مناظرة بين الإسلام والنصرانية- الجزء الرابع

الجلسة الخامسة
الإفتتاحية الدكتور محمد جميل غازي
بشارات الأنبياء بالنبي الخاتم
وعد الله لإبراهيم في ابنه
نبوة موسى
نبوة حبقوق
نبوة داود
تعبير دانيال النبي لحلم نبوخذنصر
نبوة أشعياء
نبوات عيسى
تعقيب الدكتور محمد جميل غازي
المجامع المسكونية
استفتح الأستاذ الدكتور محمد جميل غازي هذه الجلسة بقوله :
بسم الله الرحمن الرحيم . { سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ }{ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ }{ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ } . وصلى الله وسلم وبارك على النبي الخاتم محمد صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين . وبعد : فإننا نفتتح هذه الجلسة الخامسة من هذه المناظرة الإسلامية النصرانية بآيات من القرآن الكريم من سورة المائدة . (1) أعوذ بالله من الشيطان الرجيم :
_________
(1) سورة المائدة 109 – 120 .

{ يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ قَالُوا لَا عِلْمَ لَنَا إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ }{ إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا }{ وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَى بِإِذْنِي }{ وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنْكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ }{ وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قَالُوا آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ }{ إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ قَالَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنْ

كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ }{ قَالُوا نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنَا وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ الشَّاهِدِينَ }{ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِنْكَ وَارْزُقْنَا وَأَنْتَ خَيرُ الرَّازِقِينَ }{ قَالَ اللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لَا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ }{ وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ }{ مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا

تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ }{ إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ }{ قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ }{ لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا فِيهِنَّ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } حديثنا الليلة عن البشائر أو البشريات التي جاءت عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، ولقد قلنا وما زلنا نقول : إن هذه الكتب قد عبثت فيها أيدي التحريف وأيدي التبديل ، وأيدي التغيير ، ولكنه على الرغم من هذا كله ما زالت فيها بقايا وما زالت فيها نصوص لا تحتمل التأويل أبدًا ، وأنها تنص نصًا قاطعًا على أن المقصود بها إنما هو محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الذي بعثه الله سبحانه وتعالى من ذرية إسماعيل – عليه السلام – . وأحب أن أقول لكم- قبل أن يبدأ العالم الفاضل الأستاذ إبراهيم خليل

أحمد – إن هذه البشريات على كثرتها لا تمثل في نظر المعتقد المسلم أكثر من واحدة من آلاف الأمارات والدلالات على صدق محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنها ليست كل شيء في أيدينا نستدل به على صدق الرسول ، إنما هي شيء واحد من أشياء كثيرة لا يحيط بها العد ولا يحصيها الإحصاء . هذه النبوءات وغيرها هي- كما قلت لكم- إصبع صغيرة تشير إلى الحقيقة الكبيرة وهي أن محمدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنما هو رسول الله ونبيه الخاتم . ولو أننا ذهبنا نستعرض الأمارات والدلالات على صدق رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فإنه لا تكفينا الليالي ذوات العدد ويكفي أن تعرفوا أنه أُلِّف في أمارات ودلائل النبوة كتب ومجلدات كثيرة . ولما كان وقتنا أضيق من أن نستعرض فيه كل شيء وأن وقتكم أضيق من أن يستوعب كل شيء فيكفينا الآن أن نشير إشارات عابرة إلى هذه النبوءات حسبما يتحدث إليكم في هذه الليلة الأخ العالم الأستاذ إبراهيم خليل أحمد عن البشائر في أسفار الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد .

جبال فاران :

بعد ذلك ننتقل إلى نص آخر من نصوص التوراة حيث نجد في (سفر التثنية 33 : 1-2) ما يقوله موسى : ” وهذه هي البركة التي بارك بها موسى رجل الله بني إسرائيل قبل موته فقال : جاء الرب من سيناء وأشرق لهم من سعير وتلألأ من جبل فاران وأتى من ربوات القدس وعن يمينه نار شريعة لهم ” فحينما نتأمل فإننا نتأمل أولا الأماكن المقدسة وما تعنيه ، فنجد سيناء هي المكان الأول وسعير هي المكان الثاني وأما المكان الثالث فهو فاران أو جبل فاران . إن سيناء تشير إلى المكان الذي فيه موسى (التوراة خروج 24 : 16-18) وأما سعير فإنها تعني أرض فلسطين التي سكنها عيسو أخو يعقوب أي أخو إسرائيل (تكوين 36 : 8) والغريب أن التوراة تقضي بأن البكر هو الذي يرث باسم أبيه لقد كان عيسو هو البكر وأما يعقوب فكان الابن التالي له ، لكن بأضحوكة صنعها يعقوب مع أبيه إسحاق نجده قد سرق حق البكورية من أخيه عيسو (تكوين 27) . لقد كان عيسو هذا- الذي أسدل عليه ستار كثيف- يسكن حسبما يقول (سفر التكوين 36 : 8) : ” فسكن عيسو في جبل سعير ” . وعيسو هو أدوم . وكذلك جاء في (سفر التكوين . 32 : 2) : ” وأرسل يعقوب رسلًا قدامه إلى عيسو أخيه إلى أرض سعير بلاد أدوم

” . وعلى ذلك تكون سعير هي أرض فلسطين التي وطئتها أقدام الأنبياء من ذرية يعقوب الذي أخذ حق البكورية من أخيه عيسو – وكان منهم السيد المسيح .

والآن نأتي إلى أرض فاران . من العجب العجاب- أيها الإخوة- أن الله سبحانه وتعالى وعد إبراهيم بالأرض من النيل إلى الفرات كما جاء في (سفر التكوين 15 : 18- 19) : ” في ذلك اليوم قطع الرب مع إبرام ميثاقًا قائلا : لنسلك أعطي هذه الأرض من نهر مصر إلى النهر الكبير نهر الفرات . القينيين والقنزيين والقدمونيين والحثيين والفرزيين والرفائيين والأموريين والكنعانيين والجرجاشيين واليبوسيين ” . هؤلاء هم شعوب هذه الأرض الذين سيطردهم الله ويسكنها نسل إبراهيم . إن هذا الوعد الذي أعطي لسيدنا إبراهيم – عليه السلام – ولم يكن له ولد آنذاك ، ولكن المرأة هي المرأة تشتاق إلى الأرض وإلى استثمار الأرض ، فجاءت سارة امرأة إبراهيم – عليه السلام – وكانت عاقرًا لم تلد فطلبت من زوجها إبراهيم أن يدخل على سيدة كريمة في بيتها هي هاجر لعل الله سبحانه يعطيها نسلًا . فتزوجها وأنجب منها إسماعيل وكان قرة عين لإبراهيم ولهاجر ولسارة أيضا . وفي هذا يقول (سفر التكوين 16 : 1- 4) : ” وأما ساراي امرأة إبرام فلم تلد له وكانت لها جارية مصرية اسمها هاجر فقالت ساراي لإبرام هو ذا الرب أمسكني عن الولادة ادخل على جاريتي لعلي أرزق منها بنين .

فسمع إبرام لقول ساراي فأخذت ساراي امرأة إبرام هاجر المصرية (1) جاريتها من بعد عشر سنين لإقامة إبرام في أرض كنعان وأعطتها لإبرام رجلها زوجة له فدخل على هاجر فحبلت ” .
بهذا أعطي إبراهيم الولد وكان هو إسماعيل الذي سيرث نسله الأرض من النيل إلى الفرات . بعد ذلك نجد أن الله سبحانه وتعالى يزيد إبراهيم فيعطيه إسحاق بعد أن بلغ عمر إسماعيل 14 سنة ، وهناك بدأت الغيرة تدب في قلب سارة وبدأت تؤثر ابنها إسحاق على إسماعيل وبدأت تطلب من إبراهيم أن يعزل هاجر وابنها عن المشاركة في البيت . تقول التوراة في (سفر التكوين 21 : 9- 13) : ” ورأت سارة ابن هاجر المصرية الذي ولدته لإبراهيم يمزح فقالت لإبراهيم اطرد هذه الجارية وابنها لأن ابن هذه الجارية لا يرث مع ابني إسحاق . فقبح الكلام جدًا في عيني إبراهيم لسبب ابنه ، فقال الله لإبراهيم لا يقبح في عينيك من أجل الغلام ومن أجل جاريتك . وفي كل ما تقول لك سارة اسمع قولها . لأنه بإسحاق يدعى لك نسل . وابن الجارية أيضا سأجعله أمة لأنه نسلك ” .
_________
(1) للجارية مدلول للسيدة التي نتعارف عليها بين الأوساط الراقية الوصيفة وهي غير الأمة التي ملك اليمين .

من هنا يتبين لنا مقدار قبح الكلام الذي قالته سارة عن إسماعيل وأمه والذي قبح تمامًا في عيني إبراهيم ، ولكنه اضطر أن يأخذ زوجه هاجر وابنهما إسماعيل ويذهب ليسكنهما في القفر . كما قال القرآن الكريم على لسان إبراهيم حين دعاه { رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ } . (1) وتقول التوراة إن إسماعيل سكن في برية فاران ، إذ يقول (سفر التكوين 21 : 17- 21) : ” سمع الله صوت الغلام ونادى ملاك الله هاجر من السماء وقال لها ما لك يا هاجر لا تخافي لأن الله قد سمع لصوت الغلام حيث هو . قومي احملي الغلام وشدي يدك به لأني سأجعله أمة عظيمة . وفتح الله عينيها فأبصرت بئر ماء . فذهبت وملأت القربة ماء وسقت الغلام . وكان الله مع الغلام فكبر وسكن في البرية وكان ينمو رامي قوس . وسكن في برية فاران وأخذت له أمه زوجة من أرض مصر ” .
_________
(1) سورة إبراهيم ، آية 37 .

ومن هنا نرى أن الجزء الثالث الذي تكلم عنه موسى – عليه السلام – إذ قال : ” وتلألأ من جبل فاران ” إنما هو إشارة إلى إسماعيل – عليه السلام – والنبي الخاتم الذي يأتي من نسله ، والذي تأكدت فيه الوعود الإلهية كما في (سفر التكوين 21 : 13) : ” وابن الجارية أيضا سأجعله أمة لأنه نسلك ” ، وفي (سفر التكوين 17 : 20) : ” وأما إسماعيل فقد سمعت لك فيه ها أنا أباركه وأثمره وأكثره كثيرًا جدًّا . اثني عشر رئيسًا يلد وأجعله أمة كبيرة ” .
من تحريفات بولس :
ولكن تمر الأيام ويأتي المسيح مولودًا من عذراء ثم يبلغ رسالته ولكن يندس في دعوته أناس ما كانوا على صلة بالمسيح ومن هؤلاء شاول الذي هو بولس . لقد كان شاول يمثل الحقد الأسود بين المسيحية وبين أتباع محمد الذي يأتي من نسل إسماعيل – عليه السلام – . إنه يقول في (رسالة غلاطية 4 : 30- 31) : ” لكن ماذا يقول الكتاب . اطرد الجارية وابنها لأنه لا يرث ابن الجارية مع ابن الحرة . إذًا أيها الإخوة لسنا أولاد جارية بل أولاد الحرة ” .

من هنا نرى أن الحرب بين الصليبيين وبين المسلمين سجال من وقت أن كتب بولس رسالته إلى أهل غلاطية . فهم يعتقدون أنهم من نسل إسحاق – عليه السلام – ولهذا النسب إلى إسحاق فعلى رأيهم تكون لهم المواعيد ولهم الشريعة ولهم الملك . ولكن عندما نسير في استقراء النبوات سنرى أن هذا الكلام سيضرب به عرض الحائط .

نبوة حبقوق الأذان : ” لا إله إلا الله محمد رسول الله ” .

نأتي بعد موسى – عليه السلام – إلى حبقوق الذي يقول في (سفره ، الإصحاح 3 عدد 3 ، 4) : ” الله جاء من تيمان والقدوس من جبل فاران . سلاه . جلاله غطى السماوات والأرض . امتلأت من تسبيحه . وكان لمعان كالنور . له من يده شعاع وهناك استِتَار قدرته ” . إن هذه النبوءة التي قالها حبقوق إنما تشير إلى مكة المكرمة . فقوله ” الله جاء من تيمان ” تشير إلى بلد في جنوب شرقي تبوك قرب من المدينة المنورة . وقوله ” القدوس من جبل فاران ” إنما هي إشارة إلى مكة المكرمة .

وحينما يقول ” جلاله غطى السماوات ” ماذا تعني هذه العبارة ؟ إننا في هذه الليلة حينما استمعنا إلى أذان العشاء فقد توقفنا عن الحديث وتابعنا المؤذن . إذن هي صيحات ” الله أكبر ” التي تتردد في الآفاق في كل الأرض التي يسكنها المسلمون قلوا أو كثروا . إنها جلال الله الذي يغطي السماوات والأرض . إنها لا يمكن أن تشير إلى كنيس اليهود الذي يستخدم البوق ، ولا تشير إلى كنيسة النصارى التي تستخدم الجرس ، ولكنها تشير إلى مئذنة المسجد حيث يعلوها المؤذن ليشهد أن ” لا إله إلا الله ، وأن محمدًا رسول الله ” وليعلن للناس كافة ” الله أكبر ” ، حتى إذا ما أقيمت الصلاة قام المسلمون خاشعين لله يسبحون ويكبرون ويسجدون بجباههم على الأرض تعظيمًا لله . ولا يحدث شيِء من هذا لا في كنيس اليهود ولا في كنيسة النصارى ، فلا تمتلئ الأرض بتسبيح الله إلا في صلاة المسلمين ، بل وفي غير صلاتهم فهم دائمًا أهل التسبيح والتحميد .
وأما قوله : ” وكان لمعان كالنور . له من يده شعاع وهناك استِتَار قدرته ” فما أعظم وما أمجد أن يرفع القرآن عاليًا ، ففيه النعمة وفيه الهداية وفيه البركة وفيه كل الخير . لقد قال هذا حبقوق النبي .

نبوة داود
الحجر الذي رفضه البناؤون هو مسار رأس الزاوية :

ونرجع الآن لسيدنا داود – عليه السلام – نجده يقول في (المزمور 118 : 22- 23) : ” الحجر الذي رفضه البناؤون قد صار رأس الزاوية . من قبل الرب كان هذا وهو عجيب في أعيننا ” . إن هذا يعني أن أنبياء بني إسرائيل على كثرتهم تشير إليهم الحجارة الكثيرة في بناء بيت الرب ، أما الحجر الذي هو رأس الزاوية ويمسك البناء كله فهو وإن كان حجرًا واحدًا إلا أنه هو الأهم والأعظم أثرًا في إقامة البناء وتماسكه . إنه يشير إلى محمد خاتم النبيين والذي بدونه لا ترتبط النبوات معًا ولا يمكن أن تكون لها قيمة تذكر تمامًا كما أنه بدون ذلك الحجر ” رأس الزاوية ” لا يكتمل البناء ولا يكون له قيمة . لقد كان هذا الأمر ” من قبل الرب ” . ربما يقول قائل إن هذا الكلام يشير إلى المسيح – عليه السلام – ، ولكن المسيح قال موجهًا كلامه لبني إسرائيل في تنديد شديد – كما في إنجيل (متى 21 : 43-44) : ” قال لهم يسوع أما قرأتم قط في الكتب الحجر الذي رفضه البناؤون قد صار هو رأس الزاوية من قبل الرب كان هذا وهو عجيب في أعيننا . لذلك أقول لكم إن ملكوت الله ينزع منكم ويعطي لأمة تعمل أثماره . ومن سقط على هذا الحجر يترضض ومن سقط هو عليه يسحقه ” . إن

قول المسيح هنا : ” لذلك أقول لكم إن ملكوت الله ينزع منكم ” يعني أن النبي الخاتم الذي يرمز إليه هذا الحجر ” رأس الزاوية ” لن يكون من بني إسرائيل ، وإنما يكون من أمة صالحة تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وتؤمن بالله الواحد الأحد ، إنها أمة العرب المسلمة . وأما قوله : ” ومن سقط على هذا الحجر يترضض ومن سقط هو عليه يسحقه ” ، فإنما يشير إلى قوة الإسلام وأن من يعاديه سوف يسحقه الله . وقد كان هذا مما سجله التاريخ ، حيث استطاعت قلة ضعيفة من العرب المسلمين أن تكتسح أعظم إمبراطوريتين قويتين في زمن ظهور الإسلام- أو هما القوتين العظميين بلغة عصرنا الحاضر- فقد قضى المسلمون الناشئون على الإمبراطورية الفارسية ، كما اقتطعوا من الإمبراطورية الرومانية نصف أملاكها التي كانت أرضًا كثيرة الخيرات غنية بالأموال والرجال . إن تنبؤ المسيح بهزيمة أعداء الإسلام هنا يتفق وما سبق أن قاله موسى في (سفر التثنية 18 : 19) : ” ويكون أن الإنسان الذي لا يسمع لكلامي الذي يتكلم به باسمي أنا أطالبه ” . أي أن الله سبحانه وتعالى سينتقم منه .

تعبير دانيال النبي لحلم نبوخذ نصر وأكثر من هذا نرى دانيال الذي كان واحدًا من اليهود المسيحيين في أرض بابل ، أنه في أيام الملك نبوخذ نصر الذي هدم الهيكل وأخذ كل ما فيه من توراة وأوانٍ ذهبية وغير ذلك قد حلم حلمًا لم يستطع أن يفسره سوى دانيال الذي قال للملك كما في (سفر دانيال الإصحاح 2 العدد 31- 36) : ” أنت أيها الملك كنت تنظر وإذا بتمثال عظيم ، هذا التمثال العظيم البهي جدًا وقف قبالتك ومنظره هائل ، رأس التمثال من ذهب جيد ، صدره وذراعاه من فضة ، بطنه وفخذاه من نحاس ، ساقاه من حديد ، قدماه بعضهما من حديد والبعض من خزف ، كنت تنظر إلى أن قطع حجر بغير يدين فضرب التمثال على قدميه اللتين من حديد وخزف فسحقهما ، فانسحق حينئذ الحديد والخزف والنحاس والفضة والذهب معًا وصار كعصافة البيدر في الصيف فحملتها الريح فلم يوجد لها مكان ، أما الحجر الذي ضرب التمثال فصار جبلًا كبيرًا وملأ الأرض كلها ، هذا هو الحلم فنخبر بتعبيره قدام الملك ” .

” أنت أيها الملك ملك ملوك لأن إِله السماوات أعطاك مملكة واقتدارًا . وسلطانًا وفخرًا . وحيثما يسكن بنو البشر ووحوش البر وطيور السماء دفعها ليدك وسلطك عليها جميعًا . فأنت هذا الرأس من ذهب . وبعدك تقوم مملكة أخرى أصغر منك ومملكة ثالثة أخرى من نحاس فتتسلط على كل الأرض . وتكون مملكة رابعة صلبة كالحديد لأن الحديد يدق ويستحق كل شئ وكالحديد الذي يكسر تسحق وتكسر كل هؤلاء . وبما رأيت القدمين والأصابع بعضها من خزف والبعض من حديد فالمملكة تكون منقسمة ويكون فيها قوة الحديد من حيث أنك رأيت الحديد مختلطًا بخزف الطين . وأصابع القدمين بعضها من حديد والبعض من خزف فبعض المملكة يكون قويًّا والبعض قصمًا . وبما رأيت الحديد مختلطًا بخزف الطين فإنهم يختلطون بنسل الناس ولكن لا يتلاصق هذا بذاك كما أن الحديد لا يختلط بالخزف . وفي أيام هؤلاء الملوك يقيم إله السماوات مملكة لن تنقرض أبدًا وملكها لا يترك لشعب آخر وتسحق وتفنى كل هذه الممالك وهي تثبت إلى الأبد ؛ لأنك رأيت أنه قد قطع حجر من جبل لا بيدين فسحق الحديد والنحاس والخزف والفضة والذهب الله العظيم قد عرّف الملك ما سيأتي بعد هذا . الحلم حق وتعبيره يقين ” (2 :37- 45) .

وبدراسة التاريخ نجد أن أقدم مملكة بعد الفراعنة هي المملكة البابلية وهي رأس من ذهب . بعد ذلك تأتي المملكة الفارسية وهي من الفضة . بعد ذلك المملكة المقدونية الإغريقية وهي من النحاس . بعد ذلك المملكة الرومانية وهي من الحديد . وهذه الأخيرة انقسمت إلى قسمين كبيرين : الشرقية والغربية ، وبعد ذلك تفتتت إلى ممالك أخرى . وبعد ذلك قامت دولة الإسلام التي ورثت هذه الممالك العظيمة وهي مملكة خرجت من الصحراء إذ أشير إليها بحجر قد قطع من جبل . وهذا الحجر قد قضى على تلك الممالك . إنه الإسلام الباقي إلى الأبد ، إذ يقول دانيال : ” وفي أيام هؤلاء الملوك يقيم إله السماوات مملكة لن تنقرض أبدًا وملكها لا يترك لشعب آخر وتسحق وتفنى كل هذه الممالك وهي تثبت إلى الأبد ” (1 : 44) .

لقد ولد محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في مكة المكرمة التي تحيطها الجبال من كل جانب ، ثم اختاره الله- سبحانه- نبيا ورسولا فتحقق الوعد فيه لإبراهيم وإسماعيل وتحقق تفسير دانيال فما هي غير سنوات حتى كان الإسلام هو القوة الظاهرة في العالم ، لم يمتد من النيل إلى الفرات فحسب إنما امتد من الصين شرقًا إلى الأندلس غربًا . إنه مهما حاول الحاقدون أن يطمسوا هذه المعالم فلن يستطيعوا أبدًا . لقد حاولت أنا شخصيًا لمدة خمسة عشر عامًا أن أحارب الإسلام ، ولكن الله سبحانه وتعالى قهرني ، فبدلا من أن أكون عونًا لسياسة استعمارية كضالع في الحركة التنصيرية في البلاد إذ بالله سبحانه يهديني إلى الإسلام وصيرني بفضله ونعمته أن أكون داعيًا للإسلام على خير وجه إن شاء الله ، فأذود عن الوطن وعن الدين وعن العروبة (1) .
_________
(1) العبارة الصحيحة أن يقال : « عن الإسلام وعن أرض الإسلام وعن لغة القرآن » . الناشر .

نبوة أشعياء المدينة المنورة :

بعد ذلك نذهب إلى (سفر أشعياء 42 : 11- 13) الذي يقول : ” لترفع البرية ومدنها صوتها ، الديار التي سكنها قيدار ؛ لتترنم سكان سالع من رؤوس الجبال ليهتفوا ، ليعطوا الرب مجدًا ويخبروا بتسبيحه في الجزائر .
الرب كالجبار يخرج . كرجل حروب ينهض غيرته . يهتف ويصرخ ويقوى على أعدائه ” .
وهنا نرى الرسول عليه الصلاة والسلام في المدينة المنورة ، إذ إن سالع جبل من الجبال القريبة من جبل أحد في المدينة المنورة . وقوله ” لتترنم سكان سالع ” إنما كان نبوءة عن استقبال الرسول بالأناشيد والهتاف فرحًا بمقدمه إلى المدينة . وهذا ما حدث فعلًا حين استقبله أهل يثرب بإنشادهم . طلع البدر علينا من ثنيات الوداع .

مكة المكرمة :
كذلك نجد في (سفر أشعياء 60 : 1-7) : ” قومي استنيري لأنه قد جاء نورك ومجد الرب أشرق عليك . لأنه ها هي الظلمة تغطي الأرض ، والظلام الدامس . أما عليك فيشرق الرب ومجده عليك يُرى فتسير الأمم في نورك والملوك في ضياء إشراقك . ارفعي عينيك حواليك وانظري . قد اجتمعوا كلهم جاءوا إليك . يأتي بنوك من بعيد وتحمل بناتك على الأيدي . حينئذ تنظرين وتنيرين ويخفق قلبك ويتسع لأنه تتحول إليك ثروة البحر ويأتي إليك غنى الأمم . تغطيك كثرة الجمال ، بكران مديان وعيفه كلها تأتي من شبا . تحمل ذهبًا ولبانا وتبشر بتسابيح الرب . كل غنم قيدار تجتمع إليك . كباش نبايوت تخدمك . تصعد مقبولة على مذبحي وأزين بيت جمالي ” .

إن النبوءة هنا تتحدث عن مكة المكرمة فقوله : ” قومي استنيري لأنه قد جاء نورك ” يشير إلى بداية الإشعاع بنور الإسلام ، بنور التوحيد من مكة المكرمة . وقوله : ” ها هي الظلمة تغطي الأرض ” ، إنما يعني الشرك الذي كان في بلاد العرب ، والمجوسية التي كانت في أرض فارس ، والوثنية الهندية في بلاد الهند ، والضلال والشرك الذي لحق بالنصرانية في بلاد الروم ومستعمراتها . لقد كان الظلام الدامس يغطي الأمم فعلًا . ولكن وسط هذا الظلام الدامس يبدأ نور الإسلام في الظهور من مكة المكرمة . وقوله : ” فتسير الأمم في نورك والملوك في ضياء إشراقك ” يعني أن العالم كله سوف يسمع صوت الحق وتسير الأمم والملوك إليك . إن بلاد العرب أرض قاحلة لا زرع فيها ولا ماء ، ولكن الله سبحانه سوف يجعل ثروة الأمم تتدفق عليها استجابة لدعوة سيدنا إبراهيم – عليه السلام – التي يقول فيها { رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ } . (1) .
_________
(1) سورة إبراهيم ، آية 37 .

لهذا جاءت ثروات الأمم لتتدفق على مكة المكرمة وعلى بلاد العرب .
وفي قوله ” تغطيك كثرة الجمال ” إشارة قوية إلى أن المراد هو بلاد العرب ثم عاصمتها مكة المكرمة التي يفد إليها الحجاج من كل حدب وصوب ووسيلتهم إليها هي الجمال ، لأن الأرض الصحراوية لا يقدر على السير فيها سوى الجمال . ثم هو يتحدث هنا عن نبايوت وقيدار وغيرهم ، وهم من أولاد إسماعيل – عليه السلام – حسبما جاء في (سفر التكوين 25 : 12-18) .

نبوات عيسى المعزي:

هذا ، ولقد استكمل الأستاذ إبراهيم خليل أحمد حديثه قائلًا : إن ما يجب أن أعول عليه كل التعويل- فضلًا عن النبوءات التي جاءت في العهد القديم- هو ما قاله السيد المسيح ، فنجد في إنجيل ( يوحنا 14 : 16-17) : ” أنا أطلب من الآب فيعطيكم معزيًا آخر ليمكث معكم إلى الأبد . روح الحق الذي لا يستطيع العالم أن يقبله لأنه لا يراه ولا يعرفه . وأما أنتم فتعرفونه لأنه ماكث معكم ويكون فيكم ” . وحين نذهب إلى العهد القديم نجد أن الله هو إله إبراهيم وإله إسحاق وإله يعقوب . ما اسم الله عندهم ؟ إنه : يهوه . لقد صوروه على أنه إله دموي يظهر في ظواهر طبيعية ورعود وبرق ونيران . إله يحارب ويدمر ويحرق بالنيران . هذا هو الإله الذي عرفه بنو إسرائيل إلى أن ظهر المسيح – عليه السلام – . لقد أرد المسيح أن يخفف من هذه الصفات التي نسبوها لله سبحانه وتعالى ، وكان اليهود أناسًا ماديين لم يرقوا بعد إلى الروحانية ، فشاء أن يعبر لهم عن الإله الرحمن الرحيم بقوله : ” قولوا أبانا الذي في السماوات ” . فرمز إلى الله بالأب على اعتبار أن الوالد كله حنان وإشفاق ورعاية لأولاده ولمن يرعاهم . ونجد في إنجيل ( يوحنا 14 : 25-26) : ” بهذا

كلمتكم وأنا عندكم . وأما المعزي الروح القدس الذي سيرسله الأب باسمي فهو يعلمكم كل شيء ولذكركم بكل ما قلته لكم ” . كذلك نجد في إنجيل ( يوحنا 15 : 26-27) ” ومتى جاء المعزي الذي سأرسله أنا إليكم من الآب روح الحق الذي من عند الآب ينبثق فهو يشهد لي . وتشهدون أنتم أيضا لأنكم معي من الابتداء ” . وفي إنجيل ( يوحنا 16 : 7- 11) : ” لكني أقول لكم الحق إنه خير لكم أن أنطلق . لأنه إن لم أنطلق لا يأتيكم المعزي . ولكن إن ذهبت أرسله إليكم . ومتى جاء ذاك يبكت العالم على خطية وعلى بر وعلى دينونة . أما على خطية فلأنهم لا يؤمنون بي وأما على بر فلأني ذاهب إلى أبي ولا ترونني أيضا . وأما على دينونة فلأن رئيس هذا العالم قد دين ” . وكذلك في إنجيل ( يوحنا 16 : 12- 14) : ” إن لي أمورًا كثيرة أيضا لأقول لكم ولكن لا تستطيعون أن تحتملوا الآن . وأما متى جاء ذاك روح الحق فهو يرشدكم إلى جميع الحق لأنه لا يتكلم من نفسه بل كل ما يسمع يتكلم به ويخبركم بأمور آتية ذاك يمجدني ” .

روح الحق :

إن كل هذه النصوص تأتي من إنجيل يوحنا ، ولنتناول الآن النص الأخير من عدد 12 إلى عدد 14 من (الإصحاح 16) فنرى أولًا أن التلاميذ ليسوا على . المستوى المطلوب لحمل مسؤولية الدعوة . إنه يقول : ” إن لي أمورًا كثيرة أيضا لأقول لكم ولكن لا تستطيعون أن تحتملوا الآن ” ، وذلك بالإضافة إلى قوله في إنجيل ( يوحنا 16 : 32) : ” هو ذا تأتي ساعة وقد أتت الآن تتفرقون فيها كل واحد إلى خاصته وتتركوني وحدي ” . من هذا نرى أن النبي الذي يأتي بعد المسيح قد وصفه بأنه روح الحق ومسؤوليته أن يرشدهم -أي سيرشد المسيحيين- إلى جميع الحق .
كذلك نجد المسيح – عليه السلام – يضع أصابعه في عيون المستشرقين الذين كفروا بنبوة محمد فيقول : ” لأنه لا يتكلم من نفسه بل كل ما يسمع يتكلم به ويخبركم بأمور آتية ” . وهذا ما تحقق في الرسول عليه الصلاة والسلام الذي تلقى الوحي عن الروح القدس جبريل – عليه السلام – وهذا ما يقوله القرآن الكريم . { وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى }{ إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى } . (1) .
_________
(1) سورة النجم ، الآيات 2 ، 3 .

وأما قوله : ” ويخبركم بأمور آتية ” فهذا يشير إلى عظمة الإسلام وعلو مصدره . إننا لو تصفحنا الإصحاحين الأول والثاني من سفر التكوين ، ثم نرجع إلى القرآن الكريم وهو يحدثنا عن الإعجاز العلمي الذي ما كان يستطيعه ذلك النبي الأمي الذي عاش في بيئة أمية في القرن السابع الميلادي ، بل ما كان يستطيعه أساطين العلم والحكمة من مختلف الأمم الراقية في ذلك الزمان ، لأدركنا شيئًا من عظمة القرآن الكريم . لنقرأ ما يقوله القرآن الكريم عن كيفية خلق الإنسان في بطن أمه ومراحله المختلفة التي يمر بها كما تقول سورة المؤمنون { وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ }{ ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ }{ ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ } . (1) .
إن هذه الأطوار التي يتقلب فيها الإنسان في بطن أمه هي ما حققه العلم الحديث ، وهي واحدة من البراهين على صدق هذا النبي الأمي .
_________
(1) سورة المؤمنون الآيات 12 ، 13 ، 14 .

ونجد في إنجيل ( يوحنا 15 : 26) : ” ومتى جاء المعزي الذي سأرسله أنا إليكم من الآب روح الحق الذي من عند الآب ينبثق فهو يشهد لي وتشهدون أنتم أيضا لأنكم معي من الابتداء ” .
لقد درست- ولله الحمد- اللغة اليونانية وذلك لمعرفة حقيقة العهد الجديد ، وكذلك درست اللغة العبرية لمعرفة حقيقة العهد القديم . فنجد في اللغة اليونانية أن كلمة ” المعزي ” المذكورة في إنجيل يوحنا هي باللغة اليونانية (بارقليط) ، وهذه الكلمة لها أربع معان هي : المعزي- المحمد- المحمود- الماحي .
لقد استعمل كتبة لأناجيل كلمة المعزي ، لماذا ؟ إنهم يمكرون ، { وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ } . ليكن ما كتبوه وهي كلمة المعزي . لكنها تعني في الحقيقة : المواسي .
إن معنى هذا أن المسيح يقول إن الآتي بعدي سيكون معزيًّا للقلة المؤمنة لأن العقيدة قد انحرفت من الطريق السوي إلى طرق مختلفة . فكأن المعزي هو المواسي . ولسوف نرى من خلال حديثي عن المجامع كيف ظهرت هذه المسألة . إن المعزي الذي جاء بعد المسيح جاء ليواسي أهل التوحيد الذين يقولون ” لا إله إلا الله ” ومنهم آريوس .

ولو استخدم كتبة الأناجيل- بدل كلمة المعزي- كلمة المحمد أو المحمود لكان هذا اعترافًا صريحا بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم . ولو استخدموا كلمة الماحي لكان ذلك اعترافًا صريحًا أيضا بصدق نبوة محمد . لماذا ؟ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام يقول : « لي خمسة أسماء (1) : أنا محمد ، وأنا أحمد ، وأنا العاقب ، وأنا الماحي الذي يمحو الله به الكفر ، وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمه » ، إن القرآن الكريم يقول في سورة الأعراف { الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ } . (2) .
_________
(1) أخرجه مالك في الموطأ 1 / 72 ، ومن طريقه البخاري في المناقب 4 / 162 ، عن ابن شهاب عن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه رضي الله عنه قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم . فذكره .
(2) سورة آل عمران ، آية 157.

حين مارست التبشير بين المسلمين ، والحق أقول لكم إني فعلت هذا في سابق عهدي قبل أن يهديني الله إلى الإسلام فقد كنت أتودد إلى المسلمين وأتقرب إليهم وأقول لهم إن القرآن الكريم يبين أن النصارى أهل مودة وأنهم أهل رأفة وأهل رحمة ، فلقد قال القرآن الكريم في سورة المائدة { وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ } (1) إن أي إنسان مسلم واع سيقول : يا أخي ؟ أنت لا تزال على نصرانيتك وتتكلم هكذا . يبدو أنك تلعب بالألفاظ . هل تؤمن حقًا بالقرآن ؟
إن القرآن الكريم قال { أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى } ، هو ذاته القرآن الذي قال { لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ } . قالها مرتين في الآيتين 17 ، 72 من سورة المائدة .
أضف إلى هذا شيئًا هامًا لا يتنبه إليه الكثيرون من المسلمين وهو أن القرآن قد تحدث عن قرينة المودة ولم يتحدث إطلاقًا عن قرينة العقيدة . وفرق كبير بين هذا وذاك .
_________
(1) سورة المائدة ، آية 82 .

المجامع المسكونية إن نظرة تاريخية سريعة على القرون الأولى للمسيحية ترينا أن النصرانية كانت بين شقي الرحى ، بين اضطهاد اليهود واضطهاد الوثنية الرومانية . وفي سنة 325 م ، كانت القسطنطينية قاعدة الدولة الرومانية الشرقية ولما كان أغلب رعايا الإمبراطور قسطنطين من المسيحيين ، وكان أغلب الوثنيين في حوزة روما في الغرب ، فلكي يقوي مركزه فإنه قرب المسيحيين إليه ، ولكن لما كانوا هم أنفسهم مختلفين حول المسيح فقد دعاهم إلى عقد مجمع لحسم هذه الخلافات العقائدية التي كان لها أثرها على إشاعة عدم الاستقرار في إمبراطوريته . لذلك عقد مجمع نيقية سنة 325 م ، وقد حضره 2048 أسقفًا من جميع أنحاء العالم وذلك لتحديد من هو المسيح . وقول كتاب ” تاريخ الكنيسة ” لمؤلفه هيستنج إن المجتمعين تناظروا معًا وكان بينهم آريوس واحد من العلماء ، وقد قال إن المسيح – عليه السلام – رسول الله ونبي الله هو إنسان وعبد من عباد الله . وقد تبع آريوس 1731 من الأساقفة المجتمعين . ولكن اثناسيوس الذي كان أصلًا شماسًا بكنيسة الإسكندرية انتهز هذه الفرصة فأراد أن يتقرب إلى قسطنطين الوثني وأعلن أن المسيح هو الإله المتجسد . لقد اتبع اثناسيوس

317 عضوا فقط من أعضاء المجمع . وبعد أن استعرض قسطنطين الآراء ، وكان لا يزال على وثنيته فإنه مال إلى رأي اثناسيوس لما فيه من عقيدة وثنية تؤمن بتجسيد الآلهة ونزولها من السماء ، فأقر مقالة اثناسيوس وطرد الأساقفة الموحدين وعلى رأسهم آريوس . وأخطر من هذا أنه قضى بحبس الكتاب المقدس فلا يسمح بتداوله بين الناس وأن يقتصر تعليم الدين على ما يقوم القساوسة بتلقينه للناس .
ومن عجب أن استمرت هذه البدعة الخطيرة سائدة في النصرانية ولم يخرج الكتاب المقدس من حبسه إلا في عام 1516 م ، على أيام لوثريوس . ذلك ما كان من أمر مجمع نيقية الذي كانت أخطر قراراته هي تأليه المسيح .

تعقيب الدكتور محمد جميل غازي ولقد عقب الدكتور محمد جميل غازي بقوله : لي تعقيب بسيط على قضية البشارات والتي أرجو أن ننتبه لها جيدًا ، وهي في ثلاثة نصوص .
لقد ورد في إنجيل ( لوقا 2 : 14) قوله عن تسبيح الملائكة : ” المجد لله في الأعالي وعلى الأرض السلام وبالناس المسرة ” .
كذلك ورد في (سفر التكوين 17 : 20) : ” وأما إسماعيل فقد سمعت لك فيه ، هأنا أباركه وأثمره وأكثره كثيرا جدًا . وأكثره اثني عشر رئيسًا يلد وأجعله أمة كبيرة ” .
كذلك ورد في إنجيل ( متى 11 : 13- 14) : ” لأن جميع الأنبياء والناموس إلى يوحنا تنبأوا . وإن أردتم أن تقبلوا فهذا هو إيليا المزمع أن يأتي ” .
ولنذهب الآن لدراسة النص الأول ، ولسوف أنقل هنا تعليقًا عليه لأحد المسيحيين الذين أسلموا وهو عبد الأحد داود الذي كان مطرانًا للموصل . لقد قدم سيادته بحثًا لغويًّا استنبط منه أن ميلاد المسيح كان بشارة بميلاد محمد ، وأورد من إنجيل لوقا ما يدل على ذلك : فقد جاء في إنجيل لوقا أنه عند مولد المسيح ظهر جمهور من الجنود السماوية للرعاة السوريين وأخذ هؤلاء الأملاك يترنمون بالنشيد الآتي :

” المجد لله في الأعالي وعلى الأرض السلام وبالناس المسرة ” .

وهذا هو النص الموجود في الترجمة العربية كثيرة الانتشار .
أما النص في الترجمة التي قامت بها ” جمعية التوراة-Bible Society ” فهو : ” الحمد لله في الأعالي . على الأرض سلامة . وفي الناس حسن رضى ” ويقول السيد عبد الأحد : إن هؤلاء الأملاك لم يتكلموا باللغة العربية ولو تكلموها ما فهم هؤلاء السوريون ، ولم يتكلموا كذلك بلغة غير لغة هؤلاء الرعاة ، لأن طبيعة الرعاة ألا يعرفوا لغات أجنبية لقلة ثقافتهم . وإذا كانت الأنشودة باللغة السوريانية لغة الرعاة ، فما هي كلمات الأنشودة بهذه اللغة وما ترجمتها الحقيقية وبخاصة الكلمتين : السلام أو سلامة ، والمسرة أو حسن الرضى ؟ وقبل أن يجيب سيادته على هذا السؤال يؤكد تأكيدًا قاطعًا أن ترجمة الكلمتين السوريانيتين : السلام أو سلامة ، والمسرة أو حسن الرضى ، إنما هي ترجمة خاطئة .

ويتساءل ما معنى ” على الأرض السلام أو سلامة ” ، وأي سلام شهدته الأرض منذ خلقها ؟ وقد دنسها أحد ابني آدم حين قتل أخاه في مطلع البشرية ، واستمر بعض أولاد آدم يقتلون إخوتهم دون توقف حتى العهد الحاضر ، وأصبح طبيعيًا للنوع البشري أن يعيش عيشة تكاد تكون مستمرة بين الفجائع الوخيمة والاختلافات والحروب التي جبلت عليها الطبيعة البشرية .
وأن ما يقال في هذه الجملة يقال كذلك في الجملة الأخرى : ” وبالناس المسرة ” أو ” وفي الناس حسن الرضى ” ، فأين المسرة التي رآها الناس وما قيمتها إذا قيست بالدموع والعرق والكفاح والآلام التي يعانيها الجنس البشري ؟ وأين حسن الرضى الذي أظهروه والأطماع لا تحد والكفاح لا يلين ؟ .
ومما يؤيد بطلان هذه الترجمة أن تولستوي المفكر الروسي الشهير كتب مؤلفًا عن الأناجيل الأربعة ورتب من الأربعة أناجيل إنجيلًا واحدًا رابطًا جمل الآيات المفيدة على زعمه بعضها ببعض . ولم يثبت تولستوي هذه الآية في إنجيله الشامل زاعمًا أنها من الآيات المعروفة التافهة ومن لغو القول .

وبعد هذا يورد السيد عبد الأحد الكلمتين الأصليتين وهما : ” إيريني- وأيادوكيا ” ويوضح ببحث لغوي طويل أن ” إيريني ” معناها الإسلام ، وأن (أيادوكيا) معناها أفعل تفضيل من الحمد أي أكثر الحمد أو أحمد .
والمعنى العام كما يراه هو : ” الحمد لله في الأعالي . أوشك أن يجئ الإسلام في الأرض . يقدمه للناس أحمد ” .
ويؤكد مرة أخرى أنه لو كان المقصود سلام بمعنى الأمن وعدم الحرب لاستعملت كلمة ” شام ” السوريانية أو ” شالوم ” العبرانية .
وأما بخصوص النصين الآخرين فسوف نجري عملية حسابية بسيطة تتعلق بما يعرف باسم ” حساب الجمل ” وهو حساب عرفه علماء بني إسرائيل واستخدموه في تفسيراتهم للتنبؤات . فهذه هي الحروف وما يقابلها من أعداد :
ي ط ح ز و هـ د ج ب أ 10 9 8 7 6 5 4 3 2 1 ر ق ص ف ع ص ن م ل ك 200 100 90 80 70 60 50 40 30 20 غ ظ ض ذ خ ث ت ش 1000 900 800 700 600 500 400 300 ولنرجع الآن للنص الثاني من النصوص الثلاثة السابقة وهو الذي يقول فيه الرب لإبراهيم : ” وأما إسماعيل فقد سمعت لك فيه . هأنا أباركه وأثمره وأكثره كثيرا جدًا . اثنا عشر رئيسًا يلد وأجعله أمة كبيرة ” .

إن كلمتي ” كثيرا جدا ” تقابلها في اللغة العبرية ” بماد ماد ” وكذلك كلمتي ” أمة كبيرة ” تقابلها في اللغة العبرية ” لجوي جدول ” . ولحساب القيمة العددية للكلمتين العبريتين ” بماد ماد ” نجدها كالآتي :
ب م أ د م أ د 2+ 40+ 1+4 +40 +1 + 4 = 92 وكذلك بحساب القيمة العددية للكلمتين العبريتين ” لجوي جدول ” نجدها كالآتي :
ل ج و ي ج د و ل 30+ 3+ 6+ 10 + 3+ 4+ 6+ 30= 92 والآن نحسب القيمة العددية لكلمة ” محمد ” فنجدها كالآتي :
م ح م د 40 + 8 + 40 + 4 = 92 إن هذا يبين وفق حسابات علماء بني إسرائيل في استخراج النبوءات ، أن بركة إسماعيل التي وعد الله بها إبراهيم ستظهر في شخص محمد .
بعد ذلك نذهب لدراسة النص الثالث الذي أورده إنجيل متى في قوله على لسان المسيح : ” لأن جميع الأنبياء والناموس إلى يوحنا تنبأوا . وإن أردتم أن تقبلوا فهذا هو إيلياء المزمع أن يأتي ” .
وبحساب القيمة العددية لكلمة ” إيلياء ” نجدها كالآتي :
أ ي ل ي أ ء 1 + 10 + 30 + 10 + 1 + 1 = 53 ثم بحساب القيمة العددية لكلمة ” أحمد ” نجدها كالآتي :

أ ح م د 1 + 8 + 40 + 4 = 53 إن هذا يبين مرة أخرى أن النبي الذي أعلن المسيح مجيئه من بعده – كما تبينها عبارته عن المستقبل بقوله ” المزمع أن يأتي ” -إنما هو ” أحمد ” . وهو واحد من الأسماء المشهورة للنبي محمد صلى الله عليه وسلم .
وصدق الله العظيم إذ يقول القرآن الكريم في سورة الصف { وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ } . (1) .
والآن أكتفي بهذا القدر وأترككم لحديث الأستاذ إبراهيم خليل أحمد .
_________
(1) سورة الصف ، آية 6 .

تكملة حديث الأستاذ إبراهيم خليل أحمد :
هذا وقد بدأ الأستاذ إبراهيم خليل أحمد تكملة حديثه فقال :
نأتي بعد ذلك إلى الآية الكريمة رقم 73 من سورة المائدة والتي تقول { لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ } .
مجمع القسطنطينية :

لقد حدث في مجمع القسطنطينية سنة 381 م ، أن قال مقدونيوس إن الروح القدسي ليس بإله بل إنه رسول من رسل الله . وقد شاع هذا بين المسيحيين في أنحاء الإمبراطورية الرومانية فلم يجدوا فيها بدعة ولا منكرًا . إلا أن الحاقدين أوعزوا إلى الملك أن يأمر بعقد مجمع ، فعقد مجمع القسطنطينية سنة 381 م ، وقد حضره 150 أسقفا ، علمًا بأن مجمع نيقية الذي عقد سنة 325 م قد حضره 2048 أسقفًا . لقد كان عدد الحاضرين في مجمع القسطنطينية صغيرًا جدًا إذا قورن بمجمع نيقية . وقد كانت حصيلة هذا المجمع الصغير أن الروح القدس هو إله من جوهر الله . إن القرآن الكريم يقول في سورة النساء { يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا } . (1) إن التثليث
_________
(1) سورة النساء ، آية 171 .

في حقيقته ليس إلا فلسفة ظهرت في مدينة الإسكندرية قبل ظهور المسيح عيسى بن مريم إذ كانت الفلسفة الأفلوطينية الحديثة تقرر أن المسيطر والمهيمن على العالم ثلاث قوى هي : العقل- اللوجوس- الروح . ومن هذه الفلسفة جاءت إضافة في إنجيل ( متى 28 : 19) : ” اذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعمدوهم باسم الآب والابن والروح القدس ” . ونجد في هامش الكتاب المقدس توضيحًا يقول : ” لم تكن هذه العبارة موجودة في النسخة الأصلية اليونانية ” .
ومما يؤكد أن هذه الإضافة مستحدثة قول المسيح لتلاميذه كما جاء في إنجيل ( متى 10 : 5-7) : هؤلاء الاثنا عشر أرسلهم يسوع وأوصاهم قائلًا : ” إلى طريق أمم لا تمضوا وإلى مدينة للسامريين لا تدخلوا . بل اذهبوا بالحَريِّ إلى خراف بيت إسرائيل الضالة . وفيما أنتم ذاهبون اكروزا قائلين إنه قد اقترب ملكوت السماوات ” قد حصر المسيح رسالة تلاميذه في بني إسرائيل ، وهو نفسه قد حصر رسالته في بني إسرائيل إذ قال في إنجيل ( متى 15 : 24) : ” أجاب وقال لم أرسل إلا إلى خراف بيت إسرائيل الضالة ” .

هذا ، وحين نستخدم العقل لمناقشة مشكلة التثليث نقول إنه لو وجد في ذات الله ثلاثة أقانيم ممتازة حقيقية كما يزعمون لكان الله مركبا . ولما كان المعروف بداهة أن كل مركب مفتقر إلى غيره فمعنى ذلك أن يكون الله محتاجًا ، وهذا باطل . ولو كان الاتحاد بين لاهوت الله وناسوته حقيقيًا كما يعتقدون لكان أقنوم الابن محدودًا ، وكل ما يكون قابلًا للزيادة أو النقصان محدث والمحدث لا يمكن أن يكون إلهًا لأن الله أزلي وليس بحديث .
إن القرآن يقول ، وقول الله هو الحق ، كما جاء في سورة الأنبياء { لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ } . (1) .

تأليه مريم :
_________
(1) سورة الأنبياء ، آية 22 .

وننتقل الآن إلى شبهة أخرى من الشبهات التي دخلت على الكنيسة وهي شبهة تأليه مريم العذراء . لقد كان أسقفًا يدعى نسطور كان بطريك القسطنطينية وقد قال : إن السيدة مريم العذراء إنما هي أم الإنسان يسوع المسيح وحاشا لها أن تكون أم الإله . وإن المسيح ذاته لم يكن إلهًا وإنما كان إنسانًا ملهمًا من الله . لقد انتشرت هذه العقيدة مما أدى إلى عقد مجمع في مدينة أفسس حضره مائتان من الأساقفة . وقرروا أنها والدة الإله . وفي هذا يقول القرآن الكريم : { وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ }{ مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ } . (1) .
يقول وول ديورانت في كتابه ” قصة الحضارة ” جزء11 صفحة 418 ما نصه :
_________
(1) سورة المائدة الآيتان 116 ، 117 .

” لما فتحت المسيحية روما انتقل إلى الدين الجديد- أي الدين المسيحي- دماء الدين الوثني القديم : لقب الحبر الأعظم ، وعبادة الأم العظمى ، وعدد لا يحصى من الأرباب التي تبث الراحة والطمأنينة في النفوس وتمتاز بوجود كائنات في كل مكان لا تدركها الحواس ، كل هذا انتقل إلى المسيحية كما ينتقل دم الأم إلى ولدها . وأسلمت الإمبراطورية المحتضرة أزمة الفتح والمهارة الإدارية إلى البابوية القوية . وشحذت الكلمة بقوة سحرها ما فقده السيف المسلول من قوته . وحل مبشرو الكنيسة محل الدولة . إن المسيحية لم تقض على الوثنية بل ثبتتها ، ذلك أن العقل اليوناني عاد إلى الحياة في صورة جديدة ، في لاهوت الكنيسة وطقوسها ونقلت الطقوس اليونانية الخفية إلى طقوس القداس الرهيبة ، وجاءت من مصر آراء الثالوث المقدس ويوم الحساب وأبدية الثواب والعقاب وخلود الإنسان في هذا أو ذاك . ومن مصر جاءت عبادة الأم الطفل ، والاتصال الصوفي بالله ذلك الاتصال الذي أوجد الأفلوطينية واللاأدرية وطمس معالم العقيدة المسيحية . ومن بلاد الفرس جاءت عقيدة رجوع المسيح وحكمه الأرض لمدة 1000 عام ” .

إن القرآن الكريم يقول { قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ } . (1) .
إن القرآن الكريم ينبئنا عما حدث داخل الكنيسة من انهيار في العقيدة وتعدد الآلهة وقبول العقائد الوثنية الفاسدة .

_________
(1) سورة المائدة ، آية 77 .

نشأة الكنيسة المصرية الأرثوذكسية لقد نادى الأسقف دسقورس بطريك الإسكندرية أن المسيح ذو طبيعة واحدة حيث يتلاقى في ذاته الناسوت باللاهوت فهو من جوهر الله بل هو الله المتأنس . لقد شاعت هذه العقيدة مما أدى إلى عقد مجمع خلقيدونية عام 451 م . ولقد قرر المجمع أن المسيح ذو طبيعتين هما طبيعة اللاهوت وطبيعة الناسوت التقتا في ذاته . ولقد كفر المجمع دسقورس وقرر نفيه عن الإسكندرية إلا أن المصريين لم يرضوا بغيره بديلًا ، الأمر الذي دفعهم إلى الانسلاخ من الكنيسة منشئين الكنيسة المصرية الأرثوذكسية . ولعل عوامل سياسية ساعدت على هذا الانفصال . ولقد استند ديسقورس إلى ما قاله ( بولس في رسالته الأولى إلى تيموثاوس 3 : 16) : ” عظيم هو سر التقوى ، الله ظهر في الجسد ” . لقد كانت رسائل بولس عبارة عن مواعظ يبثها بطريقته الخاصة ويجمعها أشتاتًا من هنا ومن هناك .
إن القرآن الكريم يقول الحق ولا يحابي ، بصرف النظر عما إذا كان ما يقوله يرضي الناس لأنه يتفق وما جبلوا عليه وورثوه ، أو كان لا يرضيهم .

إن الآيات 156-158 من سورة النساء تقول { وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا }{ وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا }{ بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا } .

الله يغفر الذنوب أيها الناس : لقد تكلمنا كثيرا في مسألة الصليب وبينا أن المسيح – عليه السلام – كان عنده سلطان أن يغفر . إن داود – عليه السلام – عندما كان يخطئ وهو نبي من الأنبياء كان يقول : ” لأن عندك المغفرة لكي يخاف منك ” . إن المغفرة عند الله سبحانه وتعالى . لقد جاء القرآن الكريم لينفي صلب المسيح تمامًا ، وإن ما يربط بين صلبه ومغفرة ذنوب البشر إنما هي خرافات . إن القرآن الكريم يقول في سورة الزمر { قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ } . (1) .
إن الله هو خالقنا وهو رازقنا وهو الذي يغفر ذنوبنا جميعًا . إن الله تعالى قريب من الإنسان . إنه يقول { وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ } . (2) .
_________
(1) سورة الزمر ، آية 53 .
(2) سورة البقرة ، آية 186 .

إن الله يقول لكل الناس في القرآن الكريم { وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ } . (1) وإذا كان الله أقرب للإنسان من نفسه فلماذا يقبل الإنسان وسيطًا بينه وبين الله أو أن ينتظر المغفرة من أحد غير الله .

نشأة المارونية بعد ذلك نذهب إلى مجمع القسطنطينية الذي عقد عام 680 م ، والذي كان سبب عقده ما نادى به الأسقف يوحنا مارون في عام 667 م ، بدعوى جديدة مضمونها أن المسيح ذو طبيعتين : طبيعة اللاهوت وطبيعة الناسوت في شخصه ولكنه ذو مشيئة واحدة هي مشيئة الله . ولم ترق هذه الدعوى في نظر البطاركة لذلك عقدوا مجمع القسطنطينية في عام 680 م ، وقد حضره 289 أسقفًا وقرروا أن المسيح ذو طبيعتين وذو مشيئتين إلا أن أهل الشام رفضوا قرارات هذا المجمع وتمسكوا بأسقفهم ثم انسلخوا عن الكنيسة الأم .
ما أريد أن أقوله إن كل هذا تضليل تعاقب خلال المجامع ، وكل مجمع يلغي قرارات سابقه ويصدر قرارات جديدة . وكل مجمع يدعي أن قراراته صدرت بإيحاء الروح القدس .

_________
(1) سورة ق ، آية 16 .

تقديس الصور بعد ذلك نذهب إلى مجمع نيس الذي عقد سنة 787 م ، وحضره 377 أسقفا قرروا فيه تقديس صور السيد المسيح وأمه العذراء مريم وكذلك صور القديسين . وهذا القرار يتنافى مع الشريعة الموسوية التي تقول في الوصايا العشر في (سفر الخروج 20 : 4- 5) : ” لا تصنع لك تمثالا منحوتًا ولا صورة ما مما في السماء من فوق وما في الأرض من تحت وما في الماء من تحت الأرض . لا تسجد لهن ولا تعبدهن ” .

نشأة كنيسة الروم الأرثوذكس بعد ذلك يأتي مجمع القسطنطينية عام 879 م ، الذي قرر أن الروح القدس انبثق من الله الآب ورفض قرارات مجمع القسطنطنية الذي سبق عقده عام 869 م ، والذي تقرر فيه أن الروح القدس منبثق من الآب والابن . وقد أعقب ذلك أن انسلخت كنيسة القسطنطينية عن الكنيسة الأم وأطلقت الكنيسة اليونانية على نفسها كنيسة الروم الأرثوذكس ، وهي لا تعترف لبابا روما بالسيادة .

البابا وحق الغفران ثم عقد بعد ذلك مجمع الأساقفة الذي تقرر فيه أن بابا روما يملك حق الغفران ثم جاء وقت أفرط فيه رجال الكنيسة في منح الغفران إفراطًا شديدًا حتى أنشأوا لها صكوكًا عرفت باسم ” صكوك الغفران ” التي جاء فيها ما نصه : ” أنا بالسلطان الرسولي المعطى لي أحلك من جميع القصاصات ومن جميع الإفراط والخفايا والذنوب التي ارتكبتها مهما كانت عظيمة وفظيعة ومن كل علة ، وأردك ثانية إلى الطهارة والبر سنين طويلة تبقى معموديتك ، وإذا امتد عمرك بعد ذلك سنين طويلة تبقى هذه النعمة غير متغيرة حتى تأتي ساعتك الأخيرة ” .
لقد كان صك الغفران هذا يشترى بالثمن .
ولهذا كان للبابا ورجاله سلطة مغفرة خطايا البشر .

بولس وخطاياه الجسدية يقول بولس في رسالته إلى أهل رومية (7 : 14- 25) : ” فإننا نعلم أن الناموس روحي وأما أنا فجسدي مبيع تحت الخطية لأني لست أعرف ما أنا أفعله إذ لست أفعل ما أريده بل ما أبغضه فإياه أفعل . فإن كنت أفعل ما لست أريده فإني أصادق الناموس أنه حسن . فالآن لست بعد أفعل ذلك أنا بل الخطية الساكنة فيَّ . فإني أعلم أنه ليس ساكن في أي من جسدي شيء صالح . لأن الإرادة حاضرة عندي وأما أن أفعل الحسنى فلست أجد . لأني لست أفعل الصالح الذي أريده بل الشر الذي لست أريده فإياه أفعل ، فإن كنت ما لست أريده إياه أفعل فلست بعد أفعله أنا بل الخطية الساكنة فيَّ . إذ أجد الناموس لي حينما أريد أن أفعل الحسنى أن الشر حاضر عندي . فإني أسر بناموس الله بحسب الإنسان الباطن ولكني أرى ناموسًا آخر في أعضائي يحارب ناموس ذهني ويسبيني إلى ناموس الخطية الكائن في أعضائي . ويحي أنا الإنسان الشقي . من ينقذني من جسد هذا الموت . أشكر الله بيسوع المسيح ربنا إذا أنا نفسي بذهني أخدم ناموس الله ولكن بالجسد ناموس الخطية ” .

إن بولس هنا يعترف بخطاياه البشرية ويبين أن فكرة الصليب لم تستطع مقاومة الخطية التي ستظل تعمل في الإنسان .

ظهور لوثر نذهب بعد ذلك إلى مجمع ورمز عام 1521 م ، حين ظهر لوثر وندد بصكوك الغفران ، وأنه لا عصمة للبابوية ، وأن كلام البابا غير مقدس ، وفضح الفساد الذي استشرى في الأديرة ، وقال إن الله واحد أحد . فعقد هذا المجمع الذي حضره البابا وأمر بحرقه ، فاختطفه الشباب الألماني في اللحظات الأخيرة وقرروا الانسلاخ عن الكنيسة البابوية منشئين لأنفسهم كنيسة البروتستانت . وقد حدثت حروب فظيعة بين الكاثوليك والبروتستانت ولم ينقذ الأخيرين إلا اكتشاف أمريكا وهجرتهم إليها . .
لقد خالف البابوات أمر المسيح – عليه السلام – الذي حينما اختار تلاميذه ، فإنه قال لهم : ” لا تقتنوا ذهبًا ولا فضة ولا نحاسًا في مناطقكم . ولا مزودًا للطريق ولا ثوبين ولا أحذية ولا عصا لأن الفاعل مستحق طعامه ” . لكن البابوية دولة غنية مترفة تعيش في الذهب والمال وهو الأمر الذي لا يتفق وتعاليم السيد المسيح – عليه السلام – .

بعد هذا جاء الإسلام ليبين الحق ويخاطب أهل الكتاب في روية ورفق كما تقول الآيات الأولى من سورة المائدة { يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ }{ يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ } . (1) .
أيها الأحباب : الحمد لله أن كانت هذه هي المعالم الرئيسية التي استطعت أن أطمئن إليها وأعلن إسلامي على الرغم مما تعرضت له من أذى واضطهاد كثير . فلم أتزعزع بإذن الله لأني وصلت إلى اليقين . وفي يوم 25 ديسمبر سنة 1959 م ، أبرقت برقية إلى الإرسالية الأميريكية في مصر وقلت لهم لقد آمنت بالله الواحد الأحد وبمحمد رسولا ونبيًا . أما شبهة تأليه المسيح فإن الأناجيل لا تزال تؤكد أن المسيح نادى بالتوحيد كما جاء في إنجيل ( يوحنا 17 : 3) : ” هذه هي الحياة الأبدية أن يعرفوك أنت الإله الحقيقي وحدك ، ويسوع المسيح الذي أرسلته ” .
_________
(1) سورة المائدة ، 14 ، 15 .

وختامًا أقول : { رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ }{ رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ } . (1) .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
_________
(1) سورة آل عمران ، الآيتان 8 ، 9 .

مقالات أخرى للكاتب

مشاركة

فيسبوك
تويتر
واتس
تيليجرام
Pinterest
Print

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

On Key

كتب من المكتبة ذات علاقة