مناظرة بين الإسلام والنصرانية- الجزء الرابع

الجلسة السادسة
حديث الأستاذ الدكتور محمد جميل غازي .
المسيح . . الإله .
الصلب والفداء .
التفرقة العنصرية.
حقيقة الكتاب المقدس . . وحقيته .
حديث عن الإسلام.
النبي الخاتم .
دعوة المسيح دعوة خاصة.
عموم الرسالة المحمدية.
الصادق الأمين.
المعجزات الحسية.
الجهاد في الإسلام.
العرب في الأسفار المقدسة.
الوثائق تتكلم .
تعدد الزوجات .
تعدد زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم .
نظرات في الكتاب المقدس .
النسخ .
القرآن الكريم والكتب السوالف .
الحواريون .
الخمر .
الخنزير .
الروح القدس .
كلمة الله .
المشركون والمسجد الحرام .
خاتمة . لتتبعن سنن من كان قبلكم .
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبينا محمد خاتم المرسلين ، وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين . ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
أما بعد :
فإني أقدم بين يدي حديثي معكم- أيها الإخوة الأحبة- بآيات بينات من القرآن الكريم ، إذ يقول ربنا سبحانه وتعالى في آخر سورة الفتح :

{ لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا }{ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا }{ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا } . (1) .
_________
(1) سورة الفتح الآيات 27 – 29 .

ويدور حديثي معكم في هذه الليلة ، حول (الأسئلة الدينية الإسلامية) وهي أسئلة -كما ترون- كثيرة ومتشعبة ، لكنني أحاول قدر الطاقة ، وحسبما يتسع له الوقت ، أن أجملها إجمالا ، وألم بها إلمامًا سريعًا .
لقد جاء الدور لمناقشة الأسئلة الإسلامية ، بعد أن فرغنا تمامًا من مناقشة الأسئلة المسيحية ، وذلك أمر منطقي ، لأنه من المفيد والهام أن نبدأ بالجزء المسيحي المطروح فنناقشه مناقشة موضوعية علمية . حتى إذا فرغنا منه بدأنا بالجانب الإسلامي!
ولقد كان ذلك . . .
فإنه على الرغم من أن الأسئلة الخاصة بالدين المسيحي ، كانت قليلة ، وكان عددها محدودًا ، إلا أننا حولناها إلى دراسات علمية واسعة ، استغرق عرضها خمسة أيام كاملة ، كما رأيتم ، وشاهدتم ، وسمعتم!!
وإنما فعلنا هذا ، لكي نعطي السائلين ، والمستمعين أجمعين ، فرصة التعرف والمتابعة والدراسة للموضوعات كلها ، من أولها إلى آخرها متابعة دقيقة وعميقة!

وكان في وسعنا منذ البدء أن نخطط للإجابة بمنهج مغاير ، فننهي الموضوع كله ، بأسئلته كلها في فترة وجيزة! إلا أن ذلك كان سيتم -لو أريد له أن يتم- بأسلوب الإجابة الموجزة المباشرة على كل سؤال . . وهو أسلوب لا يفيد المتتبع للقضايا العلمية ، وبخاصة إذا كانت قضايا هامة تتصل بهدم دين ، وقيام دين!
إن هدم دين كامل لا يمكن أن يحدث بجرة قلم . .
وإن قيام دين كامل لا يمكن أن يحدث بجرة قلم ، أيضا . . !
لأن الديانات ليست مسائل سهلة أو سطحية . . إنها دم ، إنها تاريخ ، إنها كيان ، إنها حياة ، إنها دنيا ، إنها آخرة ! ! !
ولا أتصور ، أنا- ولا تتصورون أنتم- أنه من الممكن أن يلغي الإنسان (كيانه الديني) في جلسة واحدة . . ثم ينتقل بقفزة واحدة من دين إلى دين . . من واقع يعيشه ، إلى واقع آخر ينبغي أن يعيشه!
لهذا رأيت . . .
– ورأى معي المشاركون في هذا اللقاء ، أن نبدأ باستعراض (المقررات النصرانية) وإن كنا نقرر- سلفًا- أن الديانة النصرانية ، ديانة مختصرة ، إذ أن قضاياها تكاد تنحصر في مسألة أو مسألتين هما عمادها وأساسها!

فإذا ما نوقشت هاتان المسألتان ، وثبت بطلانهما ، فإن هذه الديانة بكل مقولاتها ومنقولاتها تتهاوى وتنهار!

المَسِيح . . الإله !

أما المسألة الأولى ، فهي القول بألوهية المسيح ، أو بكونه واحدًا من الأقانيم الثلاثة التي تكون الإله الواحد كما تصوره الأسطورة الصليبية!
ولقد ناقشنا هذا الموضوع مناقشة واسعة . . . وبينا أن هذا الفكر إنما هو فكر وثني عاش في خلد الوثنيات القديمة ، التي صورت لنفسها ، أو صور لها الكهنوت ، أن لله ابنًا ، أو أن له أبناء . . .
والوثنيات القديمة التي شاركت في صياغة هذا الإفك ، – أو الشرك- هي : الوثنيات المصرية ، والإغريقية ، والرومانية ، والهندية ، والعربية . . وما إليها من وثنيات تواصت بالفكر ، والخرافة!!

ونقدم لهذا نموذجًا فيه مقارنة بين المسيحية والمثراسية (1) .
ويقول روبرتسون 338 . p pagan and christ : Ropertson ميثراس ، هذه الديانة فارسية الأصل ، وقد ازدهرت في بلاد فارس قبل الميلاد بحوالي ستة قرون ، ثم نزحت إلى روما حوالي عام 70 م . وانتشرت في بلاد الرومان ، وصعدت إلى الشمال حتى وصلت إلى بريطانيا وقد اكتشفت بعض آثارها في مدينة يورك ، ومدينة شستر وغيرها من مدن إنجلترا وتذكر هذه الديانة أن :
ميثراس كان وسيطا بين الله والناس .
كان مولد ميثراس في كهف أو زاوية من الأرض .
وكان مولده في الخامس والعشرين من ديسمبر .
كان له اثنا عشر حواريا .
مات ليخلص البشر من خطاياهم .
دفن ولكنه عاد للحياة بقيامته من قبره .
صعد إلى السماء أمام تلاميذه وهم يبتهلون له ويركعون .
كان يدعى مخلصا ومنقذًا .
ومن أوصافه أنه كان الحمل الوديع .
وفي ذكراه كل عام يقام العشاء الرباني .
ومن شعائره التعميد Baptism .
واعتبار يوم الأحد يوم العبادة يوما مقدسا .
ويقول روبرتسون إن ديانة ميثراس لم تنته في روما إلا من بعد أن انتقلت عناصرها الأساسية إلى المسيحية على هذا النحو .
الديانة المسيحية
_________
(1) روبرتسون: المسيحية والوثنية . ص338.

الديانة الميثراسية المسيح وسيط بين الله والناس : ” وليس يأخذ غيره الخلاص لأن ليس اسم آخر تحت السماء قد أعطي بين الناس ربه ينبغي أن نخلص ” (أعمال الرسل 4 : 12) . ميثراس وسيط بين الله والناس . ولد في مذود البقر : ” فولدت ابنها البكر وقمطته وأضجعته في المذود ” . (إنجيل لوقا 2 : 7) . مولده في كهف . يحتفل الغربيون بمولد المسيح في يوم 25 ديسمبر . مولده في يوم 25 ديسمبر . كان له اثنا عشر حواريا : ” ثم دعا تلاميذه الاثني عشر وأعطاهم سلطانا على أرواح نجسة حتى يخرجوها ويشفوا كل مرض وكل ضعف ” . ( إنجيل متى 10 : 1 ) . كان له اثنا عشر حواريا . مات ليخلص العالم ، هكذا كانت تعاليم بولس : ” إن المسيح مات من أجل خطايانا حسب الكتب) (كورنثوس الأولى 15 : 3) . مات ليخلص العالم . دفن وقام في اليوم السادس ، هكذا كانت تعاليم بولس : ” أنه دفن وأنه قام في اليوم السادس حسب الكتب ” (1 كو 15 : 4 ) . دفن ولكنه عاد للحياة . صعد إلى السماء أمام تلاميذه : ” ولما قال هذا ارتفع وهم ينظرون وأخذته سحابة عن أعينهم ” (أعمال الرسل 1 : 9 ) . صعد إلى السماء أمام تلاميذه . خلع عليه بولس لقب المخلص والمنقذ : ” منتظرين الرجاء

المبارك وظهور مجد الله العظيم ومخلصا يسوع المسيح ” . (تيطس 2 : 13) . كان يدعى مخلصا ومنقذا . وصفه يوحنا المعمدان بحمل الله الوديع : ” وفي الغد نظر يوحنا يسوع مقبلا إليه فقال هو ذا حمل الله الذي يرفع خطية العالم ” . (إنجيل يوحنا 1 : 29) . ومن أوصافه أنه حمل الله الوديع . رسم بولس العشاء الرباني قائلًا : ” . . أخذ خبزا وشكر فكسر وقال خذوا كلوا هذا هو جسدي المكسور لأجلكم اصنعوا هذا لذكري . . ” . (1 كو 11 : 23-25) رسم العشاء الرباني . رسم المعمودية / بدأت بداية صحيحة : ” وأمر ( بطرس ) أن يعتمدوا باسم الرب ” (أعمال الرسل 10 : 48) وانتهت بالتثليث : ” وعمدوهم باسم الآب والابن والروح القدس ” . (متى 28 : 19) . رسم المعمودية . تقديس يوم الأحد : ” وبعد السبت عند فجر أول الأسبوع ” . (متى 28 : 1) مع أن الوصية الرابعة تقرر تقديس يوم السبت إذ تقول : ” اذكر يوم السبت لتقدسه . . ” (خروج 20 : 8-11) . تقديس يوم الأحد .

ولقد واجه القرآن الكريم ، هذه الوثنيات وناقشها وهي وثنيات تتشابه وتتشابك في الشكل والموضوع .
فسجل كفر النصارى وقولهم إن المسيح هو الله ، أو ابن الله ، أو ثالث ثلاثة ، قال تعالى { لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا } . (1) .
_________
(1) سورة المائدة ، آية 17 .

{ لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ }{ لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ }{ أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ }{ مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآيَاتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ } . (1) .
– وقد ذكرت هذه الآيات :
_________
(1) سورة المائدة الآيات 72 -75 .

1- إن المسيح – عليه السلام – لا يعدو أن يكون رسولا من رسل الله الذين خلوا من قبل . وكذلك محمد صلى الله عليه وسلم ، فلقد قال الله عنه كذلك { وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ } . (1) .
2- وأن أمه- عليها السلام- لا تعدو أن تكون صديقة ، فهي ليست بنبية { وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ } .
3- ثم قال { كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ } وهذا من أظهر الصفات النافية للألوهية ، لأن الآكل في حاجة إلى ما يدخل جوفه ليشبعه من جوع ، وكذلك هو في حاجة إلى أن يخرج ما في جوفه من الفضلات ليتخلص من الأذى .
_________
(1) سورة آل عمران ، آية 144 .

وإذا كان القرآن الكريم قد نفى الألوهية عن المسيح – عليه السلام – ، فقد أثبت له العبودية ، كما قال تعالى { وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ }{ وَقَالُوا أَآلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ }{ إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلًا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ } . (1) وأخبر- سبحانه وتعالى- أن أول كلمة نطق بها المسيح وهو في المهد ، هي الإقرار بعبوديته لله- قال تعالى { فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا }{ قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا }{ وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا } . (2) .
ويقول الرسول الخاتم – صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين- عن أبي هريرة رضي الله عنه :
_________
(1) سورة الزخرف ، آية 59 .
(2) سورة مريم ، الآيات 29 – 31 .

« يقول الله عز وجل : كذبني ابن آدم ، ولم يكن له ذلك ، وشتمني ابن آدم ولم يكن له ذلك . فأما شتمه إياي فقوله : اتخذ الله ولدًا ، وأنا الأحد الصمد ، ولم ألد ، ولم أولد ، ولم يكن لي كفوًا أحد . وأما تكذيبه إياي ، فقوله : لن يعيدني كما بدأني ، وليس أول الخلق بأهون علي من إعادته » .
وإذا كان القرآن الكريم ، قد ناقش (الثالوث النصراني) فلقد ناقش (الثالوث) بكل صوره وتصوراته . .
وإذا كان القرآن الكريم قد ناقش (البنوة اللاهوتية النصرانية) فلقد ناقش (البنوة الوثنية) في كل أطوارها وتطوراتها!
فهو يقول عن الوثنيين العرب ، وعن غيرهم من الوثنيين :
{ وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ } . (1) .
{ أَفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ إِنَاثًا إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلًا عَظِيمًا } (2) .
_________
(1) سورة الأنعام ، آية 101 .
(2) سورة الإسراء ، آية 40 .

{ فَاسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبِّكَ الْبَنَاتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ }{ أَمْ خَلَقْنَا الْمَلَائِكَةَ إِنَاثًا وَهُمْ شَاهِدُونَ }{ أَلا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ }{ وَلَدَ اللَّهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ }{ أَاصْطَفَى الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِينَ }{ مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ }{ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ }{ أَمْ لَكُمْ سُلْطَانٌ مُبِينٌ }{ فَأْتُوا بِكِتَابِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ }{ وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ }{ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ } . (1) .
_________
(1) سورة الصافات الآيات 149- 159 .

{ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا }{ لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ } . (1) .
{ وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ }{ اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ } . (2) .
_________
(1) سورة النساء ، الآيتان 171 – 172 .
(2) سورة التوبة ، الآيتان 30 – 31 .

وقوله تعالى { يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ } إشارة بليغة معجزة إلى قصة الوثنيات القديمة الممتدة عبر العصور والدهور ، تلك الوثنيات التي آلت بتركتها المثقلة بالخرافة والشعوذة والكهانة إلى (الصهيونية العالمية) و (الصليبية العالمية) .
وهذه واحدة من لفتات القرآن الكريم الرائعة ، وإشاراته البارعة . . إنه يضع أيدينا على الحقائق كاملة سافرة ، في غير ما التواء أو غموض!
وهكذا نجد القرآن الكريم دائما ، معجزًا وهاديًا ، في كل ما يقوله أو يقرره . . لا يقول إلا حقا ، ولا ينطق إلا صدقًا!
كم . . وكم من المرات ، خرجت البشرية على القرآن ، فقالت ما شاءت من المقولات بعيدًا عن هداه ، وتصورت- ما أراد لها الهوى- من تصورات في منأى عن وصاياه . .
ثم . . ماذا ؟
ثم ثبت- علميا وعقليًا- فساد مقولاتها وتصوراتها . . !
وبقيت (المقررات القرآنية) ثابتة كالجبال الشم الرواسي ، لا تتزلزل ولا تتزعزع!! ويعود الناس إلى القرآن- شاءوا أو أبوا- دارسين باحثين ، متأملين!!
من كان يصدق أن (الأكليروس) في هذا الزمان ، يقابل حقائق القرآن بهذا التقدير والإعجاب ؟ !

من كان يصدق أن لغة (أكليروس القرون الوسطى) قد أخرست إلى الأبد ؟ !
لقد كان عمل هذا (الأكليروس) الدائب ، هو محاولة تشويه جمال الإسلام ، والإساءة إليه . . وتفريخ الأكاذيب والنحل الفاسدة لصد الناس عنه !!
حتى قال . . . وما أسخف ما قال :
إن المسلمين إنما حرموا الخمر والخنزير ، لأن نبيهم في آخر حياته شرب الخمر حتى سكر ، فجاءته الخنازير فقتلته .
من كان يصدق أن عقلية (الأكليروس) القديمة تنفتح هذا الانفتاح ، وتنتقل هذه النقلة السريعة من طرف النقيض إلى طرفه الآخر ؟
فنجد بيوت الطباعة – في أوروبا الصليبية- وبيوت العلم ، وبيوت الثقافة ، والأكاديميات ، والجامعات ، بل وإرساليات التبشير ، تدرس الإسلام ، وتعجب به ، وتكتب عنه .
بل إن الكتب الإسلامية العظيمة ألفت ، وصدرت من هناك . . من (ألمانيا) وغيرها من البلدان . . !
إن أكبر معجم في الحديث النبوي أصدره الألمان . .
وإن أول طبعة للمصحف ظهرت هناك . . !
من كان يصدق أن جامعات العالم الأوروبي تعكف على دراسة العقيدة الإسلامية والشريعة الإسلامية ، والفقه الإسلامي ، بل وتمنح درجاتها العلمية . . وعلى أرقى مستوى في جزئية صغيرة من جزئيات الثقافة الإسلامية !! ؟

الصلب والفداء :

وإذا كنا قد ناقشنا في الأيام الخمسة الماضية قضايا (الثالوث) ، (الأقانيم) و(الإله المولود) فلقد ناقشنا في هذه الأيام الخمسة أيضا (قضية الصلب والفداء) وهي قضية عجيبة غريبة ، شائكة ومتشابكة ، لا ندري ما سرها ، وما الهدف منها ؟ كل ما ندريه أنها أسطورة في المبدأ ، وأسطورة في النتيجة .
ما سر هذه المسرحية الغامضة المملة التي بدأت بالتآمر على المسيح – عليه السلام – ، ثم بمحاكمته ، ثم بصلبه -كما يزعمون- ثم بدفنه- ثم بنزوله إلى الجحيم ، ثم بخروجه في قيامة الأموات!!
لماذا هذا كله ؟
لماذا جعلوه إلهًا ، أو ابن إله وصلبوه ؟
إن القرآن الكريم يتحدث عن (قضية الصلب) هذه وينفيها نفيًا مؤكدًا ، فهو يقول :

{ فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآيَاتِ اللَّهِ وَقَتْلِهِمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا }{ وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا }{ وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا }{ بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا }{ وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا } . (1) .
ولكن . . .
لماذا ينفي القرآن الكريم صلب المسيح ؟
أو بعبارة أخرى . . هل المسيح منزه عن القتل أو الصلب ؟
والجواب : لا . . .
فإن القرآن الكريم تحدث عن الرسول الخاتم صلى الله عليه وسلم ، فقال :
_________
(1) سورة النساء ، الآيات 155- 159 .

{ وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ } . (1) .
فمحمد صلى الله عليه وسلم من الممكن أن يموت ، ومن الممكن أن يقتل أو يصلب ؟ !
وإنما نفى القرآن الكريم حادثة الصلب هذا النفي اليقني المؤكد الذي لاشك فيه . . ليقرر خيبة أمل اليهود . . . !
فهم ، يحاسبون في الآخرة ، على أنهم قتلة المسيح ، وإن لم يقتلوه !!
كيف ؟
إن الله سبحانه وتعالى سجل عليهم عدة أمور :
أولها : أنهم أصحاب (سوابق) في جريمة قتل الأنبياء . . . ! { وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ } . ثانيها : سبق الإصرار والترصد ، كما في قوله { وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا } .
ثالثها : الاعتراف- وهو سيد الأدلة- { وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ } .
وإذا كان الصلب في حد ذاته أسطورة . . يعتريها الغموض والتناقض من كل أبعادها . . !
فإن ما يترتب على الصلب أسطورة أخرى . . . !
تلك هي أسطورة (ابن الله الفادي) أو (المخلِّص) . . . !
_________
(1) سورة آل عمران ، آية 144 .

وهذه المقولة . . . الغير معقولة ، لا تصلح أساسا للتعامل البشري . . . إذ إنها تنفي (المسؤولية الشخصية) فكيف ارتضاها الله سبحانه ، لكي تكون سنته في التعامل مع البشر ؟
وتصوروا معي . . .
لو أن واحدًا من البشر ، ذهب إلى المحكمة متلبسا بجريمة قتل . . يده ملوثة بالدم . . وثبتت إدانته من كل وجه . . واعترف بأنه القاتل !!
أفيحق له ، أو لمحاميه ، أن يدافع قائلًا :
أنا قتلت حقًا ، وأنا الذي اقتدته إلى ذلك المكان المهجور ، وذبحته . . . ولكن (فلانًا) من الناس ، أو من غير الناس . . . يتحمل عني هذه المسؤولية ، فحاكموه هو . . . وحاسبوه هو . . .
هل هذا يجوز في عرف البشر ، وفي منطق البشر ؟
فإذا كان البشر لا يرضونه لقضائهم ولا لقضاتهم- مع أن قضاء البشر يحيط به القصور من كل جانب- أفيجوز ذلك أمام عدالة الله سبحانه وتعالى ؟

أنرفض أن يكون في قضائنا محسوبيات أو وساطات أو امتيازات أو صرخات عرق . . . ثم نقبل بالنسبة لله- وعز في علاه- أن يكون قضاؤه قضاء وساطة ومحسوبية ، وامتياز في الدم أو الجنس أو اللون أو العنصر ؟ أفترض أن يكون ربنا- سبحانه- ربًا لفريق يحبه ويحنو عليه ، ضد فريق يبغضه ويلعنه . . . لا لسبب إلا لاختلاف الدم والجنس ؟
أفترض أن يكون ربنا ربًا لإسرائيل . . .
ثم ينبذ الكنعانيين ومن عداهم . . .
وأنقل لكم من (الإنجيل) المتداول اليوم هذا الحديث والحدث بحروفه وانفعالاته :
” وإذا امرأة كنعانية خارجة من تلك التخوم صرخت إليه قائلة ارحمني يا سيد يا ابن داود ، ابنتي مجنونة جدًا ، فلم يجبها بكلمة ، فتقدم تلاميذه ، وطلبوا إليه قائلين ، أصرفها لأنها تصيح وراءنا ، فأجاب وقال : لم أرسل إلا إلى خراف بيت إسرائيل الضالة ، فأتت وسجدت له قائلة يا سيد أعني ، فأجاب وقال : ليس حسنًا أن يؤخذ خبز البنين ويطرح للكلاب ، فقالت : نعم يا سيد ، والكلاب أيضا تأكل من الفتات الذي يسقط من مائدة أربابها ، (إنجيل متى 15 : 21-27) .

فهذا المسيح كما تصوره (الأسطورة النصرانية) عندما تأتيه امرأة تطلب منه أن يدعو لابنتها لكي تشفى مما هي فيه- يقول لها : ” ليس حسنًا أن يؤخذ خبز البنين ويطرح للكلاب ” .
سبحان الله . . .
أهذا هو المسيح الإله الذي يعبده النصارى ؟ ! برأ الله المسيح . . . البشر الإنسان الرسول ، من كل ما يفتريه دجال ، أو كاهن ، أو جهول!!

التفرقة العنصرية إن هذا الفهم ، وهذا السلوك ، هو البدء الحقيقي (للتفرقة العنصرية) التي تدين بها أوروبا ، وأمريكا اليوم . .
إن أول من نادى بالتفرقة بين البشر وفقًا للألوان ، هو الكتاب المقدس ذاته وليست أمريكا!!
لم تكن أمريكا هي رائدة التفرقة العنصرية . . . وإنما رفعت شعاراتها ، وكان بيدها نصوص مقدسة من الكتاب المقدس!
أليس الكتاب المقدس هو الذي حكم على الجنس الأسود كله باللعنة ، لأنهم أولاد حام ؟
يقول الكتاب المقدس :

” وكان بنو نوح الذين خرجوا من الفلك سامًا وحامًا ويافث ، وحام هو أبو كنعان ، وهؤلاء الثلاثة هم بنو نوح ، ومن هؤلاء تشعبت كل الأرض . وابتداء نوح يكون فلاحًا وغرس كرما وشرب من الخمر فسكر وتعرى داخل خبائه ، فأبصر حام أبو كنعان عورة أبيه ، وأخبر أخويه خارجًا ، فأخذ سام ويافث الرداء ووضعاه على أكتافهما ومشيا إلى الوراء ، وسترا عورة أبيهما ووجهاهما إلى الوراء ، فلم يبصرا عورة أبيهما . فلما استيقظ نوح من خمره علم ما فعل به ابنه الصغير . فقال : ملعون كنعان عبد العبيد يكون لإخوته ، وقال : مبارك الرب إله سام ، وليكن كنعان عبدًا لهم فيفتح الله ليافث فيسكن في مساكن سام ، وليكن كنعنان عبدًا لهم ” (سفر التكوين 9 : 18-27) .
بل تروي التوراة عن سارة زوجة إبراهيم – عليه السلام – أنها قالت له :

” اطرد الجارية وابنها لأن ابن هذه الجارية لا يرث مع ابني إِسحق ” (تكوين 21 : 10) . ” فقبح الكلام جدًا في عيني إبراهيم لسبب ابنه ” (تكوين 21 : 11) وقد اقتبس بوليس هذا النص لإشعال العنصرية بين الناس فقال : ” لكن ماذا يقول الكتاب اطرد الجارية وابنها لأنه لا يرث ابن الجارية مع ابن الحرة إذًا أيها الأخوة لسنا أولاد جارية بل أولاد الحرة ” (غلاطية 4 : 30 ، 31) .
ولا تزال حكومة جنوب إفريقيا تعتمد على ما جاء في سفر التكوين- الذي يصف أحد أبناء حام (وهو كنعان )- كما أسلفنا- بأنه عبد العبيد ، لتبرير سيطرتها على السود وإذلالهم .
و . . . لهذا ،
فإننا لا نجد في المجتمعات الإسلامية ، هذه التفرقة العنصرية التي نجدها في المجتمعات المسيحية!
لأن النصوص الإسلامية تقف حائلًا دون ظهور هذا الشر أو تفاقمه .
يقول الله تعالى { يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ } . (1) .
_________
(1) سورة الحجرات ، آية 1 13 .

وفي هذه الآية الكريمة إعلان المساواة الكاملة بين الأمم والشعوب والأفراد ، إذ إن الآية خطاب موجه إلى جميع بني الإنسان .
كذلك فإن هذه الآية تقرر أن التمايز بين الناس لا يكون باللون أو الجنس أو العنصر . . إنما يكون بالتقوى التي هي جماع الخير والهدى والرشاد .
ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم .
« الخلق كلهم عيال الله ، وأحبهم إليه أنفعهم لعياله » .
ولذلك فتح الرسول صلى الله عليه وسلم بأمر ربه- آفاق دعوته أمام بني الإنسان جميعًا- فالله رب الناس ملك الناس إله الناس وليس رب فئة واحدة ، أو عنصر واحد ، أو مجموعة بشربة واحدة!
وبذلك حطم الإسلام الحواجز التي كانت قائمة بين الأجناس والأعراق والأنساب .
ولقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم- عن سلمان الفارسي ، رضي الله عنه- الذي كان رقيقًا فحرره : « سلمان منا أهل البيت » .
كما ضم صف السابقين الأولين مجموعة كبيرة من أمثال ” صهيب الرومي ” و ” بلال الحبشي ” واعتبرهم الرسول صلى الله عليه وسلم في مقدمة كبار الشخصيات العربية من أصحابه المهاجرين والأنصار .

بل إن النبي صلى الله عليه وسلم أمر على قيادة جيشه شابًا في الثامنة عشرة ، وجعل تحت قيادته مجموعة من كبار المسلمين ، وأصحاب السابقة في الإسلام .
وهكذا يكون الإسلام قد حقق معجزة في التاريخ الإنساني ، إذ جعل الناس- جميعًا- يعيشون تحت شعار إلهي نادى به الإسلام منذ ظهوره ، وأكده الرسول صلى الله عليه وسلم وسلم من جديد ، وبكل صراحة وصرامة ، وفي خطبة الوداع ، قال :
« لا فضل لعربي على أعجمي ولا لأبيض على أسود إلا بالتقوى » .
ثم يسأل الجماهير المسلمة المحتشدة لسماع الخطاب الأخير :
” ألا هل بلغت ؟ ”
” اللهم فأشهد ” .
إن القرآن الكريم لم يذكر في سوره أو آياته ، أي اسم على الإطلاق من أسماء أحد معاصري الرسول صلى الله عليه وسلم إلا اسمين- هما :
(زيد) مولى الرسول صلى الله عليه وسلم ( وأبو لهب ) عمه .
هذان هما الاسمان اللذان ذكرا في القرآن الكريم!

لم يذكر القرآن الكريم اسم أبي بكر ، ولا اسم عمر ، ولا اسم عثمان ، ولا اسم علي ، وإنما ذكر اسم زيد مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم . . وذكر في مناط التكريم : { وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا } . (1) .
وذكر اسم ( أبي لهب ) في مجال اللعنة ، حيث يقول الله تعالى { تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ }{ مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ }{ سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ }{ وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ }{ فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ } . (2) .
فزيد مولى غريب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في دمه ، وفي قبيلته ، وفي جنسه!!
أما أبو لهب ، فإنه عمه ، وهو شريف قرشي !!
ومع ذلك فإن القرآن يتهدده بالهلاك هو وامرأته حمالة الحطب!
_________
(1) سورة الأحزاب ، آية 37 .
(2) سورة المسد بكاملها.

فالقرآن الكريم بهذا يضع مبدأه المعروف ، أنه لا مفاضلة بين الناس على أساس الجنس أو اللون أو أي نوع من أنواع الامتيازات الطبقية ، إِنما المفاضلة بالتقوى!

 

 

مقالات أخرى للكاتب

مشاركة

فيسبوك
تويتر
واتس
تيليجرام
Pinterest
Print

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

On Key

كتب من المكتبة ذات علاقة