 

النتيجة:

1-القرآن مفسِّرًا نفسه مُبرأٌ من دعوى بنوة مريم لوالد موسى عليه السلام.
2-الحديث مفسِّرًا القرآن مبرأٌ من دعوى أخوة أم المسيح لهارون النبي.
3-لا توجد وثيقة تاريخية معتبرة تثبت أن والد مريم اسمه “يوياقيم” أو “يهوياقيم” كما في العبرية.
4-التناقض والخطأ في الأنساب ظاهرة توراتية وإنجيلية.
 
حرّره راجي رحمة ربه: د. سامي عامري

مقالات أخرى للكاتب

مشاركة

فيسبوك
تويتر
واتس
تيليجرام
Pinterest
Print

One Response

  1. حبيبي د.سامي الغالي
    جهدك.مشكور
    ملاحظة
    هل كان بإمكانك ان تقع على النسخة العبرية واليونانية للتوراة والاناجيل وتقارن الكتابة الاملائية لاسم ميريام اخت موسى ومريم ام عيسى
    لربما يفيد هذا الامر بازالة الشبهة النصرانية في حال اختلاف الاملاء
    ولك شكري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *