القول الصحيح فيما نُسب الى المسيح
ماذا قال يسوع في الحقيقة؟
What Did Jesus Really Say
قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (آل عمران:64)
by
Mish’al ibn Abdullah
Second edition
Copyright 1995, Misheal Abdullah Al-Kadhi
الطبعة الثانية
بقلم
مشعل بن عبد الله القاضي
ترجمـة : وائـل البـنـي
نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَن نَّشَاء وَلاَ نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (يوسف :56)
قال عيسى المسيح رسول الله العظيم : وَهَذِهِ هِيَ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ: أَنْ يَعْرِفُوكَ أَنْتَ الإِلَهَ الْحَقِيقِيَّ وَحْدَك ،َ وَيَسُوعَ الْمَسِيحَ الَّذِي أَرْسَلْتَهُ (يوحنا 17: 3)
قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : لَا تُطْرُونِي كَمَا أَطْرَتْ النَّصَارَى ابْنَ مَرْيَمَ فَإِنَّمَا أَنَا عَبـْدُهُ فَقُولُوا : “عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ” أخرجه البخاري و مسلم
[tabs type=”horizontal”]
[tabs_head]
[tab_title] تاب 1 | المقدمة [/tab_title]
[tab_title] تاب 2 | الفصل الأول [/tab_title]
[tab_title] تاب 3 | الفصل الثاني [/tab_title]
[/tabs_head]
[tab] تاب 1 | عن الكتاب [/tab]
[tab] تاب 2 | الحوار المسيحي الإسلامي [/tab]
[tab] تاب 3 | المحتوى [/tab]
[/tabs] [tie_slideshow]
بسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
مقدمة
إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثِمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ (59) الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلاَ تَكُن مِّن الْمُمْتَرِينَ (60) فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةَ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ (61) إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلاَّ اللّهُ وَإِنَّ اللّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (62) فَإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ (63) قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (64) (القرآن الكريم : آل عمران)
(لقد قرأت في كتابات المسلمين عبارات خالص الاحترام و التبجيل المليئة بالرقة تجاه عيسى ، لدرجة أنني في مرة كدت أنسى أنني لم أكن أقرأ لكاتب مسيحي . كم كانت الطريقة مختلفة – مع الأسف – التي تحدث بها و كتب من خلالها المسيحيون عن محمد. دعونا نعوز السبب الحقيقي في ذلك إلى الجهل). [mfn]الكاهن ماكسويل كينج Reverend R. Maxwell King[/mfn]
ويقول توماس كرلايل: (إن الأكاذيب التي تكدست حول هذا الرجل “محمد” من جراء حماسٍ حَسَن النية هي خزي لنا فقط دون الآخرين). [mfn]توماس كارليل – الصفحة 57 من كتاب Heroes and Hero Worship and the Heroic in History[/mfn]
(إن استخدام أدلة زائفة لمهاجمة الإسلام ليست إلا وسيلة عالمية لتحقيق هذا الغرض)[mfn]نورمان دانييل – صفحة 267 من كتاب Islam and the West[/mfn]
بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله على فضله و علمه و هدايتي للإسلام ، اللهم صلي و سلم على محمد و ابعثه اللهم المقام المحمود في الجنة . و الصلاة و السلام على الأنبياء و المرسلين أجمعين ، آدم و نوح و إبراهيم و موسى و داوود و عيسى و غيرهم من الأنبياء الكثر ، السلام عليهم أجمعين . جعل الله أسماءهم أشرف الأسماء أبد الدهر.
افضل وصف لهذا الكتاب:
أشعر أن أفضل وصف لهذا الكتاب القول الصحيح فيما نُسب الى المسيح أنه محاولة متواضعة مني لجمع أعمال استغرقت أعوام طويلة لعديد من علماءٍ وكتّابٍ مشهورين. وإسهاماتي في هذا الكتاب قد اقتصرت في الواقع على جمع تلك الأعمال في إصدار واحد. و هذا – كما يقولون – إنما لإعطاء الفضل لأهله . من بين هؤلاء المؤلفين أعلام أمثال : رحمة الله ابن خليل الرحمن الهندي، شيخ الدين ابن قيم الجوزية، الشيخ تقي الدين ابن تيمية، السيد عطاء الرحيم، الشيخ أحمد ديدات، السيد أكبرالي ميهرالي (Mr. Akbarally Meherally)، الدكتور جمال بدوي، الدكتور محمد علي الخويلي، السيدة ألفت عزيز الصمد، الدكتور أحمد داوود المزجاجي، و السيد م. ا. يوسف.
اهداء:
أهدي هذا الكتاب القول الصحيح فيما نُسب الى المسيح إلى هؤلاء الأعلام، ولكن أولاً و قبل كل شيء هو في سبيل الله، و من ثم إلى أمي التي علمتني دائماً أن يكون عندي التسامح و العقلية المتفتحة، و إلى أبي الذي علمني أن ألتمس العلم طوال حياتي.
موقف الاسلام من دراسة الأديان الأخرى:
إن الإسلام يحث المسلمين أن يكتسبوا العلم و أن يقيموا عبادتهم على مزيج من المعرفة و الإيمان، وليس على الإيمان وحده. أحد صحابة الرسول محمد ( ) اسمه أبو الدرداء قال : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَطْلُبُ فِيهِ عِلْمًا سَلَكَ اللَّهُ بِهِ طَرِيقًا مِنْ طُرُقِ الْجَنَّةِ وَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا رِضًا لِطَالِبِ الْعِلْمِ وَإِنَّ الْعَالِمَ لَيَسْتَغْفِرُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالْحِيتَانُ فِي جَوْفِ الْمَاءِ وَإِنَّ فَضْلَ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْـلِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ عَلَى سَائِرِ الْـكَوَاكِبِ وَإِنَّ الْعُلَمَاءَ وَرَثـَةُ الْأَنْبِيَاءِ وَإِنَّ الْأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا وَرَّثُوا الْعِلْمَ فَمَنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ. (أخرجه أبو داوود)
و الإسلام يحث المسلمين أيضاً ان يدرسوا الأديان الأخرى و يقارنوها مع الإسلام. ولقد فُرض علينا ألا نكون من بين هؤلاء الذين يدينون بالإسلام لمجرد الإيمان الأعمى أو الانسياق وراء التيار السائد في مجتمعاتهم، فضلاً عن وجوب اتباع الإسلام بأبصار و قلوب مفتوحة حتى نتمكن من اختبار صلاحيتها كأوامر من الرب.
الدافع لكتابتي هذا الكتاب:
لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ . القرآن الكريم – البقرة :256. و بناءً عليه، و لدى وصولي إلى الولايات المتحدة الأمريكية عام 1992 ، قررت أن أبحث في الديانة المسيحية أثناء وقت الفراغ .
فعلت ذلك لتأكيد شهادة القرآن على تحريف الأناجيل و التوراة (العهد القديم) . و لو ثبت أن القرآن قد افترى الأكاذيب على الكتاب المقدس عندها سأعلم أن القرآن ليس كلام الله . لذلك قمت بشراء نسخٍ عديدة من الكتاب المقدس مثل النسخة القياسية المنقحة الحديثة NRSV، نسخة الملك جيمسKJV و غيرها. كما قمت بشراء العديد من المراجع المسيحية في الإنجيل بالإضافة إلى المراجع الإسلامية. ومستعيناً بتلك المعلومات و المصادر بدأت واجبي الديني مسترشداً بقول الكتاب المقدس : امْتَحِنُوا كُلَّ شَيْءٍ. تَمَسَّكُوا بِالْحَسَنِ. [mfn](الكتاب المقدس – رِسَالَةُ بُولُسَ الرَّسُولِ الأُولَى إِلَى أَهْلِ تَسَالُونِيكِي 5: 21).[/mfn]
قبل هذا العمل في القول الصحيح فيما نُسب الى المسيح و أثناء إنجازه و حتى بعد الانتهاء منه كنت دائماً محط محاولات تنصيرية من خلال قولهم ” إقبل المسيح و خلص نفسك”. وفي الوقت ذاته آخرون كانوا يسألونني عن الإسلام. و على الرغم من أني أقدّر هذه المحاولات الصادقة لتنصيري، إلا أن الحجة كانت ضعيفة و مبنية في أغلبها على جهل صارخ في الدين الإسلامي و معتقداته، أو على إدعاءات اتضحت أنها غير صحيحة بعد الدراسة و التمحيص.
تصحيح بعض الأفكار الخاطئة عن الاسلام:
من بين الأفكار الخاطئة اعتقاد الغرب أن الإسلام هو دين العرب فقط و أن متبعيه هم من الشرق الأوسط، وهذه الفكرة بعيدة عن الحقيقة. لقد جمع الكتاب المقدس قصصاً عن كثير من أنبياء الله الذين أُرسِلوا عبر العصور، و بينما نجد أن هؤلاء الأنبياء قد يختلفون عن بعضهم البعض من نواحٍ عديدة، إلا أن القاسم المشترك فيما بينهم أنهم من الشرق الأوسط.
المسلمون يؤمنون بكافة الأنبياء الوارد ذكرهم في الكتاب المقدس. فلو درسنا قصص الأنبياء في الكتاب المقدس لوجدنا أنهم جميعاً من مصر و فلسطين و سوريا و الأقاليم المحيطة. كما أن محمد ( ) – نبي الإسلام – قد جاء أيضاً من نفس المنطقة ، ولد في شبه الجزيرة العربية حيث أول ما ظهرت رسالة الإسلام على العالم. و كما أن دين موسى ليس “دين العرب” فقط مع أنها انطلقت من مصر ، و الديانة المسيحية ليست “دين العرب” فقط مع أنها انطلقت من فلسطين ، كذلك دين الإسلام ليس “دين العرب” فقط ولكن خاتم الرسالات الإلهية إلى كافة البشر. في الحقيقة فإن العرب يشكلون ما يقل عن 20% من المسلمين في العالم المقدرون بحوالي 1.2 بليون مسلم في يومنا هذا .
لقد أمرنا الله تعالى في القرآن الكريم : إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنَّ اللّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا (58) القرآن الكريم – سورة النساء
غاية الكتاب ومنهجي فيه:
أكد القرآن أن إنجيل عيسى (عليه السلام) قد مرّ بسلسلة من التعديلات الصارخة بعد مغادرته حتّى أصبحت التعديلات إلى هذا الإنجيل بعد ستمائة سنة شديدةً جدًّا بما يستلزم تدخّلاً من اللّه . فكان ذلك بنزول رسالة الله الأخيرة الصالحة لكل الأزمان، ( رسالة اسلام، والتي نزلت على محمد ). يحاول هذا الكتاب القول الصحيح فيما نُسب الى المسيح دراسة هذا القول بالتفصيل ضمن حدود الطّاقة البشريّة و إمكانياتي المحدودة لاختبار صدق هذا التأكيد.
لن أدعي أنني سأكون شاهداً حيادياً فيما سيأتي ، لكنني لم أوفر جهداً على أن أكون حيادياً بقدر ما يحتمله الضعف البشري و أنني في ذلك كله سألتزم الأمر الإلهي في الحكم بالعدل.
أوجه التقارب بين الاسلام والمسيحية
كلما عرف المرء المزيد عن الديانتين : الإسلام و المسيحية ، بقدر ما يرى التقارب الكبير بينهما: كلتاهما تناديان بالإيمان بالخالق العليم القدير ، خالق السماوات و الأرض . المسيحيون يسمونه “الإله” God و المسلمون يسمونه “الله”. كلتا الديانتين تناديان بالإيمان بالأنبياء المتعاقبين الذين تم ذكرهم في الكتاب المقدس بالإضافة إلى القرآن ، من بين هؤلاء الأنبياء : نوح ، موسى ، إيراهيم ، عيسى و غيرهم كثيرون. كلتا الديانتين تناديان بالإيمان بالجنة و النار و بيوم الحساب. كلتاهما تناديان بالإيمان بأن عيسى هو الميسح Messiah. كلتا الديانتين تناديان بالإيمان بالميلاد المعجر لعيسى عليه السلام بدون تدخل بشري. كلتاهما تناديان بالإيمان بالمعجزات المتعددة لعيسى. ولكن مع كل هذا التشابه فإن الفرق بينهما شاسع.
الفرق الشاسع بين الاسلام والمسيحية:
عندما بدأت بحثي في هذه المسائل حاولت عمل مرجع شامل يتناول بعض المعتقدات في الكتاب المقدس مثل “التثليث” و “التجسد” و “الفداء” و “الخطيئة الأصلية” ، وكانت مفاجأتي كبيرة عندما لم أجد لها أي ذكر!. وللعلم : فإن المعلمومات الموجودة في هذا الكتاب القول الصحيح فيما نُسب الى المسيح قد تم نشرها من خلال الكثير من الكتب و الكتيبات و الملازم و غيرها ، بعضها لمؤلفين مسلمين و البعض الآخر لمؤلفين مسيحيين.
و على صعيد الجانب المسيحي ، قسمت المراجع المسيحية إلى فئتين رئيسيتين : نصوص “محفزة دعوية” و نصوص “أكاديمية”. النصوص “المحفزة الدعوية” يُستند إليها غالباً في بناء المعتقدات المسيحية و غرس الإيمان الأولي بتلك المعتقدات عند القارئ . هذا النصوص تجدها في حيازة الغالبية العظمى من أتباع الكنيسة.
الفئة الثانية من المراجع المسيحية ، المراجع “الأكاديمية”، ترتقي إلى المستوى التالي من الدراسة الإنجيلية. و يعتمد عليها في التفاصيل المعقدة للإنجيل و الإيمان المسيحي ، حيث تذهب إلى أبعد من مجرد أمور العقيدة و الإثارة بهدف دراسة أوسع للكتاب المقدس و الكتابات المسيحية القديمة. هذه الكتب و المراجع كتبت أغلبها قبل هؤلاء الذين اختاروا أن يكرسوا حياتهم لدراسة تفاصيل هذه الكتابات ويستخرجوا منها الأسرار النفيسة المخبئة و التفاصيل الشائكة للأحداث والتي يكمن استخلاصها منها. هذه المراجع تناولت قضايا مثل : متى سطرت هذه الوثائق ؟ من كتبها ؟ ولماذا ؟ كيف كان حال الوضع السياسي و الاقتصادي للعالم في ذلك الوقت ؟ كيف تعامل المؤلفون مع هذه العوامل وكيف تأثروا بها ؟ .. هذه المراجع و مؤلفوها عادة ما تجدهم في المؤسسات الغربية للتعليم العالي كالأقسام الدينية للعديد من الجامعات الغربية .
ما توصل اليه البحث:
في البداية كنت أتوقع أن يتطرق بحثي هذا إلى بحث بطيء و شاق في عدد متناثر من الوثائق المسيحية القديمة مجهولة المصدر، ولكنه اتضح العكس. حالما بدأت في البحث عن الحقيقة أخذتني الدهشة و وجدت نفسي بين أكوامٍ من الدراسات المسيحية المفصلة تؤدي جميعها نتيجة واحدة : بأن البشر قد غيروا و بدون رقابة النصوص الأصلية للكتاب المقدس عبر العصور.
لقد قاموا بمنتهى الحرية بتغيير المفردات التي كانت لا تتناسب و معتقداتهم ، وإضافوا نصوصاً لم تكن أساساً موجودة في النصوص الأصلية بهدف تبرير معتقد ما، و حذف أخرى بمنتهى الحرية كلما دعت الحاجة لذلك. وقد وثّق لنا هؤلاء الباحثون المسيحيون العديد من التفاصيل عن تنقيح نصوص الكتاب المقدس ، و بينوا لنا أن هذا الميل للتحريف لم ينته بمجيء محمد صلى الله عليه وسلم و نزول رسالة الإسلام في القرن السابع ، بل استمرت لقرون عديدة بعد وفاة محمد صلى الله عليه وسلم حتى يومنا هذا تقريباً. و كما سنرى لاحقاً في هذا كتابنا القول الصحيح فيما نُسب الى المسيح بأن مثالاً واحداً يكفي ليوضح هذه النزعة للتحريف – ألا و هو النسخة الأقدم للكتاب المقدس المتوفرة لدى المسيحية اليوم “المخطوطة السينائية” (القرن الرابع بعد الميلاد). هذه الوثيقة بمفردها – كما كشف لنا الباحثون – قد مرت بأكثر من /14800/ “تصحيح” عبر العصور من قبل ثمانية “مصححين” مختلفين على الأقل. و بما أن الأناجيل المعاصرة قد جُردت من المصادر الأصلية، أليس من الأجدر بنا أن نقوم بدراسة تاريخ أساليب حفظ الكتاب المقدس للوصول إلى الكلمة الأصلية لعيسى عليه السلام ؟
اتضح لي شيئاً فشيئاً خلال عملية البحث أنه كلما كان المؤلف المسيجي بارزاً كلما كان أكثر إدراكاً للحقيقة بأن الأناجيل التي بحوزتنا اليوم هي محصلة لتنقيحات لا تحصى للنصوص الأصلية عبر العصور. و لما كان معظم هؤلاء العلماء محافظون بالمعنى التقليدي المتسامح ، فقد حاولوا جاهدين أن يغفروا لهؤلاء الذين غيروا نصوص الكتاب المقدس و يلتمسوا لهم الأعذار على تلك الأعمال. ومن ناحية ثانية – خلق الأعذار للذين بدلوا كلمة الله بشكل مستمر و حُسن الظن بهم و بدوافعهم يمكن في النهاية أن يرهق جلد أكثر الناس تسامحاً من التقليديين و يقوده إلى الإحباط. وكما سنرى في الفصل (2-1) فإن هذا ما حدث مع أكثر الباحثين لمعاناً في التاريخ المسيحي : الدكتور لوبيجوت تيشندروف Dr. Lobegott Tischendorf.
في البداية حاوت جاهداً أن أجمع هذه المعلومات في سلسلة من المقالات التي نُشِرَتْ في عدد محدود من الصفحات داخل الجامعة التي كنت أدرس فيها آنذاك. بعد إستكمال هذه المقالات قرّرت جمعها في مرجع واحد يضم جوهر تلك المعلومات التي جمعت من المصادر الخارجيّة معيداً ترتيبها بشكل مفيد و أكثر سلاسة. في بعض الحالات وجدت نفسي غير قادر على تحسين صيغة و أسلوب عرض بعض المؤلفين ، لذا قمت بنسخ كلماتهم حرفياً بدون حرج. لكن أعتقد أن مثل هذا النسخ الصريح لم يتعدّ نسبة 5% من محتوى هذا الكتاب و سترى بوضوح ، بإذن الله ، كيف أن هذه الاقتباسات قد أشير إليها في الكتاب. و مرّة أخرى ،إنما لنوفي أهل الفضل حقهم.
هناك مئات من الكتب نُشِرَتْ من قبل العلماء المسيحيّين في موضوع التّناقضات المختلفة التي وجدت في الكتاب المقدس كمحصلة لقرون من المراجعة و التصحيح. وجدت – حسب خبرتي – أنّ معظم هذه الكتب قد سارت إحدى مسارين مختلفتين ، فهم – و تحديداً – يحاولون إما :
- تسوية كلّ التناقضات من خلال التجريد و إضافة شروح تفصيلية غير موجودة في النص الإنجيلي. و أحيانًا, عندما يواجهون روايتين متضاربتين لقصّة واحدة في الكتاب المقدس فإنهم ببساطة يختارون النّسخة التي يفضّلونها شخصيًّا و يدّعون أنّ المقاطع الأخرى كانت خطأ في النسخ .
- أو يدّعون أن عيسى عليه السلام لم يكن أكثر من أسطورة أو خرافة , و أنّ الكتاب المقدس , و الحواريين, و حتّى عيسى نفسه ليسوا أكثر من أوهام لخيال شخص ما.
لكن هذا الكتاب القول الصحيح فيما نُسب الى المسيح يسلك مسلكاً آخر – هو مسلك الإسلام و القرآن الكريم. في هذا الكتاب يتبين لنا بالطبع أن عيسى عليه السلام كان نبياً حقيقياً من الله إلا أن رسالته أضاعها الذين جاؤوا من بعده لأسباب مختلفة. و يستمر هذا الكتاب في نزع كلّ الأغلفة التي وضعتها البشريّة و التي حجبت الرّسالة الأصليّة لعيسى عليه السلام حتّى لا يتبقى إلى الكلمات الثّابتة الأصليّة لعيسى. و لكن حتى نصل إلى هذه الرّسالة الأصليّة لعيسى يستوجب منا أن نكون مستعدين لجعل كلمات عيسى عليه السلام تعلو كلام كل البشر بدون استثناء . إذا كنّا مستعدين لهذا ، عندها فقط سنكون قد فتحنا قلوبنا و عقولنا إليه حقاً و قبلنا رسالته .
أَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُ: ((إِنْ أَحَبَّنِي أَحَدٌ يَحْفَظْ كَلاَمِي، وَيُحِبُّهُ أَبِي، وَإِلَيْهِ نَأْتِي، وَعِنْدَهُ نَصْنَعُ مَنْزِلاً.)) الكتاب المقدس – يوحنا 14-23
و لأكون صريحاً، فلن يكون هذا الكتاب الإجابة الشافية لكل الأسئلة. ولكن آمل أن يجعل هذا الكتاب الناس مهتمّةً بما يكفي ليجعلهم يذهبون و يقرؤون الكتاب المقدس و القرآن بعناية, و يبحثون عن المعلومة لأنفسهم و برغبة شخصية كحد أدنى. إذا أحرزت هذا فسأكون قد أنجزت مهمتي وما شرعت لتحقيقه.
هنالك أشياء أخرى كثيرة أريد قولها لكننيّ يجب أن أبقي هذا الكتاب القول الصحيح فيما نُسب الى المسيح تحت السيطرة فيما يتعلق بالحجم ، لذا بذلت معظم جهدي أتكلّم عن المقارنة بين الإسلام و المسيحيّة لإثبات صدق شهادة القرآن في تحريف الكتاب المقدس و أنه أنزل بالطّبع من قبل نفس الإله الذي أرسل عيسى عليه السلام. إذا أمكن أن أضيف فصلاً آخر على هذا الكتاب ، ربما سأتكلّم في تفصيل أكثر عن لفائف مخطوطات البحر الميّت نظراً و أنه قد أثبت للكون وجود مؤامرة حقيقية. لكني سأترك تلك المهمة إلى وقت آخر ( بمشيئة اللّه ).
نظام المرجعية المستخدم في هذا الكتاب
أود الإشارة إلى أن نظام المرجعية المستخدم في كتاب القول الصحيح فيما نُسب الى المسيح يحتاج إلى عملٍ جادٍ لجعله أكثر توافقاً مع المعايير الحديثة المقبولة، لكنّ ذلك سيترك أيضاً إلى وقت آخر. على أيّ حال, أعتقد أنّّ الشكل الحالي للكتاب يفي بالغرض كطبعة أولى, و بإذن اللّه, سيتم التعامل مع هذه القضايا في المستقبل .
توضيحات للقراء:
أود أن أوضح أمرين في البداية حتّى لا يكون هناك سوء فهم حيال معتقداتي أو نواياي :
- المسلمون لا يكرهون المسيحيّين ولا يكنّون لهم سوء النّيّة. هذا هو خطأ شائع في الغرب عن المسلمين . إن القرآن يخبرنا: وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ قَالُوَاْ إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ (82) القرآن الكريم – المائدة
لقد اختص الله أهل الكتاب (يهوداً و مسيحيين) في القرآن أن تكون معاملتهم كالآتي:
وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (46) القرآن الكريم – العنكبوت
إن المسلمين ببساطة يتمنون للمسيحيّين الشيء نفسه الذي يتمنونه المسيحيون للمسلمين : أن نهتدي جميعاً إلى حقيقة الله و ثوابه في الآخرة.
و الآن، لابد و أنه قد اتضح أن الإسلام ليس كما يؤمن البعض افتراءً عليه – على أنه جماعة إرهابيّة قابعة تحت الأرض مهمتها الدمار الكلي للحياة المتحضّرة التي نعيشها.
لذلك، فقد بذلت جهدي في هذا الكتاب القول الصحيح فيما نُسب الى المسيح لتجنّب كلّ التّصريحات التي قد يُساء فهمُها على أنها تثير البُغض و الفوضى و الازدراء. لكنّ الهدف الأساسي لهذا الكتاب يحتم عليَّ أن أعرض بعض التناقضات في العهد القديم و الجديد لإثبات شهادة القرآن : بأن الجنس البشري قد قام بانتهاكات جلية لكلام الله بعد رحيل أنبيائه و غيروا رسالته الأصليّة إليهم. لقد أُخبِرالمسلمون أن هذه الأصابع العابثة قد تركت تناقضات كثيرة لمن يبحث عنها. إن الإنجيل نفسه يعطينا المعايير الحاسمة في ذلك : لأَنَّ كَثِيرِينَ شَهِدُوا عَلَيْهِ (المسيح) زُوراً، وَلَمْ تَتَّفِقْ شَهَادَاتُهُمْ [mfn](الكتاب المقدس – مرقس 14: 56).[/mfn]
لهذا السّبب حاولت الاحتفاظ بتعليقاتي إلى الحدّ الأدنى و أترك الإنجيل ينطق بحقيقة الحال كلّما كان ذلك ممكناً. [mfn](أنظر على سبيل المثال الجدول في الفصل 2-2).[/mfn]
هؤلاء الأشخاص الذين قرروا مسبقًا كرهي كتنيجة هذا الكتاب و لن يروا التّناقضات و البصمات العابثة بغضّ النّظر عن كمّ الدّليل المعروض ، أطلب منهم أن يتوقّفوا عن القراءة الآن. إن هذا الكتاب ليس لهم. أما القرّاء الرّاغبين أن يُبْقُوا عقولهم مفتوحة، فإنهم مدعوون لمصاحبتنا في بحثنا عن حقيقة اللّه.
- بعض القرّاء قد يسيئون تفسير بعض الجمل على أنها إزدراء لله العلي أو أنبيائه أو إنجيله أو الحواريين الأصليين لعيسى. ليس هذا هو القصد أيضاً. إن كلاً من هذه الأمور تعتبر من الكبائر في الإسلام . فهدف هذا الكتاب ينحصر في تقديم الدّليل على أنّ العلماء المسيحيّون في العالم بدؤوا يتعرفون على حقيقة تاريخيّة : أنّ المؤلّفين المزعومين للكتاب المقدّس الحالي ليسوا هم المؤلّفين الحقيقيّين. و لهذا السبب، قد كتبوا في ذلك المكان مسائل بخصوص الإله/الله و أنبيائه و حواريّيهم غير الذي أوحي من الله إلى أنبيائه . كلّ الأمورالمذكورة في هذا الكتاب يجب أن تُفْهَم على أنها ضدّ هؤلاء المؤلّفين المجهولين و ليس ضد الله و أنبيائه و إنجيله الأصليّ أو التّلاميذ الأصليّين.
- كما ذكر سابقاً، لست بعالم دين أو مبشّر، ولم أحصل على أيّ دبلومات رسميّة في الدّراسات الدّينيّة . كتبت هذا الكتاب في وقت فراغي أثناء متابعة الدراسات الجامعيّة العليا في حقل الهندسة في الولايات المتّحدة . إن مساهمتي المتواضعة هذه لا تقارن ولا بأي شكل مع أعمال هؤلاء العلماء المسلمين المثقّفين والمتعلمين، ولكنني وجدت فجوةً رأيت وجوب سدها، وها أنا أبذل قصارى جهدي لسدها. هناك عدد كبير من الدراسات الشاملة والأكثر تفصيلاً لهذا الموضوع مكتوبة باللّغة العربيّة (مثل: الجواب الصحيح) . ولكن ريثما يتم ترجمة مزيد من هذه الأعمال العظيمة إلى الإنجليزيّة، آمل أن يؤدي هذا الكتاب دوره كبديل مؤقّت.
- عندما أتكلّم عن الإسلام في هذا الكتاب فإني أعني الإسلام الذي علًّمَنا إياه محمد ( ) و طبّقه التابعون من قبلنا كما هو محفوظ لنا خلال مئات المؤلّفات للعلماء الإسلاميّين، و الذي نُقل إلينا – من خلال إسناد غير منقطع من الرّواة الثابت صدقهم – عبر كتب كثيرة للشريعة و السيرة و الحديث. هذا هو الإسلام الذي حُفِظَ في شبه الجزيرة العربيّة (موطن محمد ) حتّى الآن . هذا الإسلام- الذي جاء به محمد ( ) – لا يحاول ترقية أناس معينين أو مجموعات ما إلى مستوى السلطة و النفوذ الإلهي على غيرهم من الناس، كمثل المبشرين من زعماء ما يسمّى بـ (أمّة الإسلام) التي نشأت حديثاً في الولايات المتّحدة ، والتي يُخدع تابعوها – من قبل لويس فاراخان (Louis Farakhan) و إيليا بول (Elijah Poole) و و.د.فارد ( D. Fard) – بكون الإسلام يقر تفوّق جنس معيّن أو لون و مثل هذه البدع الأخرى. و الإسلام الحقيقيّ أيضًا لا يتبع معتقدات زعماء المجموعات الشّيعيّة لبعض البلاد الشّرقيّة (مثل إيران) و التي تنسب أيضاً إلى أناس معيّنين قدرات بلا حدود خارقة للطّبيعة و القدرة على إعطاء التّصاريح إلى الجنّة وما إلى ذلك .
كيف يُقرأ هذا الكتاب :
كما هو مذكور سابقًا، هذا الكتاب القول الصحيح فيما نُسب الى المسيح قد كُتِبَ بهدف أن يكون أشمل من غيره من المؤلفات الانكليزية كالتي صادفتها أثناء بحثي . و قد بذلت قصارى جهدي لضمان كونه سهل القراءة قدر المستطاع . لست أعني في ذلك تفوقي على هؤلاء العلماء العظام ، بل أقصد أنّ المؤلّفات الإنجليزيّة التي صادفتها حتى الآن لم تُبَلّغ الصّورة الشاملة للإسلام و المسيحيّة و العلاقة بينهما، والتي تمنّيت أن أراها في مرجع واحد باللغة الانجليزية . إن النّتيجة الحتميّة لجعل الكتاب شاملاً هي أن يصبح كبيرًا . لهذا السّبب, بذلت جهدي لتقسيم هذا الكتاب إلى موضوعات فرعيّة كثيرة بحيث يغطّي كل منها صفحات قليلة, و بهذا يصبح الكتاب سهلاً عند قراءة جزء في كل مرة. كما أشجّع القارئ أن يقرأ هذا الكتاب في الترتيب الذي هو عليه، لأنّ الفصول تكمّل بعضها البعض بصورة أفضل إذا ما قُرِأت بالترتيب المكتوبة فيه. و من ناحية ثانية , فقد بذلت جهدي أيضاً لجعل الفصول مستقلّةً عن بعضها البعض من أجل هؤلاء القرّاء الذين يودّون الوثب مباشرة إلى النقطة الهامة بالنسبة لهم.
زُوّد الكتاب برسم بياني لمثل هؤلاء القرّاء لمساعدتهم على اختيار الموضوع ذي العلاقة عن طريق سؤال القارئ أسئلة قليلة و بسيطة. إبدأ في أعلى الرّسم البيانيّ و شق طريقك بالإجابة على الأسئلة و اتبع التوجيهات النّاتجة.
رسالة شكر
أودّ أن أشكر كلّ هؤلاء الذين ساعدوني في نشر هذا الكتاب, بما فيهم الشيخ أحمد ديدات ((Ahmed Deedat, الأخ جون سيدليدز (John Siedlidz), الأخ عمار أمونات (Ammar Amonette), الأخ إدريس بالمر (Idris Palmer), الأخ علي التميمي, الأخ اسماعيل مجاهد, الأخ داود مادان (Dawood Madan), الدّكتور رافيل ضافر (Dr. Rafil Dhafir), الأخ عبدالله فردوس عبد الرزاق، الأخ سعد القصبي, الأخ عبد العزيز الصهيباني, الأخ منصور متبولي, الأخ عبد الرحمن العلي, الأخ شريف محمد, الأخ رضا شولتين (Reza Scholten), الأخ فريد أدلوني (Farid Adlouni), الدّكتور باسم خفجي, الأخ كامل مفتي, الأخ نادر صلاح, الأخ خليفة (تعرف من أنت), و الأخ ابراهيم باستسزاك (Ibraheem Pastuszak) – الذين ساهموا جميعهم بطريقة أو بأخرى في إنجاز هذا الكتاب, إمّا عن طريق اقتراح التّعديلات أو التّصحيحات, أو عن طريق بذل السّاعات الطوال في مراجعته، أو من خلال الجوانب الأخرى المختلفة كالتعليقات و الاقتراحات كلّما كان ذلك ممكن . و لكلّ الآخرين الكثيرين الذين ساعدوا في هذا المشروع و نسيت ذكرهم هنا, أتوجه إليهم بطلب الصفح لضعف ذاكرتي , و أقدر بشدة مجهودهم. أودّ أن أشكر أيضًا جميع من جئت على ذكره من المؤلّفين على مجهودهم الذي جعل هذه المسائل واضحة لنا .
اللهم اهدنا جميعاً إلى الحقيقة .
آمين .
مشعل ابن عبد الله
مايو/أيار 1996
[divider style=”solid” top=”20″ bottom=”20″]
الهدف من هذا الكتاب
وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا (88) لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا (89) تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا (90) أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا (91) وَمَا يَنبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَن يَتَّخِذَ وَلَدًا (92) إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا (93) لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا (94) وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا (95) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا (96) فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنذِرَ بِهِ قَوْمًا لُّدًّا (97) وَكَـمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّن قَرْنٍ هَلْ تُحِـسُّ مِنْهُم مِّنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزًا (98) القرآن الكريم – مريم
إن الهدف من هذا الكتاب القول الصحيح فيما نُسب الى المسيح ببساطة هو: عرض الشواهد الملموسة ذات الأهمية بأن إنجيل عيسى عليه السلام قد مرّ بسلسلة من التنقيحات و التعديلات بعد رحيله – إلى حد ضاعت معه رسالة المسيح إلى البشرية . وبعد ستمائة سنة من رحيل المسيح (أي قبل ألف و أربعمائة سنة) أنزل الله الكتاب المقدس الخاص بالمسلمين – القرآن – على محمد صلى الله عليه وسلم يخبره بهذه الحقيقة . لقد استغرقت المسيحية ألفين من السنين حتى أدركت حقيقة هذا الأمر. و اليوم ، من الصعوبة في مكان أن تجد عالماً مسيحياً واحداً ذو سمعة جيدة لا يقر – إلى مدى أو لآخر- و عن طيب خاطر أن هذا الأمر هو حقيقة مقبولة (ما عدا الأقلية من الأصوليين المتشددين). إن الدلائل على ذلك أكثر من أن يتجاهلها المرء .
و عندما أتحدث عن “العلماء المسيحيين” فإني أقصد هؤلاء الناس الذين كرسوا حياتهم من أجل تتبع تفاصيل الحقائق التاريخية حول الكتاب المقدس من خلال دراسة الوثائق التاريخية القديمة للكنيسة المسيحية باسلوب منطقي و حيادي ، و من خلال الكتاب المقدس نفسه ، و من مصادر أخرى. هؤلاء الأشخاص غالباً ما تجدهم في الأقسام الدينية لمختلف الجامعات في الغرب .
إن مصطلح “العالمِ المسيحي” بهذا التعريف لا يتضمن “المنصرين” و “المنصّرين في وسائل الإعلام”، إلخ .. لقد تطلب اكتشاف هذه الحقائق شجاعة و تضحية الكثير من الباحثين الراسخين . مثل هؤلاء الناس كانوا قديماً يُعدمون دون أي تردد ، والكثير منهم إلى يومنا هذا يُطردون من وظائفهم ويُحجبون عن التحدث للملأ عن تلك الحقائق. فإن كانوا يفترون الكذب ، فإن هذه الشبهات يجب أن تُعرض على العامة ليُسلط عليها سيف الحق فيقطع ألسنتهم . ومن ناحية أخرى ، إن كان في قولهم شيئٌ من الصحة ، فيجب عدم إهمال هذا الجهد الحذِر المبذول في سيبل الآخرين لمواجهة الذين يحرفون كلام الله . ولهذ السبب سنقوم في هذا الكتاب بدراسة ما توصلوا إليه بالتفصيل .
أولاً جمع مبادئ العقيدة الأساسية للديانتين الإسلامية و المسيحية
لنبدأ أولاً بجمع مبادئ العقيدة الأساسية للديانتين الإسلامية و المسيحية جنباً إلى جنب في الجدول الآتي، على أن يتم مناقشة كل النقاط الواردة في الجدول بالتفصيل من خلال هذا الكتاب ، و إثبات كل نقاط الجدل من خلال النصوص المناسبة من القرآن و الكتاب المقدس .
الرسالة الحقيقية للمسيح:
سنبين بإذن الله في هذا الكتاب القول الصحيح فيما نُسب الى المسيح – ومن خلال نصوص الكتاب المقدس و بعض من أكثر العلماء الإنجيليّون رفعة و مكانة في التاريخ و من خلال مراجعهم – كيف أن معظم المعتقدات للمسيحيّة الموجودة اليوم في الحقيقة قد أدخلها البشر في رسالة عيسى بعد وقت طويل من مغادرته. لم يكن لعيسى (عليه السلام) أي صلة من أي نوع بهذه المعتقدات الموجودة حالياً. نذكر من تلك المعتقدات :
- التثليث.
- القول بأن عيسى (عليه السلام) هو ابن الله بالمعنى “الأرثوذكسي” الحديث.
- “الخطيئة الأصلية” لآدم والتي ورثتها البشرية كما زُعم.
- “الفداء” أو موت عيسى (عليه السلام) على الصليب تكفيراً عن خطيئة آدم.
- “التجسد” الإلهي في هيئة بشر أو هيئة عيسى (عليه السلام) تحديداً.
سنبين لاحقاً أن الرسالة الحقيقية لعيسى (عليه السلام) كانت تقول :
- الله واحد ، لا يمكن رؤيته ، ولم يكن له كفواً أحد.
- ليس لله أولاد ولا آباء ، ولا يوجد إله في هذا الوجود إلا الله الأحد.
- عيسى كان مجرد بشر ، لم يكن إلهاً بل رسولاً مصطفىً من الله .
- إن الله لا يحمّل المرء أوزار و آثام غيره، ولا يكفّر ذنب أحدنا بالتضحية بآخر .
- إن الله لا يفرق بيننا عن طريق الجنس أو اللون أو الأمة أو السلالة أو أي شيء آخر، بل يميزنا عن بعضنا عن طريق أفعالنا الشخصية .
- إن العدل الإلهي يأبى أن يحمل أحدنا أوزار أخيه .
- إن الله هو إله رحيم يبسط رحمته بدون أجر أو طلب .
- دخول الجنة يتطلب وجود الإيمان و العمل معاً، ولا يكفي مجرد الإيمان وحده أو العمل وحده.
أخبر الله المسلمين بأنه ، و عبر العصور ، قد بعث الرسل إلى كلّ القبائل و الأمم في كلّ أنحاء المعمورة – ابتداءً بآدم (عليه السلام) أول الأنبياء و أبو البشر. و كلّما رحل رسول من اللّه, عاد شعبه إلى أعمالهم السيئة حتّى حرّفوا الرسالة السماوية الأصلية بعد مضي أجيال قليلة من رحيل هذا الرسول الرسول . ولما كانت رسالة الله إلى البشر في خطر بأن تُطمس تماماً من قبل هؤلاء النّاس, فقد اختار الله رسولاً جديداً إليهم لتلقّي الرسالة السّليمة الأصليّة و تبليغها إليهم . بعضهم سيتبّع الرسالة و آخرون سيكفرون بها ، لكنها ستكون دائماً متاحة لمن أراد الهداية . و بهذه الطريقة سيكون لكل البشرية باباً لدينه الحقيقيّ , بغض النظر عن المكان أو الزمان، و سيكون الأمر عائداً إليهم في البحث عنه.
كما أخبر الله المسلمين بأن كلّ رسول قد أُرْسِلَ إلى شعبه فقط ، فأتت رسالته بما يناسبهم. لهذا فإن الرّسالة الأساسيّة ستكون موحدة لكلّ الرّسل : “اللّه واحد ولا تعبد سواه” إلا أن تفاصيل العبادة ستكون بالهيئة التي تلائم أسلوب حياة كل أناس لوحدهم , و تلائم حدود معرفتهم , وما إلى ذلك . و هذا الأمر ينطبق أيضاً على عيسى (عليه السلام) ، الذي أُرسل إلى اليهود خاصة دون غيرهم . وسنبيّن في هذا الكتاب كيف أن أحد الأسباب الجوهريّة التي مهّدت لضياع رسالة عيسى كانت في أنّ هؤلاء الذين جاءوا من بعده حاولوا تبشير من لم تكن الرسالة قد أرسلت إليهم ، أي غير اليهود. لقد تمكّن هؤلاء الأشخاص من غير اليهود من إدخال جوانب كثيرة لمعتقداتهم في رسالة عيسى و التي أدت في نهاية المطاف إلى ضياع رسالة عيسى.
يبيّن هذا الكتاب القول الصحيح فيما نُسب الى المسيح كيف تحوّر دين عيسى (عليه السلام) عن التعاليم الأصليّة مروراً بالمراحل التّالية :
1- جاء عيسى (عليه السلام) ليبيّن لليهود كيف أن دينهم قد حُرِّف عما جاء به موسى و الأنبياء السّابقون من قبل (عليهم السلام).
2- دعى عيسى (عليه السلام) اليهود للرجوع إلى دين الله الحق الذي نزل على رسلهم السّابقين. لقد تمسك عيسى نفسُه بإصرار و التزام بكل مظاهر تعاليم دين موسى (عليه السلام) . صام كما صام موسى (عليه السلام), عبد الله كما عبد موسى (عليه السلام) الله , امتنع عن تناول لحم الخنزير, آمن بالختان و هو نفسه قد خُتِنَ, حافظ على السّبت المقدّس و لم يخرقه أبداً. كان هذا دأبه إلا أن صُلب (حسب الرواية الإنجيلية). و بعد الصّلب, طبقًا للرواية الإنجيلية , زعم بولس أن عيسى قد “عاد إليه في الأحلام” لإبطال القانون الذي قد قضى حياته محافظاً عليه . يشهد الكتاب المقدس في الواقع أنّ عيسى – في فترة حياته – أمر تابعيه أن يتّبعوا ديانة موسى (عليه السلام) و أنذرهم عقاب الله الشّديد لكلّ من يتخلى عن ركن واحد من هذا الدّين حتى نهاية العالم ( تابع ما سيأتي).
3- غادر عيسى (عليه السلام) هذه الأرض و استمر حواريّوه في اتّباع تعاليمه بإخلاص. اتّبعوا ديانة موسى (عليه السلام) كما فعل عيسى (عليه السلام) من قبلهم و أمرهم بذلك. خلال الثلاثة عقودٍ الأولى بعد رحيل عيسى (عليه السلام), كان أتباع عيسى من اليهود فقط ممن أكّدوا أن عيسى (عليه السلام) كان مسيحهم الموعود. استمر تابعوه خلال الثلاثة عقودٍ الأولى في العبادة في الكنائس و الهياكل اليهوديّة و المحافظة على جميع مظاهر دين موسى (عليه السلام) بدون استثناء .
4- بعد زمن قصير من رحيل عيسى (عليه السلام), قام يهوديّ يدعى شاؤول الطرطوسي باظطهاد أتباع عيسى بكل الوسائل المتاحة لديه. و بذل قصارى جهده ليُضيِّع الكنيسة تمامًا و يمسح دين عيسى من وجه الأرض و عقول الرجال – وذلك باعترافه الشخصي – ولم يكن قد قابل عيسى (عليه السلام) شخصياً.
5- زعم شاؤول فجأةً أنه تلقى “رؤىً” من عيسى (عليه السلام). فأخذه الحواري بارناباس في حمايته, و من خلال بارناباس تقبله باقي الحواريّين . ثم سافر بارناباس معه إلى أن تبدلت سمعته من كونه الظالم قاتل المسيحيين إلى كونه ذلك المعتنق الحق للمسيحية.
6- بعدها افترق شاؤول عن الحواري برناباس و قرر أن يبشر الأممين من غير اليهود. كان يدعي أن حواريّي عيسى (عليه السلام) كُسالى و مُضلّلين و مُنافقين. زعم أنّه من الضروري بالنسبة إليه إخراج الحواريّين من جهلهم و إرشادهم إلى حقيقة اللّه التي كان يتلقّاها في “الرؤى” باستمرار. لقد قالها علناً بأنه لم يتعلم شيئاً من الحواريين , و أن كلّ كلمة بشّر بها كانت من الوحي الإلهيّ مباشرةً. وكان الأمميون المجاورون من غير اليهود يكرهون اليهود بشكل كبير ، فرأى استحالة إقناعهم أن يعتنقوا اليهوديّة التي طبقها عيسى (عليه السلام) خلال أيام حياته ، والتي أوصى بها الحواريّين من بعده أن يحذوا حذوه إلى آخر الزمان.
7- يعترف شاؤول في الكتاب المقدس وفي أماكن كثيرة أنه كان مستعداً لفعل أي شيئ بدون استثناء حتى يتحقق له تحول الأممين إلى المسيحية. لقد ادعى أن كل شيئ قد جُعِلَ مباحاً له ، و لهذا السّبب بدأ شاؤول في إرضاء الأممين الوثنيّين و تبسيط دين عيسى لهم لجعله أكثر قبولاً بالنسبة لهم لعلهم يدخلون فيه.
8- استمرّ شاؤول في محاولة إرضاء الأممين من غير اليهود و بدأ يعيد صياغة دين عيسى (عليه السلام) بهيئة بقترب فيها من معتقداتهم الرّاسخة لكسب تنصّرهم . في النّهاية، كل ما طلب منهم هو “الإيمان” دونما عمل . هؤلاء الأممين الوثنيين الذين حاول تنصيرهم كانوا يعبدون “أبناء آلهةٍ” كُثُر (مثل ابن الآلهة جوبيتير “كوكب المشتري” و ابن الآلهة زيوس) و غيرهم من “أبناء الآلهة” مثل (أتيس, أدونيس, ديونيسوس, إلخ). كانوا يعتقدون أن هذه الآلهة الوثنيّة قد ماتت تكفيراً عن آثامهم ثم قامت من الموت. فبدأ شاؤول يشرح لهم أن عيسى (عليه السلام) أيضاً لم يكن مجرد بشر عادي و نبي لكنّه “ابن اللّه” و أنّ هذا “الابن” قد مات تكفيراً عن آثام كلّ البشريّة. لاحظ الأمميون فوراً التماثل و التشابه مع ما يؤمنون به. كل ما عليهم فعله هو تغيير بعض المسمّيات. و بهذه الطريقة تمكّن شاؤول من إقناع اليونانيّين (و غيرهم من الأمميين) لقبول “دين عيسى”. ذلك لأن دين اليونانيين – على عكس اليهود – على استعداد مسبق لقبول عقيدة “التثليث” , و “الآلهة الآب” ، و “الآلهة الابن”, و موت الآلهة, و بعث الآلهة, و تجسّد الآلهة, و الرب المخلص , و أكل لحم الآلهة، و شرب دم الآلهة .. إلخ. كل هذه المفاهيم لا تعتبر مستحدثة بالنسبة لهم ، فأصبح بذلك القائد العظيم و كنّى نفسه بـ “القديس بولس”.
9- بدأ “القديس بولس” بعد ذلك بالكتابة بشكل واسع و كَسْب المزيد من المتنصّرين.
10- بمجرّد أنّ أصبح عدد المتنصّرين على يده يتجاوز عدد الذين يعتنقون المسيحية نقلاً عن حواريي عيسى (عليه السلام) والذين يطبقون المسيحية بدقة و التزام أكبر، حتى بدؤوا بقتل أتباع الحواريين و اضطهادهم و إحراق أناجيلهم.
11- واجه أتباع “القديس بولس” التحدي بأن يثبتوا مزاعمهم (“ابن الله” ، “الخطيئة الأصلية” إلخ ) من خلال الإنجيل و أن يثبتوا صلة الله أو عيسى (عليه السلام) بهذه المفاهيم ، فلم يستطيعوا ذلك. فقد كان هناك الكثير من الأعداد (الآيات) في الإنجيل و التي صرحت بأن الرب واحد و أنه لا يحمّل أوزار امرءٍ لآخر. و الأمثلة عن هذه الأعداد متاحة حتّى الآن (على سبيل المثال 43 : 10-11 أشعياء , حزقيال 18 : 19-20, 24 : 16 سفر التّثنية …إلخ). لهذا, أصبح من الضروريّ بالنسبة إليهم الاعتراف بأن اللّه “ثّالوث مقدّس” شبيه بـ “الثالوث القديم” لليونانيّين و الرّومان،حتّى يكون لديهم ثلاثة آلهة، ثم يدّعون أنهم يعبدون إلهاً واحدًا فقط. أُعِيد تعريف “الثالوث القديم” من الفلسفة اليونانيّة ولكن بأسماء جديدة ثم طُبِّقت على الله تعالى ليتمكنوا من توضيح هذا المعتقد الجديد “ثلالة آلهة في واحد”. و مرّة أخرى, لم يتمكنوا من إثبات “الثّالوث المقدّس” من خلال الكتاب المقدس, ولهذا بدأت الكنيسة بتلقّي الوحي الإلهيّ من اللّه يأمرهم أن يوضحوا كتابهم المقدس حتّى يصبح “الثالوث” مقروءاً بوضوح ( أنظر على سبيل المثال الجزء 1-2-2-5). هذه “التوضيحات” اكتُشفت من قبل علماء المسيحيّة بعد مضي قرون عليها. و قاموا بطرح الدّليل غير القابل للجدل حول كيفية إضافة هذه “التوضيحات” في الكتاب المقدس و متى و من قام بذلك. و في القرن العشرين, إثنان و ثلاثون من علماء الإنجيل المحافظين الأكثر رفعة يدعمهم خمسون من الطوائف الدينية قاموا بحذف العدد (1- يوحنا – 5 : 7) على أنه تلفيق أضيف من قبل الكنيسة ، بالإضافة إلى الكثير من التحريفات التي اكتشفوها.
12- انقسمت المسيحية إلى عدد كبير من الطوائف الدينية خلال القرون الأربعة الأولى بعد الميلاد متبنّيةً معتقداتٍ مختلفة، ثم بدأت الكثير من الأناجيل بالظهور متباينة في مدى صحتها و أصوليتها. هذه الطّوائف حاربت بعضها بعضاً بشدّة مدعيةً كل منها أنها وحدها تمثل الدّين “الحقيقيّ” لعيسى و أنها وحدها تملك الإنجيل “الصحيح”. قتنافست تلك الطوائف للحصول على دعم من الرومان الوثنيين لكسب السّيطرة على الطّوائف الأخرى و إسكاتهم بصفة نهائيّة .
13- في القرن الرّابع بعد الميلاد , تمكن أتباع “الثّالوث المقدّس” من كسب الإمبراطوريّة الرّومانيّة الوثنيّة إلى صفهم ، فاستخدموا نفوذ هذه الدّولة الوثنيّة لـ “تطهير” الأرض من أتباع الحواريين “المهرطقين” و “الكافرين”. ثم قاموا بشن حملات من “المحاكمات” لإخراجهم عن عقيدتهم .
14- انتشرت معتقدات “الثّالوث” على أنها وحدها تمثل الدين الصحيح لعيسى (عليه السلام). جُمعت كتابات بولس و أصبحت اليوم تشكل غالبية العهد الجديد، و أُحرقت كتب الحواريّين على أنها جميعها أكاذيب مشكوك في صحتها. إن قائمة الكتب “الموحى بها فعلاً” و المكونة للكتاب المقدس الذي بين أيدينا اليوم لم يُعترف بها رسميًّا إلا في السنة /367/ بعد الميلاد. إن الأناجيل التي كانت متداولة بين المسيحيين خلال الثلاثمائة سنة الأولى تحتلف كل الاختلاف عن التي بين أيدينا اليوم. “أدرك” أتباع “الثالوث” خلال مدّة الثلاثة قرون أن كلّ الكتب التي اُعْتُبِرَتْ وحياً في القرون الأولى بعد الميلاد كانت مجرد أكاذيب و كتابات مشكوك في صحتها. إن الكتب التي اُعْتُبِرَتْ ملفّقةً أثناء القرون الأوّلى بعد الميلاد هي فقط التي اعتُرف بقانونيّتها و أصوليتها و مصدرها الإلهي، و كل الذين أخفوا الكتب الأصليّة للحواريّين حُرِّقوا هم و كتبهم حتّى الموت. حصل أتباع بولس على نسخ أناجيل الحواريّين و قاموا بنسخها و لكنّ بإضافة تعديلات صارخة على المعتقدات الدينية آنذاك ثم نسبوا هذه النسخ إلى الحواريين. هذه الكتب نُسبت إلى متّى و مرقس و لوقا و يوحنا. استمرت الإضافات إلى هذه الكتب لعددة قرون ، بعدها بدأ العلماء المسيحيّون في استقراء الأدلة على أن المؤلفين المنسوب إليهم هذه الكتب لم يقوموا أنفسهم بكتابتها.
15- ولما كانت الكنيسة في ذلك الوقت ترى في عوام المسيحيين تخلفاً و تشتتاً في العقيدة تمنعهم من فهم هذه الكتب المقدسة ، فقد رأت أنه من الضروري حصر تداول الكتاب المقدس من خلال الكنيسة دون غيرها. فأي شخص يريد أن يتعلم ما يقوله الكتاب المقدس يجب عليه أن يأتي إلى الكنيسة للسؤال ، وعندها تجيب الكنيسة من خلال مزيج من الوحي الإلهيّ و نصوص الإنجيل ..
16- وُلد محمد بعد ستمائة سنة من ميلاد المسيح. اتّبع ملّة إبراهيم (عليه السلام) التي ورثها و كلُّ العرب من أبيهم , إسماعيل, الابن الأكبر للنّبيّ إبراهيم (عليه السلام) . ولما بلغ الأربعين من عمره , أرسل اللّه الملاك جبريل إلى محمد ليعلّمه الرسالة السماوية الأخيرة , رسالة الإسلام . أخبره أن “أهل الكتاب” قد غيّروا دين عيسى (عليه السلام) و بدلوه من دين خضوع للّه الواحد إلى دينٍ عُبِدت فيه آلهة متعدّدة. كما أخبره أنه سيكون خاتَم الرّسل , و أنّ رسالته موجهةً إلى كلّ البشريّة بمن فيهم اليهود و المسيحيّون .
17- ادعى اليهود و المسيحيّون أن محمد كاذب و مجنون و مخدوع من قبل الشّيطان و أنه نبيّ مزيّف، كما ادعوا أنه نسخ القرآن من الكتاب المقدس. و بنفس الطريقة التي رفض يهود كثيرون قبول عيسى (عليه السلام) كرسول حقيقيّ من الله , رفض أيضاً يهودٌ و مسيحيّون كثيرون تصديق محمد .
18- توفّي محمد و استمرّ أتباع “الثالوث” في حرق و صلب أيّ مسيحي يعارض “الثّالوث المقدّس” أو يتحدث علناً عن التناقضات في الكتاب المقدس. قاموا بشن حملات من “المحاكمات” لتطهير الأرض من كلّ بقايا المؤمنين بالإله الواحد “الأوحد” و قتّلوا اليهود كلما سنحت الفرصة لهم بذلك. فأصبح حكم الإعدام من طبيعة هذه المحاكم و بلا حدود إلى الحد الذي حُكِم فيه على أممٍ بأكملها بالإعدام. فيما بعد ، أدان قرار واحد مقدّس للكنيسة المؤمنة بالثّالوث عام /1568/ ثلاثة ملايين من النساء و الرجال و الأطفال في هولندا و أرسلهم إلى المشنقة بتهمة الهرطقة. و كنتيجة لهذا, أُعدِم ما يزيد عن اثنا عشر مليون شخص من قبل سلطة “المحاكم”.
19- فقدت الكنيسة السلطة بانتقالها إلى العلماء حتى هُمّشت الكنيسة في ركن مظلم. بغياب التّهديد بالموت من فوق الرؤوس ، بدأ كثيرٌ من العلماء المسيحيّون في نشر الكتب الكثيرة التي تعرض الأمثلة المفصّلة لتناقض بعض الأعداد (النصوص)، و تعرض الدليل على التّعديل و التّلاعب بنصوص الكتاب المقدّس. درسوا المخطوطات اليدوية القديمة للمجتمع المسيحيّ بالتّفصيل و بتمهل إلى أن بدأت الصورة السابقة تكتمل و تتجمّع.اختُلِقَت الأعذار الكثيرة من قبل الكنيسة و من قبل الأشخاص الذين يعتمد رزقهم و سلطتهم على هذه المعتقدات السائدة، فبدؤوا في إعطاء معانٍ “مستنتجة” لكلّ عدد (آية) غير واضح في الكتاب المقدّس. وطلبوا من أتباع الكنيسة أن يتحلوا بالإيمان الأعمى دونما نقاش ، و أقنعوهم أنهم لا يمكنهم فهم الكتاب المقدس بدون التّفسير و الوحي المقدّس للكنيسة، و أخبروهم أن عيسى (عليه السلام) لم يكن يعني ما يقول ظاهرياً و أنّ كلّ إشارة منه لاتباع دين موسى (عليه السلام) لم تكن لتفهم “حرفياً” بل كان “يُخفي” المعاني بما يناقض المعنى الظاهري تماماً. هم فقط الذين بإمكانهم استخراج المعاني الخفية لكلام عيسى (عليه السلام).
20- بدأت نُسخ الأناجيل الأصليّة لحواريّي عيسى (عليه السلام) في الظّهور. لقد عُثِر عليهم في عاصمة المسيحية نفسها –الفتيكان- دونًا عن كلّ الأماكن المسيحيّة الأخرى، وقد أكدت هذه الأناجيل تعاليم القرآن (مثل إنجيل بارناباس). كانت هذه الأناجيل تختفي بغموض علىأنها أناجيل مزيفة و أكاذيب ألّفها المسلمون. ثم فجأة, و في عام 1947, اكتُشِفَت لفائف البحر الميّت، ولقرابة خمسٍ و أربعين سنة بقيت هذه اللفائف في إسرائيل محجوبة عن العوام. و عندما فُتحت الأبواب عليها للملأ، ظهر الاكتشاف الرائع : لقد أكدت اللفائف ما ورد في القرآن أيضاً ! و تنبّأت بقدوم نبيَّين اثنين (Two Messiahs) وليس نبياً واحداً. تقول اللفائف أن هذين النبيّين سيعلن عنهما نبيّ في آخر الزمان. النّبوءة المزدوجة واضحة جدًّا و سائدةً في اللفائف .تقول اللفائف بأن النبي الأوّل سيخونه أحد تابعيه لكنّ الله لن يتخلى عنه ليموت , بل إن الذي خانه سيُؤخَذ بدلاً عنه إلى الموت ، وتنص بالتحديد على أنه لن يلمس جسد النبي أي مسمار. هنالك الكثير في لفائف البحر الميّت ما يتطابق مع تعاليم القرآن, و لكن مرّة أخرى بُرِّرَت جميعها بالمعاني المستنتجة (المستنبطة). لقد أخبرونا أن اليهود الذين عاشوا 100 سنةً قبل عيسى (مؤلّفو لفائف البحر الميّت) في الحقيقة كانوا يتوقعون نبيَّين اثنين، ولكن ذلك لا يعني أنهم كانوا ينتظرون نبيين مختلفين, بل كانوا ينتظرون نبياً واحداً بشخصيّتين مختلفتين. و بالتالي فقد أخبرونا أن عيسى (عليه السلام) هو كلا النبيين. من ناحية أخرى, يشرح اليهود أن كلتا النّبوءتين تشيران إلى أحداث ماضية أو مستقبليّة ولا ليس من الممكن أن تشير أي منهما إلى عيسى (عليه السلام) أو محمد ولا بأي شكل.
لقد أخبر الله المسلمين أنه عندما خلق البشريّة, أعطاهم “حرية الاختيار”. أخبرهم أنهم يمكن ان يعيشوا حياتهم ثمّ يموتون و ويتلاشون عن الوجود كما تفعل الحيوانات، أو أن يكونوا مسؤولين عن أفعالهم . إذا قبلوا المسؤوليّة, فسيكون الجزاء المنتظر عظيماً كما سيكون العقاب المحتمل عظيماً على حدّ سواء.
بقبول البشريّة لهذه المسؤوليّة جاءت إرادتهم الحرّة . أعطى اللّه البشريّة كامل الإرادة في اختيار عبادته أو عصيانه. و من رحمة اللّه الواسعة, أن أيّد البشريّة بعوامل كثيرة لإرشادهم إلى طريق الحق و أجره العظيم . في البداية , أرسل الرّسل. وبهذه الطّريقة, و بغضّ النّظر عن محاولات البشريّة لتحريف دينه، سيكون الدين القويم دائمًا متاحاً لهؤلاء الذين يبحثون عنه.
ثانيًا, وهب الله العقل للبشر. أعطاهم هذه العقول حتى يكونوا قادرين على تمييز الخطأ و الصواب باستخدام ذكائهم. فإذا رأوا شخصاً ما يعبد النار , و رأوا أن النّار لا يمكن أن تسمع صلواتهم ولا أن تستجيب لندائهم، فمهما قدس عبدة النّار هذه العبادة و قصّوا عليهم المعجزات الكبيرة التي صنعتها النار و كيف أنها قد أجابت دعاءهم و أنها تحبّهم, فإن عقولهم سترفض تصديق هذه الأكاذيب.
أخيرًا, وهب الله البشريّة حساً فطرياً يدعى الفِطرة . هذه الفِطرة هي الصّوت الخافت بداخل كلّ واحد منّا و الذي يخبرنا أن “ذلك لا يمكن أن يكون الحق”. عندما نلتقط مسدّسًا للمرة الأولى لقتل شخص ما, يجب علينا أن نجاهد أنفسنا كثيرًا للتّغلّب على فطرتنا التي تخبرنا أن القتل عمل خاطئ . و بنفس الطريقة ، فإن كلّ البشريّة وُلدت مؤمنة بشكل تلقائي بأن الرب واحد، و يجب أن يجاهدوا أنفسهم لفترة طويلة و بإلحاحٍ مستمر من قبل الذين من حولهم للإيمان بعكس ذلك . بهذه الطريقة ينتهون إلى عبادة النار و الحجارة و التّماثيل و الآلهة المتعدّدة و الأشياء الأخرى رَغماً عن فطرتهم.
يعود بنا هذا الكتاب إلى حُجَجِ الحواريّين الأصليّين. فيبدأ بـ “الثّالوث المقدّس” ثم يشق طريقه بالعودة إلى التاريخ. سنرى أنه ليس هنالك أي أساس من أيّ نوع لـ “الثّالوث المقدّس” في الكتاب المقدس. بمجرّد دحض “الثّالوث المقدّس” سنرى كيف أن باقي هذه المعتقدات المختلقة ستنحلّ بشكل متتابع حتّى نعود إلى التعاليم الأصلية لعيسى (عليه السلام) . كلّ هذا سيتم في الفصل الأول . بعد ذلك, سنبيّن كيف أن عيسى (عليه السلام) و الأنبياء السّابقين قد تنبؤوا بمحمد , كما هو مذكور في القرآن قبل /1400/ سنة.
أدعوا الله أن تنير هذه المعلومات دروبكم ..
[divider style=”solid” top=”20″ bottom=”20″]
(1) الفصل الأول : الحوار المسيحي الإسلامي
هَلُمَّ نَتَحَاجَجْ ، يَقُولُ الرَّبُّ الكتاب المقدس – إشعياء 1 : 18
يؤمن المسيحيّون بأن عيسى (عليه السلام) جاء ليعلم البشريّة كلها دين اللّه و ليبين لهم الطّريق إلى الخلاص . و لهذا، فإن كلّ البشريّة مطلوب منها اتباع رسالته. و الذين يؤمنون بصلب المسيح و الفداء هم فقط الذين سيتم إنقاذهم. كما أنهم يؤمنون أنه يجب على اليهود الدخول في المسيحية منذ أن أُرْسِلَ عيسى إليهم. وعلى هذا الأساس فهم أكثر الناس أهليةً في التّعرّف على كلمة اللّه و إشارات عيسى (عليه السلام) المذكورة في كتابهم. و من ناحية أخرى, يخبرنا معظم اليهود أن عيسى (عليه السلام) لم يكن رسولاً من اللّه, بل كان نبياً مزيّفاً و ساحراً ومن سلالة زناة و غيرها من الادعاءات. يقولون أنه ليس هنالك نبوآت لعيسى (عليه السلام) في كتابهم و أنّه لم يكن المسيح الموعود. فمسيحهم الموعود لم يأتِ بعد. لهذا السّبب, فهم يقولون أنهم غير مطالبون باتباع عيسى (عليه السلام) و بذلك يلتمسون العذر في قتله.
يؤمن المسلمون بكل من موسى و عيسى (عليهما السلام) على أنهم أنبياء اللّه الصادقين. فنحن نؤمن أن كلاً من موسى و عيسى و نوح و إبراهيم و يعقوب و كل أنبياء الله الباقين – هم رُسُلٌ صادقون وعباد الله تعالى المؤمنون و المعصومون.كما نؤمن بمعجزات عيسى (عليه السلام) بما فيها ميلادُه المُعجز. و المسلمون يؤمنون بأن الناس قد عادوا إلى المعاصي في كلّ مرّة يُتوفّى فيها رسول من اللّه , إلى الحد الذي يتمكنون فيه من إفساد الرسالة الإلهية الأصلية. عندما يحدث هذا, فإن الله تعالى يرسل نبيًّا جديدًا ليجدد رسالته الأصليّة إلى هؤلاء النّاس و يعيدهم إلى الصراط المستقيم. و بهذه الطّريقة ، فإن رسالة الله الحقيقيّة ستكون متاحة دائماً و إلى يوم القيامة لكلّ هؤلاء الذين يبحثون عنها. يمكن رؤية ذلك في الكتاب المقدس كما في العدد (متى 5: 17-18) :
لاَ تَظُنُّوا أَنِّي جِئْتُ لأَنْقُضَ النَّامُوسَ أَوِ الأَنْبِيَاءَ (يقول عيسى). مَا جِئْتُ لأَنْقُضَ بَلْ لِأُكَمِّلَ. فَإِنِّي الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِلَى أَنْ تَزُولَ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ لاَ يَزُولُ حَرْفٌ وَاحِدٌ أَوْ نُقْطَةٌ وَاحِدَةٌ مِنَ النَّامُوسِ حَتَّى يَكُونَ الْكُلُّ (قد اكتمل). (و المقصود إتمام شريعة موسى).
اليهود يسمون الرب (إلوهيم-Elohiym) أو (يهوة-Yahweh) ، و المسيحيّون يسمونه (God) أو (الآب-Father) أو (جهوفا-Jehovah) ..إلخ. أما المسلمون فيسمونه (الله) (بالإضافة إلى أكثر من 99 اسم تبجيل). يؤمن المسلمون بأن اللّه تعالى لم ينزل رسالات عدة إلى البشريّة بل هي رسالة واحدة فقط : دين الخضوع إلى إرادته و شخصه المتفرد, و اليقين بأنه وحده الذي يستحق أن يعبد. تفاصيل العبادة أخذت الشكل الذي يلائم كل أمة على حدى, لكنّ الرّسالة كانت واحدة : “الله واحد، اعبدوا الله دون سواه”. و يظهر ذلك بوضوح في سورة آل عمران الآية (84) :
قُلْ (يا محمد) آمَنَّا بِاللّهِ وَمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (84)
القرآن الكريم – آل عمران
و كذلك في سورة النساء الآية (136) :
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ آمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِيَ أَنزَلَ مِن قَبْلُ وَمَن يَكْفُرْ بِاللّهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيداً (136) القرآن الكريم – النساء
أخبر الله المسلمين من خلال القرآن أنّ فئة قليلة بلا ضمير، وبعد وفاة أنبيائهم، قد تمكّنت من تحريف وحيه الذي أوحى به إلى عيسى (عليه السلام) و الأنبياء الذين من قبله. لقد أضلت هذه الفئة القليلة عامة الناس بما زعموا أنه “وحي” من الله 100%. إن التحريف الذي وقع من قبل هؤلاء النّاس قد تسبّب في كثير من التناقضات بين المقاطع (الآيات). وكما سنرى قريباً , فإن هذه التّناقضات و التحريفات قد تم التعرّف عليها جيداً و توثيقها في العالم الغربي منذ قرون من الآن.
إلا أن الأعذار قد التُمِسَت لهم – بافتراض أنهم كانوا يوضحون الغموض وما إلى ذلك عندما غيّروا كلام اللّه (أنظر الفصل الثاني) . بغض النظر عن دوافعهم, هؤلاء الذين يدافعون عنهم قد نسوا الأمر الإلهي في سفر التّثنية (4: 2) الذي يقول :
لا تَزِيدُوا عَلى الكَلامِ الذِي أَنَا أُوصِيكُمْ بِهِ وَلا تُنَقِّصُوا مِنْهُ لِتَحْفَظُوا وَصَايَا الرَّبِّ إِلهِكُمُ
الكتاب المقدس – سفر التثنية 4: 2
إن الانتهاكات التي قامت بها البشرية في كتب الله السابقة هي إحدى أسباب نزول القرآن و كونه الرسالة الأخيرة من الله إلى البشر و التي تكفّل الله بنفسه هذه المرة بحفظها من الإفساد أو التّعديل أبد الدهر.
يقول البروفسور أرثر أربيري (Arthur J. Arberry) في كتاباته:
“بغض النظر عن إضافة علامات التشكيل على الأسلوب القديم في الكتابة الأصلية , و التي كان الهدف منها جعل تلاوة القرآن أكثر وضوحاً و سهولة , فإن القرآن في القرن العشرين هو توأم مطابق للقرآن الذي جمعه و اعتمده الخليفة عثمان منذ أكثر من /1300/ سنة.”
من ناحية أخرى, السّيّد توكر ( Mr. C.G. Tucker) يقول:
“لهذا فإن الأناجيل كانت تعكس بوضوح مفهوم الحاجات العمليّة للمجتمع الذي كتبت فيه. فقد استُخدِمَت فيها المادة التقليدية , إلا أنه لم يكن هنالك أي تردد في تغييره أو الإضافة عليه, أو إسقاط ما لم يخدم غرض المؤلف.” (من كتاب : تاريخ المسيحيين في ضوء المعرفة الحديثة – ص 320)
كما يقول السّيّد كادوكس (Mr. C.J. Cadoux) في كتابه “قصة حياة عيسى”:
“عند التمحيص في الأناجيل الأربعة – و التي نعود إليها كوثائق رئيسية بالإضافة إلى بعض المصادر الأخرى بهدف البحث المجرد – فإننا نجد أن جودة المادّة المنقولة تختلف بشكل واسع عما نجده بين أيدينا من حيث درجة المصداقية، بالإضافة إلى تأثير عنصر الشك في المصادر المستخدمة مما يقودنا فوراً إلى استنتاج “عدم صلاحية” هذه المصادر، و الإعلان عن فشل المهمة. إن التضاربات و الاختلافات التاريخية في أجزاء من الأناجيل قد شكلت الأساس الذي انطلقت منه نظرية (خرافة المسيح) – و التي بينا سابقاً عدم صحتها لأسباب أخرى. لازالت تعتبر الاختلافات و الشكوك المتبقية خطيرة، و بالتّالي فإن كثيراً من المعاصرين – الذين لا يشكون في حقيقة وجود عيسى – يعتبرون أن أي محاولة للتمييز بين الحقيقة التاريخية و بين الخرافات و الأساطير الواردة في الأناجيل و من ثم محاولة إعادة بناء رواية من البقايا التاريخية عن “مهمّة عيسى” ، تعتبر محاولةً ميؤوسٌ منها .”
يقول ريفيرند دافيس (Reverend Dr. Davies):
“ولكن بالاستناد إلى الحقائق ، فإنه لا يوجد عالِمٌ مسيحيٌ معاصرٌ متزن يقول بأن الخُطَب الموجودة في العهد الجديد هي تسجيل حرفي لما قاله المتحدث، حتى ولو كان العالِم من المحافظين أمثال (هيدلام – Headlam) فإنه لا بد أن يعترف بأن هذه الخُطَب إلا حد ما – و لا يذكر إلى أي حد – من “النسج الخاص” للكاتب… شميدل (Schmidel), في مقالته عن “أعمال الرسل في الموسوعة الإنجيلية” يقول بصراحة : ((لقد قام المؤلف و بدون أدنى شك بتأليف [الخُطَب] في كلّ الأحوال طبقًا لمفهومه الشخصي لتلك الحالة. يعتقد سكويتزر (Schweitzer) أنّ الخُطَب في أعمال الرسل يمكن أن تكون قد بنيت علىأساس الأعراف الخاصة بالخطابات… ومع أنه قد تم نقلها , إلا أنها كانت في الهيئة التي بين أيدينا من تأليف الذي كتب أعمال الرسل و بالصورة الشخصية التي تصور بها الحقائق)). يستمرّ دافيز ليستشهد بقول ثسيديديز (Thucydides) الذي يعترف بأن (([نَسْبَ خُطبٍ افتراضيةٍ لشّخصيّات إنجيليّة ] كان عُرفاً قديماً عند الجميع)).”
(المسيحي الأول) “The First Christian,” للمؤلف ريفيرند ديفس Reverend Dr. Davies ، ص23-24
يقول البروفسور دروميلو ” J.R. Drummelow” :
“يضيف الناسخ أحيانًا ما لم يكن في النّصّ, ظناً منه وجوب احتواء النص عليه . يثق في الذاكرة المتقلّبة, أو يجعل النّصّ يوافق آراء المدرسة التي ينتمي إليها. و بالإضافة إلى النُسخ الكثيرة و أقوال آباء الكنيسة, فإنه يوجد حوالي أربعة آلاف مخطوطة يونانية. و نتيجة لذلك, فإن الاختلافات فيما بينها تعتبر جوهرية.”
(التعليق على الكتاب المقدس – ص 16)
بعد وقت ليس بطويل من وصولي إلى الولايات المتّحدة, قابلت رجلاً مسيحيّاً سأسميه منذ الآن السّيّد (جيه) . و بخلاف هذا المؤلَّف المتواضع , فإن السّيّد (جيه) مسيحيٌ محترف له تاريخ حافل بالنشاط التبشيريّ, على الأقلّ مع الطلبة المسلمين من جامعتنا. كان السّيّد (جيه) معروفاً عندنا من خلال الرسائل التي وُجّهت إلينا و الاتصالات الهاتفية إلى رجال الدين المسلمين ، بالإضافة إلى حضوره قبلنا في المناسبات ليدعونا للإيمان بعيسى (عليه السلام) و أن نقبل تضحيته بنفسه من أجلنا. لقد أرسل السّيّد (جيه) لي و لرجال الدين المسلمين كُتباً تضم افتراءاتٍ كثيرةً ضدّ القرآن و إدانةً عامة له. ثم أعقب ذلك سلسلة من النقاشات الودودة فيما بيننا تعرفنا من خلالها على بعضنا البعض و بقينا ودودين و اجتماعيّين فيما بيننا على الرغم من تباين العقيدتين. و في الحقيقة فإن مؤلف هذا الكتاب ليس عالم أديان أو داعيةً محترفًا, بل طالب علم بسيط قام بترتيب هذه الأمور طبقاً لأهميتها من الناحية العلمية. لقد كانت مشيئة اللّه في الدرجة الأولى, ومن ثمّ الجهد المستمر للسّيّد (جيه) فيما يتعلق بمزاعمه عن الإسلام و جهده الصادق لتنصيري و منحني الخلاص، كل ذلك دفعني لتكثيف بحثي في الكتاب المقدس و القرآن و من ثم نشر هذا الكتاب. لذا فإنني أشكر الله تعالى الذي أرسل لي السيد (جيه) و أنعم عليّ به، و أسأل الله أن يُنعم على كثير غيري من خلال مؤلفاتي بإذنه تعالى.
قبل تأليف هذا الكتاب, قمت بنشر سلسلةٍ من المقالات في منشورات محلّيّة تعرض أمثلة صغيرة عن التّعديل البشريّ للإنجيل – كالحقيقة بأن مؤلّفي الكتاب المقدّس ليسوا هم نفس المؤلفين الذين يُنسب إليهم كتابته – و كانت المقالات تتقدّم نحو قضايا جوهريّة أكثر فأكثر. ثم طلب السيد (جيه) أن ينشر وجهة نطره المعارضة في منشوراتنا، فلبينا له طلبه.
لقد كان السّيّد (جيه) يعتقد أن الأمثلة المطروحة فيما يتعلق بالتّصريحات المتناقضة في الكتاب المقدس و التي كنّا نتناقش حولها لم تؤثّر بأي حال على المعتقدات المسيحيّة (أنظر الأمثلة في الفصل الثاني). فأعطاني مواداً أدبية لبعض الرجال أمثال السّيّد بروس (F.F. Bruce) يقول فيها :”هل من المهم بمكان أن تكون وثائق العهد الجديد محلّ ثقة أم لا؟ هل يهم كثيراً قبولها أو رفضها على أنها تسجل التاريخ بشكل صحيح؟”
و يقول أيضاً : “……قد تكون قصّة عيسى – و بالشكل الذي نُقِل إلينا – خرافةً أو أسطورة, إلا أن التعاليم المنسوبة إليه – سواءٌ أكان مسؤولاً عنها أم لا – لها قيمةٌ عظيمةٌ في ذاتها” وما إلى ذلك من التصريحات .
يعلم المسلمون حقيقةً أن عيسى (عليه السلام) لم يكن خرافةً ولا أسطورة، و لكن نبيّ الله الحق. إلا أن كتاباً موحاً به من عند الله ينبغي أن لا يحتوي على أيّ تناقضات، تاريخيةً كانت أم دون ذلك. لهذا السّبب فإننا نؤمن بأن كتاب الله لم يصل إلينا مطابقاً كما أُنزل على عيسى (عليه السلام).
يعتقد السّيّد جيه أن مثل هذه الأمور – كمعرفة المؤلّفين الحقيقيّين للكتاب المقدّس – لا تؤثر على صُلب العقيدة المسيحية و تحدّانا أن نثبت أنّ العقيدة المسيحيّة الأساسيّة مجملاً قد بُنيت على باطل و أنها ليست نفس الرّسالة التي بشّر بها عيسى قبل /2000/ سنـة. و تلبيةً لطلبه, فقد أرسلنا له أربعة أسئلة قصيرة بخصوص المعتقدات المسيحية الأساسية. ثمّ طلبنا منه أن يزودنا – بعد البحث بعناية – بالإجابات الحاسمة عن هذه الأسئلة . هذه الأسئلة الأربعة – و التي سيتم عرضها – قد تم تعديلها قليلاً في هذا الكتاب لضمان وضوحها ما أمكن، و لكن ظلّ السؤال الأساسي كما هو:
- هل هناك ثّالوث مقدّس ؟ إذا كان الجواب بالإيجاب فأرجو تزويدنا ما أمكن بالشواهد من الكتاب المقدس والتي تستطيع من خلالها أن تشرح و باختصار جوهر هذا المفهموم. ما أعنيه بهذا السّؤال : هل اللّه واحد أحد؟ أم ثلاثة؟ أم أنه مزيج بين الواحد و الثلاثة ؟ من فضلك دوّن وصفًا قصيرًا و واضحًا لطبيعة الثّالوث المقـدّس و العلاقة الدّقيقـة فيما بين الأعضاء الثـلاثة بعضهم البعض. و أرجو ألا تنتقل إلى سؤال آخر حتى تنجز المطلوب نظراً لأن تعريفك هذا سيتم فحصه من خلال الكتاب المقدس فيما إذا كانت الأعداد (الآيات) – والتي سيتم دراستها في هذا الكتاب – تؤكد أو تفنّد هذا المفهوم.
- هل رسول الله المخلص و العظيم , عيسى ابن مريم (عليهما السلام), الابن الجسديّ لله أم لا ؟ إذا كان كذلك , فأرجو أن تزودنا ما أمكن بالشواهد من الكتاب المقدس. و إذا لم يكن كذلك، فلماذا أغلبيّة العالم المسيحيّ يعتقد أنّه ابن الله الجسديّ /المولود له/ المصنوع له ؟
- هل قال عيسى (عليه السلام) بنفسه في الكتاب المقدس و في أي وقت “أنا الله” أو “إعبدوني” ؟ إذا كان ذلك، فأرجو أن تزودنا ما أمكن بالشواهد من الكتاب المقدس. و إذا كان غير ذلك, فلماذا أغلبيّة العالم المسيحيّ يعتقد أنّه إله (غير فانٍ), و أنه ابن الله؟ يتوسل المسيحيون بعيسى (عليه السلام) على أنه الله ليغفر الخطايا و يطرد الشياطين و يستجيرون به في الدعاء بشكل عام. من الذي شرّع للمسيحيين أن يؤمنوا أن عيسى (عليه السلام) هو اللّه ؟ هل كان عيسى (عليه السلام) نفسه أم آخرون ؟ أعطنا ما أمكن من الشواهد.
- إذا أمكن، و من خلال الإنجيل، إثبات أنّ عيسى (عليه السلام) ليس هو الله, و أنه ليس ابن الله الجسديّ /المولود له /المصنوع له , و أنه لا وجود لأي ثّالوث مقدّس – فهل هذا يثبت أن أناساً بلا ضمير قد أفسدوا كلمة اللّه أم لا؟
“الإيمان” بدون شكّ هو أحد المكوّنات الأساسيّة و الجوهريّة في مذهب أيّ معتقد دينيّ. وعندما ترغب في دعوة شخص ما للإيمان بالمعتقد الجوهري الذي تقدمه, فإنّه من الضروريّ بدايةً أن تثبت صحّة تأكيدك قبل أن تطلب من ذلك الشّخص أن يؤمن بهذا المعتقد. بعبارة أخرى, الإيمان مهمّ بالطّبع, إلا أنه لا يمكن أن يسبق الدّليل. بمجرّد أن يثبت الدّليل, عندئذٍ فقط يمكن للإيمان أن يدخل حيّز التّنفيذ. بالطّبع هذا ما علّمه النّبيّ عيسى (عليه السلام) لتابعيه أثناء حياته. فعيسى (عليه السلام) لم يقف مرةً أمام اليهود و طلب من الفريسيين و الصدّيقين و كلّ الآخرين أن يقبلونه بدون الدّليل . بل، و إلى حدّ ما, أجرى معجزات كثيرة لهم و في نفس الوقت تحاجج معهم و استعمل المنطق لإقناعهم. الكتاب المقدس مليءٌ بالأمثلة كيف أن عيسى (عليه السلام) كان يخرج ليشرح بعض الأمور لتابعيه و يحاججهم و يثبت لهم الأمر مستخدماً نفس الأسلوب.
من الواضح أننا عندما نطلب دليلاً عن معتقد ديني نادى به أحدهم ، فإن أول مكان نبحث فيه عن الدليل هو أقوال هذا الشخص. إذا كنت أومن بأن عيسى (عليه السلام) قد نادى بالمعتقدات الدينية الجوهرية كـ”الثالوث” و “ابن الله” و “الخطيئة الأصلية” و “الفداء” ، فلن يرضني أن يذكرها مرة واحدة في كل حياته التبشيرية فحسب، بل أتوقعه ألا يكون قد تكلم عملياً عن شيء آخر. لهذا السبب فإن الأسئلة أعلاه قد تم اقتراحها للوصول إلى تعاليم عيسى (عليه السلام). إذا كان عيسى (عليه السلام) قد أمر أن أعبد الثالوث أو أن أومن بأنه هو الله، فإني أتوقع أن يقول هذا و بكل وضوح ولو مرة واحدة في كل حياته. إن كان قد قال ذلك مرة واحدة على الأقل ، فإنه يكون قد تبرر للآخرين ترديد ذلك آلاف المرات. على كل حال أود أن أعرف أولاً ما هو:
القول الصحيح فيما نسب لعيسى المسيح
يقول الكتاب المقدس :
أَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُ: ((إِنْ أَحَبَّنِي أَحَدٌ يَحْفَظْ كَلاَمِي، وَيُحِبُّهُ أَبِي، وَإِلَيْهِ نَأْتِي، وَعِنْدَهُ نَصْنَعُ مَنْزِلاً))
الكتاب المقدس – يوحنا 14: 23
و ذلك قول عيسى (عليه السلام) باختصار أن كلماته فقط هي التي يجب أن نتمسك بها، والتي ستوصلنا إلى محبة الله لنا. فمن الطبيعي أن أكون راغباً في معرفة ما قاله عيسى فأتبع أوامره فقط دون الآخر ين. أما أقوال الآخرين دون استثناء فإن قبولها أو رفضها يعتمد بالدرجة الأولى على مدى توافقها مع أقوال رسول الله العظيم التقي ، عيسى ابن مريم . أليس هذا بالعدل ؟
لقد قام العالَم المسيحي بعمل رائع فقد زودنا بالكتاب المقدس بكل الأحجام و اللغات و الأشكال و الألوان. من بين تلك النُسخ سلسلة الكتاب المقدس بعنوان : طبعات الحروف الحمراء. تتميز هذه النسخ عن غيرها في أن أقوال عيسى قد طُبعت باللون الأحمر، وذلك يسهل على القارئ تحديد مكان أقوال عيسى (عليه السلام) و تمييزها عن غيرها. هدفنا في هذا الكتاب هو إيجاد الدليل باللون الأحمر حيث يعلّم عيسى (عليه السلام) البشرية أيّاً من المفاهيم الجوهرية للدين المنسوب إليه و المسمى ” المسيحية”. سنرى فيما بعد أنه كلما حاول أحدهم إثبات تلك المعتقدات فإنه يلجأ إلى الكلمات التي باللون الأسود لا التي باللون الأحمر!.
يقول الله تعالى للمسلمين وعن طريق القرآن بأن عيسى (عليه السلام) كان أحد أولي العزم من الرسل عبر كل الأزمان. كما أنه أخبرنا بأن عيسى لم يكن أبداً إلهاً أو ابناً جسدياً لله . نقرأ في القرآن :
وَإِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِن دُونِ اللّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ (116) مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَّا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (117) إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (118)
القرآن الكريم – سورة المائدة (5) : 116-118
من الواضح أننا لا يمكن أن نأخذ بالقولين معاً. فإما أن يكون عيسى (عليه السلام) قد أمر البشرية بعبادته أو لم يأمرهم بذلك. و بما أن معلوماتي بما ورد في الكتاب المقدس لا تقارن بمعلومات السيد (جيه)، فإنني كنت آمل أن يتمكن السيد (جيه) من تحديد أمكنة ذكر عيسى (عليه السلام) لأي من هذه الأمور. بما أن قضية “الثالوث” و “ابن الله” و “الخطيئة الأصلية” و ” الفداء” تشكل الاختلافات الجوهرية بين العقيدة الإسلامية و العقيدة المسيحية ، لذا فقد كنت آمل للوصول إلى التعاليم الأصلية لعيسى (عليه السلام) عن طريق الإجابة على الأسئلة الأربعة المختصرة .
أجاب السيد (جيه) على الأسئلة كالتالي :
(1-1) المنظور المسيحي |
يسعدني جداً أن أُدعى لمخاطبة القرّاء [في هذا المنشور] حول بعض أهم الاختلافات بين المسيحية و الإسلام. تم اقتراح أربعة أسئلة كوسيلة لتوضيح وجهة النظر الإنجيليّة بخصوص سلسلة المقالات حول يسوع و المسيحيّة التي نُشِرت في الفصل الدّراسيّ الأخير .
ومن وجهة نظري فإن الأسئلة الأربعة تجتمع معًا حول سؤال أساسي واحد : من هو يسوع ؟ الإجابة إلى ذلك السّؤال, و هو صُلب الرّسالة التي أُعْلِنَتْ من قبل تابعي يسوع منذ حلوله, هي : “لِتُؤْمِنُوا أَنَّ يَسُوعَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ، وَلِكَيْ تَكُونَ لَكُمْ إِذَا آمَنْتُمْ حَيَاةٌ بِاسْمِهِ” الكتاب المقدس – يوحنا 20: 31 .
إن الإجابة على كلّ من هذه الأسئلة سيساعد على توضيح هذه القناعة المسيحيّة التّاريخيّة.
- هل هناك ثّالوث مقدّس ؟
التّعاليم الإنجيليّة حول طبيعة اللّه الأساسيّة، ملخّصة في كلمة “الثّالوث المقدّس”, تستند بشكل كبير على فهمنا لهويّة عيسى, و التي سأوضحها مطولاً في الإجابة على السؤال الثالث.
إلى هذا الحد ، فإننا يمكن أن نجد الشواهد التي تدعم مصطلح عقيدة الثالوث في العهد الجديد :
- فَاذْهَبُوا وَتَلْمِذُوا جَمِيعَ الأُمَمِ وَعَمِّدُوهُمْ بِاسْمِ الآبِ وَالاِبْنِ وَالرُّوحِ الْقُدُسِ.
الكتاب المقدس – متى 28: 19
- فالمَواهِبُ الرُّوحِيَّةُ على أنواعِ، ولكِنَّ الرُّوحَ الّذي يَمنَحُها واحدٌ. والخِدمَةُ على أنواعِ، ولكِنَّ الرَّبَّ واحدٌ. والأعمالُ على أنواعِ، ولكِنَّ اللهَ الّذي يَعمَلُ كُلَّ شيءٍ في الجميعِ واحدٌ.
الكتاب المقدس – رِسَالَةُ بُولُسَ الْرَّسُولِ الأُولَى إِلَى أَهْلِ كُورِنْثُوسَ 12: 4-6
- ولِتكُنْ نِعمَةُ رَبِّنا يَسوعَ المَسيحِ ومَحبَّةُ اللهِ وشَرِكَةُ الرُّوحِ القُدُسِ مَعكُم جميعًا.
الكتاب المقدس – رِسَالَةُ بُولُسَ الْرَّسُولِ الثَّانِيَةُ إِلَى أَهْلِ كُورِنْثُوس 13: 14
- وَأَمَّا أَنْتُمْ أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ فَابْنُوا أَنْفُسَكُمْ عَلَى إِيمَانِكُمُ الأَقْدَسِ، مُصَلِّينَ فِي الرُّوحِ الْقُدُسِ، وَاحْفَظُوا أَنْفُسَكُمْ فِي مَحَبَّةِ اللهِ، مُنْتَظِرِينَ رَحْمَةَ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ لِلْحَيَاةِ الأَبَدِيَّةِ.
الكتاب المقدس – رسالة يهوذا 20-21
إن الفهم الأفضل لعقيدة التثليث يتم من خلال فهم عقيدة الخلاص في المسيحية : فالمسيحيون يؤمنون أن الإله الآب شاء أن نتصالح معه من خطيئتنا ، فأرسل الابن الذي هيّأ من خلال حياته المثالية و التكفير بموته أساس هذه المصالحة. كما أنهم يؤمنون أن الآب وقتها قد أرسل الروح القدس – باسم يسوع – لينفذ خلاص يسوع فداءً للمسيحيين المؤمنين به، ومن ثم إنقاذهم و منحهم القوة ليحيوا حياتهم منتصرين على الخطيئة. هذا ما يتعلق بتجربة المسيحيين و ثقتهم بالخلاص من خلال مفهوم الآب و الابن و الروح القدس.
ومع ذلك فإنهم يؤمنون بلا شك بأن الله واحد، فكيف لنا أن نجمع بين ذلك ؟ من هنا نشأت فكرة الثالوث. لقد بينت لنا هذه الكلمة حقيقة الرب كما هي موجودة في الكتاب المقدس.
ليس هذا تفسيراً تفصيليّاً بالطبع , لكنّه يساعد على توضيح مغزى هذا المعتقد من خلال الحياة المسيحيّة العمليّة .
- هل عيسى هو ابن الله الجسدي / المولود له / المصنوع له ؟
يظهر يسوع في العهد الجديد كابن اللّه بفضل علاقته الأبديّة الفريدة بالآب و بواسطة الميلاده الفريد من عذراء. عندها يجب علينا أن نفهم كيف يكون عيسى ابناً لله! يخبرنا العهد الجديد بذلك :
وهذِهِ سيرَةُ ميلادِ يَسوعَ المَسيحِ: كانَت أُمُّهُ مَريَمُ مَخْطوبَةً ليوسفَ، فَتبيَّنَ قَبْلَ أنْ تَسْكُنَ مَعَهُ أنَّها حُبْلى مِنَ الرُّوحِ القُدُسِ. وكانَ يوسفُ رَجُلاً صالِحًا فَما أرادَ أنْ يكْشِفَ أمْرَها، فَعزَمَ على أنْ يَترُكَها سِرًّا.وبَينَما هوَ يُفَكِّرُ في هذا الأمْرِ، ظَهَرَ لَه مَلاكُ الرَّبِّ. في الحُلُمِ وقالَ لَه: ((يا يوسفُ اَبنَ داودَ، لا تخَفْ أنْ تأخُذَ مَرْيمَ اَمرأةً لكَ. فَهيَ حُبْلى مِنَ الرُّوحِ القُدُسِ، وسَتَلِدُ اَبناً تُسمّيهِ يَسوعَ، لأنَّهُ يُخَلِّصُ شعْبَهُ مِنْ خَطاياهُمْ)).
الكتاب المقدس – متى 1: 18-22
يدلّ السّؤال ضمناً من خلال هذا التصريح أن يسوع هو – بطريقة ما – نتيجة الاتّحاد الجسديّ بين اللّه و مريم, لكن ذلك ليس كل ما في الأمر. فميلاد يسوع حدث خارق تم بمساعدة الرّوح القدس. و بذلك يتجسد الإله الابن – أو يكسى باللحم – في يسوع “الإله البشر”.
(المولود له) كلمة إنجليزيّة قديمة – فيما تعني بالمصطلح البشري أن يلد طفلاً – تؤكد بأن ما “ينجب” الأب البشري يشترك في الطبيعة الأساسية مع الأب. أي أن الملك جيمس قد ترجم الكلمة اليونانية للصفات المميزة للإله إلى كلمة “المولود له” – بمعنى أن يسوع يشترك مع الآب بالطبيعة الجوهرية ، ليس من خلال الأفعال الجسدية و لكن من خلال الأفعال الخارقة.
- هل قال عيسى (عليه السلام) بنفسه في الكتاب المقدس و في أي وقت “أنا الله” أو “إعبدوني” ؟
إن الذي يميز يسوع عن كلّ الشّخصيّات الدّينيّة الأخرى هو طبيعة ما ادعاه لنفسه. لقد ادعى امتياز الألوهية و الأحقية في الولاء السامي له كما تقبل العبادة و الطاعة من المؤمنين به دون أن يلومهم على ذلك.
يمكن أن نوضح ذلك من خلال عدد من الأمثلة :
- غفران الخطايا :
في إنجيل مرقس – الإصحاح الثاني – العدد /1/ إلى /18/ نقرأ تعليل يسوع لإبرائه رجلاً مشلولاً. المدهش و المذهل بالنسبة للشهود على تلك المعجزة هو التصريح الذي أدلى به يسوع قبل أن يُبرء الرّجل .
بينما يرى يسوع أنّ مجموعةً من الرّجال يحضرون المريض المشلول له, سجل مرقس المشهد التالي :
فلمَّا رأى يَسوعُ إيمانَهُم قالَ للكسيحِ: ((يا اَبني، مَغفورَةٌ لكَ خَطاياكَ! ))
وكانَ بَينَ الحُضورِ بعضُ مُعَلِّمي الشَّريعةِ، فقالوا في أنفُسِهِم: ((كيفَ يتكَلَّمُ هذا الرَّجُلُ كلامًا كهذا؟ فهوَ يُجدِّفُ! مَنْ يَقدِرُ أن يَغفِرَ الخطايا إلاَّ اللهُ وَحدَهُ؟)) وعرَفَ يَسوعُ في سِرِّه أفكارَهُم، فقالَ لهُم: ((ما هذِهِ الأفكارُ في قلوبِكُم؟ 9 أيُّما أسهَلُ: أنْ يُقالَ لِهذا الكسيحِ: مَغفورَةٌ لكَ خَطاياكَ، أمْ أنْ يُقالَ لَه: قُمْ واَحمِلْ فِراشَكَ واَمشِ؟ سأُريكُم أنَّ اَبنَ الإنسانِ لَه سُلطانٌِ على الأرضِ ليَغفِرَ الخَطايا)). وقالَ لِلكسيحِ: ((أقولُ لكَ: قُمْ واَحْمِلْ فِراشَكَ واَذهبْ إلى بَيتِكَ! )) فقامَ الرَّجُلُ وحمَلَ فِراشَهُ في الحالِ وخرَجَ بِمَشْهدٍ مِنَ الحاضِرينَ.
- الألقاب :
لُقِّب يسوع في الأناجيل بلقبين هامّين خلال حياته التبشيرية :
- ابن الإنسان :
هذا هو اللقب الذي يطلقه يسوع على نفسه و بكثرة. إنّه اسم خاصّ بالمسيح المنتظر مستمداً من كتاب دانيال في العهد القديم. عندما نقرأ الفقرة في كتاب دنيال, فإن الادّعاء الضّمنيّ ليسوع عن نفسه يصبح ظاهراً :
ورَأيتُ في مَنامي ذلِكَ اللَّيلَ، فإذا بِمِثلِ اَبْنِ إنسانٍ آتيًا على سَحابِ السَّماءِ، فأسرَعَ إلى الشَّيخ الطَّاعِنِ في السِّنِ. فقُرِّبَ إلى أمامِهِ وأُعطِيَ سُلطانًا ومَجدًا ومُلْكًا حتى تعبُدَهُ الشُّعوبُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ ولِسانٍ ويكونَ سُلطانُهُ سُلطانًا أبديُا لا يَزولُ، ومُلْكُهُ لا يتَعَدَّاهُ الزَّمنُ.
الكتاب المقدس – دانيال 7: 13-14
- ابن الله :
وفي محاكمة يسوع أكد لنفسه هذا اللقب :
وسألَهُ رئيسُ الكَهنَةِ ثانيةً: ((هل أنتَ المَسيحُ اَبنُ الله المُبارَكِ؟)) فأجابَهُ يَسوعُ: ((أنا هوَ. وسَتَرَونَ اَبنَ الإنسانِ جالِسًا عَنْ يَمينِ اللهِ القديرِ، وآتيًا معَ سحابِ السَّماءِ! ))
الكتاب المقدس – مرقس 14: 61-63
- الادعاءات المباشرة ليسوع :
في ذروة حوار مطول ، يتحدث يسوع عن نفسه :((وكَم تَشوَّقَ أبوكُم إبراهيمُ أنْ يرى يَومي، فرَآهُ واَبتهَجَ)).
قالَ لَه اليَهودُ: ((كيفَ رَأيتَ إبراهيمَ وما بَلَغْتَ الخَمسينَ بَعدُ؟)) فأجابهُم يَسوعُ: ((الحقَّ الحقَّ أقولُ لكُم: قَبلَ أنْ يكونَ إبراهيمُ أنا كائِنٌ)).
فأخذوا حِجارَةً ليَرجُموهُ، فاَختَفى عَنهُم وخرَجَ مِنَ الهَيكَلِ.
الكتاب المقدس – يوحنا 8: 56-59
إن الذي يدهش في هذا القول هو تلك الكلمتين ” أنا كائن”. إنه نفس الخيار الذي استخدمه الله في وصفه لنفسه و ذلك في معرض كلامه مع موسى :
فقالَ اللهُ لِموسى: ((أنا هوَ الذي هوَ. هكذا تُجيبُ بَني إِسرائيلَ: هوَ الذي هوَ أرسلَني إليكُم)).
الكتاب المقدس – سفر الخروج 3: 14
- يسوع يتلقى العبادة :
فسَمِعَ يَسوعُ أنَّهُم طَرَدوهُ، فقالَ لَه عِندَما لَقِـيَهُ: ((أتُؤمِنُ أنتَ باَبنِ الإنسانِ؟)) أجابَ: ((ومَنْ هوَ، يا سيِّدي، فأُوْمِنَ بهِ! )) فقالَ لَه يَسوعُ: ((أنتَ رأيتَهُ، وهوَ الّذي يُكَلِّمُكَ! )) قالَ: ((آمنتُ، يا سيِّدي! )) وسجَدَ لهُ.
الكتاب المقدس – يوحنا 9: 35-38
أمّا التَّلاميذُ الأحدَ عشَرَ، فذَهبوا إلى الجَليلِ، إلى الجبَلِ، مِثلما أمرَهُم يَسوعُ. فلمَّا رأوْهُ سَجَدوا لَه.
الكتاب المقدس – متّى 28: 16-17
- يسوع يقبل الألقاب الإلهية :
في خضم حوار واضح بين يسوع و توما “المشكك” نقرأ :
ثُمَّ قالَ لِتوما: ((هاتِ إصبَعَكَ إلى هُنا واَنظُرْ يَدَيَّ، وهاتِ يدَكَ وضَعْها في جَنبـي. ولا تَشُكَّ بَعدَ الآنَ، بل آمِنْ! )) فأجابَ توما: ((رَبِّـي وإلهي! )) فقالَ لَه يَسوعُ: ((آمَنْتَ يا توما، لأنَّكَ رأيتَني. هَنيئًا لِمَنْ آمَنَ وما رأى)).
الكتاب المقدس – يوحنا 20: 27-29
هل قال يسوع “أنا اللّه” ؟ لا, لأنّه بذلك يُساء فهمه. يسوع ليس الآب (كما سيُظنُّ به), بل يسوع هو الابن. لكنه يدعي بوضوح وجود صلة فريدة باللّه الذي يسمّيه يسوع “الآب”. يدّعي يسوع لنفسه أمراً يثبته رويداً رويداً من خلال المعجزات المختلفة و تصريحاته المذكورة أعلاه و الرّدّ الذي يتلقّاه من الآخرين، فيصبح بذلك معنى بنوته لله واضح.
في افتتاحية إنجيله ، يعرض الحواري يوحنا يسوع على أنه “الكلمة” و يقدم ربّما أوضح تفسير لهويّة يسوع و معنى التّجسّد ، و يشير من بعيد إلى حقيقة الثّالوث المقدّس :
فِي الْبَدْءِ كَانَ الْكَلِمَةُ، وَالْكَلِمَةُ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ، وَكَانَ الْكَلِمَةُ اللَّهَ. هَذَا كَانَ فِي الْبَدْءِ عِنْدَ اللَّهِ. كُلُّ شَيْءٍ بِهِ كَانَ، وَبِغَيْرِهِ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِمَّا كَانَ.فِيهِ كَانَتِ الْحَيَاةُ، وَالْحَيَاةُ كَانَتْ نُورَ النَّاسِ – وَالْكَلِمَةُ صَارَ جَسَداً وَحَلَّ بَيْنَنَا، وَرَأَيْنَا مَجْدَهُ، مَجْداً كَمَا لِوَحِيدٍ مِنَ الآبِ، مَمْلُوءاً نِعْمَةً وَحَقّاً.
الكتاب المقدس – يوحنا 1: 1-4،14
- إذا أمكن ، و من خلال الإنجيل ، إثبات أنّ عيسى (عليه السلام) ليس هو الله , و أنه ليس ابن الله الجسديّ /المولود له /المصنوع له , و أنه لا وجود لأي ثّالوث مقدّس – فهل هذا يثبت أن أناساً بلا ضمير قد أفسدوا كلمة اللّه أم لا؟
تدور الرّسالة المسيحيّة عن يسوع حول ثلاثة حقائق : التّجسّد, الصّلب و القيامة. أثبت من خلال الإنجيل أو غيره أن أيّاً من هذه الأمور الثّلاثة غير صحيح, و ستنهار حقيقة الرسالة كما ينهار كرسي بثلاثة أرجل.
تعتمد معظم “الأدلّة” ضدّ التّعاليم التّقليديّة للمسيحيّة على اسلوب التعرية – أي قذف فقرات معينة من الكتاب المقدس ووضعها في وجه فقرات أخرى نازعةً إياها من سياقها الذي وجدت فيه. فالسّياق- حسب اعتقادي – يؤكد دائماً على فهم الإله و المسيح بالشكل الذي حاولت أن أوضحه باختصار فيما سبق.
وفي النهاية ، أحث القرّاء على قراءة الكتاب المقدس بأنفسهم و خاصة أحد الأناجيل. فمن خلالها – حسب اعتقادي – ستزودنا أقوال و أفعال يسوع بالحجة الأكثر إقناعاً لقبوله على أنه الإله و المخلص, و ستجدون من خلاله الرّضى الرّوحيّ الذي يبحث عنه الكثيرون في أيامنا.
(1-2) المنظور الإسلامي |
ملاحظة : بقية الفصل الأول هو توسيع للرد الأصلي على السيد (جيه)
أود أن أوجه شكري إليك يا سيد (جيه) على رسالتك التي خاطبت عقولنا. أود أيضاً أن أشكرك على المعلومات التي زوّدتنا بها من خلال رسالتك. لقد بذلت ما بوسعي لتجنّب الصيغ التي يمكن أن يُعتَرض عليها أو صيغ الازدراء. فنحن بصدد تبادل حوارٍ أكاديميٍّ ولسنا في حلبة مصارعة، إلا أنني بشر في كل الأحوال. فإن صدر عني إساءة في موضع أو اثنين فإني أقدم اعتذاري مقدماً – فهي من نفسي وليست حالة عامة. كما أنني أدركت أن ردّك كان طويلاً نسبياً بالنسبة لشخص يود أن يقرأه في جلسة واحدة. لذا أطلب من القارئ ألا يقوم بذلك و ألا يطلق الأحكام حتى تكتمل الصورة لديه. و الآن إلى الرد :
إن الديانات الثلاث – اليهودية و المسيحية و الإسلام – يعزى منها مفهوماً أساسياً مشتركاً وهو: الإيمان بالله بوجوده السامي خالق و مدبر شؤون هذا الكون. مفهوم وحدانية الله – المعروف في الإسلام باسم التوحيد – قد أُكِّد عليه في صفحات الكتاب المقدس، و المعروفة باسم “شيما” أو مذهب العقيدة اليهودية :
إسمعوا يا بَني إِسرائيلَ: الرّبُّ إلهُنا ربٌّ واحدٌ
الكتاب المقدس – سفر التثنية 6: 4
كرر عيسى (عليه السلام) ذلك حرفاً بحرف بعد حوالي 1500 سنة عندما قال :
فأجابَ يَسوعُ: ((الوَصيَّةُ الأولى هيَ: إسمَعْ يا إِسرائيلُ، الرّبُّ إلهُنا هوَ الرَّبُّ الأحَدُ.))
الكتاب المقدس – مرقس 12: 29
بعد حوالي 600 سنة جاء محمد ( ) بنفس الرسالة مرة أخرى :
وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ
القرآن الكريم – البقرة 163
لقد حادت المسيحية – إلى حد ما – عن مفهوم وحدانية الله إلى معتقد غامض و غير واضح تم صياغته في القرن الرابع بعد الميلاد (أنظر التفاصيل التاريخية في الجزء 1-2-5). هذا المعتقد – و الذي ظل محل خلاف من خارج و داخل الديانة المسيحية – يُعرف باسم عقيدة الثالوث المقدس. تقول هذه العقيدة ببساطة: إن المعتقد المسيحي للثالوث المقدس ينص على أن الله هو عبارة عن اتحاد ثلاثة أقانيم إلهية – الآب و الابن و روح القدس – في كينونة واحدة. وجب على المسيحيين أن يدافعوا عن أنفسهم من الاتهام الدائم بأنهم يعبدون ثلاثة آلهة حيث أن ذلك يعتبر من أسوء أنواع الهرطقة. لذلك وجب على المسيحيين القول أنهم يعبدون إلهاً واحداً. إن هذا الاعتقـاد – كما سنرى في فصول قادمة – قد تمت صياغته أول مرة في مجمع نيقية الشهير عام 325، و الذي ينص من بين أمور أخرى :
[كل منْ ابتغى الخلاص وجب عليه قبل كل شيء أن يتمسك بالإيمان الكاثوليكي (أي الإيمان الجامع العام للكنيسة المسيحية). وكل من لا يحفظ هذا الإيمان دون إفساد يهلك بدون شك هلاكاً أبدياً. والإيمان الكاثوليكي هو أن نعبد إلهاً واحداً في تثليث، وثالوثاً في توحيد. لا نمزج الأقانيم ولا نفصل الجوهر. للآب أقنوم على حدة، وللابن أقنوم آخر، وللروح القدس أقنوم آخر. ولكن للآب والابن والروح القدس لاهوت واحد ومجد متساوٍ وجلال أبدي معاً. كما هو الآب كذلك الابن وكذلك الروح القدس. الآب غير مخلوق، والابن غير مخلوق، والروح القدس غير مخلوق. الآب غير محدود، والابن غير محدود، والروح القدس غير محدود. الآب سرمدي، والابن سرمدي، والروح القدس سرمدي. ولكن ليسوا ثلاثة سرمديين بل سرمدي واحد. وكذلك ليسوا ثلاثة غير مخلوقين، ولا ثلاثة غير محدودين، بل واحد غير مخلوق وواحد غير محدود. وكذلك الآب ضابط الكل، والابن ضابط الكل، والروح القدس ضابط الكل. ولكن ليسوا ثلاثة ضابطي الكل، بل واحد ضابط الكل. وهكذا الآب إله، والابن إله، والروح القدس إله. ولكن ليسوا ثلاثة آلهة، بل إله واحد. و كذلك الآب رب، والابن رب، والروح القدس رب. ولكن ليسوا ثلاثة أرباب بل رب واحدٌ. وكما أن الحق المسيحي يكلفنا أن نعترف بأن كلاً من هذه الأقانيم بذاته إله ورب. كذلك الدين الكاثوليكي ينهانا عن أن نقول بوجود ثلاثة آلهة أو ثلاثة أرباب… ولكن جميع الأقانيم سرمديون معاً و متساوون… ولذلك في جميع الأمور كما ذُكر يجب أن تُعبد الوحدانية في ثالوث والثالوث في وحدانية. إذاً من شاء أن يخلُص فعليه أن يعتقد هكذا في الثالوث. هذا هو الإيمان الكاثوليكي الذي لا يقدر الإنسان أن يخلُص بدون أن يؤمن به بأمانة ويقين. آمين.]
الطّوائف المسيحيّة كثيرة و متنوّعة، لكنّ أغلبيّة مسيحيّي العالم يؤمنون بالمفاهيم الأربعة الأساسية التالية:
- الثالوث المقدس.
- البنوة الإلهية لعيسى (عليه السلام).
- الخطيئة الأصلية.
- موت “ابن الله” على الصليب تكفيراً للخطيئة الأصلية لآدم.
أما الأمور الأخرى فيمكن تجاهلها لقلة أهميتها. فالمسيحيّ يمكن أن ينجو و يدخل الجنة بكل بساطة عن طريق الإيمان في العقيدة المذكورة أعلاه. طبقاً للقديس بولس فإن القانون و الأوامر الإلهية التي سبقت هي عديمة الفائدة و أن هذا الإيمان البسيط سيضمن للخلاص الأبديّ لكلّ القادمين. فعلى سبيل المثال, يُستشهد بقول القديس بولس:
فنَحنُ نَعتَقِدُ أنَّ الإنسانَ يتبَرَّرُ بِالإيمانِ، لا بِالعَمَلِ بأحكامِ الشَّريعةِ
الكتاب المقدس – رسالة بولس الرسول إلى أهل رومية 3: 28
يتمسك غالبية المسيحيين بكلمات القديس بولس بفائق الاحترام, و هذا يُفهم باعتباره المؤلّف الأساسي لأغلبية كتب العهد الجديد. لكن بغضّ النّظر عن دور القديس بولس في تعريف و انتشار المسيحيّة, فإنه عند إظهار الاحترام لتعاليم بولس يجب ألا ننسى حقيقة عدم مساواته لعيسى ولا بأي شكل, و أن تعاليمه لا يُعتدّ بها إذا ما تعارضت مع تعاليم عيسى. ليس لأحد الحق في معارضة تعاليم عيسى، ولا حتى بولس أو الحواريين – باعتبار أنهم جميعاً و رغم كلّ شيء أتباعٌ لعيسى المسيح نفسه.
و من ناحية أخرى، إن كنا بصدد دراسة ما يدعى في أيامنا بدين “المسيح”ـية فإننا سنجد أن هذا الدين عبارة عن تفاسير القديس بولس لدين عيسى (عليه السلام) وفق اعتقاداته الشخصية. إن المسيحيّة كما هي اليوم قد اختُصرت في تفسير كلمات عيسى (عليه السلام) من خلال المنظور (النطاق) الذي بشّر به بولس لا العكس الذي يفترض أن تكون المسيحية عليه. نتوقّع من المسيحيّة أن تكون هي تعاليم عيسى (عليه السلام) و أنّ قبول أو رفض كلمات بولس و كل الآخرين يعتمد على مدى تطابقها مع هذه التعاليم “العيسوية”. كما أننا سنلاحظ فيما بعد أنّ عيسى (عليه السلام) لم يذكر أبداً في حياته خطيئةً أصليةً أو فداءً . لم يطلب أبداً من أي شخص أن يعبده، و لم يدعي في أيّ وقت أن يكون جزءًا من الثّالوث المقدّس. كلماته و أفعاله كانت تدل على كونه رسولاً مخلصاً لله اتبع أوامر ربه بإخلاص دونما أخطاء و أمر تابعيه أن يفعلوا نفس الشيء حصراً و أن يعبدوا اللّه وحده (يوحنا 4: 21/ يوحنا 4: 23/ متى 4: 10/ لوقا 4: 8/ …إلخ).
مثال واحد فقط من بين الأمثلة الكثيرة يبين كيف أن كلمات عيسى قد استُبدلت بكلمات بولس ، وذلك من خلال التّحليل التّالي: يقال أن عيسى (عليه السلام) قد جُهِّز سابقاً للتضحية على الصّليب منذ الأزل و بمحض إرادته (وإلا وجب علينا القول بأن اللّه معذّب و ساديّ في أنه أرغم عيسى على مثل هذه النهاية الشنيعة). إلا أنه كلّما سُئِلَ عيسى (عليه السلام) عن الطّريق إلى “الحياة الأبديّة” فإنه كان يجيب أتباعه باستمرار بقوله “احفظوا الوصايا” فقط لا غير (متى 19: 16-21/ يوحنا 14: 15/ يوحنا 15: 10). لم يأتِ في أيّ وقت بذكر الخطيئة الأصلية أو الفداء ولا حتى مرة واحدة. حتّى عندما أصر تابعوه لكي يخبرهم عن الطريق إلى “الكمال” أخبر تابعيه أن يبيعوا ممتلكاتهم فقط. غادر هذه الأرض تاركاً أتباعه في رهبة التهديد الذي قال فيه :
الحقَّ أقولُ لكُم: إلى أنْ تَزولَ السَّماءُ والأرضُ لا يَزولُ حرفٌ واحدٌ أو نقطةٌ واحدةٌ مِنَ الشَّريعةِ حتّى يتِمَّ كُلُّ شيءٍ (إتمام عيسى لشريعة موسى). فمَنْ خالفَ وَصيَّةً مِنْ أصغَرِ هذِهِ الوصايا وعلَّمَ النَّاسَ أنْ يَعمَلوا مِثلَهُ، عُدَّ صغيرًا في مَلكوتِ السَّماواتِ. وأمَّا مَنْ عَمِلَ بِها وعَلَّمَها، فهوَ يُعَدُّ عظيمًا في مَلكوتِ السَّماواتِ. الكتاب المقدس – متى 5: 18-19
من الواضح أن السماء و الأرض لم تزولا إلى الآن. إنّك عندما تقرأ هذا الكتاب فإنك تشهد على هذه الحقيقة البسيطة. إذاً فإن عيسى (عليه السلام) يخبرنا أنه طالما وجدت الخليقة , فإن الوصايا مطلوبة من أتباعه. و أي شخص – حتى نهاية العالم – سيجرؤ على قول غير ذلك فإنه سيدعى “الأصغر في ملكوت السماوات”. لقد تنبّأ عيسى (عليه السلام) بمحاولة البشريّة لتحريف و إلغاء أوامره – الوصايا العشر لموسى (عليه السلام) – التي علّم أتباعه أن يحافظوا عليها و حافظ عليها بنفسه و بإخلاص إلى أن حدث الصّلب, و كان يحذّر تابعيه بصراحة ليحترسوا من كلّ هؤلاء الذين سيحاولون تحريفها أو إلغاءها.
بعد وقت ليس ببعيد من رحيل عيسى ، جاء شاؤول الطرطوسي (القديس بولس). وهو رجلٌ لم يقابل عيسى (عليه السلام) أبداً ، رجلٌ اعترف باضطهاده لتابعي عيسى (عليه السلام) بكلّ الوسائل المتاحة و أشرف على إعدامهم (إقرأ ما سيأتي لاحقاً). فجأة تلقى القديس بولس رؤيةً من عيسى (عليه السلام), و انقلبت حياته رأساً على عقب. أخذ على عاتقه في ذلك الوقت نَشْر كلمة عيسى (عليه السلام) – من خلال سلطة رؤياه – و شَرْح ما كان عيسى يقصد بالفعل. يدّعي بولس أن ناموس اللّه المنزل على موسى (عليه السلام) عديم القيمة و مفسد و يكاد أن يتلاشى , و أن الإيمان في الصّلب هو الشرط الوحيد للمسيحي حتى يدخل الجنّة ( رسالة بولس إلى أهل رومية 3: 28/ الرسالة إلى العبرانيين 8: 13/ .. إلخ). إلى من يستمع المسيحيون ، عيسى أم بولس؟ إنهم يأخذون بكلام بولس حرفياً ثم “يفسرون” كلام عيسى (عليه السلام) في نطاق كلام بولس. لا أحد يأخذ بكلام عيسى (عليه السلام) حرفياً و يشرح كلام بولس في نطاق كلام عيسى!!.
طبقًا لهذا النّظام في شرح كلمات عيسى وفقاً لتعاليم بولس, فإن عيسى لم يكن أبداً يعني ما يقوله في الواقع بل كان باستمرار يتكلّم بألغازٍ لا يؤخذ بها حرفياً. حتّى عندما يحاول النّاس الاستشهاد بكلمات عيسى لتأكيد تعاليم بولس فيما يخصّ الخطيئة الأصلية و الفداء …إلخ فإنهم لا يأتون بالكلمات الواضحة و الحاسمة أبدًا و التي يؤكّد عيسى من خلالها على هذه المفاهيم. بدلاً من ذلك, فإنهم يقولون على سبيل المثال: (عندما تكلّم عيسى عن الهجرة الجماعية كان في الحقيقة يقصد الفداء) و هلمّ جر. هل يجب علينا أن نؤمن أن بولس هو الوحيد الذي كان بمقدوره أن يتكلم عما يدور في عقله بوضوح و بحزم بينما كان عيسى (عليه السلام) غير قادر على النّطق بما يعنيه بوضوح و بحزم؟ و أن كلام عيسى بحاجة إلى المفسرين لشرح المعنى الحقيقيّ لما قاله، و لشرح كيف أنه عندما تكلّم عن الوصايا لم يكن يقصد الوصايا العشر بل عن وصايا روحية؟ و أنهم الآن سيخبروك بماهية هذه الوصايا الروحية التي عجر عيسى عن التكلم عنها بوضوح؟!
من المثير الإشارة إلى أن عيسى لم يكن يتكلّم بالأحاجي عندما أمر تابعيه أن يحفظوا الوصايا، بل كان يتكلّم عن الوصايا العشر لموسى بعينها. يمكن رؤية ذلك بوضوح عندما نقرأ على سبيل المثال في لوقا (18: 20) حيث أشار عيسى بصراحة ما يعنيه بقوله “إحفظوا الوصايا”.
وَمُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلِأُحِلَّ لَكُم بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ فَاتَّقُواْ اللّهَ وَأَطِيعُونِ. (على لسان عيسى)
القرآن الكريم – آل عمران 50
بحثت سابقاً عن إجابة منطقيّة لهذا اللّغز عن طريق طرح الأسئلة التّالية إلى رجال الدّين المسيحيّين المحترمين :
- حسب اعتقادك فإنه يفترض أن عيسى كان مستعداً لـ”الفداء” منذ الأزل. فهو يجب أن يعلم ما سيأتي.
- كلّما كان يُسأل عن الطّريق إلى “الحياة الأبديّة” (متى 19: 16-22/…إلخ ) كان يجيب أتباعه باستمرار بقوله “احفظوا الوصايا” لا غير كما حفظ بنفسه “وصايا أبيه”…إلخ .
- حتّى عندما ألحّوا عليه بالمزيد , أخبر تابعيه أنّهم إن أرادوا أن يصلوا إلى الكمال وجب عليهم بيع ممتلكاتهم لا غير.
- لم يأتِ على ذكر “الفداء” أو “الخطيئة الأصلية” ولو لمرة واحدة.
- إن الوصايا التي تحدث بها هي الوصايا العشر لموسى وليست بعض الوصايا “الروحية”. يمكن رؤية ذلك نفس النص الذي تحدث به عيسى بوضوح عن بعض الوصايا العشر لموسى متناولاً واحدة تلو الأخرى.
- إن المسيحية تتّبع القديس بولس و ليس عيسى – مع ملاحظة أن بولس تابعٌ لمتبوع وليس الأصل. و أن تعاليم عيسى تُفسر في نطاق تعاليم بولس وليس العكس.
كلما عرضت هذه الأسئلة على أحد رجال الدين المسيحيين فإنني أحصل على نفس الإجابات: “حسنٌ. لا تأخذ كلام عيسى حرفياً. فقد قال لنا القديس بولس في رسالته إلى أهل رومية …” أو “نعم. ولكن القديس بولس يقول لنا في رسالته إلى أهل غلاطية…” أو “يقول لنا القديس بولس في رسالته إلى أهل كورنثوس…” و يبقى سؤالي : أين قال عيسى ذلك؟ أين تجد هذا القول باللون الأحمر ؟ هل يستمد القديس بولس سلطته من عيسى؟ أريد فقط تصريحاً واحداً فقط من عيسى نفسه مؤكداً فيه ادعاءات بولس و عندها سيكون بالإمكان قبول ادعائه في أنه كان يبشّر بـ “تعاليم عيسى”. إن كان عيسى قد قال ذلك لمرة واحدة عندها سأقبل أن يرددها بولس آلاف المرات. على كل حال – وكما سنرى قريباً – لم يؤكد عيسى (عليه السلام) ما بشّر به بولس أبداً ولا حتى مرة واحدة في كل أيام حياته.
بالعودة إلى الموضوع الذي بين أيدينا, سيلاحظ القارئ في ردّ السيد (جيه) غياباً مذهلاً لنصوص تعتبر جوهرية في استشهاد أي مسيحي أو مسيحية من العوام دفاعاً عن “الثّالوث المقدّس” و عن قضايا أخرى. قد يظن القارئ أن السيد (جيه) ليس متمكناً من الإنجيل بالقدر الكافي ليستشهد بهذه النصوص، ولكن ذلك بعيدٌ عن الواقع. بل إنّ منصبه يتطلب منه أنه يعرف تلك المقاطع. حقيقة الأمر أنّني كنت في مراسلة مستمرة مع السّيّد (جيه) لعدة أشهر من الآن و التي طلب مني أن أنشرها له. في هذه المراسلات , كثير من هذه النصوص الجوهريّة تم التعامل معها بالتفصيل و دُحضت لأسباب مختلفة. لهذا السبب لم يستشهد بها في رسالته هذه. على كل حال – و لتعميم الفائدة – سنقوم باقتباس هذه النصوص التى اختار السيد (جيه) ألا يستشهد بها، و سنقوم بدراسة النصوص الأخرى التي قدمها لنا.
(1-2-1) “الإيمان الأعمى” أو “إثبات كل الأمور” ؟
قبل أن نسترسل في ردنا ، دعونا نحدد القواعد الأساسية. إن كل نسخ الكتب المقدسة الموجودة في أيامنا تخبرنا أن المسيحيون يتعلمون عن عيسى (عليه السلام) نفسه:
فأجابَ يَسوعُ: ((الوَصيَّةُ الأولى هيَ: إسمَعْ يا إِسرائيلُ، الرّبُّ إلهُنا هوَ الرَّبُّ الأحَدُ. فأحِبَّ الرَّبَّ إلهَكَ بِكُلِّ قَلبِكَ وكُلِّ نَفسِكَ وكُلِّ فِكرِكَ وكُلِّ قُدرتِكَ)).
الكتاب المقدس – مرقس 12: 29-30
كذلك يقول لهم :
امتَحِنوا كُلَّ شيءٍ وتمسَّكوا بالحسَنِ
الكتاب المقدس – رسالة بولس الرسول الأولى إلى أهل تسالونيكي 5: 21
اللهَ لَيْسَ إِلَهَ تَشْوِيشٍ
الكتاب المقدس – رسالة بولس الرسول الأولى إلى أهل كورنثوس 14: 33
و بناءً عليه، و بعكس تعاليم الكثيرين، لم يشأ عيسى أن يؤمن أتباعه في كل شيء يقال لهم إيماناً أعمىً، بل أراد أن يؤمن أتباعه “بكامل عقولهم“. أرادنا أن نتفكّر حتى نصون كلامه من الفساد. هلمّوا بنا نمتثل تعاليم رسول الله المصطفى عيسى (عليه السلام) و نرى إلى أين يقودنا التفكّر و الحقيقة :
(1-2-2) “الثالوث المقدس” أو 1+1+1=1
يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ وَلاَ تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ إِلاَّ الْحَقِّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَلاَ تَقُولُواْ ثَلاَثَةٌ انتَهُواْ خَيْرًا لَّكُمْ إِنَّمَا اللّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَن يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَفَى بِاللّهِ وَكِيلاً (171)
القرآن الكريم – النساء
أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِّنَ الْأَرْضِ هُمْ يُنشِرُونَ (21) لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ (22)
القرآن الكريم – الأنبياء
ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَّجُلًا فِيهِ شُرَكَاء مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِّرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (29)
القرآن الكريم – الزمر
بمعنى: أيهما يساعد على التناغم أكثر: أن يكون للمرؤوس رئيسين اثنين يتنازعون عليه أو أن يكون لجميع المرؤوسين رئيس واحد فقط ؟
قُل (يا محمد للكافرين) لَّوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذًا لاَّبْتَغَوْاْ إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلاً (42) سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا (43) تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا (44)
القرآن الكريم – الإسراء
وَقُلِ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَم يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُن لَّهُ وَلِيٌّ مِّنَ الذُّلَّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا (111)
القرآن الكريم – الإسراء
مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ (91) عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (92)
القرآن الكريم – المؤمنون
إن مفهوم “التثليث” – الذي تبنته المسيحية بعد ثلاثة قرون من رحيل عيسى (أنظر التفاصيل التاريخية في نهاية هذا الفصل) و علّمته للمسيحيين منذ ذلك الوقت – إنما هو دمجٌ لثلاث ذواتٍ في كينونة واحدة مماثلة للأصل بينما تحافظ هذه الكينونة على ثلاث ذوات منفصلة. أي: ثلاثة أجسام ملتفة و ممزوجة و مدموجة في جسم واحد إلى أن أصبحت ذاتاً واحدةً في حين تبدي ميزات ثلاث ذوات منفصلة. لقد وُصِف هذا المفهوم على أنه “لغز”. و كما قرأنا قبل قليل ، فقد وُضِع أول تعريف للثالوث في القرن الرابع كما يلي : “نعبد إلهاً واحداً في تثليث، و ثالوثاً في توحيد… للآب أقنوم على حدة، وللابن أقنوم آخر، وللروح القدس أقنوم آخر… ولكن ليسوا ثلاثة آلهة، بل إله واحد… ولكن جميع الأقانيم الثلاثة سرمديون معاً ومتساوون… إذاً من شاء أن يخلُص فعليه أن يعتقد هكذا في الثالوث…” مقتبسات من قانون الإيمان الأثانسي
عندما تتحدث الكنيسة عن العبادة فإنها تزعم أن الله و عيسى و الروح القدس هم كينونة واحدة. ذلك لأن أعداداً مثل (إشعياء 43: 10-11) تؤكد صراحةً على وحدانية الله تعالى. ولكن عندما يتكلمون عن “موت الله” فإنهم يزعمون أن عيسى هو الذي مات وليس الله أو “الثالوث المقدس”. فالثلاثة يصبحون منفصلين. عندما يصفون الله بأنه قد “أنجب” ولداً فإنهم لا يقصدون بذلك أن “الثالوث المقدس” أو عيسى (عليه السلام) هو الذي أنجب الولد، بل كينونة منفصلة و متميزة عن الاثنين الباقين… و يوجد أمثلة كثيرة تساق بنفس الأسلوب. فكيف نحل هذه المعضلة؟ فهل سيكون عندنا الإيمان الأعمى أم نتبع القول “ أحِبَّ الرَّبَّ إلهَكَ… بِكُلِّ فِكرِكَ“؟ فإذا ما اخترنا المنهج الثاني من العمل وجب علينا أولاً أن نحدد المصدر الذي سنقبله في إدراكنا للطبيعة الإلهية الحقة لله تعالى.
عندما ينزّل الله وحياً فإنه يكون موجهاً إلى عامة الناس، النجار منهم و الحداد و التاجر. إن الله لا يوحي بكتابه السماوي بلغةٍ لا يفقهها إلا المفكرين و أكثر العلماء علماً و حملة درجة الدكتوراة في علم الصواريخ. و لست أعني بقولي أنه يجب عدم استشارة أصحاب العلم في النصوص المقدسة في حال واجهتنا مصاعب ذات أهمية ثانوية، ولكن، إن كان من الصعوبة بمكان أن يدرك الرجل العادي من كتابه السماوي ماهية الله أو “من يعبد؟” بدون تأثير خارجي شامل من قبل القسيسين الضليعين – عندها سأكون متأكداً أنك توافقني الرأي في أن القليلين فقط هم الذين سيهتدون إلى الحقيقة في هذا الكتاب السماوي و إلى الرسالة الأساسية المتضمنة فيه.
إن الإجابة على التساؤل “من أعبد؟” هي بلا شك أهم معلومة – بل حاسمة – يجب أن يتزود بها من يقرأ كتاباً إلهياً قبل أن يقبل أي كلمة من هذا الكتاب. هذه المسألة يجب أن تكون جدُّ واضحة قبل قبول أي أمرٍ فيه. فإن رغبتُ بالعمل في شركة لا أعلم من هو (هم) رئيسي (رؤسائي) فكيف يتسنى لي أن أعرف ماذا يريد (يريدون) مني أن أفعل؟ كيف لي أن أعرف من أتبع أوامره ممن أتجاهل أوامره؟
و لنفس السّبب, فمن المتوقع أننا لو قدّمنا لمواطن من غابات زيمبابوي نسخة كتاب مقدّس إلهيّ بلغته الأم, ثم تركناه دون أن نتفوّه بكلمةٍ واحدةٍ, فإننا نتوقع على الأقلّ أن يكون هذا الشّخص قادرًا على أن يستخرج من هذا الكتاب المقدّس طبيعة الذي أوحى به.
لذا دعونا نبدأ برسم جدول نضع فيه بعض الأوامر من الكتاب المقدس والتي تخبرنا بوضوح أن الله واحد، بالإضافة إلى جميع النصوص التي تأمرنا بوضوح أن الله ثلاثة. فإن كان الكتاب المقدس يأمرني بالإيمان بأن الله ثلاثة في واحد عندها لن أطلب تقسيراً أو تبريراً لذلك. فلن أحتاج إلى أن يشرح لي الله “كيف” يكون “واحداً” و كيف يكون “ثلاثة” في نفس الوقت. كل ما أريده هو أن يأمرني الكتاب المقدس بأن الأمر كذلك و أن يأمرني أن أتحلّى بالإيمان الأعمى. إليكم جدولنا:
التصريح الواضح | – |
– | الله واحد |
– | الله ثلاثة |
الآن و قد انتهينا من إنشاء الجدول أصبحنا جاهزين كي نتابع. دعونا نبدأ بالسطر الأول.
نقرأ في الكتاب المقدس :
- فاَعلموا الآنَ ورَدِّدوا في قلوبِكُم أنَّ الرّبَّ هوَ الإلهُ في السَّماءِ مِنْ فَوقُ وفي الأرضِ منْ أسفلُ، ولا إلهَ سِواهُ.
سفر التثنية 4: 39
- لا يَكُنْ لكَ آلهةٌ سِوايَ.
سفر الخروج 20: 3
- لا تسجدوا لإلهٍ آخرَ لأنِّي أنا الرّبُّ إلهٌ غيورٌ.
سفر الخروج 34: 14
- أنتُم شُهودي يقولُ الرّبُّ، ذُريَّةُ عبدي الذي اَختَرْتُهُ لأنَّكُم عَلِمتُم وآمَنتُم بي وفَهِمتُهم أنِّي أنا هوَ. ما كانَ مِنْ قَبلي إلهٌ ولن يكونَ مِنْ بَعدي! فأنا أنا الرّبُّ، ولا مُخلِّصَ غَيري.
إشعياء 43: 10-11
- وقالَ الرّبُّ ملِكُ إِسرائيلَ، فاديهِ ورَبُّهُ القديرُ ((أنا الأوَّلُ وأنا الآخرُ، ولا إلهَ في الكَونِ غَيري)).
إشعياء 44: 6
- ليَعلَمَ البشَرُ مِنْ مَشرِقِ الشَّمسِ إلى مَغرِبِها أن لا إلهَ غَيري. أنا الرّبُّ ولا آخرُ.
إشعياء 45: 6
- وهذا ما قالَ الرّبُّ، وهوَ اللهُ خالِقُ السَّماواتِ وجابِلُ الأرضِ وصانِعُها الذي ثَبَّتَها وأوجدَها لا للفراغِ، بل للعُمرانِ: ((أنا الرّبُّ ولا آخرُ)).
إشعياء 45: 18
- ((تعالَوا إليَ تَخلُصوا يا جميعَ شُعوبِ الأرضِ! فأنا أنا اللهُ ولا آخرُ)).
إشعياء 45: 22
تلك كانت أمثلة مختصرة و لكنها كافية. لذا دعونا نضعها في الجدول :
التصريح الواضح | – |
سفر التثنية 4: 39
سفر الخروج 20: 3 سفر الخروج 34: 14 إشعياء 43: 10-11 إشعياء 44: 6 إشعياء 45: 6 إشعياء 45: 18 إشعياء 45: 22 |
الله واحد |
– | الله ثلاثة |
و الآن دعونا ننتقل إلى السطر الثاني، و لنبدأ بالنصوص التي استشهد بها السيد (جيه).
قدم لنا السيد (جيه) الأدلة التالية على أن الله تعالى ثلاثة في واحد: متى 28: 19 ، كورنثوس الأولى 12: 4-6 ، كورنثوس الثانية 13: 14 ، يهوذا 1: 20-21. دعونا نقوم بدراسة هذه الأدلة، ولكن لنبدأ أولاً بتحديد هدفنا. عندما طلبت نصاً يقول فيه الله بوضوح أنه “ثلاثة في واحد” فإن الذي أردته كان نصاً يقول مثلاً: “إن الله و عيسى و الروح القدس هم جميعهم آلهة، ولكنهم ليسوا ثلاثة آلهة بل إلهاً واحداً” أو “إن الله و عيسى و الروح القدس هم نفس الكينونة” أو “إن الله و عيسى و الروح القدس هم واحد و سيان“. إلخ.
إن مجرد ظهور المفردات “الله” و “عيسى” و “الروح القدس” معاً في نص واحد فإن ذلك لا يعني بالضرورة أن النص يتطلب وجود “الثالوث المقدس” أو “دمج الثلاثة في واحد”. حتى و لو تضمن النص كلمة “واحد” فإن ذلك أيضاً لا يتطلب بالضرورة وجود “الثالوث المقدس”. فلو أنني قلت: “خالد و سمير و محمد يتكلمون لغةً واحدةً” فهذا لا يعني أن: “خالد و سمير و محمد هم شخص واحد“. كما سنرى، فإن الشواهد التي طرحها السيد (جيه) هي الأفضل من حيث وضوح مدلولها – لذا دعونا نبدأ بتعديل جدولنا بإضافة هذه النصوص:
التصريح الضمني | التصريح الواضح | – |
– | سفر التثنية 4: 39
سفر الخروج 20: 3 سفر الخروج 34: 14 إشعياء 43: 10-11 إشعياء 44: 6 إشعياء 45: 6 إشعياء 45: 18 إشعياء 45: 22 |
الله واحد |
متى 28: 19
كورنثوس الأولى 12: 4-6 كورنثوس الثانية 13: 14 يهوذا 1: 20-21 |
لا شيء حتى الآن | الله ثلاثة |
لنبدأ الآن بدراسة أمثلة (شواهد) السيد (جيه) :
(1-2-2-1) متى 28: 19 (باسم…)
فَاذْهَبُوا وَتَلْمِذُوا جَمِيعَ الأُمَمِ وَعَمِّدُوهُمْ بِاسْمِ الآبِ وَالاِبْنِ وَالرُّوحِ الْقُدُسِ.
لو أن الرئيس السابق جورج بوش قال للجنرال نورمان سكوارتزكوبف: (إذهبوا و تحدثوا مع العراقيين و عاقبوهم باسم الولايات المتحدة و بريطانيا العظمى و الاتحاد السوفيتي)، فهل هذا يتطلب أن تكون البلدان الثلاثة بلداً واحداً تماماً؟ قد يكونون واحداً بالغايات و الأهداف، ولكن ذلك لا يتطلب ولا بأي شكل من الأشكال أن يكونوا وجوداً واحداً.
بالإضافة إلى ذلك، فإن “المهمة العظيمة” كما رويت في إنجيل مرقس لا تحتمل أي ذكر للآب أو الابن أو الروح القدس (وقالَ لهُم: اَذهَبوا إلى العالَمِ كُلِّهِ، وأعلِنوا البِشارةَ إلى النـّاسِ أجمعينَ. مرقس 16: 15). كما سنرى في الفصل الثاني، فإن المؤرخين المسيحيين يعترفون عن طيب خاطر بأن الكتاب المقدس كان محط “تصحيح” و “إضافة” مستمرين ليكون متوافقاً مع المعتقدات السائدة. كما قدموا لنا حالات موثقة عن كلمات “أدخلت” على النص لإثبات معتقدٍ ما.
يقول توم هاربر Tom Harpur المحرر السابق في قسم الأديان لمجلة تورونتو ستار Toronto Star :
“يتفق جميع أو أغلب العلماء المحافظين على أن الجزء الأخير من هذه الوصية على الأقل قد تم إضافته لاحقاً. هذه الصيغة غير موجودة في أي مكان آخر في العهد الجديد، و نحن نعلم من خلال الدليل الوحيد المتوفر لدينا (بقية العهد الجديد) أن الكنيسة الأولى لم تقم بتعميد الناس باستخدام هذه الألفاظ – بل إن التعميد كان باسم يسوع وحده. وبالتالي فإن النص الأصلي يقول: “عمدوهم باسمي” ومن ثم جاءت الإضافة لتصبح جزءً من العقيدة. في الحقيقة فإن أول من أشار إلى هذا الأمر هم الناقدون الألمان بالإضافة إلى طائفة “الموحدين” في القرن التاسع عشر، و هذا الرأي كان شائع القبول عموماً في الأوساط العلمية حتى عام 1919. في أول إصدار لتفسير بيك (Peake) يقول: (إن كنيسة الأيام الأولى لم تبدِ اهتماماً بهذه الوصية المنتشرة في العالم اليوم و إن كانت على علم بها. إن وصية التعميد باسم ثلاثة إنما هي توسيع في العقيدة).”
من أجل المسيح For Christ’s Sake– توم هاربر Tom Harpur – ص 103
تم التأكيد على ذلك في (تفسير بيك Peake للكتاب المقدس) الذي طبع سنة 1919، و الذي نال إعجاباً عالمياً و اعتُبر المرجع الأساسي لدارسي الكتاب المقدس. حيث يقول بيك: “يتم شرح هذه المهمة من خلال لغة الكنيسة و أكثر المعلقين يشككون في أن صيغة الثالوث موجودة في الأصل في إنجيل متى، حيث أن بقية العهد الجديد لا يحتوي على هكذا صيغة بل يصف التعميد كما تم تأديتـه باسم يسوع السيد (أعمال الرسل [2: 38] ، [8: 16]، إلخ)”
يؤكد على هذه الحقيقة العديد من المراجع الأخرى مثل قاموس الكتاب المقدس للمؤلف جيمس هاستينغز (James Hastings) (ص 1015) إلا أن الاقتباسات أعلاه كافية الآن.
إن إدراك ذلك لم يكن من السهولة بمكان أو نتيجة نزوات لا أساس لها من الصحة. بل الحقيقة أن أدلة داخلية و خارجية دفعت هؤلاء العلماء المسيحيين ليدركوا ذلك. فعلى سبيل المثال لاحظ هؤلاء العلماء المسيحيون أنه بعدما أصدر عيسى هذه الوصية على حد زعمهم و من ثم رفع إلى السماء، أظهر الحواريون جهلاً تاماً بهذه الوصية :
فقالَ لهُم بُطرُسُ: ((تُوبوا وليَتعَمَّدْ كُلُّ واحدٍ مِنكُم باَسمِ يَسوعَ المَسيحِ)).
أعمال الرسل 2: 38
لاحظ هؤلاء العلماء المسيحيون أنه إن كان عيسى قد أوصى حوارييه حقاً أن يقوموا بالتحديد وفق قوله “عمدوهم باسم الآب و الابن و الروح القدس” فمن المستبعد أن يكون الحواريون قد عصوا أمره المباشر و قاموا بالتعميد باسم عيسى المسيح وحده .
وكدليل أخير، فإنه من الملاحظ أنه بعد رحيل عيسى و عندما قرر بولس تبشير الأممين نتج عن ذلك حوار ساخن و اختلاف كبير للآراء بينه و بين ثلاثة حواريين على الأقل. ما كان ذلك ليحدث لو أن عيسى أوصاهم على الملأ – كما زُعِم – بتعميد الأميين (للمزيد من التفاصيل أنظر القسم 6-13).
نلاحظ أن هذا العدد (النص) لم يقل أبداً بأن الثلاثة هم واحد أو حتى أن الثلاثة متساوون، بل و أكثر من ذلك. فقد لاحظ أغلب علماء المسيحية أن الجزء الأخير على الأقل “الآب و الابن و الروح القدس” لم يكن أصلاً في وصية عيسى بل تم إضافته من قبل الكنيسة بعد مضي وقت طويل من رحيل عيسى.
في الصفحة /302/ من كتابه “الفحص النقدي لحياة عيسى” الأكثر قوة و تمحيصاً و المكون من /800/ صفحة يقول المؤلف ديفيد فريدريتش ستروسDavid Friedrich Strauss :
“و بعد بعثه، وفق الأناجيل الثلاثة، أعطى (عيسى) رجال الدين الأمر ((اذهبوا و تلمذوا كل الأمم و عمدوهم…)) (متى 28: 19، مرقس 16: 15، لوقا 24: 15). بمعنى: اذهبوا إليهم و اعرضوا عليهم ملكوت المسيح، حتى ولو لم يكونوا يهوداً من قبل. لم يكتفِ رجال الدين بعد عيد الخمسين بإهمال تنفيذ هذه الوصية بل وعندما أصبح الأمر قسراً عليهم – مما أعطاهم الفرصة للامتثال بالوصية – تصرفوا و كأنهم جميعاً يجهلون توجيهاً كهذا من قبل عيسى (أعمال الرسل 10،11)”
في الحقيقة، لم يكن السبب الذي منع رجال الدين من تنفيذ هذه الوصية أنهم كانوا غير مخلصين لأوامر عيسى (عليه السلام) ، بل السبب أن عيسى (عليه السلام) لم يتفوه بهذه الكلمات أصلاً. فقد أضيفت هذه الكلمات لاحقاً من قبل الكنيسة. و سنرى المزيد من الأدلة على ذلك من خلال صفحات هذا الكتاب.
وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ …(6)
القرآن الكريم – الصف
(1-2-2-2) كورنثوس الأولى 12: 4-6 (تنوع المواهب)
فالمَواهِبُ الرُّوحِيَّةُ على أنواعِ، ولكِنَّ الرُّوحَ الّذي يَمنَحُها واحدٌ. والخِدمَةُ على أنواعِ، ولكِنَّ الرَّبَّ واحدٌ. والأعمالُ على أنواعِ، ولكِنَّ اللهَ الّذي يَعمَلُ كُلَّ شيءٍ في الجميعِ واحدٌ.
فبل أن ننتقل إلى تعليقاتي الخاصة، دعونا أولاً نقرأ ما ورد في قاموس الكتاب المقدس إردمانز Erdmans Bible Dictionary :
“إن التّركيبة الثّلاثيّة في العهد الجديد غالباً ما يُنظر إليها على أنها إشارة إلى عقيدة مطورة للثّالوث المقدّس, لكن ذلك يتطلب الكثير من الاستنباط. إن كلاً من [كورنثوس الأولى 12: 4-6] و [كورنثوس الثانية 13: 14] يدل ضمنياً على تمايز و اختلاف الثلاثة باعتبار أنهم أتوا بصيغة (السيد – أي المسيح، الروح، الله) بفصل (السيد) و (الروح) عن (الله).”
قاموس إردمانز للكتاب المقدس، تحرير آلن ميرز – ص 1020
The Eerdmans Bible Dictionary, Editied by Allen C. Myers, p. 1020
فلو أنني قلت: “إن الهدايا على أنواع، و لكن بابا نويل الذي يمنحها واحد. و الإدارة على أنواع، ولكن الحكومة واحدة. و الأعمال على أنواع، ولكن الله الذي يعمل كل شيء في الجميع واحد” فهل سيشكل الله و حكومة الولايات المتحدة و بابا نويل ثالوثاً آخر؟ هل يقرأ المقطع هكذا؟ هل يستحيل تلقي المواهب و الإدارات والأعمال إلا من شخص واحد؟ هناك اختلاف كبير بين هذا المقطع و بين القول “إن الله و عيسى و الروح القدس هم واحد متماثل”. و في أحسن الأحوال, فإن الذي يقرؤون [كورنثوس الأولى 12: 4-6] لن يزعموا أن النص يصرّح بوضوح أن الثّلاثة هم واحد, سيضطرون إلى أن يعترفوا أن النص يدلّ ضمناً فقط على مثل هذه العلاقة. لذا يجب علينا أن نتساءل: لماذا يلجأ الله القدير إلى الدلالة الضمنية على طبيعته الثالوثية إذا كان هذا قصده؟ ما الذي يمنعه من أن يصرح ببساطة عن مقصده بوضوح إذا كان ذلك هو ما يقصده فعلاً؟ لماذا يجب أن يكون كل شيءٍ مختزلاً؟ إذا كانت هذه هي طبيعة الله فلماذا عجز الكتاب المقدس أن يقول ببساطة “إن الله و عيسى و الروح القدس هم مزيج لكينونة واحدة” أو القول “إن الله و عيسى و الروح القدس هم واحد متساوٍ” ؟ هل هذا من الصعوبة بمكان؟ أنظر كيف أن ذلك يتطلب مساحة أصغر! أنظر كم سيكون ذلك حتمياً و واضحاً و حاسماً! أنظر كم هو واضح و حاسم هذا النص في سفر التثنية 4: 39 :
فاَعلموا الآنَ ورَدِّدوا في قلوبِكُم أنَّ الرّبَّ هوَ الإلهُ في السَّماءِ مِنْ فَوقُ وفي الأرضِ منْ أسفلُ، ولا إلهَ سِواهُ.
و كذلك في إشعياء 43: 10-11 :
أنتُم شُهودي يقولُ الرّبُّ، ذُريَّةُ عبدي الذي اَختَرْتُهُ لأنَّكُم عَلِمتُم وآمَنتُم بي وفَهِمتُهم أنِّي أنا هوَ. ما كانَ مِنْ قَبلي إلهٌ ولن يكونَ مِنْ بَعدي! فأنا أنا الرّبُّ، ولا مُخلِّصَ غَيري.
إن الله لا يتكلم بإسلوب الفلاسفة و يلف و يدور حول الموضوع و لا يراوغ. إنه يتكلم بوضوح بعيداً عن الغموض حتى لا يكون هنالك أدنى شك في فهم ما أراد قوله. إذا كان الله ثالوثاً في الحقيقة فلماذا لا يقول ذلك ببساطة و بكل وضح و حسم تماماً كما فعل عندما تحدث عن تفرده؟
(1-2-2-3) كورنثوس الأولى 13: 14 (النعمة و المحبة و الشركة)
ولِتكُنْ نِعمَةُ رَبِّنا يَسوعَ المَسيحِ ومَحبَّةُ اللهِ وشَرِكَةُ الرُّوحِ القُدُسِ مَعكُم جميعًا. آمين.
لو أنني قلت “لتكن عبقرية آينشتاين و فلسفة ديكارت و قوة شوارزينجر معكم جميعاً” فهل يتطلب ذلك أن الثلاثة يندمجون في “ثالوث”؟ هل يتطلب ذلك أن يكون آينشتاين هو ديكارت (أو “وجهاً” آخر من ديكارت)؟ هل يتطلب ذلك أن يكون ديكارت هو شوارزينجر (أو “وجهاً آخر من شارزينجر)؟
“إن التّركيبة الثّلاثيّة في العهد الجديد غالباً ما يُنظر إليها على أنها إشارة إلى عقيدة مطورة للثّالوث المقدّس, لكن ذلك يتطلب الكثير من الاستنباط. إن كلاً من [كورنثوس الأولى 12: 4-6] و [كورنثوس الثانية 13: 14] يدل ضمنياً على تمايز و اختلاف الثلاثة باعتبار أنهم أتوا بصيغة (السيد – أي المسيح، الروح، الله) بفصل (السيد) و (الروح) عن (الله).”
قاموس إردمانز للكتاب المقدس، تحرير آلن ميرز – ص 1020
The Eerdmans Bible Dictionary, Editied by Allen C. Myers, p. 1020
لكن، حتّى في ذلك, نجد أن هذا المقطع حاله كحال الكثير من مقاطع الكتاب المقدس المماثلة و التي يُزعم أنها تحتوي على إشارة ضمنية للثالوث المقدس، ففي الحقيقة أن العلماء المسيحيّين قالوا أنها مجرد أمثلة إضافيّة لجهود الكنيسة لإدخال مقاطع مختلقة في الكتاب المقدس لجعل عقيدة الثّالوث المقدّس واضحةً من خلاله. فعلى سبيل المثال نقرأ في كتاب (ملحق أكسفورد للكتاب المقدس):
“إن أُولى أدلة العهد الجديد على صيغة التثليث هي ما ورد في رسالة بولس الثانية إلى أهل كورنثوس 13: 14 و التي يدعو فيها بولس لأهل كورنثوس لتكون معهم ((نعمة ربنا يسوع المسيح و محبة الله و شركة الروح القدس)). من الممكن أن تكون هذه الصيغة الثلاثية مستمدة من طقوس دينية لاحقة و أضيفت إلى نص كورنثوس الثانية عند نسخها..”
ملحق أكسفورد للكتاب المقدس، بروس متجر و مايكل كوجان، ص 782
The Oxford Companion to the Bible, Bruce Metzger and Michael Coogan, p. 782
سنرى أمثلة أكثر على “إضافات” الكنيسة على النصوص الأصلية في الكتاب المقدس و ذلك في أمكنة أخرى كثيرة في هذا الكتاب (إقرأ على سبيل المثال القسم 1-2-2-5).
(1-2-2-4) رسالة يهوذا 1: 20-21 (البناء و الصلاة)
وَأَمَّا أَنْتُمْ أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ فَابْنُوا أَنْفُسَكُمْ عَلَى إِيمَانِكُمُ الأَقْدَسِ، مُصَلِّينَ فِي الرُّوحِ الْقُدُسِ، وَاحْفَظُوا أَنْفُسَكُمْ فِي مَحَبَّةِ اللهِ، مُنْتَظِرِينَ رَحْمَةَ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ لِلْحَيَاةِ الأَبَدِيَّةِ.
بدأت الصورة الآن تكتمل في أذهاننا. هل يتطلب هذا النص وجود “الثالوث”؟ هل ينص أن ((الله و عيسى و الروح القدس هم إله واحد))؟ إذا قال أحدهم لبنيه الذاهبين إلى الحرب “أما أنتم يا أيها الأحباء فابنوا أنفسهم على تدريباتكم، مطيعين أوامر رؤسائكم، و احفظوا أنفسكم في محبة وطنكم، منتظرين رحمة الله لعودتكم للوطن سالمين” هل يمكننا و بكل أمانة أن نقول أن هذا البيان يتطلب ((دمج الثلاثة في واحد))؟ إن النص في سفر التثنية 4: 39 يتطلب تفرد الله و هذا بيان صريح ولا يوجد له تأويل آخر. إنه بيان واضح و حاسم و في صلب الموضوع و المعنى الصريح (وليس الضمني) واضح و مباشر. هل من المستحيل أن نجد في الكتاب المقدس نصاً واحداً بنفس الحسم فيما يخص الثالوث المزعوم؟ كلّ هذه النصوص تتطلب ثني المفردات و مدّ معانيها للوصول إلى اندماج الثّلاثة في واحد.
فيما يخص وصف السيد (جيه) للثالوث، فأرجو قراءة التحليل القادم بعد صفحات للخطيئة الأصلية و الفداء .
من المثير للاهتمام أن يتحدث الناس عن عقيدة الثالوث وهم في أحسن حالاتهم لا يجرؤون على القول أن يهودياً واحداً كان على علم بهذه الصيغة قبل مجيء عيسى (عليه السلام) أو كان يعبد الله في “ثالوث”. ومن جهة ثانية فإن الله تعالى قد أرسل الأنبياء إلى اليهود لعدة قرون قبل مجيء عيسى، و يُزعم أن عيسى كان موجوداً قبل الخليقة. فلماذا لم يخبر أيٌّ من هؤلاء الأنبياء السابقين شعبه أن الله ثلاثة؟ لقد ضلّوا الطريق ليوضّحوا لهم أن الله واحد كما رأينا في الأمثلة السابقة!. ومن ناحية أخرى لا يوجد يهوديٌّ واحدٌ يعبد الثالوث المقدس أو يؤمن أن الروح القدس المذكور في العهد القديم هو الله أو يعبد “ابناً لله”. حتى ولو كان اليهود لا يؤمنون أن عيسى كان “ابناً لله”، ألا يحق لنا القول بأنهم يجب عليهم أن يؤمنوا على الأقل أنه “يوجد ابنٌ لله” حتى ولو كان شخصاً آخر دون عيسى؟ ألا يحق لنا أن نتوقع من الأنبياء السابقين أن يكونوا قد أخبروا قومهم أن الله ثلاثة؟ لماذا انتظر الله لكي يفضّل علينا وحدنا بهذه المعلومة و اختار للآلاف المؤلفة من الأجيال قبل عيسى الحرمان من هذه الحقيقة المزعومة؟ هل كان أنبياء العهد القديم الكثر يجهلون أمر “الثالوث المقدس”؟ هل رأى الله أنه من غير المناسب إخبار اليهود عن الثالوث؟ ألم يكن الله بعدُ “ثالوثاً” عندما أرسل إبراهيم (عليه السلام) إلى شعبه؟ ألم يكن الله بعدُ “ثالوثاً” عندما تكلم مع موسى (عليه السلام)؟ هل أصبح ثالوثاً فيما بعد؟ كيف نفسر حينها قانون الإيمان النيقوي و التعريف الرسمي لـ”الثالوث” من قبل الكنيسة الذي يقرّ اللاهوت المتساوي و المجد المتساوي لله و عيسى؟ دعونا نكمل تحليلنا، و لنبدأ ذلك من خلال تحديث بيانات جدولنا:
التصريح الضمني | التصريح الواضح | – |
– | سفر التثنية 4: 39
سفر الخروج 20: 3 سفر الخروج 34: 14 إشعياء 43: 10-11 إشعياء 44: 6 إشعياء 45: 6 إشعياء 45: 18 إشعياء 45: 22 |
الله واحد |
متى 28: 19
كورنثوس الأولى 12: 4-6 كورنثوس الثانية 13: 14 يهوذا 1: 20-21 |
لا شيء حتى الآن | الله ثلاثة |
عندما يتحدث أحدهم لآخسر عن أمر ما، فإنه يمضي غالبية وقته في شرح الأساسيات، و القليل من الوقت يمضيه على الأمور الجانبية. فمثلاً، إن أردت أعطي أحدهم وصفة الدجاج بالجبن فإنني سأمضي أغلب وقتي في التحدث عن المكونات و كميتها و ترتيبها في عملية المزج و الوقت اللازم لطهي كل واحدة منها و هكذا. و بالمقارنة، فإنني سأمضي وقتاً أقل في الحديث عن كيفية تجهيز الطاولة و لون الوعاء الذي ستقدم فيه. عندما نقارن هذا المفهوم بالكتاب المقدس، فإننا نجد أن “الثالوث” لم يُذكر أبداً في الكتاب المقدس رغم عمقه و أهميته الكبيرة. هل يبدو ذلك غير معقول؟ تابع القراءة إذاً.
لنبدأ أولاً بتحديث جدولنا بإضافة كافة النصوص التي يستشهد بها في أيامنا دفاعاً عن عقيدة “الثالوث”. سنوضح سبب هذا التعديل في دراستنا التحليلية.
التصريح الضمني | التصريح الواضح | – |
– | سفر التثنية 4: 39
سفر الخروج 20: 3 سفر الخروج 34: 14 إشعياء 43: 10-11 إشعياء 44: 6 إشعياء 45: 6 إشعياء 45: 18 إشعياء 45: 22 |
الله واحد |
يوحنا 20: 28
يوحنا 14: 6 يوحنا 14: 8-9 |
يوحنا 1: 1
يوحنا 10: 30 يوحنا 10: 33 يوحنا 5: 18 |
الله اثنين |
متى 28: 19
كورنثوس الأولى 12: 4-6 كورنثوس الثانية 13: 14 يهوذا 1: 20-21 |
يوحنا الأولى 5: 7 | الله ثلاثة |
– | سفر التكوين 1: 26 | الله أكثر من ذلك |
(1-2-2-5) رسالة يوحنا الأولى 5: 7 (هؤلاء الثلاثة هم واحد)
إن الفقرة [يوحنا الأولى 5: 7] هي النص الوحيد في الكتاب المقدس الذي يربط الله و عيسى و الروح القدس في وضع ثلاثي.
فَإِنَّ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ فِي السَّمَاءِ هُمْ ثَلاَثَةٌ: الآبُ، وَالْكَلِمَةُ، وَالرُّوحُ الْقُدُسُ. وَهَؤُلاَءِ الثَّلاَثَةُ هُمْ وَاحِدٌ.
[أود الإشارة إلى أن هذا العدد موجود فقط في ترجمة فاندياك و تم حذفه من الترجمة الكاثوليكية و الترجمة العربية المشتركة!!]
هذا هو النوع من النصوص التي طلبتها و التي يمكن تسميتها نصوصاً حاسمة و واضحة و في صلب الموضوع. ولكن هذا العدد – كما سنجد لاحقاً – معروف في العالم كله على أنه ((إضافة)) لاحقة من قبل الكنيسة بالإضافة إلى كون كل الترجمات الحديثة للكتاب المقدس – مثل النسخة القياسية المنقحة، و النسحة القياسية المنقحة الحديثة، و النسخة القياسية الأمريكية الحديثة، و النسخة الانكليزية الحديثة، و نسخة فيليب الانكليزية المعاصرة، …إلخ – قد حذفت هذا النص (العدد) من صفحاتها بصفة غير رسمية. لماذا؟ قدّم مترجم النصوص المقدسة السيد بنجامين ويلسن Benjamin Wilson التبرير لهذا العمل في كتابه (القول اليقين) Emphatic Diaglott، فقال:
“هذا النص المتعلق بالشهادة في السماء غير موجود في أيٍّ من المخطوطات اليدوية اليونانية المكتوبة قبل القرن الخامس بعد الميلاد. لم يرد ذكرها عند أيٍّ من الكتبة الكنسيين ولا عند آباء الكنيسة اللاتينيين الأوائل حتى ولو كان الموضوع الذي بين أيديهم سيقودهم بشكل طبيعي للاستعانة بمرجعية هذا العدد. لذا فمن الواضح أن هذا النص مزيف.”
آخرون أمثال الدكتور هربرت أرمسترونج Dr. Herbert W. Armstrong قد أثاروا الجدل في كون هذا العدد أضيف إلى نسخة فولغيت اللاتينية أثناء الجدال المحتد بين روما و أريس و شعب الله. مهما كان السبب، فإن هذا العدد معروف على أنه إضافة و تم تجاهله. و بما أن الكتاب المقدس لا يحتوي على نصوص تثبت شرعية “الثالوث، لذا و بعد مضي قرون من رحيل عيسى اختار الله أن يوحي لأحدهم بأن يضيف هذا العدد حتى يوضح الطبيعة الحقيقة لله في كونه “ثالوثاً”… لاحظ كيف أن البشرية أوحي لها لتوضيح الكتاب المقدس بعد قرون من رحيل عيسى (عليه السلام). لقد استمر البشر في وضع كلمات على لسان عيسى و أتباعه من رجال الدين و حتى الله نفسه دون تحفظ من أي نوع، باعتبار أنهم موحى إليهم! (أنظر الفصل الثاني).
إن أتساءل… إن كان هؤلاء الناس قد أوحي إليهم من عند الله، فلماذا اضطروا لكي يضعوا هذه الكلمات على لسان الآخرين (في مثالنا على لسان يوحنا)؟ لماذا لا يقولوا على الملأ ((لقد أوحى الله إلي و سأقوم بإضافة فصلٍ بإسمي على الكتاب المقدس))؟ و لماذا وجب على الله الانتظار إلى ما بعد رحيل عيسى لكي “يوحي حقيقة” طبيعته؟ لماذا لم يدع عيسى (عليه السلام) يقولها بنفسه؟
“إن النص المتعلق بالشهود الثلاثة في السماء (يوحنا الأولى 5: 7 نسخة الملك جيمس) ليس جزءً حقيقياً من العهد الجديد”
معجم مفسري الكتاب المقدس – الإصدار الرابع ص 711 – مطابع أبينغدون
The Interpreter’s Dictionary of the Bible, Vol. 4, p.711, Abingdon Press
“إن العدد [رسالة يوحنا الأولى 5: 7] يقول: ((فَإِنَّ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ فِي السَّمَاءِ هُمْ ثَلاَثَةٌ: الآبُ، وَالْكَلِمَةُ، وَالرُّوحُ الْقُدُسُ. وَهَؤُلاَءِ الثَّلاَثَةُ هُمْ وَاحِدٌ)) إلا أنه إضافة على الأصل حيث لا أثر له قبل أواخر القرن الرابع بعد الميلاد”
معجم مفسري الكتاب المقدس – الإصدار الرابع ص 871 – مطابع أبينغدون
The Interpreter’s Dictionary of the Bible, Vol. 4, p.871, Abingdon Press
” إن العدد [رسالة يوحنا الأولى 5: 7] في النص اليوناني الأول للعهد الجديدTextus Receptus و الموجودة في نسخة الملك جيمس (إقرأ القسم 2-1-1-2) يوضح كيف أن يوحنا قد توصل إلى عقيدة الثالوث في هيئتها الواضحة ((الآب و الكلمة و الروح القدس))، إلا أن هذا النص وبكل وضوح هو إضافة على الأصل باعتبار أنه غير موجود في المخطوطات اليدوية اليونانية الأصلية.”
قاموس إردمانز للكتاب المقدس، تحرير آلن ميرز – ص 1020
The Eerdmans Bible Dictionary, Editied by Allen C. Myers, p. 1020
يوضح السيد إدوراد جيبون Edward Gibbon – وهو من أعظم أعلام الأدب الغربي –سبب طرح هذا العدد جانباً من الكتاب المقدس فيقول :
“إن جميع المخطوطات اليدوية الموجودة حالياً و التي يتجاوز عددها الثمانين، منها ما يعود لقرابة /1200/ سنة، ومنها نسخ الفاتيكان الأرثوذكسية و نسخ الكتبة و المترجمين و نسخ روبرت ستيفنز Robert Stephens – جميعها اهترأت و اختفت معالمها. كذلك الحال بالنسبة للمخطوطتين اليدويتين لدوبلين Dublin و بيرلين Berlin فلم تكونا أوفر حظاً من غيرها… ففي القرنين الحادي عشر و الثاني عشر تم تصحيح الأناجيل من قبل لان فرانك LanFrank – رئيس أساقفة كانتربري Canterbury – ومن قبل نيكولاس Nicholas الكاردينال و أمين مكتبة كنيسة روما (أبرشية روما الأرثوذكسية secundum Ortodoxam fidem). وعلى الرغم من هذه التصحيحات فإنه قلما تتطابق نسختان، و الموضوع بحاجة إلى أكثر من خمس و عشرين مخطوطة يدوية لاتينية هي الأقدم و الأدق من بين المخطوطات… لقد وجد الشهود الثلاثة (الآب والكلمة و الروح القدس) طريقهم إلى الوجود في العهد اليوناني بفضل دهاء إيراسمس Erasmus ،و نتيجة تعصب الكتبة و المترجمين الأمناء، و نتيجة الخداع أو أخطاء الطباعة من قبل روبرت ستيفنز Robert Stephens أثناء وضع علامات التشكيل و الفهم الخاطئ، أو إساءة فهم النصوص التي سطرها تيودور بيزا Theodore Beza.”
انحدار و سقوط الامبراطورية الرومانية – جيبون – ص 418، المجلد الرابع
Decline and fall of the Roman Empire, IV, Gibbon, p. 418
قام بالدفاع عن نتائج بحث إدوارد جيبون Edward Gibbon العالم البريطاني المتألق ريتشارد بورسون Richard Porson الذي تابع نشر الدليل القاطع بأن العدد [رسالة يوحنا الأولى 5: 7] قد تم إضافته في الكتاب المقدس أول مرة سنة 400 بعد الميلاد.
للمزيد من المعلومات: أسرار جبل سيناء – جيمس بينتلي / ص 30-33
Secrets of Mount Sinai, James Bentley, pp. 30-33
يقول السيد جيبون فيما يتعلق بالدليل القاطع الذي قدمه ريتشارد بورسون :
“لقد بنى دليله على الحوار و أثراه بالمعرفة و الذكاء ولم يترك للمعارضين أي ثغرة للتحدث فيها. إن الدليل على الشهود الثلاثة في السماء سيرفض بعد الآن في أي قاعة محكمة – إلا أن التحييز أعمى و السلطة صماء و ستظل كتبنا المقدسة بلغتها السوقية ملوثةً بهذا النص الزائف”
أجابه السيد بينتلي:
“إن ذلك غير صحيح في الواقع. لا يوجد نسخة حديثة للكتاب المقدس تحتوي على هذه الإضافة”
لقد أخطأ السيد بينتلي في ذلك. فعندما تنبّأ السيد جيبون بالحقيقة البسيطة أنه حتى لو كان أكثر علماء المسيحية علماً يعتبرون جميعهم أن هذا العدد قد أضيف لاحقاً من قبل الكنيسة، فإن ذلك لم يؤدي إلى إسقاط هذا النص المحرّف من النسخ الحديثة للكتاب المقدس. و إلى يومنا هذا، لا يزال الكتاب المقدس في أيدي غالبية المسيحيين – نسخة الملك جيمس – يحتوي على هذا النص على أنه الكلام الموحى به من عند الله، و دونما أي ملاحظة هامشية لإعلام القارئ بأن جميع علماء المسيحية على الإطلاق يقرّون بأنه نص أضيف لاحقاً على الأصل.
في كتاب (تفسير بيك للكتاب المقدس Peake’s Commentary on the Bible) يقول الكاتب:
“إن الإضافة الشهيرة للشهود الثلاثة (الآب و الكلمة و الروح القدس) غير موجودة حتى في النسخة القياسية المنقحة. هذه الإضافة تتكلم عن الشهادة السماوية للآب و اللوجوس (الكلمة) و الروح القدس، إلا أنها لم تستخدم أبداً في المناقشات التي قادها أتباع الثالوث. لا يوجد مخطوطة يدوية جديرة بالاحترام تحتوي على هذا النص. لقد ظهرت هذه الإضافة للمرة الأولى في النص اللاتيني في أواخر القرن الرابع بعد الميلاد، حيث أقحمت في نسخة فولغيت Vulgate و أخيراً في نسخة إيراسمس Erasmus للعهد الجديد ”
إن الذي منع ((سير إسحاق نيوتن)) Sir Isaac Newton من كشف هذه الحقائق على الملأ هو الخوف من المساءلة الكبيرة:
“إن النص المتعلق بـ ((الثلاثة الذين في السماء)) لم يخطر حتى على البال أثناء النقاش الحاد العالمي المستمر حول الثالوث في عهد جيروم Jerome ولا حتى قبله أو بعده بفترة طويلة. لقد أصبح النص الآن على لسان الجميع و يعتبر بمثابة النص الرئيسي المعتمد عليه في النقاش، و بالتأكيد كان سيصبح كذلك بالنسبة لهم لو أنه كان موجوداً في أناجيلهم… دعوهم يفهمون ما أمكنهم منها، أما بالنسبة لي فلست قادراً على أن أدرك شيئاً منها. فإن قيل أنه لا يمكننا أن نقرر ما هو نصٌ مقدس وما هو دون ذلك من خلال الحكم الشخصي، فإنني لن أتفوه بذلك عند المعارضين – بل في المناقشات التي أحب أن أشهر فيها عالياً أكثر الأمور إدراكاً و فهماً. إنّه ميولٌ في الطبيعة البشرية يدفعها لحب الغموض و الخرافات في المسائل المتعلقة بالدين, وبالتالي محبة ما لا يفهمونه تمام الفهم. يمكن لهؤلاء الناس الاستشهاد بالحواري يوحنا كما يحلو لهم, إلا أنني أكن له التقدير باعتبار أنه كتب بشكل منطقي و استحقت كتابته أن تكون الأفضل.”
عيسى، نبي الإسلام، محمد عطاء الرحمن، ص 156
Jesus, Prophet of Islam, Muhammad Ata’ Ur-Rahim, p. 156
وفقاً لقول نيوتن، فقد ظهر هذا العدد لأول مرة في الطبعة الثالثة لنسخة إيراسمس Erasmus للعهد الجديد (1466-1536).
و لهذه الأسباب المذكورة أعلاه نجد أن اثنين و ثلاثون من علماء الإنجيل يدعمهم خمسون من الطوائف المسيحية المساعدة، وعندما قاموا بجمع النسخة القياسية المنقحة للكتاب المقدس معتمدين على أقدم المخطوطات اليدوية متوفرة لديهم، نجدهم قد أحدثوا تغييرات شاملة على هذه النسخة. من بين هذه التغييرات كان طرح العدد [يوحنا الأولى 5: 7] جانباً بصفة غير رسمية على أنه تحريف أضيف على الأصل. و لمعرفة المزيد عن كيفية جمع النسخة القياسية المنقحة يمكنك الرجوع إلى المقدمة لأي نسخة منه.
إن أموراً أقل أهمية – بالمقارنة مع غيرها – قد تم التحدث عنها بأدق التفاصيل على اعتبار أنها تمثل تحقيقاً لنبوءة ما. مثال ذلك وصف عيسى يركب الحمار إلى القدس (أم كان ذلك “المُهر” أم “الحمار و المُهر”؟ أنظر الفقرة 42 في الجدول الخاص بالجزء 2-2).
نقرأ في إنجيل مرقس 11: 2-10 :
وقالَ لهُما: ((اَذهَبا إلى القريَةِ الّتي أمامَكُما، وحالَما تَدخُلانِها تَجِدانِ جَحشًا مَربوطًا ما ركِبَ علَيهِ أحدٌ، فَحُلاَّ رِباطَهُ وجيئا بِه. وإنْ سألَكُما أحدٌ: لِماذا تَفعَلانِ هذا، فَقولا: الرَّبُّ مُحتاجٌ إليهِ، وسيُعيدُهُ إلى هُنا في الحالِ)). فذَهَبَ التِّلميذانِ فوجَدا جَحشًا مَربوطًا عِندَ بابٍ على الطَّريقِ، فحَلاَّ رباطَهُ. فسألَهُما بَعضُ الّذينَ كانوا هناكَ: ((ما بالُكُما تَحُلّاَنِ رِباطَ الجحشِ؟)) فَقالا لهُم كما أوصاهُما يَسوعُ، فتَركوهُما. فجاءَ التِّلميذانِ بالجحشِ إلى يَسوعَ، ووضَعا ثوبَيهِما علَيهِ فركِبَه. وبَسَطَ كثيرٌ مِنَ النّـاسِ ثيابَهُم على الطَّريقِ، وقطَعَ آخرونَ أغصانًا مِنَ الحُقولِ. وكانَ الّذينَ يتَقَدَّمونَ يَسوعَ والّذينَ يَتْبعونَهُ يَهتِفُونَ: ((المَجدُ للهِ! تبارَكَ الآتي باَسمِ الرَّبِّ. تباركَتِ المَملكةُ الآتِـيَةُ، مَملكةُ أبـينا داودَ. المَجدُ في العُلى! ))
الكتاب المقدس – مرقس 11: 2-10
نقرأ أيضاً في إنجيل لوقا 19: 30-38 و الذي يحتوي على وصف تفصيلي مماثل لهذه الحادثة. و من ناحية أخرى، فإن الكتاب المقدس بكامله لا يحتوي على أي وصف لـ”الثالوث المقدس” و الذي يفترض أن يكون وصفاً لطبيعة الذي ركب الحمار، و الذي يُزعم أن يكون الابن الوحيد لله و أنه مات من أجل خطيئة البشرية جمعاء. لقد وجدت نفسي أتساءل: لو أن كل قسماً من الإيمان المسيحي قد وُصف بهكذا تفصيل، حتى الحمار فقد وُصف لنا بوضوح شديد، فلماذا لا يكون الحال نفسه فيما يتعلق في وصف “الثالوث المقدس”؟ للأسف إنه تساؤلٌ لا يوجد له جواب منطقي.
هو ذا جدولنا مرة أخرى:
التصريح الضمني | التصريح الواضح | – |
– | سفر التثنية 4: 39
سفر الخروج 20: 3 سفر الخروج 34: 14 إشعياء 43: 10-11 إشعياء 44: 6 إشعياء 45: 6 إشعياء 45: 18 إشعياء 45: 22 |
الله واحد |
يوحنا 20: 28
يوحنا 14: 6 يوحنا 14: 8-9 |
يوحنا 1: 1
يوحنا 10: 30 يوحنا 10: 33 يوحنا 5: 18 |
الله اثنين |
متى 28: 19
كورنثوس الأولى 12: 4-6 كورنثوس الثانية 13: 14 يهوذا 1: 20-21 |
يوحنا الأولى 5: 7 | الله ثلاثة |
– | سفر التكوين 1: 26 | الله أكثر من ذلك |
(1-2-2-6) يوحنا 1: 1(كان الكلمة الله)
في البَدْءِ كانَ الكَلِمَةُ،والكَلِمَةُ كانَ عِندَ اللهِ، وكانَ الكَلِمَةُ اللهَ
نص آخر يستشهد به في الدفاع عن عقيدة “الثالوث المقدس” هو العدد [يوحنا 1: 1].
عندما علمت بهذا النص لأول مرة ظننت أنني وجدت ضالتي أخيراً. ولكن بعد البحث المضني في المؤلفات اللاهوتية المسيحية توصلت إلى أن هذا العدد أيضاً لا يكمن أن يُفسّر على أنه دليل على ثالوث الله. أظهرت لي خبرتي أن هذا العدد هو من أكثر النصوص استشهاداً من قبل أكثر المسيحيين في الدفاع عن عقيدة الثالوث. لهذا السبب فإنني سأمضي المزيد من الوقت في دراسته التحليلية مقارنة بغيره من الأعداد.
أوّلاً, من الواضح تمامًا و من قراءة النص أعلاه أن هذا المقطع – وفي أحسن الأحوال – يتكلّم فقط عن “ثنائي” و ليس “ثالوث”. حتى أكثر المسيحيين تحفظاً و عزماً لن يدّعي أبداً أنه يجد في هذا العدد ذكراً من أي نوع لـ”اندماج” الروح القدس مع الله و مع “الكلمة”. حتى لو قبلنا هذا العدد بالمعنى الظاهري و آمنا به، فإننا نجد أنفسنا مأمورين للإيمان بـ”ثنائي مقدس” لا بـ”ثالوث مقدس”. ولكن لنرى إن كان هذا العدد في الحقيقة يأمرنا بالإيمان بـ”الثنائي المقدس”. أولاً يجب ملاحظة النقاط التالية:
1)- الترجمة الخاطئة للنص:
في المخطوطات اليونانية ((الأصلية)) (هل كان يوحنا يتكلم اليونانية؟) نجد أن “الكلمة” توصف على أنها ((تونثيوس ton theos)) – أي إله، ألوهية مجازية – و ليست ((هوثيوس ho theos)) – أي الله ، الإله نفسه. إن الترجمة الأمينة و الصحيحة لهذا النص هي كالآتي: ((في البدء كان الكلمة، و كان الكلمة عند الله، و كان الكلمة إلهاً)) فلو أنك قرأت الترجمة العالمية الجديدة للكتاب المقدس ستجد هذه الألفاظ تحديداً.
ومثل ذلك، فلو أنك قرأت هذا العدد في الترجمة الأمريكية للعهد الجديد ستجدها مكتوبة كالتالي: ((في البدء كان الكلمة، و كان الكلمة عند الله، و كان الكلمة إلهاً)).
The New Testament, An American Translation, Edgar Goodspeed and J. M. Powis Smith, The University of Chicago Press, p. 173
و مرة أخرى، نقرأ في قاموس الكتاب المقدس تحت باب ((الله)):
“إن العدد [يوحنا 1: 1] يجب و بشدة أن يترجم (( وكان الكلمة عند الله [= الآب]، و كان الكلمة كينونةً إلهيةً)).”
قاموس الكتاب المقدس للمؤلف جون ماكينـزي، ص 317
The Dictionary of the Bible by John McKenzie, Collier Books, p. 317
وفي نسخة أخرى من الكتاب المقدس نقرأ:
اللوجوس (الكلمة) كان موجوداً في البدء، وكان اللوجوس مع الله، وكان اللوجوس إلهاً.
The Holy Bible, Containing the Old and New Testaments, by Dr. James Moffatt
أنظر أيضاً في (النسحة الموثوقة للعهد الجديد) للمؤلف هوج سكونفيلد Hugh J. Schonfield و غيرها كثير.
لو أمعنا النظر في عددٍ آخر [كورنثوس الثانية 4: 4] فإننا نجد (هوثيوس ho theos) نفس الكلمة التي استخدمت في [يوحنا 1:1 ] للدلالة على الله تعالى (God) – نجدها قد استُخدمت للدلالة على الشيطان، إلا أن نظام الترجمة قد تغير:
فإذا كانَت بِشارَتُنا مَحجوبَةً، فهِيَ مَحجوبَةٌ عَنِ الهالِكينَ، عَن غَيرِ المُؤمنينَ الّذينَ أعمى إلهُ هذا العالَمِ (الشيطان) بَصائِرَهُم
the god of this world (the Devil) hath blinded the minds of them which believe not.
الكتاب المقدس – كورنثوس الثانية 4: 3-4
وفقاً لنظام الترجمة في العدد السابق و للغة الانكليزية، فإن ترجمة صفة الشيطان يجب أن تكتب أيضاً (The God) بالحرف الكبير ((G)) – بمعنى الله نفسه. إن كان قد أوحي إلى بولس باستخدام نفس الكلمات للدلالة على الشيطان فلماذا يجب علينا أن نغيرها؟! لماذا ترجمت (The God – الله) ببساطة إلى (the god – آلهة) و ذلك عند الدلالة على الشيطان، بينما كلمة (إله) قد ترجمت على أنها (الله) تعالى نفسه عندما كان الحديث عن “الكلمة”؟ هل بدأنا الآن في أخذ لمحة عن الكيفية التي “تُرجم” بها الكتاب المقدس؟
حسنٌ، ما الفرق بين أن نقول ((كان الكلمة الله)) و بين ((كان الكلمة إلهاً))؟ أليسا قولين مختلفين؟ بل كل الاختلاف!! دعونا نقرأ في الكتاب المقدس:
أنا قلتُ أنتُم (أيها اليهود)آلهةٌ وبَنو العليِّ كُلُّكُم.
الكتاب المقدس – المزامير 82: 6
فقالَ الرّبُّ لموسى: (( أُنظُرْ. جعلْتُكَ بِمَثابَةِ إلهٍ لِفِرعَونَ))
الكتاب المقدس – سفر الخروج 7: 1
فإذا كانَت بِشارَتُنا مَحجوبَةً، فهِيَ مَحجوبَةٌ عَنِ الهالِكينَ، عَن غَيرِ المُؤمنينَ الّذينَ أعمى إلهُ هذا العالَمِ (الشيطان) بَصائِرَهُم
الكتاب المقدس – كورنثوس الثانية 4: 3-4
ماذا يعني كل هذا؟ دعوني أشرح ذلك.
في الغرب، من الشائع أن يقول المرء (أنت أمير) أو (أنت ملاك) …إلخ لتبجيل أحد الناس. عندما يقولها أحدهم فهل يعني أن هذا الشخص هو ابن ملك انكلترا أو كائناً ورحياً من عند الله؟ يوجد فرق نحوي صغير بين القول (أنت أمير) و القول (أنت الأمير)، إلا أن الفرق شاسع بين المعنيين.
في الغرب، نجد أن بعض الناس يقولون لأصدقائهم (break a leg إكسر رِجلاً) – بمعنى حظاً موفقاً. هل تشير هذه الكلمات إلى العنف؟ من الواضح أن هذه الكلمات تثبت أن الاثنين يتمنون الشر لبعضهم! أليس كذلك؟!
من الشائع في الغرب أن تسمع الناس يصفون بعضهم بأنهم (light hearted قلوبهم خفيفة) – بمعنى أنهم مضحكون و مبهجون. هل هذا مساوٍ للقول بأن لديهم “قلوب صغيرة”؟ بمعنى: هل هذا يعني أن هذا الشخص عديم الرحمة و شرير؟ من الواضح أن القلب “الصغير” يعني أيضاً القلب “الخفيف”، أليس كذلك؟ حسن إذن، هل تُفهم بشكل حرفيّ؟ هل قاموا باقتلاع قلوبهم و وزنِها؟ فماذا يقصدون إذاً؟
إن التشبيه المماثل للتشبيه الغربي (خفيف القلب) في الشرق الأوسط هو (خفيف الدم). قد يقول أحدهم (دمك خفيف). هذه الجملة تستخدم لوصف شخص كله سعادة و ابتهاج. فلو أنه كان مقدّراً للعربية أن تصبح لغة ميّتة لعدة قرون و أعيد إحياؤها مرة أخرى بعد عدة قرون باستخدام عناصر اللغات الأخرى (كما حدث مع اللغة العبرية)، و حاولنا عندها أن نترجم معاني هذه الجملة، فهل نقول عندها أنه من “الواضح” أن الجملة تصف طبيباً يعاين مريضاً مصاباً بالأمينيا (فقر الدم)؟ هل “يستقيم” المعنى بذلك؟
من الشائع في الشرق الأوسط أن يسأل الناس بعضهم (ما هو لونك؟ – شلونك) بمعنى (كيف حالك اليوم؟). ومرة أخرى، لو أنه كان مقدّراً للعربية أن تصبح لغة ميّتة و أن تتواجد في الكتابات فقط، و أعيد إحياؤها مرة أخرى بعد ألف سنة، فهل نفهم حينها أن السائل عنده عمى الألوان؟
من الضروري عندما نقوم بترجمة عدد ما (نص) أن نأخذ في الحسبان المعنى كما فهمه الناس الذين عاشوا في ذلك العصر و الذين تحدّثوا بتلك اللغة.إن من أكبر الصعوبات التي نواجهها في الكتاب المقدس الموجود في أيامنا في أنه يرغمنا على قراءة نصوص اللغة العبرية القديمة و المخطوطات الآرامية من خلال منظار يوناني و لاتيني كما رآها أناسٌ ليسوا بيهود أو يونانيين ولا حتى رومانيين. إن كل ما يسمى بالمخطوطات اليدوية ((الأصلية)) للعهد الجديد الموجودة في أيامنا قد كتبت باللاتينية أو اليونانية. لم يواجه اليهود أي مشكلة في في قراءة مثل هذه الأعداد [المزامير 82: 6]،[سفر الخروج 7: 1] وهم لايزالون يؤكدون بأنه لا يوجد إله في الوجود إلا الله، و يرفضون بشدة ألوهية أيٍّ كان إلا الله العليّ. إنه التنقيح المستمر لهذه المخطوطات اليدوية من خلال لغات و حضارات متعددة بالإضافة إلى المحاولة الشاملة للكنيسة الكاثوليكية الرومانية لإتلاف جميع الأناجيل العبرية الأصلية (إقرأ في الربع الأخير من هذا الفصل) – كل هذا أدى في النهاية إلى سوء فهم النصوص و الأعداد.
إن الأمريكيين يقولون: (Hit the road men إضربوا الطريق أيها الرجال) بمعنى (لقد حان الوقت أن ترحلوا). ولكن، إن تلقّى هذا الأمر أحدٌ من غير الأمريكيين دونما أي تفسير فإننا سنجده حتماً يضرب الطريق بعصا. هل فهم الكلمات؟ نعم! هل فهم المعنى؟ كلا!.
من الصعب علينا أن نجد كاهناً واحداً أو راهبةً في الكنيسة المسيحية لا يخاطبون أتباعهم بقولهم ((أبنائي)). ستراهم يقولون: ((تعالوا يا أبنائي)) أو ((كونوا حذرين من الشيطان يا أبنائي)) …إلخ. فماذا يعنون بقولهم هذا؟
الحقيقة التي لا يعلمها الكثيرون أنه في السنة /200/ بعد الميلاد تلاشت اللغة العبرية تماماً من الاستخدام اليومي كلغة متحدّثٌ بها. استمر الحال حتى الثمانينات من القرن التاسع عشر حيث قام إلعازر بن يهودا Eliezer Ben-Yehudah بجهدٍ مضنٍ لإحياء هذه اللغة الميتة. الثلث فقط من اللغة العبرية المتحدث بها و البناء النحوي لها قد تم اقتباسه من المصادر الإنجيلية و اللغة العبرية القديمة في عهد الهيكل الثاني Mishnaic، أما الباقي فقد تم التعرف عليه أثناء عملية إحياء اللغة متضمناً عناصر من لغات و حضارات أخرى بما فيها اللغتين العربية و اليونانية.
و أسوء من ذلك، فإنه يوجد حالات يمكن للترجمة أن تتسبب في قلب المعنى. فعلى سبيل المثال: عندما يحب شخص ما في الغرب شيئاً ما فإنه يقول ((It warmed my heart – لقد أدفأ قلبي)). أما في الشرق الأوسط ،فنفس التعبير عن السعادة يمكن أن يصل عن طريق القول ((لقد أثلج قلبي)). فلو أن شرق أوسطي ألقى التحية على غربيّ بقوله ((لقد أثلجت قلبي برؤيتك)) فإنه من الواضح أن الغربيّ لن يرد التحية بنفس الحماس، و العكس بالعكس.
إن هذا هو أحد الأسباب الجوهرية التي أدت إلى نجاح المسلمين في الحفاظ على نصوصهم المقدسة أكثر من المسيحيين و اليهود. ذلك لأن لغة القرآن قد بقيت لغة حية من أيام محمد ( ) و إلى يومنا هذا، كما أن المصحف نفسه قد بقي متداولاً في أيدي الناس (وليس “النخبة”) و بقي نص المصحف باللغة الأصلية لمحمد ( ). لهذا السبب بفترض – بل يجب على المترجم ألا يقوم بالترحمة من الفراغ بإهمال الحضارة و التقاليد للبشر الذين كتبوا هذه الكلمات. كما رأينا، فإنه كان من الشائع عند اليهود استخدام الكلمة ((آلهة)) للدلالة علىأن سلطة و قوة عليا قد منحت لشخص ما. ومن ناحية أخرى فإن هذا النظام في التعبير لم يكن ليُتَّبع من قبلهم للدلالة على أن هؤلاء الأشخاص كانوا بأي شكل من الأشكال ذوي سلطة مطلقة أو خارقون أو أنهم مساوون لله العليّ.
إن مثل هذا الأسلوب في الترجمة يُوظّف للأسف في الكتاب المقدس وبدون تمييز في خدمة أهواء المترجم، وفقاً للمعتقد الذى يريد من القارىء أن يتبنّاه. مثلاً في نسخة الملك جيمس العدد [المزامير 8: 4-5] يصف البشر كالتالي:
ما الإنسانُ حتى تذكُرَهُ؟ اَبنُ آدمَ حتى تَفتَقِدَهُ؟ ولو كُنتَ نَقَّصْتَهُ عَنِ الملائِكةِ قليلاً، وبِالمَجدِ والكرامةِ كَلَّلتَهُ.
What is man, that thou art mindful of him? and the son of man, that thou visitest him? For thou hast made him a little lower than the angels, and hast crowned him with glory and honor.
الكتاب المقدس – المزامير 8: 4-5 (نسخة الملك جيمس / الترجمة العربية المشتركة)
لن يكون ذلك جدير بالملاحظة حتى نعود إلى النص الأصلي باللغة العبرية، حينها سنكتشف أن المترجم قد اختار أن يترجم لنا الكلمة العبرية ((elohiym – الله)) إلى الانكليزية على أنها ((الملائكة)). في النسخة القياسية المنقحة الحديثة للكتاب المقدس نجد نفس العدد قد ترجم بأمانة أكثر كالتالي:
ما الإِنْسانُ حَتَّى تَذكُرَه واْبنُ آدَمَ حَتَّى تَفتَقِدَه؟ دونَ الإلهِ حَطَطتَه قَليلاً بِالمَجدِ والكَرامةِ كلَّلتَه.
What are human beings that you are mindful of them, mortals that you care for them? Yet you have made them a little lower than God, and crowned them with glory and honor.
الكتاب المقدس – المزامير 8: 4-5 (النسخة القياسية المنقحة الحديثة / الترجمة الكاثوليكية)
[أود الإشارة أن الترجمة الكاثوليكية لم تقم بالترجمة الصحيحة للنص، فبدلاً من ترجمة ((elohiym)) إلى ((الله)) فقد ترجموها إلى ((الإله)). علماً أن كلاً من الترجمة العربية المشتركة و ترجمة فاندياك قد ترجمت الكلمة على أنها ((الملائكة))].
لاحظ كيف يتلاعبون بكلمة ((الله)) كما يريدون وفق ما يناسبهم. ولكن عندما ينكشف أسلوبهم في الترجمة، فهل ترى الذين يعارضون هذه الأساليب في “الترجمة” يقومون فجأة “بثني معاني الأعداد و النصوص” في محاولة لتشويه الأدلة “الواضحة”
على ألوهية عيسى؟!
هل نجد أمثلة أخرى على أساليب الترجمة هذه في الكتاب المقدس؟ بكل أسف، نعم! وهذا مثال آخر:
يُقَدِّمُهُ سيِّدُهُ إلى القُضاةِ ، فيقودُهُ إلى البابِ أو قائِمَتِهِ ويَثقُبُ أُذُنَهُ بالمِثقَبِ فيخدِمُهُ إلى الأبدِ.
Then his master shall bring him unto the judges; he shall also bring him to the door, or unto the door post; and his master shall bore his ear through with an aul; and he shall serve him for ever.
الكتاب المقدس – سفر الخروج 21: 6 (نسخة الملك جيمس)
[أود الإشارة إلى أن كلاً من ترجمة فاندياك و الترجمة العربية المشتركة و الترجمة الكاثوليكية قد ترجمت الكلمة إلى ((الله)) وليست ((القضاة))]
والذي تُرجم بدقة أكثر في النسخة القياسية المنقحة الحديثة كالتالي:
يُقَدِّمُهُ سيِّدُهُ إلى اللهِ في معبَدِهِ، فيقودُهُ إلى البابِ أو قائِمَتِهِ ويَثقُبُ أُذُنَهُ بالمِثقَبِ فيخدِمُهُ إلى الأبدِ.
Then his master shall bring him before God; he shall be brought to the door or the doorpost; and his master shall pierce his ear with with an awl; and he shall serve him for life.
الكتاب المقدس – سفر الخروج 21: 6 (النسخة القياسية المنقحة الحديثة / الترجمة العربية المشتركة)
بالنسبة لهؤلاء الأشخاص الذين يصرون على أن الله ثالوث لأنه قد تحدث عن نفسه بصيغة الجمع في الكتاب المقدس (أنظر القسم 1-2-2-8 و الفصل 14)، نقول لهؤلاء الناس أنهم يجب أن يستمروا على نفس النهج و “يترجموا” العدد [سفر الخروج 21: 6] كالتالي:
يُقَدِّمُهُ سيِّدُهُ إلى الآلهة في معبَدِهِ.
Then his master shall bring him before gods.
مثال آخر مماثل في العدد [سفر الخروج 22: 8-9].
عندما نقرأ كل ذلك نرى كيف أن كلمة ((إله)) كانت تطلق في الكتاب المقدس على بشرٍ لإبلاغ الناس بأن هؤلاء الأشخاص كانوا يَدعون إلى صراط الله أو يطبقون كلام الله على الأرض. فعلى سبيل المثال في العدد [سفر الخروج 21: 6] طُلِب من البشرية أن يقدّموا آخرين “أمام الله”، و هذا أمر مستحيل. إلا أن العدد يعني أن يقدموا هؤلاء الناس أمام الذين يطبقون ناموس الله على الأرض، و بالتحديد القضاة. و بهذه الطريقة يكون تقديم هؤلاء الناس إلى القضاة يماثل تقديمهم إلى الله. لنفس السبب نقرأ في الكتاب المقدس على سبيل المثال كيف أن بيت داوود هو الله:
في ذلِكَ اليومِ يبسُطُ الرّبُّ حِمايَتَهُ على سُكَّانِ أُورُشليمَ. فيكونُ الهَزيلُ مِنهُم قويُا كداوُدَ، ويسيرُ بَيتُ داوُدَ أمامَهُم مِثلَ ملاكِ الرّبِّ، مثلَ اللهِ نفسِهِ.
الكتاب المقدس – زكريا 12: 8
كان ذلك مشهداً مألوفاً في الكتاب المقدس ،حيث أنه وفي أكثر من مناسبة يرسل الله إلى البشرية شخصاً يمثّله لكي يتحدث بإسمه و ينقل لهم أوامره. يوضح الله لموسى في سفر الخروج (32: 20) ((هاأنا سأُرسِلُ أمامَكُم ملاكًا يحفَظُكُم في الطَّريقِ ويَجيءُ بِكُم إلى المكانِ الذي عدَدْتُهُ. فاَنْتَبِهوا لَه واَسْتَمِعوا إلى صوتِهِ ولا تَتَمَرَّدوا علَيهِ، لأنَّهُ لا يَصفَحُ عَن ذُنوبِكُم، لأنَّهُ يعمَلُ باَسْمي)). لقد كان الملاك رسولاً من الله و لم يكن الله نفسه.
إن الذي يمكن استنتاجه من ذلك كله أن عيسى (عليه السلام) لم يكن – ولا حتى من خلال الخيال الواسع – الشخص الوحيد في الكتاب المقدس الذي يشار إليه بهذه الصيغة. إلا أن الكنيسة أصرت بأنه من الواضح أن النص (العدد) يجب ألا يُفهم حرفياً، إلا ما يخص عيسى وحده دون الآخرين. الأمر ينطبق أيضاً على الأنبياء و صانعي السلام في كونهم يُطلق عليهم أيضاً في الكتاب المقدس ((أبناء الله))، و مرة أخرى تؤكد لنا الكنيسة مجدداً بأن المعنى يجب ألا يُفهم حرفياً. ولكن عندما تكون نفس الكلمات قد وردت بخصوص عيسى (عليه السلام) فإنه يقال لنا حينها أنه من “الواضح” أن عيسى هو الاستثناء الوحيد على هذه القاعدة و أن النص الذي يقول ((ابن الله)) يجب أن يفهم حرفياً في هذه الحالة.!
2)- الرسالة الأساسية ليوحنا:
و الآن، و قد رأينا ما هي الترجمة الصحيحة لعدد [يوحنا 1: 1]، دعونا نتعمق أكثر في دراستنا للوصول إلى المعنى المقصود من هذا العدد. إن هذا العدد قد اقتبس من ((إنجيل يوحنا))، و إن أفضل شخص تسأله ليشرح المعنى المقصود من هذا البيان هو مؤلف البيان نفسه. لذا دعونا نسأل ((يوحنا)) عن الصورة المكونة في عقله عن الله و عيسى (عليه السلام) و التي يودّ أن ينقلها لنا:
الحقَّ الحقَّ أقولُ لكُم: ما كانَ خادِمٌ أعظَمَ مِنْ سيِّدِهِ، ولا كانَ رَسولٌ أعظَمَ مِنَ الّذي أرسَلَهُ.
الكتاب المقدس – يوحنا 13: 16
إذاً فإن مؤلف إنجيل يوحنا يقول لنا بأن الله أعظم من عيسى. إن كان مؤلف هذا الإنجيل يود حقاً أن يجعلنا نفهم أن عيسى و الله هم ((واحد متساوٍ))، فهل يكون أحدهم أعظم من نفسه؟! و نقرأ كذلك:
قُلتُ لكُم: أنا ذاهِبٌ وسأرجِـعُ إلَيكُم، فإنْ كُنتُم تُحبُّوني فَرِحْتُم بأنِّي ذاهِبٌ إلى الآبِ، لأنَّ الآبَ أعظَمُ مِنِّي.
الكتاب المقدس – يوحنا 14: 28
هل يمكن لأحد أن “يذهب” إلى نفسه؟ هل يمكن لأحد أن يكون “أعظم” من نفسه؟
وبَعدَ هذا الكلامِ، رفَعَ يَسوعُ عَينَيهِ إلى السَّماءِ وقالَ: ((يا أبـي جاءَتِ السّاعةُ: مَجِّدِ اَبنَكَ ليُمَجِّدَكَ اَبنُكَ)).
الكتاب المقدس – يوحنا 17: 1
إن كان يقصد يوحنا أن يقول لنا أن ((عيسى و الله هم واحد متساوٍ)) فهل نفهم من هذا العدد أن الله يقول لنفسه: (يا نفسي، مجّدني لأمجّد نفسي)؟ فهل يبدو أن هذه هي رسالة يوحنا الأساسية؟
وعِندَما كُنتُ أنا مَعَهُم حَفِظْتُهُم باَسمِكَ الّذينَ أعطَيتَني. حَرَستُهُم، فما خَسِرْتُ مِنهُم أحدًا إلاَّ اَبنَ الهَلاكِ لِـيَتمَّ ما جاءَ في الكِتابِ.
الكتاب المقدس – يوحنا 17: 12
إن كان كاتب إنجيل يوحنا أراد منا أن نؤمن بأن عيسى و الله هم شخص واحد فهل نفهم من هذا العدد أن الله يقول لنفسه: (يا نفسي، عندما كنت أنا معهم حفظتهم بإسم نفسي الذين أعطيت نفسي …)؟ هل هذا ما كان الكاتب يوده أن نفهم من كتاباته؟
أنتَ وهَبتَهُم لي، أيُّها الآبُ وأُريدُهُم أنْ يكونوا مَعي حَيثُ أكونُ لِـيَروا ما أعطَيتَني مِنَ المَجدِ لأنَّكَ أحبَبْــتَني قَبلَ أنْ يكونَ العالَمُ.
الكتاب المقدس – يوحنا 17: 24
وبالمثل، هل كان الكاتب يودّنا أن نفسر العدد كالتالي: (أنتِ وهبتهم لي، يا نفسي و أريدهم أن يكونوا معي حيث أكون ليروا ما أعطيت نفسي من المجد لأنني أحببت نفسي قبل أن يكون العالم)؟
لقد بدأنا نرى أنه إن أردنا أن نفهم مؤلفات شخص ما، فمن الضروري ألا نأخذ اقتباساً واحداً منها ثم نقوم بتفسير رسالته كلها من فراغ و بناءً على تلك الجملة وحدها (و من نسخة أساءت بشدة ترجمة هذه الجملة).
3)- من هو مؤلف “إنجيل يوحنا”؟
يؤمن غالبية مرتادي الكنيسة العاديون بأن “إنجيل يوحنا” من تأليف الحواري يوحنا ابن زيبدي John the son of Zebedee. إلا أننا عندما نأخذ بآراء أكثر علماء المسيحية اطلاعاً على تاريخ الكنيسة، نجد أن ذلك بعيداً عن الواقع. لقد لفت هؤلاء العلماء انتباهنا إلى الحقيقة بأن الأدلة الداخلية تثير شكوكاً كثيرة في كون يوحنا ابن زبيدي هو نفسه مؤلف الإنجيل. نقرأ في قاموس الكتاب المقدس للمؤلف جون مكنزي John Mckenzie:
“لاحظ فيويلت A. Feuillet أن مسألة هوية الكاتب لم تُأخذ بمحمل الجد”
فيما يتعلق بالأقوال المنسوبة إلى عيسى (عليه السلام) في هذا الإنجيل، يقول مؤلف أكثر الكتب صدقاً و أقواها حُججاً (الفحص النقدي لحياة عيسى):
“إن النقد الحديث ينظر إلى هذه الأقوال ((الموجودة في إنجيل يوحنا)) بنوع من الشك معتمداً بذلك على ما يُستنبط منها – و الذي يتعارض مع قواعد أكيدة وصلت إلينا فيما يخص بعض الأحداث التاريخية المحتملة، و معتمداً أيضاً على علاقة هذه الأقوال بغيرها من القصص و الأقوال المروية.”
إن مثل هذه الإدعاءات كانت نتيجة فحص لبعض الأعداد مثل:
وهذا التِّلميذُ هوَ الّذي يَشهَدُ بِهذِهِ الأمورِ ويُدوِّنُها، ونَحنُ نَعرِفُ أنَّ شَهادَتَهُ صادِقَةٌ.
الكتاب المقدس – يوحنا 21: 24
هل قام الحواري يوحنا بكتابة ذلك عن نفسه؟ إقرأ أيضاً هذه الأعداد:
واَلتَفتَ بُطرُسُ، فرَأى التِّلميذَ الّذي كانَ يُحبُّهُ يَسوعُ يَمشي خَلفَهُما
الكتاب المقدس – يوحنا 21: 20
وكانَ أحدُ التَّلاميذِ، وهوَ الذي يُحبُّهُ يَسوعُ ، جالِسًا بِجانِبِهِ
الكتاب المقدس – يوحنا 13: 23
ورأى يَسوعُ أُمَّهُ وإلى جانِبها التِّلميذُ الحبـيبُ إلَيهِ ، فقالَ لأُمِّهِ: ((يا اَمرأةُ، هذا اَبنُكِ))
الكتاب المقدس – يوحنا 19: 26
فأقبَلت مُسرِعَةً إلى سِمعانَ بُطرُسَ والتِّلميذِ الآخرِ الّذي أحَبَّهُ يَسوعُ
الكتاب المقدس – يوحنا 20: 2
فقالَ التِّلميذُ الّذي كانَ يُحبُّهُ يَسوعُ لِبُطرُسَ: ((هذا هوَ الرَّبُّ! ))
الكتاب المقدس – يوحنا 21: 7
واَلتَفتَ بُطرُسُ، فرَأى التِّلميذَ الّذي كانَ يُحبُّهُ يَسوعُ يَمشي خَلفَهُما، وهوَ الّذي مالَ على صَدرِ يَسوعَ وقتَ العَشاءِ وقالَ لَه: ((يا سيِّدُ، مَنِ الّذي سيُسلِّمُكَ؟)) فلمَّا رآهُ بُطرُسُ قالَ لِـيَسوعَ: ((يا ربُّ، وهذا ما هوَ مَصيرُهُ؟)) فأجابَهُ يَسوعُ: ((لَو شِئتُ أنْ يَبقى إلى أنْ أَجيءَ، فماذا يَعنيكَ؟ إِتبَعْني أنتَ! ))فشاعَ بَينَ الأخوةِ أنَّ هذا التِّلميذَ لا يَموتُ، معَ أنَّ يَسوعَ ما قالَ لبُطرُسَ إنَّهُ لا يَموتُ، بل قالَ لَه: ((لَو شِئتُ أنْ يَبقى إلى أنْ أَجيءَ، فَماذا يَعنيكَ؟))
الكتاب المقدس – يوحنا 21: 20-23
إن التلميذ الذي أحبه يسوع وفقاً للكنيسة هو يوحنا نفسه، إلا أن كاتب هذا الإنجيل يتحدث عنه على أنه شخص آخر.
بالإضافة إلى ذلك، فإن إنجيل يوحنا قد كُتب في عهد إفيسس Ephesus أو قريباً منه في الفترة ما بين السنة 110-115 (بعضهم يقول 95-100) للعهد المسيحي من قبل مؤلفٍ مجهولٍ أو أكثر. وفقاً لأقوال علماء التاريخ المسيحي أمثال تشارلز R. H. Charles ، ألفرد لويسي Alfred Loisy ، روبرت إيزلر Robert Eisler، فإن يوحنا ابن زبيدي John of Zebedee قد أُعدم من قبل أجريبا Agrippa في السنة /44/ بعد الميلاد قبل أن يكتب الإنجيل الرابع بفترة كبيرة. هل “أوحى” الروح القدس إلى شبح الحواري يوحنا بكتابة هذا الإنجيل بعد مضي ستين سنة على قتله؟ بمعنى أن الذي بين أيدينا اليوم هو إنجيل يُعتقد عامةً أنه من تأليف الحواري يوحنا، إلا أنه لم يكن في الحقيقة من تأليفه. لا أحد يعلم حقيقةً و بشكلٍ أكيدٍ هوية كاتب هذا الإنجيل.
“منذ بداية عهد الدراسة النقدية الحديثة، نشأ خلاف حول إنجيل الحواري يوحنا فيما يتعلق بهوية المؤلف، مكان تأليفه، أُصوله، خلفيته اللاهوتية، وقيمته التاريخية.”
معجم مفسري الكتاب المقدس – العدد الثاني – مطابع أبينغدون ص 932.
The Interpreter’s Dictionary of the Bible, Volume 2, Abingdon Press, p. 932
رغم ذلك، فإن “إنجيل يوحنا” قد خضع إلى تعديل شامل على مراحل متعددة فبدا و كأنه من عمل مؤلفين كُثُر:
“لقد لاحظنا لتونا إن إنجيل يوحنا يشكل وحدة أدبية يمكن تحليلها وفقاً لمفهوم البناء المسرحي. و لكن، و على الرغم من التوافق الذي عليه الإنجيل بين أيدينا اليوم، فإنه يوجد بعض المعالم التي تشير إلى أنه قد أُنجِز من خلال مرحل من التعديل. فعلى سبيل المثال يوجد اختلاف في الأسلوب و اللغة في إصحاحات مختلفة من الإنجيل و خاصة الإصحاح الأول و الإصحاح الواحد و العشرين… إن أول آيتين قام بهما يسوع قد أخذوا الترتيب “الأولى” و “الثانية” وفقاً للعدد [يوحنا 2: 11- هذِهِ أُولى آياتِ يَسوعَ، صنَعَها في قانا الجَليلِ.] و العدد [يوحنا 4: 54 – هذِهِ ثانِـيةُ آياتِ يَسوعَ، صنَعَها بَعدَ مَجيئهِ مِنَ اليَهوديَّةِ إلى الجَليلِ] إلا أننا نجد آيات أخرى قد قام بها يسوع في العدد [يوحنا 2: 23 – ولمَّا كانَ في أُورُشليمَ مُدَّةَ عيدِ الفِصحِ، آمنَ بِه كثيرٌ مِنَ النّـاسِ حينَ رأَوا الآياتِ الّتي صَنَعَها] و بالتالي فإن التسلسل الرقمي قد تم اعتراضه لأسباب غير معروفة. كما أن التواجد الجغرافي أيضاً لا يبدو دقيقاً دوماً. ففي العدد [يوحنا 3: 22 – ثُمَّ جاءَ يَسوعُ وتلاميذُهُ إلى بلادِ اليهودِيَّةِ] نقرأ أن يسوع قد ذهب إلى بلاد اليهودية بينما نقرأ في العدد [يوحنا 2: 23 – ولمَّا كانَ في أُورُشليمَ مُدَّةَ عيدِ الفِصحِ، آمنَ بِه كثيرٌ مِنَ النّـاسِ حينَ رأَوا الآياتِ الّتي صَنَعَها] فنجد أنه كان في بلاد اليهودية مسبقاً. كما أنه في العدد [يوحنا 6: 1 – ثُمَّ عبَرَ يَسوعُ بَحرَ الجليلِ وهوَ بُحيرةُ طَبَرِيَّةَ] نقرأ أن يسوع موجود في الجليل، إلا أنه كان في أورشليم في نهاية الإصحاح الخامس. من الممكن تبرير بعض هذا الاختلافات و التكرارات و الانقطاعات في التسلسل، إلا أنه من غير الممكن تبريرها مجتمعةً”…
ملحق أكسفورد للكتاب المقدس، بروس متجر و مايكل كوجان، ص 374
The Oxford Companion to the Bible, Bruce Metzger and Michael Coogan, p. 374
4)- من “أوحى” لمؤلف هذا الإنجيل بكتابة هذا العدد؟
يقول أكثر علماء الكتاب المقدس المسيحيين من ذوي السمعة الحسنة أن العدد [يوحنا 1: 1] هو من كلام يهودي آخر اسمه فيلون الاسكندراني Philo of Alexandria (20 قبل الميلاد – 50 بعد الميلاد)، و الذي لم يدّعي وحياً إلهياً لهذ الكلام بل كتبه قبل عقودٍ من ظهور “إنجيل يوحنا”. نقرأ في موسوعة جروليرز Groliers تحت باب ((اللوجوس – الكلمة)):
“كان هيركليتوس Heraclitus أقدم المفكرين اليونانيين الذين جعلوا من المذهب العقلي مفهوماً أساسياً… ففي العهد الجديد، يعطي الإنجيل المنسوب للقديس يوحنا مكانةً أساسيةً للعقل. حيث يصف مؤلف الإنجيل بأن اللوجوس هو الله خالق الكلمة التي أصبحت جسداً في شخص يسوع المسيح. الكثيرُ من العلماء قد نسبوا جذور مفهوم يوحنا لأصول يونانية – ربما من خلال نصوص توسطت صفحات الإنجيل مستقاة من مؤلفات أناس مثل فيلون الاسكندراني Philo of Alexandria.”
Groliers encyclopedia
يقول دوان T. W. Doane:
“قام آباء الكنيسة بدراسة أعمال أفلاطونPlato بشكل واسع، وهو أحد الذين يُفتخر بهم في كونه المعلم الأكبر الذي كان مقدّراً له – في الوقت المناسب – أن يثقف الوثنيّ تمهيداً لتعاليم المسيح, كما فعل موسى مع اليهود. إن المقولة الشّهيرة: ((في البَدْءِ كانَ الكَلِمَةُ، والكَلِمَةُ كانَ عِندَ اللهِ، وكانَ الكَلِمَةُ اللهَ)) هي جزء من بحثٍ وثنيّ حول الفلسفة الأفلاطونيّة, و الذي يتضّح أنه من تأليف إيرينايوس Irenaeus. قام باقتباسها الفيلسوف الوثني أميليوس Amelius للدلالة حصراً على الكلمة و اللوجوس أو عطارد([1]) على اعتبار كونها شهادة تكريم أطلقت على الآلهة الوثنية من قبل بربري…نجد أن لقب “الكلمة” أو “العقل” الملقب به يسوع هو دمج آخر للوثنية مع المسيحية، كما أن هذا اللقب لم يأخذ شكله المسيحي المعترف به حتى أواسط القرن الثاني بعد الميلاد. لقد عبد الرومان الوثنيين القدامى ثالوثاً. و قد قيل أن وحياً قد صرّح أنه “في البداية كان الله ثم الكلمة و معهم الروح”. نرى هنا التعددية الواضحة لله و اللوجوس و الروح القدس في العصور القديمة لروما حيث خُصِّص أشهر معبد في هذه العاصمة – معبد الآلهة جوبيتير الكبير – لعبادة ثلاثة آلهة ، و بذلك تم تكريمهم هؤلاء الثلاثة من خلال العبادة المشتركة.”
أساطير الكتاب المقدس وما يماثلها في الأديان الأخرى – ص 375-376.
Bible Myths and their parallels in other religions, pp. 375-376.
5)- ما هي “الكلمة”؟
يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ وَلاَ تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ إِلاَّ الْحَقِّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَلاَ تَقُولُواْ ثَلاَثَةٌ انتَهُواْ خَيْرًا لَّكُمْ إِنَّمَا اللّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَن يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَفَى بِاللّهِ وَكِيلاً (171)
القرآن الكريم – النساء
إن القرآن الكريم يخبرنا أن الله العليّ إن أراد شيئاً فإنه يقوله له ((كن)) فيكون.
إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَن نَّقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ (40)
القرآن الكريم – النحل … إقرأ الفصل 14
هذا هو قول الإسلام فيما يخص “الكلمة”. إن “الكلمة” هي قول الله تعالى “كن”. إن هذا ما ذكره الإنجيل بعد ثلاثة عشر عدد:
والكَلِمَةُ صارَ بشَرًا
الكتاب المقدس – يوحنا 1: 14
يقول القرآن الكريم :
إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثِمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ (59)
القرآن الكريم – آل عمران
أقولُ لكُم: إنَّ اللهَ قادرٌ أنْ يَجعَلَ مِنْ هذِهِ الحِجارَةِ أبناءً لإبراهيمَ (على لسان عيسى).
الكتاب المقدس – متّى 3: 9
فيما يتعلق بقوله تعالى ((وَرُوحٌ مِّنْهُ)) فلنرى ما يقوله الله تعالى في شرحِ ذلك:
وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِّن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ (28) فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ (29)
القرآن الكريم – الحِجْر
و نقرأ أيضاً قوله تعالى:
لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (22)
القرآن الكريم – المجادلة
للمزيد حول هذا الموضوع الرجاء قراءة الجزء (1-2-3-8).
و الآن لنقم بتحديث جدولنا مرة أخرى:
التصريح الضمني | التصريح الواضح | – |
– | سفر التثنية 4: 39
سفر الخروج 20: 3 سفر الخروج 34: 14 إشعياء 43: 10-11 إشعياء 44: 6 إشعياء 45: 6 إشعياء 45: 18 إشعياء 45: 22 |
الله واحد |
يوحنا 20: 28
يوحنا 14: 6 يوحنا 14: 8-9 |
يوحنا 1: 1
يوحنا 10: 30 يوحنا 10: 33 يوحنا 5: 18 |
الله اثنين |
متى 28: 19
كورنثوس الأولى 12: 4-6 كورنثوس الثانية 13: 14 يهوذا 1: 20-21 |
يوحنا الأولى 5: 7 | الله ثلاثة |
– | سفر التكوين 1: 26 | الله أكثر من ذلك |
(1-2-2-7) يوحنا 10: 30 (أنا و الآب واحد)
النص الثالث الذي يستشهد به في الدفاع عن عقيدة “الثالوث المقدس” هو العدد [يوحنا 10: 30]:
أنا والآبُ واحِدٌ
إن هذه الفقرة المقتبسة من النص مبتورة عن السياق. لمعرفة السياق في النص يجب أن نقرأ ابتداءً من العدد [يوحنا 10: 23]:
وكانَ يَسوعُ يتَمشَّى في الهَيكَلِ في رِواقِ سُليمانَ، فتَجَمَّعَ اليَهودُ حولَهُ وقالوا لَه: ((إلى متى تُبقينا حائِرينَ؟ قُلْ لنا بِصَراحةٍ: هل أنتَ المَسيحُ؟)) فأجابَهُم يَسوعُ: ((قُلتُهُ لكُم، ولكنَّكُم لا تُصَدِّقونَ. الأعمالُ الّتي أعمَلُها باَسمِ أبـي تَشهَدُ لي. وكيفَ تُصدِّقونَ وما أنتُم مِنْ خِرافي. خِرافي تَسمَعُ صوتي، وأنا أعرِفُها، وهيَ تَتبَعُني. أُعطيها الحياةَ الأبدِيَّةَ، فلا تَهلِكُ أبدًا ولا يَخطَفُها أحدٌ مِنِّي. الآبُ الّذي وهَبَها لي هوَ أعظَمُ مِنْ كُلِّ موجودٍ، وما مِنْ أحدٍ يَقدِرُ أن يَخطَفَ مِنْ يدِ الآبِ شَيئًا، أنا والآبُ واحِدٌ)).
الكتاب المقدس – يوحنا 10: 23-30
هل هم واحد في اللاهوت ؟ واحدٌ في “ثالوث مقدّس” ؟ لا ! هم واحد في الهدف. تماماً كما أنه لن يخطفهم أحد من يد عيسى ،فإنه أيضًا لن يخطفهم أحد من يد اللّه.
هل تريد المزيد من الأدلة؟ إقرأ هذا إذاً:
لا أُصلِّي لأجلِهِم وحدَهُم، بل أُصلِّي أيضًا لأجلِ مَنْ قَبِلوا كلامَهُم فآمنوا بـي. إجعَلْهُم كُلَّهُم واحدًا ليَكونوا واحدًا فينا، أيُّها الآبُ مِثلَما أنتَ فيَّ وأنا فيكَ، فيُؤمِنَ العالَمُ أنَّكَ أرسَلْتَني. وأنا أعطَيتُهُمُ المَجدَ الّذي أعطَيتَني ليكونوا واحدًا مِثلَما أنتَ وأنا واحدٌ: أنا فيهِم وأنتَ فيَّ لتكونَ وِحدَتُهُم كامِلَةً ويَعرِفَ العالَمُ أنَّكَ أرسَلْتَني وأنَّكَ تُحبُّهُم مِثلَما تُحبُّني.
الكتاب المقدس – يوحنا 17: 20-23
هل كلّ البشريّة أيضًا جزء من الثّالوث المقدّس ؟ عندما نقرأ الإنجيل كوحدة أدبية كاملة لا كمقاطع متفرّقة، نبدأ في رؤية الحقيقة. و بعيداً عن تعاليم الكنيسة بخصوص الثالوث فإننا نبدأ في رؤية كيف أن الذي دعى إليه عيسى (عليه السلام) كان تحديداً كما أخبرنا الله في القرآن الكريم , وهو التمسك بالتوحيد لله فقط .
مثل هذا المصطلح يمكن أن نجده في أماكن أخرى كثيرة, نقرأ على سبيل المثال:
أمَا تَعرِفونَ أنَّ أجسادَكُم هيَ أعضاءُ المَسيحِ؟ فهَلْ آخُذُ أعضاءَ المَسيحِ وأجعَلُ مِنها أعضاءَ امرأةٍ زانِيَةٍ؟ لا، أبدًا! أمْ إنَّكُم لا تَعرِفونَ أنَّ مَنِ اتَّحدَ بامرأةٍ زانيةٍ صارَ وإيَّاها جسَدًا واحِدًا؟ فالكِتابُ يَقولُ: ((يَصيرُ الاثنانِ جسَدًا واحِدًا)). ولكِنْ مَنِ اتَّحَدَ بالرَّبِّ صارَ وإيَّاهُ رُوحًا واحِدًا.
الكتاب المقدس – الرسالة الأولى لأهل كورنثوس 6: 15-17
و أيضاً:
فمَنَحَنا بِهِما أثمَنَ الوُعودِ وأعظَمَها، حتّى تَبتَعِدوا عمّا في هذِهِ الدُّنيا مِنْ فَسادِ الشَّهوَةِ وتَصيروا شُرَكاءَ الطَّبيعَةِ الإلَهِيَّةِ.
الكتاب المقدس – رسالة بطرس الثانية 1: 4
وإلهٌ واحدٌ أبٌ لِلجميعِ وفَوقَهُم، يَعمَلُ فيهِم جميعًا وهوَ فيهِم جميعًا.
الكتاب المقدس – رسالة أفسس 4: 6
وكما أنَّ الجَسَدَ واحدٌ ولَه أعضاءٌ كثيرَةٌ هِيَ على كَثْرَتِها جَسَدٌ واحدٌ، فكذلِكَ المَسيحُ. فنَحنُ كُلُّنا، أيَهودًا كُنَّا أم غَيرَ يَهودٍ، عبيدًا أم أحرارًا، تَعَمَّدنا بِرُوحِ واحدٍ لِنكونَ جَسَدًا واحدًا، وارتَوَيْنا مِنْ رُوحٍ واحدٍ. وما الجَسَدُ عُضوًا واحدًا، بَلْ أعضاءٌ كثيرةٌ.
الكتاب المقدس – الرسالة الأولى لأهل كورنثوس 12: 12-14
عندما نقرأ الأعداد أعلاه و نفهم ماهيّة الرسالة التي حاول بولس أن يوضحها، عندها فقط نستطيع أن نفهم كلماته في أماكن مثل:
فأنتُم جَسَدٌ واحدٌ ورُوحٌ واحدٌ، مِثلَما دَعاكُمُ اللهُ إلى رَجاءٍ واحدٍ. ولكُم رَبٌّ واحدٌ وإيمانٌ واحِدٌ ومَعمودِيَّةٌ واحدةٌ وإلهٌ واحدٌ أبٌ لِلجميعِ وفَوقَهُم، يَعمَلُ فيهِم جميعًا وهوَ فيهِم جميعًا.
الكتاب المقدس – رسالة أفسس 4: 4-6
لقد كان القديس بولس يتكلم عن الوحدة المسيحية و ليس عن آلهة متعددة اندمجت في جسد واحد. وكما سنرى قريباً، فقد كان يجهل تماماً أين ستقود تعاليمه، و كيف أنه بعد عقود من ذلك سيكون هنالك مؤسسات ستنتج عقيدة “الثالوث المقدس”.
لقراءة المزيد حول هذه النقطة إقرأ الجزء (1-2-3-2) و (1-2-3-23).
و مرة أخرى سنقوم بتحديث جدولنا:
التصريح الضمني | التصريح الواضح | – |
– | سفر التثنية 4: 39
سفر الخروج 20: 3 سفر الخروج 34: 14 إشعياء 43: 10-11 إشعياء 44: 6 إشعياء 45: 6 إشعياء 45: 18 إشعياء 45: 22 |
الله واحد |
يوحنا 20: 28
يوحنا 14: 6 يوحنا 14: 8-9 |
يوحنا 1: 1
يوحنا 10: 30 يوحنا 10: 33 يوحنا 5: 18 |
الله اثنين |
متى 28: 19
كورنثوس الأولى 12: 4-6 كورنثوس الثانية 13: 14 يهوذا 1: 20-21 |
يوحنا الأولى 5: 7 | الله ثلاثة |
– | سفر التكوين 1: 26 | الله أكثر من ذلك |
(1-2-2-8) سفر التكوين 1: 26(صيغة الجمع)
نقرأ في سفر التكوين العدد 1: 26 ما يلي:
وقالَ اللهُ: ((لِنَصنَعِ الإنسانَ على صُورَتِنا كَمِثالِنا، وليَتَسَلَّطْ على سمَكِ البحرِ وطَيرِ السَّماءِ والبهائمِ وجميعِ وُحوشِ الأرضِ وكُلِّ ما يَدِبُّ على الأرضِ)).
الكتاب المقدس – سفر التكوين 1: 26
في هذا العدد و في غيره في الكتاب المقدس يتحدث الله عن نفسخ في صيغة الجمع. هل استخدام صيغة الجمع يثبت بأن الله الذي خلق الخليقة ليس كينونة مفردة بل ثالوثاً؟
للإجابة على هذا السؤال إقرأ الفصل /14/ الذي يتحدث عن استخدام ضمير الجماعة تعبيراً عن احترام الله في كلً من الكتاب المقدس و القرآن الكريم.و اقرأ أيضاً الفقرة الأولى من الجزء (1-2-2-6).
و الآن نعود إلى جدولنا:
التصريح الضمني | التصريح الواضح | – |
– | سفر التثنية 4: 39
سفر الخروج 20: 3 سفر الخروج 34: 14 إشعياء 43: 10-11 إشعياء 44: 6 إشعياء 45: 6 إشعياء 45: 18 إشعياء 45: 22 |
الله واحد |
يوحنا 20: 28
يوحنا 14: 6 يوحنا 14: 8-9 |
يوحنا 1: 1
يوحنا 10: 30 يوحنا 10: 33 يوحنا 5: 18 |
الله اثنين |
متى 28: 19
كورنثوس الأولى 12: 4-6 كورنثوس الثانية 13: 14 يهوذا 1: 20-21 |
يوحنا الأولى 5: 7 | الله ثلاثة |
– | سفر التكوين 1: 26 | الله أكثر من ذلك |
(1-2-2-9) يوحنا 14: 8-9(رأى الآب)
حسنٌ، ماذا عن هذا العدد: ((مَنْ رآني رأى الآبَ))؟ لنلقِ نظرة على السياق:
فقالَ لَه فيلبُّسُ: ((يا سيِّدُ، أرِنا الآبَ وكَفانا)). فقالَ لَه يَسوعُ: ((أنا مَعكُم كُلَّ هذا الوَقتِ، وما عَرَفتَني بَعدُ يا فيلبُّسُ؟ مَنْ رآني رأى الآبَ، فكيفَ تَقولُ: أرِنا الآبَ؟
الكتاب المقدس – يوحنا 14: 8-9
لقد أراد فيلبس أن يرى الله بأُمّ عينيه، إلا أن ذلك مستحيل لأنه لا أحد يستطيع ذلك. يقول الكتاب المقدس:
ما مِنْ أحدٍ رأى اللهَ.
الكتاب المقدس – يوحنا 1: 18
ما مِنْ أحَدٍ رأى اللهَ.
الكتاب المقدس – رسالة يوحنا الأولى 4: 12
والآبُ الّذي أرسَلَني هوَ يَشهَدُ لي. ما سَمِعْتُم صَوتَهُ مِنْ قَبلُ، ولا رأيتُم وجهَهُ
الكتاب المقدس – يوحنا 5: 37
لقد كانوا يسمعون صوت عيسى و ينظرون إليه واقفاً أمامهم! لقد كان عيسى يخبرنا و بكل بساطة بأن الأعمال و المعجزات التي قام بها هي دليل كافٍ على وجود الله بدون أن يأتي الله و يجعل نفسه مرئياً كلما راود أحدهم الشك. إن ذلك يماثل قوله:
- [يوحنا 8: 19]: فقالوا لَه: ((أينَ أبوكَ؟)) فأجابَهُم: ((أنتُم لا تَعرِفوني ولا تَعرِفونَ أبـي. ولَو عَرَفتُموني لَعَرَفتُم أبـي)).
- [يوحنا 12: 44]: فرَفَعَ يَسوعُ صوتَهُ، قالَ: ((مَنْ آمنَ بـي لا يُؤمِنُ بـي أنا، بل يُؤمِنُ بالّذي أرسَلَني)).
- [يوحنا 15: 23]: مَنْ أبغَضَني أبغَضَ أبـي.
- [متّى 10: 40-41]: مَنْ قَبِلَكُم قَبِلَني، ومَنْ قَبِلَني قَبِلَ الّذي أرسَلَني. مَنْ قَبِلَ نَبـيًّا لأنَّهُ نَبـيٌّ، فَجَزاءَ نَبـيٍّ يَنالُ. ومَنْ قَبِلَ رَجُلاً صالحًا لأنَّهُ رجُلٌ صالِـحٌ، فجَزاءَ رَجُلٍ صالِـحٍ يَنالُ.
- [القضاة 13: 20-22]: فكانَ عِندَ اَرتفاعِ اللَّهيبِ عَنِ المذبَحِ نحوَ السَّماءِ أنَّ ملاكَ الرّبٌ صَعِدَ في لَهيبِ المذبَحِ ومَنوحُ وزَوجَتُهُ يَنظرانِ فسقطا على وجهَيهِما إلى الأرضِ. ولم يَعُدْ ملاكُ الرّبٌ يتَراءَى لِمَنوحَ وزَوجَتِهِ، فعَلِمَ مَنوحُ مِنْ ذلِكَ أنَّهُ ملاكُ الرّبٌ. فقالَ لاَمرأتِهِ: ((سَنموتُ لأنَّنا رأينا الله)).
فلو أصرّينا بأنه عندما رأى فيلبس عيسى (عليه السلام) فإنه بذلك قد رأى الله ((الآب)) شخصياً و ذلك لأن عيسى “هو” الآب و كليهما ثالوث واحد و أن عيسى هو “تجسد” الله، فإن ذلك سيقودنا إلى استنتاج أن كلاً من الأعداد [يوحنا 1: 18] و [يوحنا 4: 12] و [يوحنا 5: 37]…إلخ جميعهم أكاذيب.
حسنٌ، هل كان فيلبس هو الوحيد الذي “رأى الآب”؟ دعونا نقرأ:
لا أَنَّ أحدًا رأى الآبَ إلاَّ مَنْ جاءَ مِنْ عِندِ اللهِ:هوَ الّذي رأى الآبَ.
الكتاب المقدس – يوحنا 4- 47
قد نسأل: من هو الذي جاء من عند الله و رأى الآب؟ دعونا مرة أخرى نسأل الكتاب المقدس:
مَنْ كانَ مِنَ اللهِ سَمِعَ كلامَ اللهِ. وما أنتُم مِنَ اللهِ، لذلِكَ لا تَسمَعونَ.
الكتاب المقدس – يوحنا 8: 47
و أيضاً:
أيُّها الحبيبُ، لا تَتَّبعِ الشَّرَّ. بَلْ الخَيرَ. مَنْ يَعمَل الخَيرَ فَهوَ مِنَ اللهِ، ومَنْ يَعمَل الشَّرَّ فَما رأى اللهَ.
الكتاب المقدس – رسالة يوحنا الثالثة 1: 11
و هل رأى الأناسُ الذين يعملون الخير اللهَ شخصياً أيضاً؟
لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (103)
القرآن الكريم – الأنعام
وَلَمَّا جَاء مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَن تَرَانِي وَلَكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ موسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ (143)
القرآن الكريم – الأعراف
لنلقي نظرة على جدولنا مرة أخرى:
التصريح الضمني | التصريح الواضح | – |
– | سفر التثنية 4: 39
سفر الخروج 20: 3 سفر الخروج 34: 14 إشعياء 43: 10-11 إشعياء 44: 6 إشعياء 45: 6 إشعياء 45: 18 إشعياء 45: 22 |
الله واحد |
يوحنا 20: 28
يوحنا 14: 6 يوحنا 14: 8-9 |
يوحنا 1: 1
يوحنا 10: 30 يوحنا 10: 33 يوحنا 5: 18 |
الله اثنين |
متى 28: 19
كورنثوس الأولى 12: 4-6 كورنثوس الثانية 13: 14 يهوذا 1: 20-21 |
يوحنا الأولى 5: 7 | الله ثلاثة |
– | سفر التكوين 1: 26 | الله أكثر من ذلك |
(1-2-2-10) يوحنا 14: 6 (أنا هو الطريق)
((أنا هوَ الطَّريقُ …لا يَجيءُ أحَدٌ إلى الآبِ إلاَّ بـي))
بعض الناس يرون في هذا العدد حين قراءته تأكيداً على الثالوث لسببٍ ما. على الرغم أنني لا أعلم كيف يجدون فيه إشارةً واضحةً أو حتى ضمنيةً إلى الثالوث، و لكن سنقوم بدراسته نظراً لانتشاره.
يبدو أن يكون عدداً كبيراً من المسيحيّين يفسرون هذا العدد عند قراءته على أنه تصريح بأن عيسى هو اللّه و أنّه لن يدخل الجنّة أحد إلا إذا عبد عيسى. لذلك يفضل دراسة هذا العدد في القسم الذي بعنوان ((ابن الله 1-2-3)), و لكنّ, باعتبار أن هذا العدد يُستشهد به عند مناقشة الثالوث لذا كان من المناسب أن نناقشه هنا.
يفهم عامة الناس من هذا النص أن عيسى يطلب منا أن نعبده لكي يتم خلاصنا، إلا أن المعنى الحقيقي لهذا العدد ليس كذلك. فإن أردنا أن نستوعب تلك الحقيقة، وجب علينا دراسة السياق.
فإن عدنا قليلاً و قرأنا النص من بداية الإصحاح، فإننا سنجد عيسى يقول قبل أن يتفوه بتلك الكلمات:
في بَيتِ أبـي مَنازِلُ كثيرةٌ، وإلاَّ لما قُلتُ لكُم: أنا ذاهِبٌ لأهيِّـئَ لكُم مكانًا.
الكتاب المقدس – يوحنا 14: 2
إن البيان أعلاه واضح تماماً. إنّه في توافق دقيق مع تعاليم القرآن. يخبرنا القرآن كيف أن اللّه قد أرسل رسلاً إلى كلّ القبائل و الأمم. و يخبرنا أن الرّسالة الأساسيّة التي نزلت إلى كلّ هؤلاء القبائل كانت واحدة : ((أعبدوا الله دون سواه)). بعض التفاصيل الثّانويّة لهذه العبادة قد تختلف من قبيلة أو أمة إلى أخرى وفقاً لحكمة اللّه اللامحدودة و معرفته بهؤلاء النّاس. لقد أمر الله كل نبيّ بألا يقوم بدعوة أحدٍ إلا شعبَه. ومن ثم توضّح الأمر لشعب هذا الرسول أنهم لو أطاعوه فإنهم سينالون ثواب الله. إن الله لن يحمّلهم مسؤولية ما صنعته أيّ قبيلة أو أمة أخرى وما لم تصنع. و يستمرّ هذا الحال حتّى آخر رسل الله محمد ( ) الذي أُرسل إلى كلّ البشريّة كخاتم الأنبياء.
إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ (يا محمد) بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلَّا خلَا فِيهَا نَذِيرٌ (24)
القرآن الكريم – فاطِر
وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى اللّهُ وَمِنْهُم مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَانظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (36)
القرآن الكريم – النحل
إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإْسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا (163) وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِن قَبْلُ وَرُسُلاً لَّمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا (164) رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا (165)
القرآن الكريم – النساء
يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُوْلَئِكَ يَقْرَؤُونَ كِتَابَهُمْ وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً (71)
القرآن الكريم – الإسراء
فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاء شَهِيدًا (41)
القرآن الكريم – النساء
وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاء وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (69)
القرآن الكريم – الزُّمر
وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِم مِّنْ أَنفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَى هَؤُلاء وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ (89)
القرآن الكريم – النحل
هذا ما يقوله عيسى بالضبط. لقد قال أنه في بيت الله يوجد غرف كثيرة. لقد أُرسل عيسى ليرشدهم إلى غرفة واحدة فقط. إن الغرف الباقية الكثيرة محجوزة للقبائل و الأمم الأخرى إن أطاعوا رُسُلهم. ومن ناحية أخرى فقد كان عيسى يخبر أتباعه ألا يكترثوا للغرف الأخرى. أي شخص من بين شعبه يود دخول هذه الغرفة التي حُجِزَتْ لهم فقط وجب عليه اتّباع عيسى و إطاعة أوامره. لذا أكد عيسى أنه ذاهب ليهيّء لهم ((مكاناً)) – و ليس ((كل الأمكنة)) – في بيت الآب.
و أيضاً, فإن هذا العدد يصرح بوضوح أن عيسى كان الطّريق إلى غرفة و لم يقل أنّه الوجهة المقصودة و التي سيكون الحال عليها لو أنه هو الله وجهة كلّ عبادة و صلاة. ماذا نتوقع من نبيّ الله إلا أن يقول ((أنا هو الطريق لرحمة الله))؟ فهذا ما يجب على النبيّ أن يقوله! و هذا ما يجب عليه أن يفعله! لقد اصطفاه الله لهذا السبب في الدرجة الأولى، لكي يُرشدهم إلى رحمة الله. هذا ما يؤكد عليه العدد [يوحنا 10: 9 – أنا هوَ البابُ، فمَنْ دخَلَ مِنِّي يَخلُصُ: يدخُلُ ويَخرُجُ ويَجِدُ مَرعًى] حيث يخبرنا عيسى بأنه “الباب” إلى “المرعى”. بمعنى أنه “النبيّ” الذي يهدي شعبه إلى “الجنة”. إقرأ أيضاً العدد [يوحنا 12: 44 – مَنْ آمنَ بـي لا يُؤمِنُ بـي أنا، بل يُؤمِنُ بالّذي أرسَلَني].
مرة أخرى، تلك كانت رسالة الإسلام. و بالطبع فإن الله بعد /600/ سنة سيأمر النبي محمد ( ) ليقول للبشرية:
قُلْ (يا محمد للبشرية) إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (31)
القرآن الكريم – آل عمران
و في الختام، لنتذكر قول المسيح:
لَيْسَ كُلُّ مَنْ يَقُولُ لِي: يَا رَبُّ ، يَا رَبُّ ! يَدْخُلُ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ. بَلِ الَّذِي يَفْعَلُ إِرَادَةَ أَبِي الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ.
الكتاب المقدس – متى 7: 21
هاهو جدولنا مرة أخرى:
التصريح الضمني | التصريح الواضح | – |
– | سفر التثنية 4: 39
سفر الخروج 20: 3 سفر الخروج 34: 14 إشعياء 43: 10-11 إشعياء 44: 6 إشعياء 45: 6 إشعياء 45: 18 إشعياء 45: 22 |
الله واحد |
يوحنا 20: 28
يوحنا 14: 6 يوحنا 14: 8-9 |
يوحنا 1: 1
يوحنا 10: 30 يوحنا 10: 33 يوحنا 5: 18 |
الله اثنين |
متى 28: 19
كورنثوس الأولى 12: 4-6 كورنثوس الثانية 13: 14 يهوذا 1: 20-21 |
يوحنا الأولى 5: 7 | الله ثلاثة |
– | سفر التكوين 1: 26 | الله أكثر من ذلك |
(1-2-2-11) يوحنا 20: 28 (ربي و إلهي)
ثُمَّ قالَ (عيسى) لِتوما: ((هاتِ إصبَعَكَ إلى هُنا واَنظُرْ يَدَيَّ، وهاتِ يدَكَ وضَعْها في جَنبـي. ولا تَشُكَّ بَعدَ الآنَ، بل آمِنْ! )) فأجابَ توما: ((رَبِّـي وإلهي! ))
Then saith he (Jesus) to Thomas, Reach hither thy finger, and behold my hands; and reach hither thy hand, and thrust [it] into my side: and be not faithless, but believing. And Thomas answered and said unto him, My Lord and my God.
الكتاب المقدس – يوحنا 20: 27-28 (الترجمة العربية المشتركة – نسخة الملك جيمس)
مرة أخرى، و عندما تم اقتباس هذا العدد، اعتقدت لتوّي بأنني وجدت ضالتي أخيراً. لقد وجدت في النهاية عدداً يقول بصراحة بأن عيسى “هو” الله. إلا أنه بعد وقت ليس بطويل من البحث في الكتب اللاهوتية وجدت أن المعنى الحقيقي لهذا العدد كان مختلفاً تماماً عما فهمته من مجرد إلقاء نظرة خاطفة عليه.
إن هذا العدد و في أحسن أحواله هو مثال على التصريح الضمني لـ”الثنائية”. ذلك لأن هذا العدد يبدو و كأنه يدلّ على أن توما اعتقد أن عيسى كان هو الله العليّ. إن هذه الكلمات هي على لسان توما و ليست من أقوال عيسى. و على كل حال فإننا نواجه عدداً من المشاكل في تفسير هذا العدد ليدل على أن عيسى هو اللّه.
أوّلاً: إن العبارة ((فأجابَ توما)) هي عبارة مضللة نوعاً ما نظراً لكون توما لم يُطرح عليه سؤال في أيّ مكان قبل هذا العدد. إن كلمات توما تشير بشكل ملائم أكثر إلى “الدهشة” أو “التعجب”، و لهذا السبب فإن أغلب ترجمات الكتاب المقدس (فيما عدا نسخة الملك جيمس) تُلحق هذه الجملة بـ (إشارة التعجب) كالتالي:
فأجابَ توما: ((رَبِّـي وإلهي! ))
(إن الترجمة العربية المشتركة قد أضافت إشارة التعجب مسبقاً، إلا أن نسخة المللك جيمس باللغة الانكليزية لم تضع هذه الإشارة، و النص الأصلي الذي تحت الدراسة هو من نسخة الملك جيمس)
علماء مسيحيّون مثل تيودور موبسيستيا Theodore of Mopsuestia (350-428 ) – وهو برتبة أسقف في كنيسة موبسيستيا – فسّروا هذا العدد في أنه موجّهٌ إلى الله ((الآب)) و ليس إلى عيسى، و بالتالي فإن ذلك يشبه في المعنى صيغة التعجب (يا إلهي!) أو (يا الله!). و بعبارة أخرى, كان ذلك من الدهشة بهدف التعبير عن المفاجأة و عدم التّصديق و ليس تأكيداً أن عيسى في الحقيقة هو اللّه ((الآب)).
ثانياً: في حقيقة الأمر فإن الكلمة المترجمة في هذا العدد على أنها ((الله – God)) يجب أن تكون في اللاتينية ((هوثيوس Ho theos – أي الله)) و ليست ((ثيوس theos – إي إله أو الألوهية المجازية)). ولكن، و عند دراسة تاريخ هذا العدد في المخطوطات اليدوية القديمة للكتاب المقدس و التي جُمع منها الكتاب المقدس الذي بين أيدينا اليوم، فإننا نجد هذه الحقيقة المثيرة للاهتمام: بأن المخطوطات اليدوية القديمة للكتاب المقدس نفسها غير متفقة في الصيغة الصحيحة لهذه الكلمة. فمثلاً: مخطوطة بيزا codex Bezae هي مخطوطة يدوية تعود للقرن الخامس بعد الميلاد و تحتوي على الأناجيل و أعمال الرسل بالنص اليوناني و اللاتيني، و التي اكتُشفت في القرن السادس عشر من قِبل تيودور بيـزا Theodore Beza في دير بمدينة ليون Lyon. إن المخطوطات اليدوية التي كُتبت قبل مخطوطة بيزا و غيرها من مخطوطات الكنيسة لا تحتوي في نصها على ((Ho – أل التعريف))[2]. يعني ذلك أنه إن كان هذا العدد و في هيئته الأصلية يجب أن يفهم أنه موجّهٌ إلى عيسى (عليه السلام) نفسه، فإن العدد يقول بأن عيسى هو “إله” و ليس “الله تعالى”. و بالتالي فذلك مماثل في المعنى لما وُصِف به النبيّ موسى بأنه “إله” في العدد [سفر الخروج 7: 1 – فقالَ الرّبُّ لموسى: أُنظُرْ. جعلْتُكَ بِمَثابَةِ إلهٍ لِفِرعَونَ] و عندما وُصِف كل اليهود بأنهم “آلهة” في العدد [المزامير 82: 6 – أنا قلتُ أنتُم آلهةٌ وبَنو العليِّ كُلُّكُم] و عندما وُصِف الشيطان بأنه “إله” في العدد [كورنثوس الثانية 4: 4 – …غَيرِ المُؤمنينَ الّذينَ أعمى إلهُ هذا العالَمِ بَصائِرَهُم] و ذلك يقلل من تعجب توما في حال كونها موجهة إلى عيسى فيصبح المعنى: ((سيدي الإله!)) أو ((إلهي و سيدي!)).
أما بالنسبة للمسلمين فالموضوع بسيط. يصرّح القرآن بوضوح كبير بأن الله لم يتخلى عن عيسى بتسليمه لليهود ليُصْلَب, بل “شُبِّه لهم”. لذا فإن القول بأن عيسى جاء إلى توما و طلب منه أن يشاهد أثر المسمار في يده و الرّمح في جانبه لهو الدّليل الواضح بالنسبة للمسلم أن هذا الحدث بالكامل تلفيقٌ و إضافةٌ لاحقة. و باعتبار أن قول المسلم في هذا الشّأن لن يُعْتَبَر دليلاً عادلاً و محل ثقة في هذه المسألة, لذلك كان من الضروريّ استخدام المنطق قليلاً للوصول إلى الحقيقة. بما أنّه لدينا في أيدينا خلاف بين المخطوطات الإنجيليّة القديمة نفسها بخصوص ما قاله توما حقيقةً, لذلك دعوني أطلب منكم هذا الأمر البسيط جداً. من فضلكم أحضروا قلم رصاص و قطعةً من الورق و توقّفوا عن قراءة هذا الكتاب مؤقتاً، ثم دوّنوا من فضلكم و بإسلوبكم الخاص النتيجة الواضحة الأكثر أهمية و التي يمكن استنتاجها من دهشة توما. اكتبوا ذلك باختصار و في حدود عشرين كلمة ولكن باسلوب مباشر ما استطعتم. اختاروا كلماتكم بعناية و دوّنوها كما لو أن حياتكم بأسرها و خلاص الآلاف من الأجيال يعتمدان على ما ستكتبونه. اجعلوها واضحة و في صلب الموضوع. هل انتهيتم؟ حسنٌ، دعونا نكمل.
دعونا الآن نقارن ما كتبتموه للتّو مع الذي كتبه المؤلّف الحقيقي لهذا الإنجيل عندما واجه نفس المتطلبات التي عرضتها عليكم. فلو تابعنا القراءة من إنجيل يوحنا نفسه, فإننا سنجد أن بعد هذا الحوار الذي دار بين عيسى و توما مباشرةً و الذي وصفه لنا مؤلف إنجيل يوحنا – سنجد أن نفس المؤلف يتابع فيقول:
وصنَعَ يَسوعُ أمامَ تلاميذِهِ آياتٍ أُخرى غَيرَ مُدوَّنَةٍ في هذا الكِتابِ. أمَّا الآياتُ المُدوَّنَةُ هُنا، فهيَ لتُؤمِنوا بأنَّ يَسوعَ هوَ المَسيحُ اَبنُ اللهِ. فإذا آمنتُم نِلتُم باَسْمِهِ الحياةَ.
الكتاب المقدس – يوحنا 20: 30-31
إن كان مؤلّف إنجيل يوحنا قد سجّل كلمات توما بأنها شهادةٌ على أنّ عيسى هو اللّه و أنه فسّر صمت عيسى على أنه اعتمادٌ لهذه الشّهادة المزعومة, فإن يوحنا سيكتب في هذه الحالة ((لتؤمنوا أن يسوع هو الله العليّ)) و ليس ((لتؤمنوا أن يسوع هو المسيح…)) و لقراءة شرحٍ للمصطلحات [ابن الله – المسيح] أرجو قراءة الجزء (1-2-3-2) و الجزء (1-2-3-8) الذين سننتقل إليهما قريباً.
لجعل هذه المسألة واضحة أكثر، دعونا أوّلاً نتذكّر أن العلماء المسيحيّين يخبروننا بأن التّلاميذ لم يكونوا على فهمٍ تامٍّ بمن “هو” عيسى إلى ما بعد حادثة البعث و القيامة. فعلى سبيل المثال يقول السيد توم هاربر Tom Harpur:
“في الحقيقة, إذا ما قرأت بعناية إنجيل مرقس بالكامل فإنك ستكتشف أن التّلاميذ كانوا بعيدين عن ملاحظة الألوهية التي نسبت لاحقاً إلى عيسى. إن الذين يفترض أن يكونوا قادرين على رؤية الحقيقة من خلال الأكاذيب وُصِفوا بأنهم بُلهاء و أغبياء بكل صراحة… بعض العلماء يعتقدون أنه مرقس في الحقيقة قد أظهر التّلاميذ في صورة سيئة عمداً لأنه كان مدركًا وجود مشكلة خطيرة. إذا كان يسوع ابن اللّه فيما بعد، وهو شيءٌ مقبولٌ أكثر, فكيف حدث أنّ الذين رافقوه – وهم شهود معجزاته و حفظة تعاليمه العميقة – لم يعرفوا إطلاقاً من كان إلى ما بعد حادثة القيامة بفترة ليست بقصيرة؟”
من أجل المسيح ص 59
For Christ’s Sake, pp. 59
لقد اعترف العلماء لاحقاً أن الثالوث المقدس لم يجد طريقه إلى المسيحية “بشكل تام” حتى ثلاثمائة سنة بعد رحيل عيسى (عليه السلام) (أنظر على سبيل المثال القسم 1-2-2-15). و من ناحية أخرى فهم يشيرون إلى هذا العدد ليبينوا لنا كيف أن الطبيعة “الحقيقية” لعيسى قد أصبحت في النهاية واضحة بالنسبة للتلاميذ. و الآن يجب أن نسأل: ما هي أهم معلمومة تعلمناها لتوّنا من دهشة توما؟ ما هي المعلومة الأكثر سطوعاً و وضوحاً و بروزاً التي تعلمناها من هذا التصريح؟ هل لمبشّرٍ أن يقول لنا أننا تعلمنا في الحقيقة أن عيسى هو الله!؟ بعبارة أخرى: لقد أمضى التّلاميذ سنوات كثيرة يتعلمون فيها عن عيسى، و يتبعونه و يطيعونه و يبشّرون برسالته. و فجأة زُعم أنه أُخذ بعيداً و صُلب و دُفن, ثم قام من الموت. ثم يراه توما – طبقًا لشهادة يوحنا – و يدرك أن يسوع هو اللّه الآب الذي نزل إلى الأرض ليمشي بيننا. إذا فماذا نتوقع منطقياً أن يكون الموضوع الهام جداً و ذو طبيعة ملحة و حاسمة في نظر مؤلف إنجيل يوحنا؟ من الواضح أن السبب في تفسيرنا هذا هو غرس “الفكرة” في عقولنا في أن “عيسى هو تجسد الله العليّ”! أليس هذا سبباً منطقياً؟ ثم لماذا يتجاهل المؤلّف الآن عن دون قصد مثل هذه الملاحظة المبعثرة و يختار أن يعود عمداً إلى وصف عيسى بمصطلحات مثل ((ابن الله)) و ((المسيح – المسيا))؟ [إقرأ الجزء (1-2-3-2) و (1-2-3-8)] ألم يفهم مؤلّف هذا الكتاب العلاقة التي أنشأناها لتوّنا الآن؟ هل كان لدى مؤلّف إنجيل يوحنا فهماً أدنى من فهمنا لما كان يكتبه؟ فكّر في ذلك مليّاً.
أكثر من ذلك، فبعض العلماء المسيحيين يعتقدون أن كامل الفقرة المتعلقة بـ”شكوك توما” هي “إضافة” لاحقة. إن كتاب ((الأناجيل الخمسة)) يقول عن هذه الفقرة أنها تلفيق بالكامل و أنها ليست من أقوال عيسى (عليه السلام).
يوجد العديد من الأعداد الأخرى التي يمكن التطرق إليها في مثل هذه المقارنة، إلا أن الأعداد التي اقتبسناها لتوّنا هي الأقوى و الأكثر استشهاداً. يوجد أعدادٌ أخرى يُتطرق إليها في مثل هذه النقاشات، هذه الأعداد سندرسها في الفصل (1-2-3) باعتبار أنها تندرج بشكل أكبر تحت مفهوم إلوهية عيسى و القول بأنه الابن الجسدي المولود لله فيما لو أنهم أُدرجوا تحت مفهوم الثالوث.
و في النهاية دعونا نلقي نظرة أخيرة على جدولنا:
التصريح الضمني | التصريح الواضح | – |
– | سفر التثنية 4: 39
سفر الخروج 20: 3 سفر الخروج 34: 14 إشعياء 43: 10-11 إشعياء 44: 6 إشعياء 45: 6 إشعياء 45: 18 إشعياء 45: 22 |
الله واحد |
يوحنا 20: 28
يوحنا 14: 6 يوحنا 14: 8-9 |
يوحنا 1: 1
يوحنا 10: 30 يوحنا 10: 33 يوحنا 5: 18 |
الله اثنين |
متى 28: 19
كورنثوس الأولى 12: 4-6 كورنثوس الثانية 13: 14 يهوذا 1: 20-21 |
يوحنا الأولى 5: 7 | الله ثلاثة |
– | سفر التكوين 1: 26 | الله أكثر من ذلك |
كما نرى من جدولنا فإنه لا يوجد أي تصريحٍ في كل الكتاب المقدس – واضحاً كان أم ضمنياً – يؤكد مفهوم الثالوث! في الحقيقة، لقد كان ذلك هو السبب الذي أدى إلى إضافة العدد [يوحنا 5: 7] إلى الكتاب المقدس قبل قرون عديدة. لأنه بغياب هذا العدد الملفق لا يوجد أي طريقة على وجه الأرض لإثبات أن الله عبارة عن ثالوث. و في مثل هذه الحالة يجب علينا أن نأخذ بقول الكنيسة فيما يتعلق بهذا الأمر. إلا أنه و بحمد الله تعالى لم يتم الكشف عن هذا التلفيق من قبل المسلمين، بل من قبل مسيحيٍّ مُنفتح. لم يتم الكشف عنه من قبل مسيحي محافظ، بل من قبل إثنين و ثلاثين من علماء الإنجيل المحافظين الأكثر رفعة يدعمهم خمسون من الطوائف الدينية. و بغضّ النّظر عن ماهية كنيستكم أو الطائفة التي تنتمون إليها و التي من المحتمل أن تكون عضواً في اللّجنة التي جمعت النسخة القياسية المنقحة للكتاب المقدّس و غيرها من الاحتمالات, فقد تم حذف العدد [يوحنا 5: 7] على أنه تلفيق بالكامل.
أليس من الغريب قليلاً أن يختار الله بألا يضع تصريحاً واحداً فقط في كامل الكتاب المقدس حيث يقول فيه ((أنا ثلاثة آلهة في واحد))؟
أليس من الغريب قليلاً أننا اضطررنا إلى انتشال و اختيار إشارات ضمنية لـ”الثنائية” و نقوم بجمع الأشلاء لنعرف طبيعة الله؟
لماذا رأى الله أنه من الضروري التصريح بوضوح و بشكل متكرر من خلال الكتاب المقدس بأنه إله واحد، و عندما يحين الوقت ليصرّح بوضوح بأنه ثلاثة آلهة فإن ذلك يُترك لعقولنا لكي “نلاحظ” و “نجمع المعلومات” أنه “لابد أن يكون ثالوثاً مقدساً”؟
لماذا لم يُحسم الموضوع في زمن الأنبياء نوح و إبراهيم و موسى (عليهم السلام)؟ لماذا لا نجد يهودياً واحداً يعبد “الثالوث المقدس”؟
“إن عقيدة الثّالوث المقدّس قد رُبِطَت بجوانب مختلفة من وحي العهد القديم, و من المحتمل أن تكون الجوانب الأكثر أهمية في ذلك هو استخدام صيغة الجمع للدلالة على الألوهية والإشارات إلى الربوبية و تميُّز روح الله و المسيح عما دون ذلك. إن التأييد الذي تقدّمه كلّ هذه الجوانب من وحي العهد القديم للمعتقد المسيحي فيما يتعلق بالثالوث المقدس هو تأييد مبالغ فيه, و خاصة فيما يتعلق بالأدلة المستقاة من استخدام صيغة الجمع في الإشارة إلى الألوهية. إن صيغة الجمع في العدد الذي يقول (لِنَصنَعِ الإنسانَ على صُورَتِنا) [التكوين 1: 26]،[كورنثوس الأولى 3: 22 – 11: 67] تشير إلى مصطلح ((ابن الله)) أو إلى ((آلهة ذات مستوى أدنى)) وهي مذكورة في مواضع أخرى مثـل [كورنثوس الأولى 6: 1-4]،[أيوب 1: 6]،[المزامير 29: 1]، و يشار إليها في العدد [المزامير 82: 1] على أنها مجلس إلهي و الله الواحد في وسطه. هذا المجلس الإلهي سمّي فيما بعد ((الملائكة))”
قاموس إردمانز للكتاب المقدس، تحرير آلن ميرز – ص 1019
The Eerdmans Bible Dictionary, Editied by Allen C. Myers, p. 1019
للمزيد حول هذاالموضوع فضلاً إقرأ الفصل /14/.
أعرف أنه لازال يوجد الكثير من الأسئلة التي لم نجب عليها، لذا أرجو أن تتحلوا بالصبر لأنه سرعان ما ستتضح الصورة لنا أكثر فأكثر عندما ننتقل إلى القسم (1-2-3) و القسم (1-2-4) إن شاء الله.
(1-2-2-12) يوحنا 10: 33 و يوحنا 5: 18(جعلت نفسك إلهاً)
فقالَ لهُم يسوعُ: ((أرَيتُكُم كثيرًا مِنَ الأعمالِ الصَّالِحَةِ مِنْ عِندِ الآبِ، فلأيِّ عمَلٍ مِنها تَرجُموني؟)) أجابَهُ اليَهودُ: ((لا نَرجُمُكَ لأيِّ عمَلٍ صالِـحٍ عَمِلتَ، بل لِتَجديفِكَ. فما أنتَ إلاّ إنسانٌ، لكِنَّكَ جَعلتَ نَفسَكَ إلهًا)).
الكتاب المقدس – يوحنا 10: 32-33
فاَزدادَ سَعيُ اليَهودِ إلى قَتْلِهِ، لأنَّهُ معَ مُخالَفَتِهِ الشَّريعةَ في السَّبتِ، قالَ إنَّ اللهَ أبوهُ، فَساوى نَفسَهُ بِاللهِ.
الكتاب المقدس – يوحنا 5: 18
إن أول هذين العددين هو تتمة لعدد رسناه سابقاً وهو [يوحنا 10: 30 – أنا والآبُ واحِدٌ]، و لكن نظراً لانتشار هذين العديين في إثبات الثالوث، فإننا سنقوم بدراستهما بشكل منفصل.
عندما يستشهد النّاس بمثل هذه الأعداد في محاولة لإثبات أن عيسى هو اللّه فإنهم يُتبِعُونه بالقول بأن عيسى (عليه السلام) لابد و أن يكون قد قال بأنه الله. يبرّرون ذلك في قولهم: إذاً فما السبب الذي جعل أعداءه يتّهمونه بالتجديف؟ إذا ادّعى أعداؤه ذلك فلابد أن يكون هذه الادّعاءُ صحيحاً.
المشكلة في هذا المنطق هو أن اليهود كان لهم المصلحة في اتّهام عيسى (عليه السلام) بأي أمر يُبعد الناس من حوله. فقد أصبح بطلاً شعبياً مع الوقت و بشكل ملحوظ، و الكثير من الناس قد أخذوا يتجمعون من حوله. كان لابد لهم من إحداث “فضيحةٍ” ما لكي يلحقوا الضرر و يستولوا على زمام الأمور ولو جزئياً.
في أيّ محكمة في الولايات المتّحدة الأمريكيّة هناك ما يُسَمَّى بـ “الشاهد العدائيّ”. الشّاهد العدائيّ هو شاهد الادّعاء الذي يقاوم للفوز من خلال خسارة المدّعى عليهم. لهذا السّبب, فإن شهادة الشّهود هؤلاء لا تُوضَع أبدًا على قدم المساواة مع الشّاهد الحيادي غير المتحيّز.
فلو كنا لنقبل قول هؤلاء النّاس بأن عيسى (عليه السلام) قد ادّعى أنه اللّه، فقط لأنهم يدّعون أنه قد قال ذلك, فيجب علينا أن نتابع على نفس المنوال و نصدّق كل شيئ يقولونه عنه. فعلى سبيل المثال, يصفونه بأنه شَرِهٌ و مدمن كحول في العدد [متّى 11: 19]. و يقولون أنه كان في تحالف مع الشّيطان في العدد [مرقس 3: 22]. و في العدد [يوحنا 8: 48] يدّعون أنه كان سامريّاً و أنّ به مسٌّ من الشيطان. وهم يصرّون أنه مجنونٌ في العدد [مرقس 3: 21]. و بالمثل, فقد وصفوا يوحنا المعمدان (يحيى عليه السلام) بأنه مسكون من قبل الشيطان في العدد [متّى 11: 18] …إلخ. هل كلّ هذه الاتهامات صحيحة؟ للمزيد حول هذا الموضوع الرجاء قراءة الجزء (6-3) الفقرة التاسعة.
قد يسأل أحدهم: فلماذا إذاً يودّ هؤلاء الناس تلفيق اتهامات غير معقولة على أنبيائهم؟ السبب في ذلك أنهم لو استطاعوا إلصاق أحد هذه الاتهامات بصاحبها فإنهم بذلك سيجدون عُذراً شرعياً لإعدام أنبياء الله دونما إحداث شغبٍ و جعلهم شهداء، أو إشعال الثورة في وجه فسادهم (إقرأ الإصحاح 23 من إنجيل متّى). فلو قرأنا الإنجيل فسنجده مزحوماً بمثل هذه الاتّهامات. فعندما لا تلتصق به تهمة ما فسيحاولون إلصاق أخرى ثم أخرى. وكما يقول المثل: إن لم تنجح من المرة الأولى فحاول ثانية و ثالثة.
التصريح الضمني | التصريح الواضح | – |
– | سفر التثنية 4: 39
سفر الخروج 20: 3 سفر الخروج 34: 14 إشعياء 43: 10-11 إشعياء 44: 6 إشعياء 45: 6 إشعياء 45: 18 إشعياء 45: 22 |
الله واحد |
يوحنا 20: 28
يوحنا 14: 6 يوحنا 14: 8-9 |
يوحنا 1: 1
يوحنا 10: 30 يوحنا 10: 33 يوحنا 5: 18 |
الله اثنين |
متى 28: 19
كورنثوس الأولى 12: 4-6 كورنثوس الثانية 13: 14 يهوذا 1: 20-21 |
يوحنا الأولى 5: 7 | الله ثلاثة |
– | سفر التكوين 1: 26 | الله أكثر من ذلك |
(1-2-2-13) تحليل منطقي:
كما لاحظنا في بداية دراستنا التحليلية فإن عيسى يأمرنا في العدد [مرقس 20: 30] بقوله: ((فأحِبَّ الرَّبَّ إلهَكَ … بِكُلِّ فِكرِكَ))، كما تعلمنا أنّ ((اللهَ لَيْسَ إِلَهَ تَشْوِيشٍ)) من خلال العدد [كورنثوس الأولى 14: 33].
لذا, فإن كانت طبيعة اللّه ليست طبيعة إله تشويش، فلا يجب أن يأمرنا أن “نؤمن” بالثالوث المقدس بكل بساطة ذلك لكونه مفهومٌ “غامض”. أليس ذلك بالعدل؟ أليس هذا مايقوله الكتاب المقدس و عيسى نفسه؟ لذا دعونا نستخدم عقولنا و نبحث عن الحقيقة. لنطرح الأسئلة في بعض الأمور حتى نكون قادرين فعلاً على القول بأننا أحببنا الله ((بكل فكرنا)).
أغلب المسيحيين اليوم قد تعلّموا أنه بسبب آدم فإن البشرية كلها قد ورثت الخطيئة.
فكما أنَّ خَطيئَةَ إنسانٍ واحدٍ قادَتِ البشَرَ جميعًا إلى الهَلاكِ، فكذلِكَ بِرُّ إنسانٍ واحدٍ يُبَرِّرُ البشَرَ جميعاً فينالونَ الحياةَ.
الكتاب المقدس – رسالة بولس إلى أهل رومة 5: 18
لقد كانت هذه الخطيئة عظيمة جداً لدرجة أنها لا يمكن أن تُغفر بالوسائل العادية. لقد كانت هذه الخطيئة عظيمة جداً لدجة أن الله لم يكن بمقدوره أن يقول بكل بساطة ((لقد غفرت لكم جميعاً)). لقد كانت هذه الخطيئة عظيمة جداً لدرجة أنها لم ينفع معها التضحية بشخص فانٍ لم يقترف أي سيئة. لقد كانت هذه الخطيئة عظيمة لدرجة أنه كان من الضروري أن يقدّم الله تعالى ابنه الوحيد المولود له على أنه القربان الوحيد القادر على تكفير خطيئة البشرية. لقد كانت الطريقة الوحيدة الممكنة حتى يغفر الله للبشرية هذا الذنب المروّع بأن يُسلّم ابنه لعدوّه الفاني لكي يضربوه و يبصقوا عليه و يجلدوه و يعرّوه يطعنوه و يذلّوه و يعلّقوه على الصليب و أخيراً قتله. بهذا الأسلوب سيتمكن الله أخيراً أن يهبنا الغفران الذي يودّ أن يُنعم علينا به [كورنثوس الأولى 15: 3 – المَسيحَ ماتَ مِنْ أجلِ خَطايانا]،[أهل رومة 5: 6 – ماتَ المَسيحُ مِنْ أجلِ الخاطِئينَ].
إلا أننا لو نظرنا بإمعان إلى هذه الصورة فسنجد عدداً من المعضلات. على سبيل المثال, إذا كان عيسى (عليه السلام) جزء من ثالوثٍ إلهيّ يشكّل جوهر الله العليّ, و إذا كان الله ألهاً واحداً و ليس ثلاثة آلهة, فإن مات عيسى (عليه السلام) على الصّليب, فماذا حدث لله العليّ؟ هل مات الثّالوث المقدّس أيضًا أم كان ثُلثاً من الثّالوث المقدّس قد انفصل عن الكل ثمّ عُذّب و قُتل و أُرسل إلى جهنّم لمدّة ثلاثة أيّام فيما بقي الثلثين الباقيين (لله!) في هيئاتهما العرجاء بعيداً في برّ الأمان؟ من كان يشرف على السماوات و الأرض بينما كان كلّ ذلك يحدث؟ الثّالوث المقدّس الأعرج؟ لا أحد؟ إذا كنتُ مكوّنًا من قلب و عقل و روح و مات أحد الأجزاء, فما يحدث للبقية؟ هل هم واحد أم ثلاثة؟ إذا كان اللّه و عيسى و الرّوح القدس هم ثلاثة أسماء لنفس الكينونة و ليسوا ثلاثة آلهة منفصلين, (مفهوم الثّالوث المقدّس الذي يمليه علينا العدد [إشعياء 43 10-11] و غيره من الأعداد) فإن “موت عيسى” هو طريقة أخرى لقولنا “موت اللّه الآب” و الذي هو أيضًا طريقة أخرى لقولنا “موت الرّوح القدس”.
سيعترض بعض رجال الدّين بأن المسيح لم يمت بذاته, بل الذي مات هو هيئته البشرية (الناسوت). أما الهيئة الإلهية (اللاهوت) فلم تتأثر بذلك. إنهم يصفون ذلك كأن شخصاً ما ينزع معطفه. إن هذا المفهوم يتركنا في ورطة, لأنه لا يدع لنا إلى خيارين:
1)- إما أنّ عيسى (عليه السلام) ((نفسه)) لم يمت، بل سُفك جسده البشري (إذا جاز التّعبير), و في هذه الحالة يجب أن نسأل: أين تكمن التّضحية العظيمة في سفك قشرة عديمة الجدوى؟ ألم نتفق لتوّنا قبل قليل بأن التضحية بشخص هالكٍ (فانٍ) غير كافيةٍ لمسح هذه الخطيئة عن البشرية؟ ألم نقل لتوّنا أن الذي يجب أن يموت لابد و أن يكون (إلهاً) معصوماً؟ ثمّ كيف يكون سفك القشرة الفانية عديمة الجدوى الخاصة بعيسى و التي لا تشكّل جوهره الفعلي – تضحيةً مطلقةً لفداء كل آثام البشريّة؟ كيف يكون ذلك مختلفاً عن التضحية بأي بشرٍ عادي؟ هل كفّر موت معطف يسوع عن آثام كلّ البشريّة؟ ألم يكن بمقدور عيسى أن يصنع لنفسه ألفاً إضافيةً من ((القشور)) البشرية ليسكن فيها؟ هل رَميُه لإحداها يُعتبر ((تضحيةً مطلقةً لكل آثام البشرية))؟
2)- أو أنّ عيسى (عليه السلام) ((نفسه)) قد مات، في هذه الحالة: بما أنه جزء من “الثالوث المقدس”، و أنّ “الثالوث المقدس” ألهٌ واحد و ليس ثلاثة (وذلك بما تمليه علينا الأعداد [إشعياء 43: 10-11]،[ سفر التثنية 4: 35]،[الملوك الأول 8: 60]،[إشعياء 45: 5] و الكثير من الأعداد الأخرى) فبذلك يكون كلاً من الله و عيسى و الروح القدس قد مات باعتبارهم جميعاً “جوهرٌ واحدٌ”. بل أكثر من ذلك، إذا كان الثلاثة هم في الحقيقة إله واحد، فإن موت هذا الإله الواحد يناقض الكثير من الأعداد مثل:
لَكنَّ الرّبَّ هوَ الإلهُ الحَقُّ، الإلهُ الحَيُّ والمَلِكُ الأزَليُّ.
الكتاب المقدس – إرميا 10: 10
أمرٌ آخر، إن كان الذي يهب الحياة قد مات، فمن سيعيده إلى الحياة مرة أخرى؟!
إن الحل الوحيد للخروج من هذا المأزق هو قبول الحقيقة بأن عيسى (عليه السلام) لم يكن هو الله بل مجرد رسول اصطفاه الله.
هل تذكرون عندما زُعم أن عيسى قد مات؟
وصرَخَ يَسوعُ صَرخةً قويَّةً: ((يا أبـي، في يَدَيكَ أستَودِعُ رُوحي)). قالَ هذا وأسلَمَ الرُّوحَ
الكتاب المقدس – لوقا 23: 46
عندما يموت الناس فإنهم يذهبون إلى الرب لكي يُحاسبوا. إن كان عيسى (عليه السلام) جزءً من الثالوث المقدس – كما زُعم – و أن الثالوث المقدس إلهٌ واحدٌ لاغير (كما تمليه علينا الأعداد المذكورة أعلاه)، فإن عيسى كان مع الله في ثالوثٍ مقدسٍ قبل موته. لقد كان ذلك بعد موته فقط عندما زُعم أنه انفصل عن الله و مات و نزل إلى جهنم لثلاثة أيام. إلا أن هذا العدد يخبرنا قصةً مختلفةً تماماً!. يُزعم أن جوهر عيسى كان في مكان ما و لم يكن مع الله عندما كان على الأرض ( وإلّا فلن يضطر للذهاب إليه) و أنه كان حينها ذاهباً إلى الله. إقرأ أيضاً الأعداد [يوحنا 17: 11 – أنا ذاهِبٌ إلَيكَ. أيُّها الآبُ القُدُّوسُ] [يوحنا 17: 13 – والآنَ أنا ذاهِبٌ إلَيكَ] …إلخ
للأسف, فإن معظم المسيحيّين يُطلب منهم تجاهل مثل هذه الأمور فيقال لهم: ((إن ذلك مُبهمٌ، و لهذا السبب لابد أن يكون حقيقياً)) أو ((تحلّى بالإيمان الأعمى و إلا ستفقد روحك)). هل نسينا بهذه السرعة العدد [كورنثوس الأولى 14: 33 – اللهَ لَيْسَ إِلَهَ تَشْوِيشٍ]؟هل نسينا بهذه السرعة العدد [مرقس 12: 30 – أحِبَّ الرَّبَّ إلهَكَ … بِكُلِّ فِكرِكَ]؟
يحاول دعاة كثيرون إثبات أن اللّه هو “ثلاثة” من خلال المقارنة بين اللّه و خلقه. يقولون في ذلك: ((هناك ثلاثة أعضاء في العائلة.. الأب و الأم و الأطفال. هناك ثلاثة أحوال للماء… الثّلج و الماء و البخار…إلخ ألا ترى ذلك؟ إن اللّه هو ثلاثة !))
حسنٌ, إذا كان الأمر بهذه الحال، فيجب ملاحظة أن ((كلّ شخص لديه حياة واحدة فقط. هنالك شمس واحدة فقط. هنالك أرض واحدة فقط. لكلّ شخص قلب واحد فقط و عقل واحد فقط , إلخ)).
و بنفس الأسلوب ((جميعنا لديه عينين اثنتين فقط. جميعنا لديه أذنين اثنتين فقط. الأيام مقسمة إلى قسمين: الصباح و المساء، إلخ)).
كما نرى، فإن اتباع مثل هذا الأسلوب هو محاولة يائسة. يمكن لهذه الأمثلة أن تستمر إلى ما لانهاية. فيمكننا أن نقول: ((هنالك أربعة فصول في السنة. هنالك خمسة أصابع في كل يد. لقد سمح الله لليهود بأن يعملوا في الاسبوع لستة أيام فقط. هنالك سبعة أيام فقط في الاسبوع…)) لقد اكتملت الصورة في أذهاننا الآن.
يُزعم أن الله قد “أنجب” عيسى (عليه السلام). و يُزعم أن الله هو “والد” عيسى.
من الطبيعي أن يكون الأب موجود قبل أن “ينجب” ابنه (بغض النظر عما تُفسّر كلمة “الإنجاب”). قبل أن “يُنجب” عيسى (عليه السلام)، هل كان “الثالوث” “ثانوناً – ثتنائياً”؟ هل كان الله مكتملاً بذلك؟ إشرح إذاً العدد [إشعياء 43: 10-11 – أنتُم شُهودي يقولُ الرّبُّ، ذُريَّةُ عبدي الذي اَختَرْتُهُ لأنَّكُم عَلِمتُم وآمَنتُم بي وفَهِمتُهم أنِّي أنا هوَ. ما كانَ مِنْ قَبلي إلهٌ ولن يكونَ مِنْ بَعدي! فأنا أنا الرّبُّ، ولا مُخلِّصَ غَيري]. إن كان عيسى (عليه السلام) قد “أُنجب” فهو ليس أزلياً، إلا أن تعريف الثالوث المقدس الذي تم صياغته فقط في السنة /325/ بعد الميلاد عندما عُرّف الثالوث بشكل رسمي – هذا التعريف يقتضي أن يكون الله و عيسى “في مجدٍ متساوٍ و جلالٍ أبديٍّ معاً”.
إن كان عيسى هو أحد وجوه “الثالوث المقدس” و أن الثالوث المقدس إله واحد لا عدة آلهة، فإن الذي يرى عيسى يكون قد رأى الله. و لكن العدد [يوحنا 1: 18] يقول:
إِنَّ اللهَ ما رآهُ أَحدٌ قطّ.
لقد قرأنا لتوّنا في قانون الإيمان الأثانسي (قانون الإيمان النيقوي) بأن “الله” هو “ثالوث” مكون من “الآب” و “الإبن” و “الروح القدس”. كما قرأنا أن الله ليس ثلاثة آلهة بل إلهٌ واحدُ. إن كان هذا هو الحال، فإن أي شخص قد رأى عيسى فإنه بذلك يكون قد رأى “الله”. إلا أن الكتاب المقدس يخبرنا أن رؤية الله غير ممكنة.
إن عيسى (عليه السلام) يقول أنه لا أحد إلا الآب يعلم موعد يوم القيامة، ولا حتى هو:
وأمَّا ذلِكَ اليومُ أو تِلكَ السّاعةُ فلا يَعرِفُهُما أحَدٌ، لا الملائِكَةُ في السَّماءِ ولا الابنُ، إلاَّ الآبَ.
الكتاب المقدس – مرقس 13: 32
أليس عيسى جزء من الله؟ أليس “الثالوث المقدس” إلهاً واحداً؟ في الحقيقة فإن أقنوماً من أقانيم الله لديه علمٌ لا يملكه “الأقنومين الآخرين”، و هذا دليل واضح على أنهم ثلاثة كينونات مختلفة و منفصلة و ليسوا ثلاثة وجوه لكينونة واحدة.
هناك الكثير من هذه الأسئلة يمكن أن نثيرها عن هذا الثّالوث الافتراضي الذي يتحدّى الإدراك السّليم. عندما يُحبّ أحدُنا اللهَ “بكل فِكره” و يطبق ما جاء في العدد ((امْتَحِنُوا كُلَّ شَيْءٍ. تَمَسَّكُوا بِالْحَسَنِ))، ألا يظهر له التّناقضات الكثيرة المتعلقة بـ”الثّالوث المقدّس”؟ إني أتكلم هنا عن منطق يسوع (عليه السلام) و ليس الإيمان الأعمى. إن عيسى يحثنا على أن نستخدم عقولنا لكننا فضّلنا اتباع الآخرين الذين يطلبون منا الإيمان الأعمى. يخبرنا عيسى (عليه السلام):
مَنْ أحبَّني سَمِعَ كلامي فأحَبَّهُ أبـي، ونَجِـيءُ إلَيهِ ونُقيمُ عِندَهُ.
الكتاب المقدس – يوحنا 14: 23
للأسف، فإن نفس الأشخاص الذين أحبوه بعمق يتعلمون أنهم إن أرادوا أن يحبوا عيسى بشكل تام يجب أن يتجاهلوا كل ما علّمه لأتباعه على الإطلاق، و أن يتّبعوا آخرين هم أكثر قدرة من عيسى على شرح رسالته. لقد هُجرت في الواقع كلماته تماماً.
قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلاَ تَتَّبِعُواْ أَهْوَاء قَوْمٍ قَدْ ضَلُّواْ مِن قَبْلُ وَأَضَلُّواْ كَثِيرًا وَضَلُّواْ عَن سَوَاء السَّبِيلِ (77)
القرآن الكريم – المائدة
(1-2-2-14) البخار و الماء و الثلج:
إذا كان لديّ ثلاثة كرات من الطّين و مزجتهم معاً إلى أن أصبحوا كرة واحدة، فمن المستحيل الآن استعادة الكرات الثلاثة الأصلية تماماً كما كانوا في الأصل.
إذا كان لديّ ثلاثة قطع من الآجر و وضعتهم فوق بعضهم البعض، فإنني بذلك أستطيع أن أفصلهم, لكننيّ لا يمكن أن أقول أن الثلاثة قطع هم قطعة واحدة من الآجر.
أبعد من ذلك, فإن المثال الأكثر شيوعاً و المستخدم في تفسير “الثّالوث المقدّس” من قبل الكنيسة هو أنّ للماء ثلاثة أحوال (هيئات): الحالة الثلجية، السائلة، و الغازية (البخار). يقولون في ذلك: بما أن الماء “واحد” ولكن بثلاثة أحوال أو ثلاثة أشكال, كذلك فإن الله العليّ واحد لكنّه بثلاثة أحوال.
ظاهريًّا يبدو ذلك و كأنه برهانٌ قاطعٌ تماماً. لذا دعونا نطبّقه على بعض الأعداد من الكتاب المقدس لرؤية إن كان ذلك يتّفق مع تمحيصنا و يصادق الكتاب المقدس عليه. بعبارة أخرى, من ضروريّ أن نرى إن كان الكتاب المقدس نفسه يؤكد حقيقةً مثل هذا التصور لله. عندها فقط نستطيع أن نقبل أو نرفض هذه المقارنة.
إذا كان لديّ كوباً من الماء – و الذي يمكن أن يتحول إل بخار، سائل، أو ثلج – فإنه من غير الممكن أن أشرب “السّائل” بينما يبقى “الثّلج” و “البخار” داخل الكأس. من غير الممكن لـ”السّائل” أن يتضرّع للثّلج أن يُنقذه من أن أشربُه، في الوقت الذي يبقى فيه الثّلج بعيداً و في مأمن من أن أشربُه هو نفسُه. إنه تحليل منطقي بسيط.
وفي أسلوب مماثل: إذا كان اللّه و عيسى والرّوح القدس جميعهم مجرد ثلاثة “أقانيم” أو ثلاثة “أحوال” لكينونة واحدة اسمها الله العليّ, فإنه من غير الممكن لـ”أقنوم” واحد أن يموت فيما يبقى الاثنين الآخرين بعيدين و سالمين و في مأمن من الموت [مرقس 15: 37 – وصرَخَ يَسوعُ صَرخَةً عاليةً وأسلَمَ الرُّوحَ], [يوحنا 19: 33 – ولمَّا وصَلوا إلى يَسوعَ وجَدوهُ مَيتًا], [رومة 5: 6 – ماتَ المَسيحُ مِنْ أجلِ الخاطِئينَ] …إلخ.
يقول بعضهم للخروج من هذه الورطة بأن عيسى (عليه السلام) لم يمت حقيقةً – كما رأينا في الجزء السابق – بل سُفك “جلده” الدنيوي. لذا فإن جوهره الفعليّ لم يُقْتَل.
من الضروري في هذه الحالة أن نتساءل: أين تكمن تلك التضحية العظيمة في هذه الحالة؟ إن كان لأحدنا خمسة آلاف معطف, و قام بنـزع أحدها و إحراقه ثم قام بارتداء معطف آخر و قال ((لقد فعلت ذلك كتضحية مطلقة مني لكم)). إن كان بمقدوره أن يخلق ألفاً أخرى من الجلد الدنيوي ليسكن فيها بدلاً من الأخرى التي سُفكت فهل يكون ذلك تضحية مطلقة حقًّا؟ هل خَلْعُه لمعطفه و وضْعُهِ لآخرٍ جديد بعد ثلاثة أيام يُعدّ “تكفيراً” لكل الخطايا التي توارثتها “البشرية الشريرة الآثمة بالوراثة” منذ بداية الخلق؟
فأجابَ يَسوعُ: ((الوَصيَّةُ الأولى هيَ: إسمَعْ يا إِسرائيلُ، الرّبُّ إلهُنا هوَ الرَّبُّ الأحَدُ. فأحِبَّ الرَّبَّ إلهَكَ بِكُلِّ قَلبِكَ وكُلِّ نَفسِكَ وكُلِّ فِكرِكَ وكُلِّ قُدرتِكَ))
الكتاب المقدس – مرقس 12: 30
هناك أعداد أخرى أخرى كثيرة في الكتاب المقدس تتناقض مع هذا المثال و مع نظريّة الآلهة “الثلاثة”. فعلى سبيل المثال:
هل من المنطق أن نتصوّر الهيئة “الثلجية” لدلوٍ من الماء يصلّي لـ”البخار” من أجل أن ينقذ نفسه؟ [لوقا 6: 12 – وفي تِلكَ الأيّامِ صَعِدَ إلى الجبَلِ ليُصلِّيَ، فقَضى اللَّيلَ كُلَّهُ في الصَّلاةِ للهِ].
ثم هل كانت بداية الماء بالحالة السائلة، ثم قرر بعد ذلك أن “يُنجب” لنفسه أقنوماً آخر بهيئة “الثلج”، ثم أضاف عليه أقنوماً آخر بهيئة “البخار”؟ هل كان الله “أقنوماً” واحداً ثم في يومٍ ما “أنجب” لنفسه أقانيم متعددةٍ ليرافقوه؟ هل كان يتحدث عادةً إلى أقانيمه الأخرى و يتضرّع إليهم بالخلاص؟ [متى 27: 46 – ونحوَ السَّاعةِ الثَّالثةِ صرَخَ يَسوعُ بِصوتٍ عَظيمِ: ((إيلي، إيلي، لِما شَبقتاني؟)) أي ((إلهي، إلهي، لماذا تَركتَني؟))].
هل قام بالتضحية بأحد أقانيمه “لإنقاذ” البشرية؟ هل لأحد الأقانيم معرفةٌ غير متوفرة في الأقانيم الأخرى؟ [متى 13: 32 – وأمَّا ذلِكَ اليومُ أو تِلكَ السّاعةُ فلا يَعرِفُهُما أحَدٌ، لا الملائِكَةُ في السَّماءِ ولا الابنُ، إلاَّ الآبَ].
هل كان أحد أقانيم أعظم من غيره؟ [يوحنا 14: 28 – قُلتُ لكُم: أنا ذاهِبٌ وسأرجِـعُ إلَيكُم، فإنْ كُنتُم تُحبُّوني فَرِحْتُم بأنِّي ذاهِبٌ إلى الآبِ، لأنَّ الآبَ أعظَمُ مِنِّي].
هل تخضع الأقانيم بعضها لبعض؟ [لوقا 22: 41-42 – واَبتعَدَ عَنهُم مَسافةَ رَميةِ حجَرٍ وركَعَ وصَلَّى، فقالَ: ((يا أبـي، إنْ شِئْتَ، فأَبْعِدْ عنِّي هذِهِ الكأسَ! ولكِنْ لِتكُنْ إرادتُكَ لا إرادتي))]. هل هكذا نتصور الله في عقولنا؟ كيف سنجيبه يوم القيامة عندما يسألنا عن الافتراء عليه بهذا الشكل؟
لكي نتمكن من إظهار عقم نظرية ((الماء و الثلج و البخار))، دعونا نقوم بهذه المقارنة:
عمار الجندي/الطالب:
لنفترض أن عمار هو طالب في الجامعة و أنه يخدم في الجيش في نفس الوقت. في هذه الحالة يمكننا القول بأنه يوجد “إقنومين” لعمار: أقنوم “الطالب” و أقنوم “الجندي”. هل يعني هذا أنه من المنطق تخيل “عمار الطالب” يُذلّ نفسه أمام “عمار الجندي” و يلتجئ إليه طلباً للرحمة، بينما يقبع “عمار الجندي” من بعيد يتلقى رجاء “عمار الطالب” و ينظر في أن يستجيب له أم لا؟ [متى 26: 39 – واَبتَعَدَ عنهُم قَليلاً واَرتَمى على وجهِهِ وصلَّى فَقالَ: ((إنْ أمكَنَ يا أبـي، فلْتَعبُرْ عنِّي هذِهِ الكأسُ. ولكن لا كما أنا أُريدُ، بل كما أنتَ تُريدُ))].
و بالتالي، لو أن “عمار الطالب” تعرض لاعتداءٍ من قبل بعض المجرمين أثناء تواجده في الجامعة، فهل من المنطق القول بأن “عمار الطالب” قد هرع إلى الهاتف و تضرّع إلى “عمار الجندي” ليأتي لإنقاذه فوراً؟
هل من المنطق القول بأن “عمار الجندي” لم يستجب لرجائه و أن “عمار الطالب” قد قُتل في الجامعة بينما نجد أن “عمار الجندي” لم يلحقه الأذى و بقي في مأمن عن ذلك داخل قاعدته العسكرية؟
وفقاً للكتاب المقدس، فإن الله و عيسى غير متساويين في المعرفة ولا في العظمة [مرقس 13: 32]،[يوحنا 14: 28]. فهل من المعقول القول وفقاً للمثال أعلاه أن “عمار الجندي” أقوى من “عمار الطالب” أو أن “عمار الطالب” أذكى من “عمار الجندي”؟
عندما تُعرض علينا نظريةٌ أو “تفسيرٌ” ما بخصوص ما يُدعى بالثالوث المقدس فمن المهم دائمًا أن نقوم بتحليل هذه النظرية بعناية و أن نطبقها على الكتاب المقدس و أن نقوم باختبارها من خلاله قبل أن نقبل بهذه النظرية. ليس من المقبول إطلاقاً القول بأنك غير قادر على الشرح أو الإثبات و أن الكتاب المقدس لا يطلب منك صراحةً أن يكون لديك الإيمان الأعمى في هذه المسألة ، إلا أن الكنيسة تطلب منك ذلك، لهذا فإنك ستنفذ ما تطلبه. لقد أراد عيسى في الحقيقة من أتباعه أن يفكروا، يحللوا، يتدارسوا، يسألوا الأسئلة، و أن يحققوا في الأمور. لقد كانت هذه وصيته الأولى [مرقس 12: 30 – الوَصيَّةُ الأولى هيَ: إسمَعْ يا إِسرائيلُ، الرّبُّ إلهُنا هوَ الرَّبُّ الأحَدُ. فأحِبَّ الرَّبَّ إلهَكَ بِكُلِّ قَلبِكَ وكُلِّ نَفسِكَ وكُلِّ فِكرِكَ وكُلِّ قُدرتِكَ]. إن الكتاب المقدس في الحقيقة يعلّمنا أن ((اللهَ لَيْسَ إِلَهَ تَشْوِيشٍ)) [كورنثوس الأولى 14: 33].
(1-2-2-15) من الذي كان التلاميذ يسمّونه إله؟:
وأمَّا الأكْلُ مِنْ ذَبائِحِ الأوثانِ، فنَحنُ نَعرِفُ أنَّ الوَثَنَ لا كيانَ لَه، وأنْ لا إلَهَ إلاَّ اللهُ الأحدُ. وإذا كانَ في السَّماءِ أو في الأرضِ ما يَزعمُ النّاس ُ أنَّهُم آلِهةٌ، بَلْ هُناكَ كثيرٌ مِنْ هذِهِ الآلِهَةِ والأربابِ، فلَنا نَحنُ إلهٌ واحِدٌ وهوَ الآبُ الّذي مِنهُ كُلُّ شيءٍ وإلَيهِ نَرجِعُ، ورَبٌّ واحدٌ وهوَ يَسوعُ المَسيحُ الّذي بِه كُلُّ شيءٍ وبِه نَحيا.
الكتاب المقدس – كورنثوس الأولى 8: 4-6
يمكننا الآن أن نرى ذلك بوضوح! لقد عرف التلاميذ إلهاً واحداً، و لكن من كان هذا الإله؟
هل قالوا ((إلهٌ واحد وهو عيسى))؟ كلا!
هل قالوا ((إلهٌ واحد وهو الإبن))؟ كلا!
هل قالوا ((إلهٌ واحد وهو الروح القدس))؟ كلا!
هل قالوا ((إلهٌ واحد وهو الثالوث المقدس))؟ كلا!
هل قالوا ((إلهٌ واحد وهو الآب و الإبن و الروح القدس))؟ كلا!
لقد قالوا ((إلهٌ واحِدٌ وهوَ الآبُ)) و انتهى!!!
نقول لهؤلاء الذين يحاولون وضع “المعاني الضمنية” في كلام التلاميذ، أو يحاولون القول بأن الإشارة إلى عيسى بأنه ((رب – سيد Lord)) دلالة بأنه إله أيضاً – نقول لهم أن يتفضلوا و يقرؤوا الجزء (1-2-3-9).
إقرأ أيضاً نصوصاً مماثلة:
لِتُمَجِّدوا اللهَ أبا رَبِّنا يَسوعَ المَسيحِ بِقَلبٍ واحدٍ ولِسانٍ واحدٍ.
الكتاب المقدس – رومية 15: 6
إِلى طيموتاوُسَ ابنِيَ المُخلِصِ في الإيمان. علَيكَ النِّعمَةُ والرَّحْمَةُ والسَّلامُ مِن لَدُنِ اللهِ الآب والمسيحِ يسوعَ ربِّنا.
الكتاب المقدس – الأولى إلى طيموتاوس 1: 2
من أين أتى هؤلاء التلاميذ بهذا المفهوم بأن الله واحد و أن عيسى (عليه السلام) هو مجرد رسول من الله؟ لقد أتوا به من قول عيسى (عليه السلام) نفسه، فقد قال:
والحَياةُ الأَبدِيَّة هي أَن يَعرِفوكَ أَنت الإِلهَ الحَقَّ وحدَكَ ويَعرِفوا الَّذي أَرسَلتَه يَسوعَ المَسيح.
الكتاب المقدس – يوحنا 17: 3
فقالَ لها يسوع: ((…إِنِّي صاعِدٌ إِلى أَبي وأَبيكُم، وإِلهي وإِلهِكُم)).
الكتاب المقدس – يوحنا 20: 17
لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُواْ اللّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ (72)
القرآن الكريم – المائدة
(1-2-2-16) علماء الثالوث المقدس يعترفون بذلك!:
عندما نقرأ في ((الموسوعة الكاثوليكية الحديثة – The New Catholic Encyclopedia)) الحائزة على الموافقة و الإجازة الرقابية (الموافقة الرسمية)، فإننا نأخذ لمحة كيف أن مفهوم الثالوث لم يجد طريقه إلى المسيحية إلى ما يقارب /400/ سنة بعد عيسى (عليه السلام):
“من الصعوبة بمكان في النصف الثاني من القرن العشرين أن نقدم بموضوعية تقريراً واضحاً و مباشراً عن كيفية الوحي الإلهي فيما يخص لغز الثالوث المقدس، تطوره المذهبي، و تفصيله اللاهوتي. إن النقاشات المتعلقة بالثالوث المقدس، الروم الكاثوليك، و غيرهم آخرون قد عرضوا مفهوماً غير واضحٍ نوعاً ما. يدرك المفسرون و علماء الإنجيل اللاهوتيون بالإضافة إلى عدد كبير من الروم الكاثوليك أنه يجب على المرء ألا يتحدث بموضوع الثالوث المقدس في العهد الجديد مالم يكن مؤهلاً تماماً لذلك. و بالمثل يدرك مؤرخو العقيدة و علماء اللاهوت أنه عندما يتحدث أحدهم عن الثالوث المقدس دونما تأهيل فإنه يقفز بحواره من عهد الأصول المسيحية إلى الربع الأخير من القرن الرابع بعد الميلاد. في ذلك الوقت فقط تمكّن ما يسمى بـ((التعريف المحدد لعقيدة الثالوث : إله واحد في ثلاثة أقانيم)) من الانصهار في حياة المسيحيين و فكرهم… لقد كان هذا المفهوم نتاج ثلاثة قرون من التطور العقائدي”
الموسوعة الكاثوليكية الحديثة ، الإصدار الرابع عشر ، ص 295
The New Catholic Encyclopedia, Volume XIV, p. 295
لقد اعترفوا بذلك! عاش و مات حواريو عيسى الإثني عشر و لم يسمعوا بحياتهم عن أي “ثالوث مقدس”!
هل ترك عيسى أتباعه المقربين و الأعزاء في حيرة و ضياع مطلقين حتى أنهم لم يتمكنوا من التعرف على الطبيعة “الحقيقية” لله؟ هل تركهم في مثل هذه الظلمة الدامسة حتى أنهم لم يستطيعوا التعرف على الطبيعة “الحقيقية” للذي يعبدونه – لا هم ولا أولادهم، ولا حتى أحفادهم؟ هل نودّ القول بأن عيسى لم يكن على مستوى الكفاءة المطلوبة لأداء واجباته حيث ترك أتباعه في مثل هذه الفوضى العارمة، فاستلزمهم ثلاثة قرون بأكملها بعد رحيله ليجمعوا الأشلاء المتناثرة لفهم التصوّر الخاص بطبيعة الذي يعبدونه؟ لماذا لم يقل عيسى بوضوح و لمرة واحدة فقط: ((أنا و الله و الروح القدس ثلاثة أقانيم في ثالوث واحد، اعبدونا جميعاً على أننا واحد))؟ لو أنه اختار مرة واحدة أن يصرّح بوضوح بمثل هذا القول، فإنه كان سيخفف عن المسيحية قروناً من الفرقة الكراهية و النـزاعات المريرة.
يقول توم هاربر في كتاب (من أجل المسيح):
“إن الأمر الأكثر إحراجاً بالنسبة للكنيسة هو صعوبة إثبات إي تصريح يتعلق بالعقيدة من خلال وثائق العهد الجديد. ببساطة، لايمكننا أن نجد ذكراً لعقيدة الثالوث في أي مكان من الكتاب المقدس. لقد كان للقديس بولس الفهم الأوسع لدور عيسى و شخصه، إلا أنه لم يقل أن عيسى هو الله في أي مكان من كتاباته. كما أن عيسى نفسه لم يدّعي صراحة أنه الأقنوم الثاني في الثالوث المقدس و أنه مساويٌ لله تماماً. و بما أنه كان يهودياً تقياً فإنه كان سيصعق بمثل هذه الفكرة و يذبّها عن نفسه… إن هذا بحد ذاته سيء للغاية، و لكن الأسوء منه سيأتي لاحقاً. لقد قادني هذا البحث للاعتقاد بأن الغالبية العظمي من مرتادي الكنيسة يؤمنون عملياً بثلاثة آلهة. ذلك لأنهم يصرّحون بالإيمان بإله واحد، إلا أنهم في الحقيقة يعبدون ثلاثة…”
نقرأ في قاموس الكتاب المقدس الحائز على الموافقة و الإجازة الرقابية (الاعتماد الرسمي للكنيسة):
“تعرّف الكنيسة الثالوث المقدس على أنه الإيمان بإن لله ثلاثة أقانيم يتحدون في طبيعة واحدة. تم التوصل إلى هذا المعتقد بالتعريف أعلاه في القرن الرابع و الخامس بعد الميلاد، و بذلك فهو ليس معتقداً إنجيلياً بصفة واضحة و رسمية”
قاموس الكتاب المقدس للمؤلف جون ماكينـزي، ص 899
The Dictionary of the Bible, John L. McKenzie, S.J., p. 899
و نقرأ أيضاً:
“وفقاً للعقيدة المسيحية الأورثوذكسية، فإن لله طبيعة واحدة في ثلاثة أقانيم: الآب، الإبن، و الروح القدس. لم يسبق بعضهم بعضاً ولم يخلقوا بعضهم بعضاً وليس لأحدهم سلطاناً أو جلالاً إضافياً عن أحد. و بالمصطلحات اللاهوتية الدقيقة فإنهم واحد في الجوهر و لهم مجدٌ متساوٍ و جلالٌ أبديٌ معاً. إن هذا المعتقد كما هو أعلاه غير موجودٍ في المخطوطات المقدسة… تم التوصل إلى العقيدة الأرثوذكسية للثالوث المقدس تدريجياً على مدى ثلاثة قرون أو أكثر. إن المجد المتساوي و الجلال الأبدي للأقانيم الإلهية قد بقي مسألة خلاف لاهوتي، و بقي النقاش يدور بشكل مستمر حول اعتبار مثل هذا القول نوع من الهرطقة… في عام /381/ اجتمع أسقف الكنائس مرة أخرى في القسطنطينية لصياغة العقيدة الأرثوذكسية في هيئتها النهائية”
قاموس التقاليد الإنجيلية في الأدب الإنكليزي، ديفيد لايل جيفيري، ص 785
A Dictionary of Biblical Tradition in English Literature, David Lyle Jeffrey, p. 785
“و لأن الثالوث المقدس من الأجزاء الهامة للعقيدة المسيحية الحالية، فإنه من الملفت للنظر أنّ هذا المصطلح لا يظهر في العهد الجديد. و بطريقة مماثلة, فإن المفهوم المطوّر للشركاء الثلاثة المتساوون في الألوهيّة – و الموجود لاحقاً في صيغة قوانين الإيمان – لا يمكن ملاحظته بوضوح في حدود الشريعة الكنسية… على الرغم من أن مؤلفي العهد الجديد قد تحدثوا بشكل كبير عن اللّه و عيسى و روح كل منهما, فإنك لا تجد مؤلّفاً واحد للعهد الجديد يشرح العلاقة بين الثّلاثة في التّفصيل الذي يتطرق إليه المؤلفون المسيحيون اللاحقون.”
ملحق أكسفورد للكتاب المقدس، بروس متجر و مايكل كوجان، ص 782
The Oxford Companion to the Bible, Bruce Metzger and Michael Coogan, p. 782
” تم التأكيد على وحدانية الله بوضوح في العهد القديم. يقول قانون الإيمان اليهودي الذي يُردد في كل المعابد اليهودية: [سفر التثنية 6: 4 – إسمَعْ يا إِسرائيلُ، الرّبُّ إلهُنا هوَ الرَّبُّ الأحَدُ]. لقد كان ذلك مذهب المسيحيين الأوائل، حيث يقول بولس في العدد [أفسس 4: 6 – وإلهٌ واحدٌ أبٌ لِلجميعِ وفَوقَهُم، يَعمَلُ فيهِم جميعًا وهوَ فيهِم جميعًا]، إلا أنه تمت الإضافة و التعديل على هذا المذهب كلما كان ذلك ضرورياً. لقد أقنعوا المسيحيين تماماً بألوهية عيسى و لاحقاً بألوهية الروح القدس, و أرغموهم على ربط هذه القناعات بإيمانهم بوحدانية الله. نوقشت المشكلة على مدار سنوات كثيرة, و أعطيت التفسيرات الكثيرة لذلك. إحداها ذلك التفسير الذي استحدثه سابيليوس Sabellius، حيث انتشر بشكل ملحوظ، ومفاده أن المسيح والروح القدس هم تجليات متعاقبة للكينونة السامية (الله)، ولكن فى النهاية ساد الاعتقاد بان الكلمات (الآب – الإبن – الروح القدس) تشير إلى تجليات أزلية مختلفة للذات الإلهية. بمعنى أنّ ثالوثية التجلي كشفت عن ثالوثٍ متّحدٍ في كينونةٍ واحدة، أي أنّ للمسيح و للروح القدس جلالٌ أبديٌ كما للآب. و باستثناء الموحدين فإن ذلك هو معتقد الديانة المسيحية في أيامنا هذه”
Christadelphianism, F. J. Wilkin, M.A., D.D, The Australian Baptist, Victoria
رائع ! بالرّغم من إيمانه بمذهب الثّالوث المقدّس فإن السّيّد ويلكين قد اعترف بنفسه أنه يجب عدم تعقّب هذا المذهب في الكتـاب المقدس, و أن تلاميذ عيسىلم يبشروا به, و أنّ هؤلاء الذين اعتنقوه لم يأخذوه عن الكتاب المقدس, بل انطلقوا مسبقاً من تصورات خاصّة ثمّ بذلوا قصارى جهدهم لجعل الكتاب المقدس يؤيّد هذه التصوّرات,ثم تبنّـته الكنيسة أخيراً بعد سنين طويلة من النقاش و الاختبار، حيث تم “إقناع” أعضاء الكنيسة تمامًا “بألوهية عيسى, و فيما بعد بألوهية الروح القدس”. عندما كان عيسى على الأرض, كانت اليهوديّة هي الدّيانة الوحيدة الموحّدة بالكامل في تلك المنطقة, محاطةً بموجات مستمرة من محاولات التثليث من قبل الأمم المجاورة من الرومانيّين, اليونانيّين, البابليين، و المصريّين (أنظر الفصل الثالث). فلماذا قرر عيسى (عليه السلام) بأن يُبقي الأجيال التي جاءت من بعده في ظلمات الجهل و التفرقة، و أن تحيا هذه الأجيال و تموت دون أن تسمع عن “ثالوثٍ مقدسٍ”، ثم يقرر توعية عقول كتبة العقيدة و فلاسفة الأفلاطونية الحديثة دون غيرهم في القرن الرابع بعد الميلاد؟
تقول الموسوعة البريطانية The Encyclopaedia Britannica تحت باب ((الثالوث المقدس)):
“في العقيدة المسيحيّة، هو اتحاد الآب, و الابن، و الرّوح القدس كثلاثة أقانيم في ألوهيّة واحدة. لا تظهر كلمة “الثالوث المقدس” في العهد الجديد ولا حتى تصريحاً واضحا لها. قدّم مجمع نيقية سنة /325/ الصّيغة الحاسمة لهذه العقيدة في اعترافه أن الإبن هو “من نفس جوهر الآب”, إلا أنه ذكر القليل فيما يخص الروح القدس. دافع أثانسيوسAthanasius عن الصيغة النيقاوية على مدار نصف القرن الذي يليـه ونقحها, وفي نهاية القرن الرابـع – و تحت قيادة باسيل القيصري Basil of Caesarea, جريجوري النيساوي Gregory of Nyssa، و جريجوري النازيانسي Gregory of Nazianzus (آباء الكنيسة الكابادوشيين Cappadocian Fathers) – أخذ مذهب الثّالوث المقدّس الصيغة الجوهرية التي حافظ عليها منذ ذلك الحين.”
(للمزيد حول هذا الموضوع أرجو قراءة القسم 1-2-3-1)
دعونا تختم هذا القسم بمثال بليغ جداً قدّمه العالم البريطاني ريتشارد بورسنRichard Porson. كان بورسن في يوم من الأيام يتناقش حول الثالوث مع صديق له يؤمن بالثالوث المقدس، و أثناء النقاش مرت عربة فيها ثلاثة رجال.
((ها هي!)) صاح صديق بورسن ((هذا توضيح للثالوث المقدس)).
فأجاب بورسن ((كلا، يجب أن تريني رجلاً واحداً في ثلاثة عربات إن استطعت)).
لمعرفة التفاصيل التاريخية عن كيفية تطور هذا المعتقد منذ البداية، أرجو قراءة القسم (1-2-5) و الذي سيأتي قريباً. و لكن قبل هذا دعونا نكمل القراءة.
(1-2-3) ابن الله :
وَلَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ عِندَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ (19) يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ (20) أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِّنَ الْأَرْضِ هُمْ يُنشِرُونَ (21) لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ (22) لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ (23) أَمِ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ آلِهَةً قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ هَذَا ذِكْرُ مَن مَّعِيَ وَذِكْرُ مَن قَبْلِي بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُم مُّعْرِضُونَ (24) وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ (25) وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ (26) لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُم بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ (27) يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُم مِّنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ (28) وَمَن يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِّن دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (29)
القرآن الكريم – الأنبياء
إِذْ قَالَتِ الْمَلآئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (45)
القرآن الكريم – آل عمران
نحن كمسلمون لا نختلف مع المسيحيّين في حقيقة أن عيسى (عيه السلام) كان ميلاده معجزٌ دونما أبٍ بشريّ. يختلف المسلمون مع المسيحيّين فقط في إدعائهم أن عيسى (عليه السلام) يجب أن يكون له أب. يقول أتباع الثالوث أنه إن لم يكن لعيسى أيّ أبٍ بشريّ فلابد أن يكون الله هو أبوه. أما المسلمون فيؤمنون أنه لم يكن لديه أيّ أبٍ من أيّ نوع, و كان هذا جوهر ميلاده المعجز.
إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثِمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ (59)
القرآن الكريم – آل عمران
قَالُواْ اتَّخَذَ اللّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأَرْضِ إِنْ عِندَكُم مِّن سُلْطَانٍ بِهَذَا أَتقُولُونَ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ (68)
القرآن الكريم – يونس
مَّا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلاَنِ الطَّعَامَ انظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الآيَاتِ ثُمَّ انظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (75)
القرآن الكريم – المائدة
والحياةُ الأبديَّةُ هيَ أنْ يَعرِفوكَ أنتَ الإلهَ الحَقَّ وحدَكَ ويَعرِفوا يَسوعَ المَسيحَ الّذي أرْسَلْتَهُ.
الكتاب المقدس – يوحنا 17: 3
لاحظ كلمات الكتاب المقدس: ((أنتَ الإلهَ الحَقَّ وحدَكَ)). معظم المسيحيّون يتمكنون دائماً من رؤية معنى خفي غير صريح لأعداد الكتاب المقدس. حتّى عندما يقرؤون العدد أعلاه فإنهم يتمكّنون دائماً من فهم شيئٍ ما مختلفٍ تمامًا عمّا يقرؤونه. إنهم يفسرون باستمرار الكلمة ((أنت)) على أنها ((نحن)) فيفهمون العدد أعلاه على أنه يقول ((نحن الإله الحق وحدنا)). من الواضح أن عيسى (عليه السلام) يتحدث إلى كيان منفصل و مختلف عن كيانه، و يقول إلى هذا الكيان المختلف بأنه هو الإله الحق وحده. هل عجز عيسى (عليه السلام) عن القول ((أنا الإله الحق وحدي)) أو ((نحن الإله الحق وحدنا)) إن كان ذلك ما يقصده؟ ألا يمكننا أن نميز الفرق بين القولين؟!
يقول توم هاربر Tom Harpur في مقدمة كتابه:
“إن أهمّ التطوّرات منذ عام 1986 فيما يتعلق بهذا الموضوع هو الاكتشاف بأن مصطلح ((ابن الله)) قد استُخدم في إحدى لفائف البحر الميت Qumran papyri للدلالة على شخص يختلف عن عيسى… إن ذلك يؤيد ببساطة الخلاف بأن وصف أحدهم بأنه ابن الله بالمفهوم اليهودي في القرن الأول يتختلف تمام الاختلاف عن كونه موازياً لله نفسه.”
من أجل المسيح – المقدمة
For Christ’s Sake, pp. xii.
(إقرأ الفصل السابع للمزيد حول لفائف البحر الميت)
لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُواْ اللّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ (72)
القرآن الكريم – المائدة
فيما يخصّ تعليقك الثّاني، يا سيد (جيه), فإني لا ألمّح إلى أي شيء. يبين القرآن بصراحة دونما أي مجال للشك بأن اللّه قد خلق عيسى. دعنا نستشهد بقاموس ويبستر غير المتحيز Webster’s dictionary على معنى الكلمة ((المولود له begotten)): {النسل من أب، المصنوع, إنتاج أثر ما أو ثمرة ما}.
إن المسلمين يمقتون مثل هذه الألفاظ عند التحدث عن الله العلي.
(1-2-3-1) الأساقفة الإنجيليون يصرّحون بأنّ عيسى ليس هو الله:
ليس المسلمون هم الوحيدين الذين يؤمنون بأن عيسى (عليه السلام) مخلوقٌ فانٍ و ليس إله. اليهود أيضًا يؤمنون بهذا, بالإضافة إلى التجمعات الأولى للمسيحيّة مثل الأبيونيين Ebonites، السيرونثوسيون Cerinthians، الباسيليديون Basilidians، الكاربوكراتيون Capocratians، و الهيبيسيستريون Hypisistarians. كما أن الأريوسيون Arians، البوليقانيون Paulicians، و الجوثيون Goths كانوا أيضاً يؤمنون بأن عيسى (عليه السلام) رسول الله. حتّى في العصر الحديث فإنه يوجد كنائس في آسيا, إفريقيا, الكنيسة الموحدة, شهود يهوه, و حتّى أغلبيّة أساقفة الكنيسة الإنجيلية في يومنا هذا لا يعبدون عيسى (عليه السلام) على أنه الله.
نقرأ في الصحيفة الإنكليزية (ديلي نيوز Daily News) – 25/6/1984 تحت عنوان –((إحصائية مرعبة للأساقفة الإنجيليون)):
“إن أكثر من نصف الأساقفة الإنجيليون في إنكلترا يقولون أن المسيحيين ليسوا ملزمين أن يؤمنوا بأن عيسى المسيح هو الله وفقاً لإحصائية نشرت اليوم. إن استطلاعاً لـ (31) من أساقفة إنكلترا الـ(39) يُظهر بأن كثيراً منهم يعتقدون بأن معجزات المسيح، ميلاده المعجز، و قيامته يمكن ألا تكون قد حدثت تماماً كما وُصِفَت في الكتاب المقدس. أحد عشر فقط من الأساقفة أكّدوا بأنه يجب على المسيحيين اعتبار عيسى على أنه الله و بشر، بينما تسعة عشر قالوا أنه يكفي اعتبار عيسى أنه أداة الله العليا”
ولكن ماذا يكون رسول الله؟ أليس هو ((أداة الله العليا))؟ هذا هو بالضبط ما أخبرنا الله بنفسه في القرآن الكريم قبل /1400/ سنة، و هو تماماً ما شهد عليه عيسى (عليه السلام) في الكتاب المقدس:
والحياةُ الأبديَّةُ هيَ أنْ يَعرِفوكَ أنتَ الإلهَ الحَقَّ وحدَكَ ويَعرِفوا يَسوعَ المَسيحَ الّذي أرْسَلْتَهُ.
الكتاب المقدس – يوحنا 17: 3
مذهلٌ، أليس كذلك؟ كلما يمرّ يوم يدرك الحقيقةَ أكثرُ المسيحيين علماً و يقتربون شيئاً فشيئاً من الإسلام. إن الذين أدلوا بهذا البيان ليسوا من المسلمين أو من المسيحيين الليبراليين. إنهم هؤلاء أكثر رجال الكنيسة الإنجيلية علماً و أكبرهم قدراً. لقد كرّس هؤلاء الرجال حياتهم بالكامل لدراسة دين عيسى، و دراستهم قد ساقتهم إلى الحقيقة التي كشفها الله لهم في القرآن منذ 1400 سنة بأن عيسى لم يكن أبداً هو الله، و أن الله ليس ثالوثاً مقدساً، و أن قصص كهنوتية عيسى في الكتاب المقدس قد تم التلاعب بها إلى حد كبير من قبل البشرية.
الاعتراف التالي قدمه البروفسور ديفيد جنكيز Rev. Professor David Jenkins رابع الأساقفة رفعةً في كنيسة إنكلترا و أسقف كنيسة درهام Durham:
“بعض الأحداث في بداية مهمة عيسى لم تكن حقيقية بشكل قاطع، بل تم إضافتهم إلى قصة عيسى من قبل المسيحيين الأوائل تعبيراً عن إيمانهم به على أنه المسيا”
بريد لندن اليومي، صفحة 12، 15/7/1984
London Daily Mail, page 12, 15/July/1984
وَإِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِن دُونِ اللّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ (116) مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَّا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (117)
القرآن الكريم – المائدة
مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُؤْتِيَهُ اللّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُواْ عِبَادًا لِّي مِن دُونِ اللّهِ وَلَكِن كُونُواْ رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ (79)
القرآن الكريم – آل عمران
يقول هينز زاهرنت Heinz Zahrnt:” لقد قامت الكنيسة بنسب كلمات ليسوع لم يكن قد تكلم بها قط، كما نسبت له أفعال لم يقم بها قط.” رودولف أغسطين Rudolph Augustein يبين في كتابه “عيسى ابن الإنسان Jesus the Son of Man” بأن أكثر ما تنسبه الكنيسة إلى عيسى لا أساس له من الصحة. كما نجد دراسة شاملة عن الموضوع في كتاب “خرافة تجسد الله” الذي كتبه سبعة من علماء اللاهوت سنة 1977 تحرير جون هيك John Hick. لقد استنتج هؤلاء بخصوص هذا الموضوع بأن عيسى ” هو شخص موافق عليه من قبل الله لأداء دور معين تحقيقاً لأهداف إلهية.. أما فيما يخص المفهوم اللاحق بأنه تجسد الله .. فإن ذلك يعتبر أسطورة أو أسلوب شعري لإظهار أهميته بالنسبة لنا.”
أنظر أيضاً كتاب جون ماكينون روبرتسون John Mackinnon Robertson بعنوان ((المسيحية و علم الأساطير))، و كتاب تي دوان T.W Doane بعنوان ((أساطير الكتاب المقدس و ما يماثلها في الأديان الأخرى)). كما يوجد ملخص جيد عن هذه الدراسات في كتاب للمؤلف إم إف أنصاري M.F. Ansarei بعنوان (( الإسلام و المسيحية في العالم المعاصر)).
يستنتج البروفسور روبرت ألي Robert Alley من جامعة ريتشموند بعد البحث الطويل في المستندات القديمة التي عثر عليها حديثاً:
“إن الفقرات في الكتاب المقدس و التي يتحدث فيها يسوع عن ابن الله إنما هي إضافات لاحقة عما قالته الكنيسة عنه… إن إدعاء الألوهية هذا لا ينسجم مع أسلوب حياته كما يتنين لنا. استمرت المسيحية في العقود الثلاثة الأولى بعد موت يسوع كما لو أنها جزء من اليهودية. لقد كانت الكنيسة موجودة في المعابد اليهودية في العقود الثلاثة الأولى. إن ذلك ما كان ليحدث لو أن أنهم (رجال الدين) قد صرحوا و بكل شجاعة عن ألوهية عيسى.”
هل لهذا القول أي تأكيد في الكتاب المقدس؟ نعم! فلو أنك قرأت الكتاب المقدس لوجدت أنه بعد رحيل عيسى بفترة طويلة حافظ أتباعه المخلصون على الحضور يومياً إلى الهيكل [أعمال الرسل 2: 46 – وكانوا يَلتَقونَ كُلَّ يومٍ في الهَيكَلِ بِقَلبٍ واحدٍ]. ليس لنا أن نصدق بأن عيسى قد وعظ تلاميذه حقاً بأنه هو الله، ولو أن عيسى قد أمرهم فعلاً بترك الوصايا سنجد أنهم قد أهملوا كل ذلك و استمروا على عبادتهم في المعابد اليهودية يومياً و بانتظام،ناهيكم عن العبادة في الهيكل نفسه. إنه من غير المعقول أن نصدق أن يهود الهيكل قد وقفوا مكتوفي الأيدي و سمحوا لهم بذلك إن كانوا يعظون بالإلغاء التام لشريعة موسى و بأن عيسى هو الله .
هل يمكن لأي مسيحي من أتباع الثالوث أن يتخيل – في أفظع أوهامه – أن اليهود كانوا في معبد يهودي أورثوذكسي يقفون مكتوفي الأيدي بينما يقوم أحدهم برفع صليبه و يصلي إلى عيسى في وسط معبدهم، و أنه كان يدعوا الآخرين علناً بأن يعبدوا عيسى و يتخلوا عن الوصايا؟ كم هو مستحيل أن نتخيل بأن اليهود لم يكن لديهم أي شيء ليقولوه لمن يفعل هذا في أكثر معابدهم قدسية – الهيكل – و بشكل يومي. إن هذا لهو دليل إضافي على صدق ما جاء في القرآن بأن عيسى قد نادى أتباعه للاستمرار على دين موسى و ليس للإلغاء و الدمار الكليين لهذه الشريعة – و لا بأي شكل من الأشكال.
قرأنا في القسم السابق الأعداد التالية من الكتاب المقدس:
- فاَعلموا الآنَ ورَدِّدوا في قلوبِكُم أنَّ الرّبَّ هوَ الإلهُ في السَّماءِ مِنْ فَوقُ وفي الأرضِ منْ أسفلُ، ولا إلهَ سِواهُ.
الكتاب المقدس – سفر التثنية 4: 39
- لا يَكُنْ لكَ آلهةٌ سِوايَ.
الكتاب المقدس – سفر الخروج 20: 3
- لا تسجدوا لإلهٍ آخرَ لأنِّي أنا الرّبُّ إلهٌ غيورٌ.
الكتاب المقدس – سفر الخروج 34: 14
- أنتُم شُهودي يقولُ الرّبُّ، ذُريَّةُ عبدي الذي اَختَرْتُهُ لأنَّكُم عَلِمتُم وآمَنتُم بي وفَهِمتُهم أنِّي أنا هوَ. ما كانَ مِنْ قَبلي إلهٌ ولن يكونَ مِنْ بَعدي! فأنا أنا الرّبُّ، ولا مُخلِّصَ غَيري.
الكتاب المقدس – إشعياء 43: 10-11
- وقالَ الرّبُّ ملِكُ إِسرائيلَ، فاديهِ ورَبُّهُ القديرُ ((أنا الأوَّلُ وأنا الآخرُ، ولا إلهَ في الكَونِ غَيري.))
الكتاب المقدس – إشعياء 44: 6
- ليَعلَمَ البشَرُ مِنْ مَشرِقِ الشَّمسِ إلى مَغرِبِها أن لا إلهَ غَيري. أنا الرّبُّ ولا آخرُ.
الكتاب المقدس – إشعياء 45: 6
- وهذا ما قالَ الرّبُّ، وهوَ اللهُ خالِقُ السَّماواتِ وجابِلُ الأرضِ وصانِعُها الذي ثَبَّتَها وأوجدَها لا للفراغِ، بل للعُمرانِ: ((أنا الرّبُّ ولا آخرُ)).
الكتاب المقدس – إشعياء 45: 18
- تعالَوا إليَ تَخلُصوا يا جميعَ شُعوبِ الأرضِ! فأنا أنا اللهُ ولا آخرُ.
الكتاب المقدس – إشعياء 45: 22
يجب علينا الآن أن نسأل أنفسنا: إن لم يكن هنالك إله قبل أو بعد الله تعالى، فكيف يكون عيسى (عليه السلام) “مولودٌ” كإله؟ إن الجواب: إنه لم يكن كذلك، بل كان إنساناً فانياً و ليس إله. كما أننا نملك أيضاً شهادة أغلب أساقفة الكنيسة الإنجيلية دفاعاً عن هذه الحقيقة الأساسية. فإن أردنا شهادة أكثر ثقة من ذلك، فأي ثقة تلك التي سنجدها أكثر مما هي عليه في شهادة أكثر المسيحيين المحافظين المحترمين و مثقفي الكنيسة الإنجيلية ؟
يُفهم من الكتاب المقدس بأنه يبشّر أن عيسى هو الله، و أن الله ثالوثٌ مقدس و ذلك بالنسبة لهؤلاء الناس الذين لا يعرفون تفاصيله الداخلية و حقيقة تاريخ الكنيسة بالمستوى الذي عرفه هؤلاء الرجال. و لكن دعونا نسترسل في دراستنا لأعداد الكتاب المقدس لنرى أمثلة صغيرة عن الأدلة التي جعلت الحقيقة واضحة أمام أعين هؤلاء الرجال.
(1-2-3-2) كم “إبناً” يوجد لله؟ :
الكثير من الناس يقولون لنا : ((لكن الكتاب المقدس يقول بوضوح أن عيسى هو ابن الله. كيف لك أن تقول أن عيسى ليس الابن الوحيد المولود لله بينما يقرّ ذلك عيسى بالخط العريض في الكتاب المقدس؟)). حسنٌ – كما قرأنا في القسم السابق – يجب علينا أولاً أن نعي اللغة التي تحدث بها شعبه، لغة اليهود الذين خاطبهم عيسى. دعونا نرى كيف فهم هؤلاء الناس مثل هذا التصريح.
دعونا نتساءل أولاً: كم إبناً يوجد لله العلي كما يخبرنا الكتاب المقدس؟
- يعقوب هو ابن الله البكر : وقُلْ لِفِرعَونَ هذا ما قالَ الرّبُّ: ((إِسرائيلُ اَبْني البِكْرُ)) [الكتاب المقدس – سفر الخروج 4: 22]
- سليمان هو ابن الله : فهوَ يَبني بَيتًا لاَسمي وأنا أُثَبِّتُ عرشَ مُلْكِه إلى الأبدِ. أنا أكونُ لَه أبًا وهوَ يكونُ لي اَبنًا. [الكتاب المقدس – صموئيل الثاني 7: 13-14]
- أفرايم هو ابن الله البكر : أنا أبٌ لإسرائيلَ وأفرايمُ بِكْرٌ لي. [الكتاب المقدس – إرميا 31: 9] ((من هو ابن الله البكر؟ إسرائيل أم إفرايم؟))
- آدم هو ابن الله : آدمَ، اَبنِ اللهِ. [الكتاب المقدس – لوقا 3: 38]
- عامة الناس (بما فيهم أنا و أنت) هم أبناء الله :
* أنتُم أبناءُ الرّبِّ إلهِكُم [الكتاب المقدس – سفر التثنية 14: 1].
* والّذينَ يَقودُهُم رُوحُ اللهِ هُمْ جميعًا أبناءُ اللهِ [الكتاب المقدس – رومية 8: 14].
* أمَّا الّذينَ قَبِلوهُ، المُؤمِنونَ باَسمِهِ، فأعطاهُم سُلطانًا أن يَصيروا أبناءَ اللهِ [الكتاب المقدس – يوحنا 1: 12].
* حتّى تكونوا أنقِياءَ لا لَومَ علَيكُم وأبناءَ اللهِ بِلا عَيبٍِ في جِيلٍ ضالٍّ فاسِدٍ، تُضيئونَ فيهِ كالكَواكِبِ في الكَونِ [الكتاب المقدس – رسالة فيلبي 2: 15].
* أنظُروا كم أحَبَّنا الآبُ حتّى نُدعى أبناءَ اللهِ، ونحنُ بِالحقيقَةِ أبناؤُهُ. إذا كانَ العالَمُ لا يَعرِفُنا، فلأنَّهُ لا يَعرِفُ اللهَ. يا أحبّائي، نَحنُ الآنَ أبناءُ اللهِ. [الكتاب المقدس – رسالة يوحنا الأولى 3: 1-2]
* حينَ كانَت كواكِبُ الصُّبحِ تُغنِّي جميعُ بَني اللهِ يَهتِفونَ [الكتاب المقدس – أيوب 38: 7].
* ثُمَّ اتَفَقَ يَومًا أَن دَخَلَ بنو اللهِ لِيَمثُلوا أَمامَ الرَّبّ [الكتاب المقدس – أيوب 2: 1].
((أود الإشارة إلى أن الترجمة العربية المشتركة قد استبدلت كلمة “بنو الله” بكلمة “الملائكة” – لذا فإن العدد أعلاه مأخوذ من الترجمة الكاثوليكية))
* وكانَ على الأرضِ في تِلكَ الأيّامِ رِجالٌ أشِدَّاءُ، وبَعدَها أيضًا حينَ عاشرَ بَنو اللهِ بَناتِ النَّاسِ ووَلَدْنَ لهُم أولادًا، وهُمُ الجبابِرَةُ الذينَ ذاعَ اَسمُهُم مِنْ قديمِ الزَّمانِ. [الكتاب المقدس – التكوين 6: 4]
* رأى بَنو اللهِ أنَّ بَناتِ النَّاسِ حِسانٌ. [الكتاب المقدس – التكوين 6: 2]
كما نرى فإن استخدام مصطلح “إبن الله” في وصف بشر عادي لم يكن أبداً مصطلحاً غريباً عند شعب عيسى.
حسنٌ، هل كان عيسى الابن الوحيد المولود لله ؟ إقرأ في المزامير :
دَعوني أنا المَلِكَ أُخبِرُ بِما قضَى بهِ الرّبُّ: قالَ لي: أنتَ اَبني،وأنا اليومَ ولدْتُكَ.
الكتاب المقدس – المزامير 2: 7
مثل هذا الاصطلاح يمكن أن نجده بين صفحات الكتاب المقدس بشكل واسع. مثلاً:
- أُمِّي وإخوَتي هُمُ الّذينَ يَسمَعونَ كلامَ اللهِ ويَعمَلونَ بِه. [الكتاب المقدس – لوقا 8: 21]
- لأنَّ مَنْ يَعمَلُ بمشيئةِ اللهِ هوَ أخي وأُختي وأُمّي. [الكتاب المقدس – مرقس 3: 35]
في الواقع فإن اليهود يشيرون إلى أنفسهم في الكتاب المقدس بشكل أوسع من ذلك، وهذا ما أخذه عيسى عليهم عندما تناول اليهود الحجارة لرجم عيسى (عليه السلام) فدافع عن نفسه كالآتي:
أجابَهُ اليَهودُ: ((لا نَرجُمُكَ لأيِّ عمَلٍ صالِـحٍ عَمِلتَ، بل لِتَجديفِكَ. فما أنتَ إلاّ إنسانٌ، لكِنَّكَ جَعلتَ نَفسَكَ إلهًا)). فقالَ لهُم يَسوعُ: ((أما جاءَ في شَريعتِكُم أنَّ اللهَ قالَ: أنتُم آلهةٌ؟ فإذا كانَ الّذينَ تكلَّموا بِوَحيٍ مِنَ اللهِ يدعوهُمُ اللهُ آلهةً، على حدِّ قَولِ الشَّريعةِ الّتي لا يَنقُضُها أحَدٌ..)) [يوحنا 10: 33-35]
لقد كان عيسى يشير إلى العدد [أنا قلتُ أنتُم آلهةٌ وبَنو العليِّ كُلُّكُم. الكتاب المقدس – المزامير 82: 6]
الكثير من أعضاء الكنيسة يشيرون إلى العدد [يوحنا 10: 33] لمحاولة إثبات أن عيسى (عليه السلام) قد ادعى أنه “ابن الله”. ولكنهم يقفون على هذا العدد فقط ولا يكملون قراءة جواب عيسى في العدد الذي يليه (المقتبس أعلاه). و في هذه الحالة لا بد أن نطلب من هؤلاء الذين يقولون بأن عيسى (عليه السلام) قد ادعى أنه “ابن الله ” – حرفياً أو عملياً – نطلب منهم أن يطبقوا هذا المعيار على بقية الفقرة و أن يقولوا بأن اليهمود أيضاً هم آلهة – حرفياً و عملياً. إن الطريقة الوحيدة للادعاء بأن عيسى (عليه السلام) كان ابن الله – حرفياً – بينما اليهود لم يكونوا – حرفياً – آلهة هي الادعاء بأن عيسى قد جرّد العدد [المزامير 82:6 ] من السياق. ولكن عيسى لم يكن ليفعل هذا أبداً.
كما نرى من هذه الأعداد و أخرى مماثلة لها، فإن مصطلح “ابن الله” في لغة اليهود كان مجرد اصطلاح بريء يستخدم لوصف عبدٍ مخلصٍ لله. فإن قام المترجمون و المدققون بترجمة الكلمة في اللغة الانكليزية كاسم علم بحرف كبير (Son of God) للدلالة على عيسى و استخدام الحرف الصغير (son of God) للدلالة على أناس دون ذلك، فإن ذلك لا يتنقص من الحقيقة شيئاً بأن اللغة الأصلية لا تفرق بين الاستخدامين. هل بدأنا ندرك السبب الذي دفع أكثر الرجال علماً من الكنيسة الإنجيلية لإدراك الحقيقة؟ دعونا نتابع.
تقول موسوعة جرولير تحت اسم ((عيسى المسيح)) Grolier’s encyclopedia:
“أثناء حياته في الأرض كان عيسى يخاطَب بصفته رجل دين يهودي (حاخام) و يعتبر أنه رسول. بعض كلماته أيضاً تضعه في زمرة الحكماء. و للمزيد من التبجيل للحاخام فإنه يخاطب بـ: (سيدي – ربي my Lord). و بالفعل قبل عيد الفصح فإن تابعيه المبهورين بسلطته كانوا يعنون أمراً غير عادي عندما خاطبوه بقولهم (سيدي – ربي my Lord) من غير المحتمل أن يكون لقب “ابن داوود” قد نسب إليه أو أن يكون قد قبله أثناء فترة كهانته في الأرض. مصطلح “ابن الله” في العصور السابقة هو لقب ملوك العبرانيين [المزامير 2: 7] استخدم أول مرة في الكنيسة بعد قيامة المسيح كنظير للمسيح (المسيا) ولم يكن له أي دلالة فلسفية (ميتافيزيقية) [رومية 1: 4] كان عيسى مدركاً لوجود علاقة بنوة فريدة بالله، لكنه من غير المؤكد أن استخدام كلمات الأب/الإبن تعود إلى عيسى نفسه [مرقس 18: 32]،[متى 11: 15-27]”
يوجد مكانين اثنين في الكتاب المقدس يشير بهما عيسى (عليه السلام) على أنه “ابن الله” وهما في إنجيل يوحنا الإصحاح /5/ و الإصحاح /11/. يقول هاستينغز Hastings في قاموس الكتاب المقدس The dictionary of the Bible : ((إن استخدام عيسى لهذا المصطلح عن نفسه أمر مشكوك فيه)) وبغض النظر فقد رأينا معنى هذا اللقب البريء. ومن ناحية أخرى فإنه أُشير إلى عيسى على أنه “ابن الإنسان” ((بمعنى أنه بشر)) /81/ مرة في أسفار الكتاب المقدس. يقول إنجيل برنابا بأن عيسى كان على علم بتأليه الناس له بعد رحيله و أنه حذر أتباعه بشدة كيلا يربطهم بهؤلاء الناس أي رابط.
إن عيسى لم يكن إبناً لرجل من البشر (وفقاً لكل من القرآن و الكتاب المقدس). و مع ذلك نجده يقول باستمرار “أنا ابن الإنسان” كما في الأعداد [متى 17: 12]،[مرقس 8: 38]،[لوقا 9: 56]. لماذا ؟ ذلك لأنه هكذا كان اسلوب اليهود للتعبير عن قولهم “أنا من بني البشر”.
ماذا كان يحاول أن يخبرنا بتكراره و تأكيده الدائمين عبر العهد الجديد في قوله “أنا من البشر”، “أنا من البشر”، “أنا من البشر” ؟ مالذي تنبأ به؟ أمعن التفكير في ذلك!
هل يؤكد المسيحيون على هذا الجانب من عيسى؟ إن الكلمة اليونانية في العهد الجديد و المترجمة على أنها (ابن – Son) هي (Pias) و (Paida) و التي تعني (خادم أو ابن في معنى الخادم). إن هذه الكلمة قد ترجمت إلى (ابن – son) حين كان الحديث عن عيسى بينما استخدموا كلمة (خادم – servant) حين كان الحديث عمن سواه و ذلك في بعض تراجم الكتاب المقدس.
كما نرى فإن أحد الأسباب الجوهرية التي أدت إلى تأليه عيسى (عليه السلام) يعود إلى سوء الترجمة الفاضح. سنرى المزيد من الأمثلة عبر هذا الكتاب.
إن الإسلام يقول بأن عيسى (عليه السلام) هو من البشر و ليس إله، و هذا ما أكد عليه عيسى (عليه السلام) لتلاميذه و بشكل مستمر طوال فترة تبشيره، كما أن إنجيل برنابا يؤكد على هذه الحقيقة.
ومرة أخرى تقول موسوعة جرويلر Grolier’s encyclopedia:
“إن أكثر ما يسبب الحيرة هو لقب “ابن الإنسان”. إن هذا اللقب هو الوحيد الذي استخدمه عيسى و بشكل مستمر للإشارة إلى نفسه، ولا يوجد دليل واضح على استخدامه كلقب لاسم الجلالة من قبل الكنيسة بعد قيامة المسيح. لذا فقد اعتُبر هذا اللقب صحيحاً من قبل الكثيرين و ذلك لتجاوزه معيار الاختلاف”
نقرأ في قاموس الكتاب المقدس The Dictionary of the Bible الحائز على موافقة الكنيسة الرسمية (Nihil Obstat, Imprimatur, and Imprimi Potest):
“إن لقب [ابن الإنسان] هو لقب خاص بالمسيح (المسيا) تكرر /70/ مرة في الأناجيل الثلاثة الأولى – متى و مرقس و لوقا – كما تكرر /12/ مرة في إنجيل يوحنا… ومن الملفت للنظر أن هذا اللقب لم يتكرر على لسان عيسى نفسه في الرسائل الإنجيلية فقط بل و في الأناجيل أيضاً. إن هذا لهو دليل بالنسبة لمعظم العلماء بأن هذا اللقب قد استخدمه عيسى نفسه، و أن إهمال هذا اللقب خارج نطاق الأناجيل عائد لطبيعته السامية مما جعل منه لقباً غريباً بالنسبة للإغريقيين (اليونانيين) فكان ذلك كمثل ضريبة على استخدام المصطلح الأصلي”
قاموس الكتاب المقدس – جون ماكينزي ، ص 832
The Dictionary of the Bible, John L. McKenzie, S.J., p. 832
(1-2-3-3) لأن الله كان “أباه” ؟:
هل عيسى هو ابن الله ذو طبيعة إلهية لأنه كان يخاطب الله بقوله “أيها الآب”؟ حسنٌ، و كيف يخاطب المسيحيون الله؟ ماذا يخبرنا عيسى في هذا الشأن؟ دعونا نقرأ ذلك:
فتكونوا أبناءَ أبيكُمُ الّذي في السَّماواتِ.
الكتاب المقدس – متى 5: 45
فكونوا أنتُم كاملينَ، كما أنَّ أباكُمُ السَّماويَّ كامِلٌ.
الكتاب المقدس – متى 5: 48
((وأنا أتَقبَّلُكُم وأكونُ لكُم أبًا وتكونونَ لي بَنينَ وبَناتٍ)) يَقولُ الرَّبُّ القَديرُ.
الكتاب المقدس – رسالة كورنثوس الثانية 6: 17-18
هنالك أعداد لا تحصى في الكتاب المقدس تشير إلى ذلك. و لكي نستوعب المقصود بكلمة “الآب” ما علينا إلا قراءة العدد التالي:
فقالَ لهُم يَسوعُ: ((لَو كانَ اللهُ أباكُم لأحبَبتُموني. لأنِّي خَرَجتُ وجِئتُ مِنْ عِندِ اللهِ، وما جِئْتُ مِنْ تِلقاءِ ذاتي، بل هوَ الّذي أرسَلَني))
الكتاب المقدس – يوحنا 8: 42
إذاً حب الله و رسله هو ما يجعل من الله “أباً” لأحدهم. نقرأ بالمثل:
فأنتُم أولادُ أبـيكُم إبليسَ، وتُريدونَ أنْ تَتَّبِعوا رَغَباتِ أبـيكُم
الكتاب المقدس – يوحنا 8: 44
من الواضح أن كلاً من الله و إبليس ليس أباً فعلياً لأي منهم. إن كلمة “الآب” المستخدمة من قبل اليهود في ذلك الوقت تحمل نفس المعنى المستخدم من قبل المسيحيين للإشارة إلى القسيس. لا يقصد منها المعنى الحرفي للكلمة، و إلا لكان الكتاب المقدس يشهد بأن كل مؤمن بعيسى (عليه السلام) هو أيضاً ابناً فعلياً لله.
لاحظ أيضاً بأن يوسف سُمّي “أباً” لفرعون في العدد [سفر التكوين 45: 8 – فالآن لم تُرسِلوني أَنتُم إِلى ههُنا، بَلِ اللهُ أَرسَلَني وهو قد صَيَّرَني كأَبٍ لِفِرعَون] كما أن أيوب سُمّي “أباً” للمساكين في العدد [سفر أيوب 29: 16 – وكُنتُ أَبًا لِلمساكين]. عندما نقرأ كل هذا نفهم كيف أن اليهود كانوا يشيرون إلى الله العلي بكلمة “الآب”.
(1-2-3-4) لأنه أجرى المعجزات؟ :
حسنٌ إذاً، هل عيسى ابن الله لأنه أحيا الموتى؟ إذا كان هذا هو الحال فماذا عن حزقيال الذي قيل أنه أحيا جثثاً أكثر بكثير مما أحياه عيسى في كل حياته؟ يقال أن حزقيال قد أحيا مدينة بكاملها من الموت:
وحلَّت عليَ يَدُ الرّبِّ، فأخرَجني بالرُّوحِ ووضعَني في وسَطِ الوادي وهوَ مُمتلِئِّ عِظامًا وقادني بَينَ العِظامِ وحَولَها، فإذا هيَ كثيرةٌ جدُا على أرضِ الوادي ويابسةٌ تمامًا. فقالَ لي: ((يا اَبنَ البشَرِ أتعودُ هذِهِ العِظامُ إلى الحياةِ؟)) فقُلتُ: ((أيَّها السَّيِّدُ الرّبُّ أنتَ وحدَكَ تعلَمُ)). فقالَ لي: ((تنبَّأْ على هذِهِ العِظامِ وقُلْ لها: أيَّتُها العِظامُ اليابسةُ إِسمعي كلِمةَ الرّبِّ: هكذا قالَ السَّيِّدُ الرّبُّ لهذِهِ العِظامِ: سأُدخلُ فيكِ روحًا فتَحيينَ. أجعَلُ علَيكِ عصَبًا وأكسيكِ لَحمًا وأبسُطُ علَيكِ جلدًا وأنفخُ فيكِ روحًا، فتحيَينَ وتعلمينَ أنِّي أنا هوَ الرّبُّ)).فتنبَّأتُ كما أُمِرتُ. وبَينَما كُنتُ أتنبَّأُ سمِعتُ بخشخشةٍ، فإذا العِظامُ تتقاربُ، كُلُّ عَظْمةٍ إلى عَظْمةٍ. ورَأيتُ العَصبَ واللَّحمَ علَيها، والجلدَ فَوقَها، وما كانَ فيها روحٌ بَعدُ. فقالَ الرّبُّ لي: ((تنبَّأْ للرُّوحِ، تنبَّأْ يا اَبنَ البشَرِ، وقُلْ للرُّوحِ: هكذا قالَ السَّيِّدُ الرّبُّ: تعالَ أيَّها الرُّوحُ مِنَ الرِّياحِ الأَربعِ وهُبَ في هؤلاءِ الموتى فيَحيَوا)). فتنبَّأتُ كما أمرَني، فدخلَ فيهِمِ الرُّوحُ فحيَوا وقاموا على أرجلِهِم جيشًا عظيمًا جداً.
الكتاب المقدس – حزقيال 37: 1-11
إذا كنا بصدد البحث عن السلطات و المعجزات كدليل على الألوهية، فماذا عن يشوع الذي قيل أنه أوقف الشمس و القمر لمدة يوم كامل. هل يمكن لأحد أن يفعل هذا إلا الله العلي؟ :
ثُمَ كلَّمَ يَشوعُ الرّبَّ يومَ سلَّمَ الرّبُّ الأموريِّينَ إلى بَني إِسرائيلَ، فقالَ على مشهَدٍ مِنْ بَني إِسرائيلَ: ((يا شمسُ قِفي على جبعونَ وعلى وادي أيلُونَ اَثبُتْ يا قمرُ)).فتَوقَّفَتِ الشَّمسُ وثبَتَ القمرُ إلى أنِ اَنتَقَمَ الشَّعبُ مِنْ أعدائِهِم، وذلِكَ مكتوبٌ في كتابِ ياشَرَ. فتَوقَّفَتِ الشَّمسُ في أعلى السَّماءِ ولم تَغِبْ مُدَّةَ يومِ كامِلٍ.
الكتاب المقدس – يشوع 10: 12-13
كما أن أليشع قيل أنه أحيا الموتى، أحيا نفسه، شفى أبرص، أطعم مائة شخص بعشرين رغيف شعير و حبات ذرة قليلة، و شفى رجلاً أعمى:
* ثُمَ قامَ وتمَشَّى في الغُرفَةِ، ذهابًا وإيابًا، وصَعِدَ السَّريرَ وتمَدَّدَ على الصَّبيِّ فعَطَسَ الصَّبيُّ سَبعَ مرَّاتٍ وفتَحَ عينَيهِ.[الكتاب المقدس – الملوك الثاني 4: 35]
* وفي ذلِكَ الحينِ كانَ بَعضُ الإسرائيليِّينَ يَقبِرونَ مَيْتًا، فلمَّا رأوا الغُزاةَ رمَوا المَيْتَ في قبرِ أليشَعَ وهرَبوا. فلمَّا مَسَ عِظامَ أليشَعَ عاشَ وقامَ على قدَمَيهِ. [الكتاب المقدس–الملوك الثاني 13: 21]
* فنَزَلَ نُعمانُ إلى الأردُنِّ، وفي مائِهِ غطَسَ سَبعَ مرَّاتٍ، كما قالَ رَجلُ اللهِ، فتَعافى لَحمُهُ وصارَ كلَحمِ طِفلٍ وطَهُرَ. [الكتاب المقدس – الملوك الثاني 5: 14]
* فقَدَّمَ الخادِمُ لهُمُ الطَّعامَ، فأكلوا وفَضَلَ عَنهُم كما قالَ الرّبُّ.[الكتاب المقدس–الملوك الثاني 4: 44]
* وصلَّى أليشَعُ وقالَ: ((يا ربُّ فَتِّحْ عينَيهِ لِيَرى)). ففَتَحَ الرّبُّ عَينَي خادِمِ أليشَعَ فرَأى. [الكتاب المقدس – الملوك الثاني 6: 11]
و يقال أن إيليا قد أحيا الموتى و جعل قصعة دقيق و خابية من الزيت لا ينفذان لأيام عديدة :
وتمَدَّدَ على الصَّبيِّ ثَلاثَ مرَّاتٍ وصرَخ إلى الرّبِّ وقالَ: ((أيُّها الرّبُّ إلهي، لِتَعُدْ رُوحُ الصَّبيِّ إليهِ)). فاَستَجابَ الرّبُّ لَه، فعادَت روحُ الصَّبيِّ إليهِ وعاشَ.
الكتاب المقدس- الملوك الأول 17: 21-22
فالرّبُّ إلهُ إِسرائيلَ قالَ: قَصعَةُ الدَّقيقِ عِندَكِ لا تفرَغُ، وخابيَةُ الزَّيتِ لا تَنقُصُ إلى أنْ يُرسِلَ الرّبَّ مطَرًا.
الكتاب المقدس- الملوك الأول 17: 14
و ماذا عن موسى (عليه السلام) و معجزاته الكثيرة من شق البحر و تحويله العصى إلى ثعبان و الماء إلى دم و غير ذلك؟ و هلمّ جرّ.
حتى عيسى (عليه السلام) نفسه يخبرنا بأن المعجزات لا تثبت شيئاً بعينه:
فسيَظهرُ مُسَحاءُ دجّالونَ وأنبـياءُ كذّابونَ، يَصنَعونَ الآياتِ والعَجائبَ العَظيمةَ ليُضَلِّلوا، إنْ أمكَنَ، حتّى الّّذينَ اَختارَهُمُ اللهُ.
الكتاب المقدس- متى 24: 24
إذاً فحتى المسحاء الدجالون يستطيعون أن يقدموا المعجزات و العجائب العظيمة حتى أن أكثر الرجال علماً يخدع بهم.
لقد كان لعيسى بداية (و هي الولادة) و نهاية [وصرَخَ يَسوعُ مرّةً ثانيةً صَرْخَةً قَوِيَّةً وأسلَمَ الرّوحَ – متى 27: 45] إلا أن ملكيصادق قيل أنه ليس لأيامه بداية و لا لحياته نهاية ولكنه “على مثال ابن الله”:
وكانَ مَلكِيصادَقُ هذا مَلِكَ ساليمَ وكاهِنَ اللهِ العليِّ، خرَجَ لِمُلاقاةِ إبراهيمَ عِندَ رُجوعِهِ بَعدَما هزَمَ المُلوكَ وباركَهُ، وأعطاهُ إبراهيمُ العُشْرَ مِنْ كُلِّ شيءٍ. وتَفسيرُ اسمِهِ أوَّلاً مَلِكُ العَدلِ، ثُمَّ مَلِكُ ساليمَ، أي مَلِكُ السَّلامِ. وهوَ لا أبَ لَه ولا أُمَّ ولا نسَبَ، ولا لأيَّامِهِ بِداءَةٌ ولا لِحياتِهِ نِهايَةٌ. ولكِنَّهُ، على مِثالِ ابنِ اللهِ، يَبقى كاهِنًا إلى الأبَدِ. فانظُروا ما أعظَمَه! إبراهيمُ نَفسُهُ، وهوَ رَئيسُ الآباءِ، أعطاهُ العُشْرَ مِنْ خِيرةِ الغَنائمِ.
الكتاب المقدس – العبرانيين 7: 1-4
يقال أن سليمان كان مع الله منذ البدء قبل كل الخليقة:
الرّبُّ اَقتناني أوَّلَ ما خلَقَ مِنْ قديمِ أعمالِهِ في الزَّمانِ. مِنَ الأزلِ صنَعَني، مِنَ البَدءِ، مِنْ قَبلِ أنْ كانتِ الأرضُ. وُجدتُ وما كانَ غَمْرٌ، ولا مياهٌ في قلبِ الينابيعِ. قَبلَ أنْ تُخلَقَ الجبالُ وقَبلَ التِّلالِ وُجدْتُ، حينَ لم تكُنْ أرضٌ ولا مياهٌ، ولا حَفنةٌ مِنْ تُرابِ الكَونِ. وكُنتُ حينَ كوَّنَ السَّماواتِ وحَوَّقَ حولَ وجهِ الغَمْرِ، وثَبَّتَ الغُيومَ في العَلاءِ وفَجرَ ينابيعَ المياهِ. وكُنتُ حينَ حَوَّطَ البحرَ فلا تَعبُرُ المياهُ حُدودَهُ، وحينَ أرسى أساساتِ الأرضِ. وكُنتُ حيالَهُ بأمانٍ، وفي بَهجةٍ يومًا بَعدَ يومِ، ضاحِكًا أمامَهُ كُلَ حينٍ، ضاحِكًا في أرضِهِ الآهلةِ، ومُبتَهجا معَ بَني البشَرِ.
الكتاب المقدس – الأمثال 8: 22-31
حسنٌ إذن، هل عيسى (عليه السلام) إله لأنه أجرى المعجزات من خلال سلطته الذاتية بينما كان الآخرون بحاجة إلى الله ليجروا هذه المعجزات؟ دعنا نقرأ الآتي:
- فدَنا مِنهُم يَسوعُ وقالَ لهُم: ((نِلتُ كُلَّ سُلطانٍ في السَّماءِ والأرضِ)) [متى 28: 18]
- فلمَّا شاهَدَ النَّاسُ ما جرَى، خافوا ومَجِّدوا اللهَ الّذي أعطى البشَرَ مِثلَ هذا السُّلطانِ. [متى 9: 8]
- وأمَّا إذا كُنتُ بإصبعِ اللهِ أطرُدُ الشَّياطينَ، فمَلكوتُ اللهِ أقبلَ علَيكُم. [لوقا 11: 20]
- أرَيتُكُم كثيرًا مِنَ الأعمالِ الصَّالِحَةِ مِنْ عِندِ الآبِ. [يوحنا 10: 32]
- وأمّا إذا كُنتُ بِرُوحِ اللهِ أطرُدُ الشَّياطينَ، فمَلكوتُ اللهِ حَلَّ بَينَكُم. [متى 12: 28]
- أنا لا أقدِرُ أنْ أعمَلَ شيئًا مِنْ عِندي. فكما أسمَعُ مِنَ الآبِ أحكُمُ، وحُكمي عادِلٌ لأنِّي لا أطلُبُ مَشيئَتي، بل مشيئَةَ الّذي أرسَلَني. [يوحنا 5: 30]
- الأعمالُ الّتي أعمَلُها باَسمِ أبـي تَشهَدُ لي [يوحنا 10: 25]
- … لا أعمَلُ شيئًا مِنْ عِندي ولا أقولُ إلاَ ما عَلَّمَني الآبُ. والآبُ الّذي أرسَلَني هوَ مَعي وما تَركني وَحدي، لأنِّي في كُلِّ حينٍ أعمَلُ ما يُرضيهِ. [يوحنا 8: 28-29]
- يا بَني إِسرائيلَ اَسمَعوا هذا الكلامَ: كانَ يَسوعُ النـاصِريُّ رَجُلاً أيَّدَهُ اللهُ بَينكُم بِما أجرى على يَدِهِ مِنَ العجائِبِ والمُعجِزاتِ والآياتِ كما أنتُم تَعرِفونَ. [أعمال الرسل 2: 22]
فنحن نرى أنه حتى الحواري بطرس (الملقب بالصخرة)([3]) شهد على الملأ بعد سنوات من رحيل عيسى بأنه – أي عيسى – كان “رجلاً” و ليس “الله أو ابن الله الذي أجرى المعجزات بقدرته الذاتية”. ثم أكمل ليتأكد من عدم إضلال الناس بمعجزات عيسى ليظنوا بأنه كان أكثر من مجرد إنسان، و ذلك بتأكيده بأنه لم يكن عيسى الذي يقوم بالمعجزات بل كان حاله كحال الكثير من الأنبياء من قبله. إن الله هو الذي أجرى المعجزات و أنبياء الله هم الأدوات التي أجرى الله بها معجزاته. بعبارة أخرى، فإن النقطة التي كان بطرس يحاول إيضاحها لهؤلاء الناس هي أن يتذكروا دائماً كيف أن شق البحر لم يجعل من موسى إلهاً أو إبناً لله، و أن إحياء الموتى لم يجعل من أليشع إلهاً أو إبناً لله، فكذلك يجب أن يكون الحال مع عيسى.
ماذا كان الهدف من وراء هذه المعجزات؟ لنقرأ العدد [يوحنا 11: 42] حيث نجد أن عيسى قبل أن يقيم لعازر من الأموات أكد على نقطة كيلا تسيء فهمه الجماهير المحتشدة في الذي سيفعله و السبب الذي دفعه لذلك. نجده يصرح علناً أمام الله – و هم يستمعون – بأن حاله كحال الأنبياء السابقين و أن المعجزات التي أجريت على يديه هي لإثبات أنه مرسلٌ من عند الله و أنه كان نبياً حقيقياً:
وأنا أعرِفُ أنَّكَ تَستَجيبُ لي في كُلِّ حينٍ. ولكنِّي أقولُ هذا مِنْ أجلِ هَؤُلاءِ النـّاسِ حَولي، حتّى يُؤمِنوا أنَّكَ أنتَ أرسَلتَني.
الكتاب المقدس – يوحنا 11: 42
(1-2-3-5) لأنه كان مملوء بالروح القدس؟ :
حسنٌ.. هل عيسى (عليه السلام) هو ابن الله لأنه كان مملوء بالروح القدس؟ لنقرأ معاً:
- واَمتلأَ أبوهُ زكَرِيَّا مِنَ الرُّوحِ القُدُسِ. [لوقا 1: 67]
- واَمتلأت أليصاباتُ مِنَ الرُّوحِ القُدُسِ. [لوقا 1: 41]
- فأجابَهُم بُطرُسُ وهوَ مُمتَلئٌ مِنَ الرُّوحِ القُدُسِ. [أعمال الرسل 4: 8]
- فاَمتَلأ شاوُلُ، واَسمُهُ أيضًا بولُسُ، مِنَ الرُّوحِ القُدُسِ. [أعمال الرسل 13: 9]
- فاَمتَلأوا كُلُّهُم مِنَ الرُّوحِ القُدُسِ، وأخذوا يتكَلَّمونَ بِلُغاتٍ غَيرِ لُغَتِهِم. [أعمال الرسل 2: 4]
هل عيسى (عليه السلام) إله لأنه امتلأ من الروح القدس منذ أن كان في رحم أمه؟ إذا كان هذا هو الحال، فيجب أن يكون يوحنا المعمدان (يحيى عليه السلام) إلهاً أيضاً كما هو موجود في العدد:
فقالَ لَه المَلاكُ: ((لا تخَفْ يا زكَرِيَّا، لأنَّ اللهَ سَمِعَ دُعاءَكَ وسَتَلِدُ لكَ اَمرأتُكَ أليصاباتُ إِبنًا تُسمّيهِ يوحنَّا. وستَفرَحُ بِه وتَبتَهِـجُ، ويفرَحُ بمولِدِهِ كثيرٌ مِنَ النـّاسِ، لأنَّهُ سيكونُ عَظيمًا عِندَ الرَّبِّ، ولن يَشرَبَ خَمرًا ولا مُسكرًا، ويَمتلِـئُ مِنَ الرُّوحِ القُدُسِ وهوَ في بَطنِ أُمِّهِ))
الكتاب المقدس – لوقا 1: 13-15
(1-2-3-6) لأنه كان على صورة الله؟ :
سيقول البعض: ((و لكننا نقرأ في الكتاب المقدس العدد :
… المَسيحِ الّذي هوَ صُورَةُ اللهِ. [كورنثوس الثانية 4: 4]
لابد أن هذا العدد يجعل من عيسى إلهاً.))
عندها يجب أن نقرأ العدد التالي:
فخلَقَ اللهُ الإنسانَ على صورَتِه، على صورةِ اللهِ خلَقَ البشَرَ، ذَكَرًا وأُنثى خلَقَهُم.
الكتاب المقدس – التكوين 1: 27
(1-2-3-7) لأنه كان “من فوق”؟ :
نقرأ في العدد [يوحنا 8: 23]:
وقالَ لهُم: ((أنتُم مِنْ أسفَلُ، أمَّا أنا فَمِنْ فَوقُ. أنتُم مِنْ هذا العالَمِ، وما أنا مِنْ هذا العالَمِ))
هل هذا يجعل من عيسى إلهاً؟
كلا! إقرأ هذا العدد:
بلَّغتُهُم كلامَكَ فأبغَضَهُمُ العالَمُ لأنَّهُم لا يَنتَمونَ إلى العالَمِ كما أنا لا أَنتَمي إلى العالَمِ.
الكتاب المقدس – يوحنا 17: 14
ما هُم مِنَ العالَمِ. وما أنا مِنَ العالَمِ.
الكتاب المقدس – يوحنا 17: 16
يوجد الكثير من الأمثلة المماثلة.
(1-2-3-8) لأنه كان “المسيح/المسيا” و ” الكلمة”؟ :
يعتقد الكثيرون بأن كلمة “المسيا” مصطلح روحاني إنجيلي خصصه الله منذ الأزل كبديل مباشر لكلمة “الابن الوحيد المولود له”. ولهذا السبب فإنهم حينما يرون في الكتاب المقدس بأن عيسى يشار إليه على أنه “المسيا” فإنهم يترجمون ذلك مباشرة لتعني “ابن الله”. و لكي نصحح هذا المفهوم الخاطئ دعونا أولاً نحدد المعنى الحقيقي لكلمة “المسيا” و من ثم نستعرض كيفية استخدامها في الكتاب المقدس.
إن كلمة “المسيا – Messiah” هي المرادف للكلمة العبرية “المشيخ – mashiyach”. إن المعنى الحرفي لهذه الكلمة في العبرية هو “يمسح بالزيت”. من المألوف في أيامنا هذه أن يشهد الأشخاص الذين يتم تعيينهم في مناصب وظيفية عالية (مثل رئيس الولايات المتحدة، قضاة المحكمة العليا) – من المتعارف عليه أن يشهد مثل هؤلاء الأشخاص طقوساً مقدسة يتم من خلالها تعيين هذا الشخص في ذلك المنصب. خلال تلك الطقوس تقام مراسم معينة لمنح حقوق اعتلاء السلطة كأن يقوم بأداء اليمين الدستوري أو ما شابه ذلك. متى يتم الانتهاء من هذه الطقوس عندها فقط يعتبر الشخص قد تسلم حقوقه و واجباته رسمياً في هذا المنصب.
و بالمثل، ففي العصور القديمة كان من المعهود بين اليهود أن “يمسحوا بالزيت” هؤلاء الذين يتم تعيينهم في مناصب ذات صلاحيات عليا. فلو قرأنا الكتاب المقدس لوجدنا أن كل كاهن و ملك على شعب اسرائيل كان “يمسح بالزيت” من قبل الشعب كإشارة إلى التعيين الرسمي للمنصب. كما نجد أنه كان من الشائع أن يتم مسح الجمادات بالزيت و حتى الوثنيين. فعلى سبيل المثال:
– سليمان: وأخذَ صادوقُ الكاهنُ وِعاءَ الزَّيتِ مِنْ خيمَةِ الاجتِماعِ ومسَحَ سُليمانَ، فهَتَفَ الشَّعبُ بِالبوقِ ونادَوا: ((لِيحيَ المَلِكُ سُليمانُ)). [الكتاب المقدس – الملوك الأول 1: 39]
– داوود: فأخذَ صَموئيلُ قرنَ الزَّيتِ ومسحَهُ مَلِكًا مِنْ بَينِ إخوَتِهِ، فحلَ روحُ الرّبِّ على داوُدَ مِنْ ذلِكَ اليومِ فصاعِدًا. ونهضَ صَموئيلُ وعادَ إلى الرَّامةِ. [الكتاب المقدس – صموئيل الأول 16: 13]
– كهنة اليهود: فإنْ كانَ كاهنًا مَمسوحًا خطِئَ الشَّعبُ بِسبَبِهِ فعلَيهِ أنْ يُقرِّبَ عَنْ خطيئتِهِ التي اَرْتَكَبَها عِجلاً مِنَ البقَرِ صحيحًا ذبيحةَ خطيئةٍ للرّبِّ. [الكتاب المقدس – اللاويين 4: 3]
– كورش الوثني: وهذا ما قالَ الرّبُّ لكورشَ الذي مسَحَهُ ملِكًا وأخذَ بيَمينِهِ ليُخضِعَ لَه الشُّعوبَ ويُضعِفَ سُلطانَ المُلوكِ حتى يفتَحَ أمامَهُ المَصاريعَ فلا تُغلَقُ في وجهِهِ الأبوابُ. [الكتاب المقدس – إشعيا 45: 1]
– عمود: أنا إلهُ بَيتِ إيلَ حيثُ نصَبْتَ عَمودًا ومَسَحْتَه بالزَّيتِ لِتُكرِّسَهُ لي، ونَذَرْتَ لي نَذْرًا. والآنَ قُمِ اَخرُج مِنْ هذِهِ الأرضِ واَرجعْ إلى أرضِ مَولِدِكَ. [الكتاب المقدس – التكوين 31: 13]
– المسكن: وأخذَ موسى زيتَ المَسْحِ ومسَحَ المسكِنَ وجميعَ ما فيهِ وقَدَّسَهُ. [الكتاب المقدس – اللاويين 8: 10]
– الكروبيم (نوع من الملائكة): وَمَسَحْتُكَ لِتَكُونَ الْكَرُوبِيمَ الْمُظَلِّلَ وَأَقَمْتُكَ عَلَى جَبَلِ اللهِ الْمُقَدَّسِ، وَتَمَشَّيْتَ بَيْنَ حِجَارَةِ النَّارِ. [الكتاب المقدس – حزقيال 28: 14]
– الناس المرضى: وطَرَدوا كثيرًا مِنَ الشَّياطينِ، ودَهَنوا بالزَّيتِ كثيرًا مِنَ المَرضى فشَفَوهُم. [الكتاب المقدس – مرقس 6: 13]
– عيسى يمسح رجلاً أعمى: قالَ هذا وبَصَقَ في التُّرابِ، وجبَلَ مِنْ ريقِهِ طِينًا ووضَعَهُ على عَينَي الأعمَى. [الكتاب المقدس – يوحنا 9: 6]
“When he had thus spoken, he spat on the ground, and made clay of the spittle, and he anointed the eyes of the blind man with the clay,”
((وضعت النص حسب نسخة الملك جيمس لتبيان الكلمة المعنية الواردة في النص الانكليزي وهي anointed))
ترجمت هذه الكلمة في اللغة اليونانية القديمة إلى “مسياس Messias” و “كريستوس Christos” – أنظر العدد [يوحنا 1: 41] و العدد [يوحنا 4: 25]. من هنا جاءت الكلمة الإنجليزية “Christ” بمعنى المسيح. لقد اشتقت من الكلمة اليونانية بمعنى “يمسح”. إن عيسى قد تم “مسحه ” أو “تعميده” من قبل يوحنا المعمدان (يحيى عليه السلام) قبل بداية كهنوتيته كما نقرأ في العدد [متى 3: 16 – وتعمَّدَ يَسوعُ وخَرَجَ في الحالِ مِنَ الماءِ] و في غيره من الأعداد الأخرى.
لانود القول من ذلك كله بأن هذه الكلمة لم تكن تشير بشكل خاص إلى عيسى بسبب أنها أطلقت على الآخرين. كل ما نود قوله هو أن هذا اللقب لا يؤهل الشخص ليكون “ابن الله”.
فعلى سبيل المثال، كل أنبياء الله هم “أخلّـاء الله” إلا أن النبي إبراهيم وحده الذي تلقّى هذا اللقب كإشارة رسمية إلى شخصه “خليل الله” كما في العدد [يعقوب 2: 23 – آمَنَ إبراهيمُ باللهِ فبَرَّرَهُ اللهُ لإيمانِهِ ودُعيَ خليلَ الله]. و بنفس الأسلوب فإن كافة أنبياء الله لشعب إسرائيل كانوا كلهم أنبياء “مسحاء – ممسوحين”، إلا أن هذا اللقب قد حُجز خصيصاً كإشارة رسمية إلى شخص عيسى. إن هذا ما يؤكد عليه القرآن:
إِذْ قَالَتِ الْمَلآئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (45)
القرآن الكريم – آل عمران
في الحقيقة، فإن المسلمين يشيرون وفقاً لعقيدتهم إلى النبي إبراهيم على أنه “خليل الله” و إلى النبي موسى على أنه “كليم الله”. إلا أن كون النبي إبراهيم هو “خليل الله” لا يعني أبداً أن باقي الأنبياء هم “أعداء الله”.
و بالمثل، فإن كون عيسى (عليه السلام) هو “كلمةٌ” من الله و “روحٌ” منه فإن ذلك لا يعني بأنه “جزءٌ” من الله، وأن هذه الإشارة حصرية لشخصه. فمثلاً نقرأ في القرآن الكريم:
فَإِذَا سَوَّيْتُهُ (آدم) وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ (29)
القرآن الكريم – الحجر
إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَن نَّقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ (40)
القرآن الكريم – النحل
((للمزيد أرجو قراءة الفصل 14))
لكي نوضح مثل هذه المصطلحات، لنأخذ مثالاً عن المصطلح “بيت الله” أو “بيتي” كما هو موجود في الكتاب المقدس العدد [أخبار الأيام الأول 9: 11] و القرآن الكريم في الآية [البقرة 2: 125]. إذا كان الله غير محدود ببيت أو موقع محددين – وهذا ما يوافق عليه كلاً من المسلمين و المسيحيين – فماذا نعني بكلمة “بيت الله”؟ إن كل بيت على وجه الأرض هي ملك لله و لكننا لا نقول عن نوادي الخمر و الدعارى أنها “بيوت الله” بل نقول أن دور العبادة هي “بيوت الله”. إن المعنى الحقيقي لهذه الكلمة بأن الله يظهر استحسانه على هذه البيوت بأن يُشركها مع اسمه. إن الله يهب هذه الألقاب لهؤلاء الذين يود أن يمنحهم استحسانه من بين كل خلائقه بموجب التقوى و العبادة الخالصة لله تعالى من خلال مخلوقاته. إن جهد عيسى (عليه السلام) المتفاني في العبادة و تقواه لخالقه هو سبب مكافأته بمنحه لقب روح الله و كلمته.
و بالمثل، فإن الإشارة إلى عيسى بأنه “كلمة” من الله لا يعني أبداً أن عيسى هو “جزء” من الله. فعلى سبيل المثال في أمكنة كثيرة من الكتاب المقدس يشير فيها الله إلى “كلمته – أمره” كما في العدد:
يُضَمُّ هَارُونُ إِلى قَوْمِهِ لأَنَّهُ لا يَدْخُلُ الأَرْضَ التِي أَعْطَيْتُ لِبَنِي إِسْرَائِيل لأَنَّكُمْ عَصَيْتُمْ قَوْلِي عِنْدَ مَاءِ مَرِيبَةَ.
الكتاب المقدس – سفر العدد 20: 24
“Aaron shall be gathered unto his people: for he shall not enter into the land which I have given unto the children of Israel, because ye rebelled against my word at the water of Meribah.”
((وضعت النص كما هو في نسخة الملك جيمس للمزيد من الشرح حول المقصود بـ: الكلمة))
هل “قولي – my word” هنا تعني “عيسى”؟ هنالك أمثلة أخرى لا تحصى.
(1-2-3-9) لأنه كان يدعى “الرب أو السيد Lord” ؟:
هل كان عيسى إله لأن الناس لقّبوه بـ”الرب أو السيد My Lord”؟ نجد في الكتاب المقدس أن ذلك كان شائعاً مع أناس دون عيسى. فعلى سبيل المثال:
– النبي إبراهيم: فضَحِكَت سارةُ في نَفْسِها قائلةً: (( اَبَعْدَ هَرَمي أَعِرفُ اللَّذَّة، وسَيَدّي قد شاخ؟ )) [الكتاب المقدس – سفر التكوين 18: 12]
– عيسو: وأَوصاهُم قائِلاً: (( هكذا قولوا لِسَيِّدي عِيسو: كَذا قالَ عَبدُكَ يَعْقوب: إِنِّي نَزَلتُ بِلابان فأَقَمتُ إِلى الآن)). [الكتاب المقدس – سفر التكوين 32: 4]
– يوسف: فقلْنا لِسَيِّدي: لَنا أَبٌ شَيخ، ولَه أبنُ شَيخوخةٍ صَغير قد ماتَ أَخوه وبَقِيَ هو وَحدَه لأُمِّه، وأَبوه يُحِبُّه. [الكتاب المقدس – سفر التكوين 44: 20]
– يعقوب: وسَقَطَت على رِجلَيه وقالَت: ((علَيَّ أَنا يا سَيِّدي هذا الذَّنْب. فلْتتَكلَّمْ أَمَتُكَ على مِسمَعِكَ وأَصغِ لِكَلام أَمَتِكَ)). [الكتاب المقدس – صموئيل الأول 25: 24]
و هناك الكثير من الأمثلة الأخرى…
(1-2-3-10) لأن الله قد “بذل ابنه الوحيد المولود له” ؟:
لأَنَّهُ هَكَذَا أَحَبَّ اللَّهُ الْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ المولود له ، لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ، بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ.
الكتاب المقدس – يوحنا 3: 16
“For God so loved the world, that he gave his only begotten Son, that whosoever believeth in him should not perish, but have everlasting life.”
((أود الإشارة إلى أن كلمة “المولود له” قد تم حذفها من الترجمات العربية مثل الترجمة العربية المشتركة و الترجمة الكاثوليكية و ترجمة فاندياك.))
إن العدد أعلاه هو من نسخة الملك جيمس. فلو أننا قرأنا العدد نفسه في النسخة القياسية المنقحة للكتاب المقدس سنجدها كالتالي:
لأَنَّهُ هَكَذَا أَحَبَّ اللَّهُ الْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ…
((وهذا ما يوافق الترجمات العربية المذكورة أعلاه))
ماالذي يحدث هنا؟ إن النسخة القياسية المنقحة هي نتاج عمل اثنين و ثلاثين من علماء الإنجيل المسيحيين الأكثر رفعة يدعمهم خمسون من الطوائف المسيحية. لقد أنتجوا لنا النسخة القياسية المنقحة كمحاولة لتصحيح الأخطاء “الكثيرة” و “الخطيرة” التي وجدوها في نسخة الملك جيمس. لماذا قاموا إذا بحذف كلمة “المولود له” من حجر أساس التبشير المسيحي؟ السبب أنهم أرادوا أن يكونوا أمناء معنا في ترجمة هذا العدد.
إن الكلمة اليونانية المرادفة لكلمة “المولود – Begotten” هي “gennao” كما هي موجودة على سبيل المثال في العدد [متى 1: 2]. إلا أنه في تلك الأعداد التي تحت الدراسة فإن الكلمة المستخدمة لم تكن “gennao” بل كانت “monogenes”.
إن كلمة “monogenes” كلمة يونانية تحمل معنى “المتفرد – unique” وليست “المولود – begotton”، و بالتالي فإن الترجمة الحقيقية لهذا العدد هو “ابنه المتفرد – His unique son”.
إن ترجمات أمينة أخرى للكتاب المقدس مثل ترجمة جودسبيد و بويس سميث للعهد الجديد New Testament by Goodspeed and J. M. Powis Smith (نشرت سنة 1923) – نجد فيها ترجمة مماثلة لما هو موجود في النسخة القياسية المنقحة. على كل حال فإن النسخ التي اعتمدت مبدأ الترجمة الأمينة لم تقابل بكثير من الحماس لأنهم جعلوا القارئ يواجه الحقيقة بأن الكثير من مترجمي نسخة الملك جيمس قد قاموا “بترجمة” مالم يكن موجود أساساً في الكتاب المقدس.
لقد وجدنا في الأجزاء السابقة بأن الكتاب المقدس يشهد بأن لله “أبناء” بالأطنان. فما المقصود في الكتاب المقدس بكلمة “ابنه الوحيد” أو “ابنه المتفرد” عند الإشارة إلى عيسى؟ إن هذا يعني ما يقوله الكتاب المقدس وما أكده لنا القرآن بأن عيسى كان “متفرداً” بميلاده من أم من بني البشر دونما أب. مجرد أن قال الله له “كن!” فكان.
(1-2-3-11) ماذا عن العدد الذي يقول “وُلِد لنا ولد” ؟:
لأنَّهُ يولَدُ لَنا ولَدٌ ويُعطَى لَنا اَبنٌ وتكونُ الرِّئاسةُ على كَتِفِهِ. يُسمَّى باَسمِ عجيبٍ، ويكونُ مُشيرًا وإلهًا قديرًا وأبًا أبديُا ورئيسَ السَّلامِ. [الكتاب المقدس – إشعياء 9: 5]
عندما يقرأ أحد ما هذا العدد من سفر إشعياء فإنه يرى فيه على الفور نبوءة عن نزول الله إلى الأرض في هيئة طفل بشري. أليس هذا ما يقوله العدد؟ ألا يقول بأن عيسى سيكون هو “تجسد” الله على الأرض؟ في الحقيقة فإن هذا العدد لا يقول كذلك. لذا دعونا نقوم بدراسته سوية.
في البداية، عندما نطبق نبوءة ما على أحدهم من الضروري ألا نقوم بالانتقاء النوعي و نختار العبارات البراقة ثم نهمل البقية. نجد في هذه النبوءة أن الشرط الأول لهذا الشخص أنه سيحمل الرئاسة على كتفه([4]). إلا أن عيسى (عليه السلام) – كما هومعروف للجميع – لم يقم أبداً ببناء حكومة في كل أيام حياته أو أصبح رئيساً لدولة ما. في الواقع فإننا نراه يقول في الكتاب المقدس و بكل وضوح:
أجابَهُ يَسوعُ: ((ما مَملكَتي مِنْ هذا العالَمِ. لَو كانَت مَملكَتي مِنْ هذاالعالَمِ، لَدافَعَ عنِّي أتباعي حتّى لا أُسلَّمَ إلى اليَهودِ. لا! ما مَملكَتي مِنْ هُنا)).
الكتاب المقدس – يوحنا 18: 36
فقالَ لهُم: ((اَدفَعوا، إذًا، إلى القَيصَرِ ما لِلقَيصَرِ، وإلى اللهِ ما للهِ! ))
الكتاب المقدس – متى 22: 21
إذاً – وفقاً للكتاب المقدس – فإن عيسى لم يحاول أبداً أن يُنشأ حكومة ما أو أن يتحدى نفوذ الإمبراطور الوثني (قيصر) عليه و على أتباعه. فإن حاول أحدهم أن يحمّل النص مالا يحتمل بأن يقول أنه يرأس دولة “روحية” في الدار الآخرة، عندها يجب أن نعلم هل الدار الآخرة مكاناً للدول و الملوك و القوانين و التنطيمات؟!
ثانياً: عندما نتعمق في المقطع الذي يقول ((إلهاً قديراً)) فإننا سنلاحظ حقيقة مثيرة. لسبب ما فإن الكلمات المستخدمة لم تكن ((الله القدير)) بل ((إلهاً قديراً)). إن هذه الملاحظة دفعتنا للتحقق من النص العبري الأصلي، لذا قررنا دراسته.
إن كلمة ((القدير)) المنسوبة لله وحده في العهد القديم هي الكلمة العبرية [شاداهي shadday]. إلا أن هذه الكلمة لم تكن موجودة في هذا العدد، بل كانت الكلمة [جيبور Gibbowr] بمعنى “قدير” وليست “القدير”. و على الرغم من احتمال أن يكون هذه الفرق بين الكلمتين ضئيل و ليس ذو أهمية بالنسبة لنا، إلا أنه يبقى هذا الفرق بارزاً بالنسبة لليهود. دعوني أتوسع في الشرح قليلاً..
في القاموس العبري الشهير للمؤلف جيمس سترونج ((Hebrew and Chaldee Dictionary by James Strong)) نجد أن كلمة [جيبور gibbowr] قد ترجمت كالتالي [محارب، بطل، مستبد، رئيس، متفوق، عملاق، رجل، شخص قدير، رجل قوي، رجل شجاع].. بينما نجد أن كلمة [شاداهي shadday] قد ترجمت كالتالي : [ذو قوة أو سلطة غير محدودة – الله القدير].
إن الكلمة المترجمة هنا إلى ((إله)) هي في العبرية [ إيل El]، فبالإضافة إلى كونها تستخدم للدلالة على الله العلي – فإنها تستخدم أيضاً للدلالة على أشخاص قديرين، الجن و العفاريت، الملائكة، و الأوثان. كما رأينا لتونا في القسم السابق فإنه كان من الشائع في الكتاب المقدس استخدام كلمة (إله) لتطفي لنا جواً من السلطة و القوة، و من بعض الأمثلة التي قدمناها كان الآتي:
أنا قلتُ أنتُم آلهةٌ وبَنو العليِّ كُلُّكُم.
الكتاب المقدس – المزامير 82: 6
فقالَ الرَّبُّ لِموسى: (( أُنظُرْ! قد جَعَلتُكَ إِلهاً لِفِرعَون))
الكتاب المقدس – سفر الخروج 7: 1
فإِذا كانَت بِشارتُنا مَحجوبَة، فإِنَّما هي مَحجوبَةٌ عنِ السَّائِرينَ في طَريقِ الهَلاك، عن غَيرِ المُؤمِنينَ الَّذينَ أَعْمى بَصائِرَهم إِلهُ هذِه الدُنْيا (الشيطان).
الكتاب المقدس – كورنثوس الثانية 4: 4
عندما نقرأ مثل هذه الأعداد نبدأ عندها استيعاب السبب في استخدام كلمة ((إلهاً قديراً)) في العدد [إشعياء 9: 6] و ليس ((الله القدير)). فإن كان المؤلف يقصد أن يلمّح أن هذا الشخص سيكون “تجسداً” لله العلي الذي سينزل إلى الأرض على هيئة بشر و يمشي بيننا و يموت على الصليب، فلماذا اختار مؤلف هذا العدد أن يخفف من بيانه بأن يشير إلى هذا الشخص بلفظ عام يستخدم للبشر، و الجن، و الملائكة، و الأوثان بدلاً من أن يستخدم اللفظ الخاص و الذي يشير حصرياً لله العلي وحده؟
و أخيراً، قمنا بدراسة المقطع الذي يقول (أباً أبدياً). في الكتاب المقدس، كلمة “أبدي” أو “مدى الدهر” غالباً ما تستخدم لإظهار معنى مجازي و ليس بالضرورة أن تحمل المعنى الحرفي للكلمة. فعلى سبيل المثال:
ومَلكٌ كعبدي داوُدَ يكونُ رئيسًا لهُم مَدى الدَّهرِ.
الكتاب المقدس – حزقيال 37: 25
سألَكَ الحياةَ فأعطَيتَهُ عُمْرًا يطُولُ مدَى الأيّامِ.
الكتاب المقدس – المزامير 21: 5
و غير ذلك من الأمثلة…
نفس الشيء ينطبق على استخدام كلمة (أب). ليس بالضرورة أن تعني (الآب السماوي – الله) أو الأب البيولوجي. لنقرأ على سبيل المثال:
- يوسف سُمّي أباً لفرعون في العدد [التكوين 45: 8 – اللهُ أَرسَلَني وهو قد صَيَّرَني كأَبٍ لِفِرعَون].
- أيوب سُمّي أباً للمساكين في العدد [أيوب 29: 16 – وكُنتُ أَبًا لِلمساكين].
و غيرها من الأمثلة…
فكما أن داوود سيكون “رئيساً مدى الدهر” كذلك فإن الشخص المقصود في النبوءة سيكون (أباً أبدياً).. هذه هي لغة اليهود وهكذا المقصود من كلامهم. فلا يمكننا ببساطة أن نقوم بتفسير العدد بعيداً عن التراث و العادات و البناء اللفظي للناس الذين كتبوه. يجب علينا دائماً أن نتوخى الحذر عند “ترجمة” مثل هذه الأعداد لكي نتأكد من ترجمتها بالمعنى الذي يقصده المؤلف و يفهمه شعبه.
أنني متأكد من أن الناس في عصرنا سيكونون مستائين تماماً لو قام أحدهم بكتابة جملة إلى أعز أصدقائه تقول ((إنك ملاك و أمير)) ثم بعد عدة قرون ينهض أحد المتحدثين باللغة اليابانية و يقول: ((أنظروا.. لقد شهد المؤلف بأنه صديقه هو مخلوك سماوي بأجنحة قد نزل إلى الأرض ثم أصبح ملكياً. إنه يقول هذا هنا في منتهى الوضوح!)).
حسنٌ، هل كان كل هذا محاولة شخصية مني لأحرف الأعداد و أتلاعب بمعانيها؟ أبداً البتة. الكثير من علماء المسيحية قد عرفوا و أدركوا المعنى الحقيقي لهذا العدد و قاموا بترجمته للغة الإنجليزية وفقاً لذلك، إلا أن ترجماتهم لم تقابل بالحماس و الانتشار اللائق و لم يكن لها تلك الشعبية كتلك التي حازت عليها باقي الترجمات كنسخة الملك جيمس. فعلى سبيل المثال قام السيد بويس سميث (J. M. Powis Smith) في نسخته لترجمة كامل الكتاب المقدس باللغة الأمريكية (The Complete Bible, an American Translation) – قام بترجمة نفس العدد كالتالي:
لأنه يولد لنا ولد و يعطا لنا ابن و تكون الرئاسة على كتفه. و سيكون اسمه ((مستشارٌ رائعٌ هو الله القدير ، آباً أبدياً أميراً للسلام)).
“For a child is born to us, a son is given to us; And the government will be upon his shoulder; And his name will be called ‘Wonderful counselor is God Almighty, Father forever, Prince of peace’”
“The Complete Bible, an American Translation,” Isaiah 9:6
و مرة أخرى، لو قرأنا ترجمة مسيحي آخر مثل الدكتور جيمس موفات Dr. James Moffatt فإننا سنجد أنه في ترجمته ((الكتاب المقدس متصمناً العهد القديم و العهد الجديد – The Holy Bible Containing the Old and New Testaments)) أن نفس العدد قد ترجم كالآتي:
لأنه قد وُلد لنا ولد و أعطي لنا ولد، يلبس الجلال الملكي، و يحمل هذا اللقب ((مستشارٌُ رائعٌ، بطلٌ إلهيٌّ، أبٌ لكل الأزمان، أميرٌ محبٌ للسلام)).
“For a child has been born to us, a child has been given to us; the royal dignity he wears, and this the title he bears – ‘A wonder of a counselor, a divine hero, a father for all time, a peaceful prince’”
“The Holy Bible Containing the Old and New Testaments” Isaiah 9:6
(1-2-3-12) ماذا كان يعتقد شعب عيسى عنه؟:
إذاً، إن كان شعب عيسى (عليه السلام) يعتبرون أن الله هو “أباهم”، فماذا كانوا يعتبرون عيسى؟ و للإجابة على هذا السؤال دعونا نقرأ العدد:
وأرادَ أنْ يَقتُلَهُ، فخافَ مِنَ الشَّعبِ لأنَّهُم كانوا يَعدُّونَهُ نَبـيًّا.
الكتاب المقدس – متى 14: 5
قارن العدد السابق مع العدد التالي:
وإنْ قُلنا مِنَ النّاسِ، نَخافُ الشَّعبَ، لأنَّهُم كُلَّهم يَعُدٌّون يوحنَّا نبـيًّا.
الكتاب المقدس – متى 21: 26
فأجابَتِ الجُموعُ: ((هذا هوَ النَّبـيُّ يَسوعُ مِنْ ناصرةِ الجليلِ)).
الكتاب المقدس – متى 21: 11
فأرادوا أن يُمسكوهُ، ولكنَّهُم خافوا مِنَ الجُموعِ لأنَّهُم كانوا يَعُدُّونَهُ نَبـيًّا.
الكتاب المقدس – متى 21: 46
فقالَ يَسوعُ: ((ماذا حدَثَ؟)) قالا لَه: ((ما حدَثَ ليَسوعَ النـّاصريِّ وكانَ نَبـيًّا قَديرًا في القولِ والعَمَلِ عِندَ اللهِ والشَّعبِ كُلِّهِ،))
الكتاب المقدس – لوقا 24: 19
قالَتِ المَرأةُ: ((أرى أنَّكَ نَبِـيٌّ، يا سيِّدي!))
الكتاب المقدس – يوحنا 4: 19
فلمَّا رأى النّـاسُ هذِهِ الآيةَ الّتي صنَعَها يَسوعُ قالوا: ((بالحقيقَةِ، هذا هوَ النَّبِـيُّ الآتي إلى العالَمِ! ))
الكتاب المقدس – يوحنا 6: 14
فقالَ كَثيرونَ مِمَّنْ سَمِعوا كلامَ يَسوعَ: ((بالحقيقةِ هذا هوَ النَّبـيُّ)).
الكتاب المقدس – يوحنا 7: 40
فسَيطَرَ الخَوفُ على الجَميعِ، وقالوا وهُم يُمَجِّدونَ اللهَ: ((ظهَرَ فينا نَبِـيٌّ عظيمٌ، وتَفَقَّدَ اللهُ شَعبَهُ!))
الكتاب المقدس – لوقا 7: 16
وقالوا أيضًا للأعمى: ((أنتَ تَقولُ إنَّهُ فتَحَ عينَيكَ، فما رَأيُكَ فيهِ؟)) فأجابَ: ((إنَّهُ نَبِـيٌّ!))
الكتاب المقدس – يوحنا 9: 17
فماذا قال عيسى عن نفسه؟ لنقرأ سويةً:
ولكنِّي (عيسى) يَجِبُ أنْ أسيرَ في طَريقي اليومَ وغدًا وبَعدَ غدٍ، لأنَّهُ لا يَجوزُ أنْ يَهلِك نَبِـيٌّ في خارِجِ أُورُشليمَ.
الكتاب المقدس – لوقا 13: 33
ورَفَضوهُ. فقالَ لهُم يَسوعُ: ((لا نبـيَّ بِلا كرامةٍ إلاّ في وَطَنِهِ وبَيتِهِ)).
الكتاب المقدس – متى 13: 57
فقالَ لهُم يَسوعُ: ((لا نَبِـيَّ بلا كرامةٍ إلاَّ في وطَنِهِ وبَينَ أقربائِهِ وأهلِ بَيتِهِ)).
الكتاب المقدس – مرقس 6: 4
وقالَ لهُم: ((الحقَّ أقولُ لكُم: لا يُقبَلُ نَبِـيٌّ في وَطَنِهِ.))
الكتاب المقدس – لوقا 4: 24
وبَعدَ يومَينِ ذهَبَ يَسوعُ إلى الجليلِ، مَع أنَّهُ هوَ الّذي قالَ: ((لا كرامةَ لِنَبـيٍّ في وطَنِهِ)).
الكتاب المقدس – يوحنا 4: 43-44
إن هذا ما يؤكد عليه القرآن الكريم مرة أخرى:
وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءهُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ (6)
القرآن الكريم – الصف
(1-2-3-13) هل الله بشر؟ :
نقرأ في الكتاب المقدس:
ليسَ اللهُ بإنسانٍ فيَكذِبَ،ولا كبَني البشَرِ فيَندَمَ. أتَراهُ يقولُ ولا يفعَلُ،أو يتَكلَّمُ ولا يُتَمِّمُ كلامَهُ؟
الكتاب المقدس – العدد 23: 19
(1-2-3-14) هل يصلي الله لنفسه؟ :
هل الله يصلي؟ لنقرأ في الكتاب المقدس:
فقالَ لِتلاميذِهِ: ((اَقعُدوا هُنا، بَينَما أنا أُصَلِّي)).
الكتاب المقدس – مرقس 14: 32
ولمَّا تَعمَّدَ الشَّعبُ كُلُّهُ، تَعمَّدَ يَسوعُ أيضًا. وبَينَما هوَ يُصَلِّي اَنفَتَحَتِ السَّماءُ.
الكتاب المقدس – لوقا 3: 21
وفي تِلكَ الأيّامِ صَعِدَ إلى الجبَلِ ليُصلِّيَ، فقَضى اللَّيلَ كُلَّهُ في الصَّلاةِ للهِ.
الكتاب المقدس – لوقا 6: 12
ووقَعَ في ضِيقٍ، فأجهَدَ نَفسَهُ في الصَّلاةِ، وكانَ عَرَقُهُ مِثلَ قَطَراتِ دَمِ تتَساقَطُ على الأرض.
الكتاب المقدس – لوقا 22: 44
واَبتَعَدَ عنهُم قَليلاً واَرتَمى على وجهِهِ وصلَّى فَقالَ: ((إنْ أمكَنَ يا أبـي، فلْتَعبُرْ عنِّي هذِهِ الكأسُ. ولكن لا كما أنا أُريدُ، بل كما أنتَ تُريدُ)).
الكتاب المقدس – متى 26: 39
وهوَ الّذي في أيّامِ حياتِهِ البَشَرِيَّةِ رفَعَ الصَّلَواتِ والتَّضَرُّعاتِ بِصُراخٍ شَديدٍ ودُموعٍ إلى اللهِ القادِرِ أنْ يُخلِّصَهُ مِنَ المَوتِ، فاستَجابَ لَه لِتَقواهُ.
الكتاب المقدس – الرسالة إلى العبرانيين 5: 7
كل هذه الأعداد لا تقول عن عيسى أنه كان “يتأمل” أو “يستشفع” أو “يعاشر” أو “يستشير” بل كان يصلي!!. ولكن لمن؟ يصلي لنفسه؟ لوجه آخر من شخصيته؟ أليس لعيسى “نفس جوهر” الله و أنهم جميعاً ثالوث واحد؟ إن كان لعيسى “جوهر” مختلف عن الله فإن هذا يعني أنه لا وجود إلا لإله واحد في الوجود، وكنا قد عرضنا مباشرة لتونا الأعداد تلو الأعداد الصريحة من الكتاب المقدس و التي تؤكد جميعها بأنه كان منذ الأزل و سيبقى إلى الأبد إله واحد فقط.
بالإضافة إلى ذلك، فإن الكتاب المقدس يصف عيسى (عليه السلام) و التلاميذ بشكل مستمر وهم “يرتمون على وجوههم و يصلون” و التي تماثل الكيفية التي يصلي فيها المسلمون اليوم (أنظر الجزء 5-6). إن المسلمين يصلون بنفس الطريقة التي صلى بها عيسى (عليه السلام). هل رأيتم في حياتكم مسيحياً واحداً “يرتمي على وجهه” و يصلي لله كما يفعل عيسى (عليه السلام) و محمد ( ) وجميع المسلمين؟
يقول السيد توم هاربر Tom Harpur :
“في الحقيقة، مالم نكن مهيئين للاعتقاد بأن توجهه في صلاته (أي عيسى) إلى الله كان مجرد خدعة من أجل سمونا الروحي و أنه كان يضرب لنا المثل لا غير، فإنه من المستحيل التمسك بالتعليم الأرثوذوكسي بأن عيسى كان هو الله فعلاً يمشي بيننا على هيئة بشر و أنه الأقنوم الثاني للثالوث المقدس. إن مفهوم الصلاة الربانية – ناهيكم عن أنها صلاة إلى نفسه – إنما هو مفهوم مبهم بالنسبة لي. إن القول ببساطة بأن ذلك كان الوجه البشري (الناسوت) لعيسى يتحدث مع الله الآب – بعيداً عن طبيعته الإلهية كإبناً لله – إنما ذلك يثبت نوعاً من انفصام الشخصية و الذي يتنافى مع الإيمان بالناسوت التام لعيسى”
من أجل المسيح، ص 42-43
For Christ’s Sake, pp. 42-43
فكر ملياً في الأمر! عندما قيل لنا أن عيسى كان في البستان يتضرع بشدة و يتوسل إلى الله راجياً ان ينقذه و يقول: ((فلْتَعبُرْ عنِّي هذِهِ الكأسُ)) و أيضاً : ((إلهي، إلهي، لماذا تَركتَني؟)) …إلخ. فإن الأسئلة التالية تطرح نفسها:
- هل كان كل ذلك عرضاً مسرحياً من أجلنا؟
- إن لم يكن الأمر كذلك، و لأنه يوجد إله واحد، و أن عيسى و الله هم إله واحد، فهل كان عيسى يصلي إلى نفسه؟!! لماذا؟!!
لقد أجابنا الله عن ذلك في القرآن الكريم منذ أكثر من /1400/ سنة مضت، و ذلك في قوله:
وَمِنَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُواْ حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللّهُ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ (14) يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِّمَّا كُنتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ قَدْ جَاءكُم مِّنَ اللّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ (15) يَهْدِي بِهِ اللّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ وَيُخْرِجُهُم مِّنِ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (16) لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَآلُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَن يَمْلِكُ مِنَ اللّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ أَن يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَن فِي الأَرْضِ جَمِيعًا وَلِلّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (17) وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاء اللّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُم بِذُنُوبِكُم بَلْ أَنتُم بَشَرٌ مِّمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَن يَشَاء وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاء وَلِلّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (18) يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِّنَ الرُّسُلِ أَن تَقُولُواْ مَا جَاءنَا مِن بَشِيرٍ وَلاَ نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءكُم بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (19)
القرآن الكريم – المائدة
(1-2-3-15) عيسى هو عبد الله :
كل البشر هم عباد الله. إن كان كان لبشر أن يملكوا بعضهم البعض لكان المملوك عبداً للمالك، ولكان هذا العبد بالتأكيد أقل منزلة من أولاد المالك (أو من المالك نفسه). لا نجد عادةً أن الناس يقولون لأولادهم (أو لأنفسهم): [تعال إلى هنا يا عبدي] أو أن يقولوا لهم [إذعب إلى هناك يا عبدي]. فلنقارن ذلك مع الذي يقوله الله عن عيسى (عليه السلام) في الكتاب المقدس:
- هُوَذا عَبْدِيَ الَّذي اختَرتُه. [متى 12: 18]
- إِنَّ إِلهَ إِبراهيمَ وإِسحقَ ويَعْقوب، إِلهَ آبائِنا، قد مَجَّدَ عَبدَه يسوع. [أعمال الرسل 3: 13]
- تحالَفَ حَقًّا في هذهِ المَدينةِ هِيرودُس وبُنْطيوس بيلاطُس والوَثَنِيُّونَ وشُعوبُ إِسرائيلَ على عَبدِكَ القُدُّوسِ يسوعَ الَّذي مَسَحتَه.. [أعمال الرسل 4: 27]
((أود الإشارة إلى أن هذه الأعداد مأخوذة من الترجمة الكاثوليكية، أما كلاً من الترجمة العربية المشتركة و ترجمة فاندياك فقد خالفت هذه الترجمة من حيث اختيار كلمة “عبدي” وهذا ما سنراه في السطور القليلة التالية))
إن الكلمة اليونانية المستخدمة هي “pias” أو “paida” و التي تعني [عبد، ابن ، خادم]. بعض تراجم الكتاب المقدس باللغة الانكليزية – مثل نسخة الملك جيمس الشهيرة – قامت بترجمة هذه الكلمة على أنها “ابن” عندما كانت تخص عيسى (عليه السلام)، بينما ترجمتها على أنها “عبد” لمن دون ذلك ((حالها كحال الترجمة العربية المشتركة و ترجمة فاندياك))، و في الوقت ذاته نجد أن الترجمات الحديثة للكتاب المقدس باللغة الانكليزية – مثل النسخة القياسية المنقحة – قد قامت بترجمة الكلمة بأمانة على أنها “عبد”. كما سنرى في فصول لاحقة فإن النسخة القياسية المنقحة قام بتسطيرها اثنان و ثلاثون من علماء الإنجيل الأكثر رفعة يساندهم خمسون من الطوائف المسيحية المساعدة معتمدين في ذلك على أقدم المخطوطات اليدوية للكتاب المقدس الموجودة في أيامنا هذه. فبغض النظر عن الكنيسة أو الطائفة الدينية التي تنتمي إليها، فإنها قد شاركت في تنقيح و تصحيح نسخة الملك جيمس للكتاب المقدس و أنتجت النسخة القياسية المنقحة.
إن هذه الحقيقة قد أكد عليها عيسى في كل من الكتاب المقدس و القرآن الكريم، حيث يشهد في كليهما أنه ليس إلا عبداً لله حاله كحال المسلمين المخلصين:
لأنِّي ما تكَلَّمْتُ بشيءٍ مِنْ عِندي، بَلِ الآبُ الّذي أرسَلني أَوصاني بِما أقولُ وأتكَلَّمُ. أنا أعرِفُ أنَّ وصيَّتَهُ حياةٌ أبديَّةٌ. فالكلامُ الّذي أقولُهُ أقولُهُ كما قالَهُ ليَ الآبُ.
الكتاب المقدس – يوحنا 12: 49-50
فقالَ لهُم: ((متى رفَعتُمُ اَبنَ الإنسانِ عَرَفْتُم أنِّي أنا هوَ، وأنِّي لا أعمَلُ شيئًا مِنْ عِندي ولا أقولُ إلاَ ما عَلَّمَني الآبُ. والآبُ الّذي أرسَلَني هوَ مَعي وما تَركني وَحدي، لأنِّي في كُلِّ حينٍ أعمَلُ ما يُرضيهِ)).
الكتاب المقدس – يوحنا 8: 28-29
نقرأ في القرآن الكريم:
لَّن يَسْتَنكِفَ الْمَسِيحُ أَن يَكُونَ عَبْداً لِّلّهِ وَلاَ الْمَلآئِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَن يَسْتَنكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيهِ جَمِيعًا (172) فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزيدُهُم مِّن فَضْلِهِ وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنكَفُواْ وَاسْتَكْبَرُواْ فَيُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا أَلُيمًا وَلاَ يَجِدُونَ لَهُم مِّن دُونِ اللّهِ وَلِيًّا وَلاَ نَصِيرًا (173)
القرآن الكريم – النساء
إن نفس الكلمة اليونانية “pias” منسوبة إلى يعقوب (إسرائيل) في العدد [لوقا 1: 54] نجدها قد تُرجمت إلى “عبد”: [أعانَ عَبدَهُ إِسرائيلَ فتَذكَّرَ رَحمتَهُ..]، و كذلك الحال بالنسبة للملك داوود في العدد [لوقا 1: 69] فقد ترجمت على أنها “عبد”: [فأقامَ لنا مُخَلِّصًا قَديرًافي بَيتِ عَبدِهِ داودَ] و في العدد [أعمال الرسل 4: 25] ترجمت على أنها “عبد”: [أنتَ قُلتَ بلِسانِ أبـينا داوُدَ عَبدِكَ..]. إلا أنه عندما تنسب الكلمة إلى عيسى كما في الأعداد [أعمال الرسل 3: 13]،[أعمال الرسل 4: 27] فإنها الآن ترجمت على أنها “ابن – Son” ((لاحظ أنها لم تترجم في اللغة الانكليزية على أنها “son” بل بالحرف الكبير “Son”)). لماذا هذه الازدواجية في المعايير؟ لماذا يستخدم تقنيات غير أمينة في الترجمة؟
((أود الإشارة إلى أن الترجمة العربية المشتركة و ترجمة فاندياك اتبعت نفس الازدواجية في الترجمة فعندما يكون الحديث عن عيسى تترجم الكلمة إلى “إبن – فتى” أما عندما يكون الحديث عن دونه فإنها تترجم على أنها “عبد”))
وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُم بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ(78)
القرآن الكريم – آل عمران
(1-2-3-16) هل لله إله ؟:
نقرأ في الكتاب المقدس:
فقالَ لها يَسوعُ: ((… أنا صاعِدٌ إلى أبـي وأبـيكُم، إلهي وإلهِكم)).
الكتاب المقدس – يوحنا 20: 17
إن الله ليس آباً لعيسى فقط، بل هو إلهه أيضاً! فكر في ذلك ملياً. ثم لاحظ كيف أن عيسى يساوي بينه و بين سائر البشر في مثل هذه الأمور و لا يساوي بينه و بين الله. إن يحاول التوضيح قدر المستطاع بأنه واحد منا و ليس إلهاً. لماذا لم يكتفي بالقول: ((أنا صاعِدٌ إلى أبـي وأبـيكُم))!؟ لماذا شعر عيسى بأنه من الضروري إضافة هذه الكلمات: ((إلهي وإلهِكم))؟ ما هي تلك الفكرة الإضافية التي يحاول عيسى أن يوصلها إلينا بهذه الكلمات الإضافية؟ فكر في هذا ملياً!
إقرأ أيضاً الأعداد التالية للمزيد من الإثبات على لسان عيسى بأن له إله:
The God and Father of our Lord Jesus Christ, which is blessed for evermore, knoweth that I lie not.
اَللَّهُ أَبُو رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، الَّذِي هُوَ مُبَارَكٌ إِلَى الأَبَدِ، يَعْلَمُ أَنِّي لَسْتُ أَكْذِبُ.
((مرة أخرى نرى الترجمة الخاطئة للعدد أعلاه من نسخة الملك جيمس، حيث تم ترجمته في كلاً من الترجمة العربية المشتركة و ترجمة فاندياك و الترجمة الكاثوليكية كما هو أعلاه.. أما الترجمة الصحيحة للعدد فهي: إله و آب سيدنا (ربنا) يسوع المسيح ..و الفرق واضح بين المعنيين ))
الكتاب المقدس – كورنثوس الثانية 11: 31
كَيْ يُعْطِيَكُمْ إِلَهُ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، أَبُو الْمَجْدِ، رُوحَ الْحِكْمَةِ وَالإِعْلاَنِ فِي مَعْرِفَتِهِ،
الكتاب المقدس – أفسس 1: 17
Blessed be the God and Father of our Lord Jesus Christ…
مُبَارَكٌ اللهُ أَبُو رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ،
((وهنا أيضا وقعوا في نفس الخطأ في الترجمات العربية كما هو واضح أعلاه.. و الترجمة الصحيحة للعدد هي: مبارك إله و آب سيدنا (ربنا) يسوع المسيح))
الكتاب المقدس – أفسس 1: 3
Blessed be the God and Father of our Lord Jesus Christ…
تَبارَكَ الله أبو رَبِّنا يَسوعَ المَسيحِ…
((وهنا نجد أيضاً الترجمة الخاطئة في الترجمات العربية. أما الصحيح فهو: تبارك إله و آب سيدنا (ربنا) يسوع المسيح))
الكتاب المقدس – بطرس الأولى 1: 3
لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُواْ اللّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ (72)
القرآن الكريم – المائدة
(1-2-3-17) هل الله أعظم من نفسه ؟:
حسنٌ، إن كان عيسى و الله إلهين منفصلين و كان إله منهم أعظم من الآخر [يوحنا 14: 28 – الآبَ أَعظَمُ مِنِّي] فإن ذلك يتعارض مع بعض الأعداد مثل:
أنتُم شُهودي يقولُ الرّبُّ، ذُريَّةُ عبدي الذي اَختَرْتُهُ لأنَّكُم عَلِمتُم وآمَنتُم بي وفَهِمتُهم أنِّي أنا هوَ. ما كانَ مِنْ قَبلي إلهٌ ولن يكونَ مِنْ بَعدي! فأنا أنا الرّبُّ، ولا مُخلِّصَ غَيري.
إشعياء 43: 10-11
كما أنه يتعارض بشدة مع تعريف “الثالوث المقدس” (أنظر القسم 2-2-5) و الذي يتضمن “المجد المتساوي Co-equality” في تعريفه (أنظر القسم 2-2-8).
ولكن إن لم يكن هنالك إلهين اثنين منفصلين بل إله واحد كما يقول أتباع الثالوث (أمثال السيد جيه)، فهل كان عيسى يصلي لنفسه؟ هل كان عقله – ولو للحظة واحدة – يصلي لروحه؟ ولماذا؟!
(1-2-3-18) أمور أخرى للتأمل:
الحَقَّ أَقولُ لَكم: لم يَظهَرْ في أَولادِ النِّساءِِ أَكبَرُ مِن يُوحَنَّا المَعمَدان.[الكتاب المقدس – متى 11: 11]
ولا حتى عيسى؟! إن عيسى (عليه السلام) ولد من إمرأة!
كَيفَ يَكونُ الإِنْسانُ بارًّا لَدى الله أَو مَولودُ المَرأَةِ طاهِرًا؟[الكتاب المقدس – أيوب 25: 4]
مرة أخرى، عيسى (عليه السلام) ولد من إمرأة، فهل نطبق هذا العدد عليه؟ مالم يتدخل المسلمون في ذلك!
(1-2-3-19) هل كان الله جاهلاً و بدائياً :
إن الكتاب المقدس يصف عيسى (عليه السلام) كالتالي:
وكانَ يَسوعُ يَنمو في القامَةِ والحِكمَةِ والنِّعمَةِ عِندَ اللهِ والنّـاسِ.
الكتاب المقدس – لوقا 2: 52
وتعَلَّمَ الطّاعَةَ، وهوَ الابنُ، بِما عاناهُ مِنَ الألَمِ.
الكتاب المقدس – العبرانيين 5: 8
لو كان عيسى هو الله، ولم يكن هو و الله إلهين منفصلين، فهل بدأ الله كإله جاهل و بدائي ثم أصبح إلهاً عليماً (ينمو في الحكمة) وذو هيبة (ينمو في القامة)؟ هل على الله أن يتعلم؟ هل يبدأ الله كبدائي ثم ينمو في القامة؟ هل الله بحاجة إلى أن يتعلم طاعة الله؟ وهل يزداد الله نعمة عند نفسه؟ إن كان هنالك إله واحد في الوجود وكان هذا الإله عبارة عن “ثالوث مقدس” بثلاثة أقانيم: الله (الآب) و عيسى و الروح القدس – وهذا ما يقتضيه العدد [إشعياء 43: 10-11] وغيره من الأعداد الهائلة – فهل كان عيسى يتعلم طاعة أقنوم آخر من شخصه؟
إن كان الله و عيسى و الروح القدس هم إله واحد – كما يقال لنا – و إن كان الله قد تنازل عن بعض الصفات الإلهية و أصبح رجلاً، فهل تنازل أيضاً عن علمه فأصبح جاهلاً و عن مكانته فأصبح بدائياً؟ هل كان عليه أن يعيد بناء علمه و مكانته من الصفر؟ إن ذلك يقودنا إلى سؤال آخر: إن كان بمقدور عيسى (عليه السلام) أن يتغير من حال إلى حال و بالتالي يزداد في الحكمة (1) و القامة (2) و النعمة عند الله (3) و النعمة عند الناس (4)، فإن هذا يعني أنه ليس بمقدوره أن يكون إلهاً ولا بأي شكل من الأشكال حيث أن أحدى صفات الله العلي أنه لا يتغير من حيث الشكل أو الهيئة أو أي شيئ آخر:
فأنا الرّبُّ لا أتغيَّرُ، ولا أنتُم يا بَني يَعقوبَ تكلُّونَ.
الكتاب المقدس – ملاخي 3: 6
ماذا يمكننا أن نتعلم أيضا من الكتاب المقدس؟ لنقرأ سويةً:
إلهُ آبائِنا أقامَ يَسوعَ الّذي عَلَّقتُموهُ على خَشَبةٍ وقَتَلْتُموهُ. فهوَ الذي رَفَعَهُ اللهُ بِـيمينِهِ وجَعلَهُ رَئيسًا ومُخلِّصًا ليَمنَحَ شَعبَ إِسرائيلَ التَّوبَةَ وغُفرانَ الخطايا.
الكتاب المقدس – أعمال الرسل 5: 30
إن كان عيسى (عليه السلام) هو الله، ألا يكون ذلك “تمجيداً” له بأن يصبح “رئيساً” أو “مخلصاً”؟ هل “يمجد” الله نفسه من أن يكون “مجرد” إله ليصل إلى المستوى الجديد الرفيع فيكون “رئيساً” و “مخلصاً”؟
يقول السيد توم هاربر Tom Harpur:
“في الحقيقة، إن قرأت الإنجيل الذي كتبه مرقس كاملاً و بعناية فإنك ستجد أن التلاميذ كانوا بعيدين كل البعد عن إدراك الإلوهية التي نسبت إلى عيسى لاحقاً. إن الأشخاص الذين يفترض أن يكونوا الأكثر قدرة على التمييز في هذا “الالتباس” قد وُصفوا بأنهم بليدي الذهن و أغبياء بكل معنى الكلمة… يعتقد العلماء أن مرقس قد حرص على إظهار التلاميذ في مظهر سيء نوعاً ما لأنه كان مدراكاً لوجود مشكلة خطيرة. إن كان عيسى هو ابن الله في نهاية المطاف – وفقاً للمفهوم الأورثوذكسي – فكيف كان أصحابه المقربين – وهم شهود معجزاته و أمناء أعمق تعاليمه – غير مدركين أبداً من هو حتى وقت متأخر من قيامته؟”
من أجل المسيح، ص 59
For Christ’s Sake, pp. 59
تذكر بأن أكثر علماء المسيحية اليوم أدركوا أن مؤلفي إنجيل متى و لوقا قد استخدموا “إنجيل مرقس” كمصدر لهم يسترشدون به في طرح موادهم.
يقول معجم مفسري الكتاب المقدس (Interpreter’s Dictionary of the Bible) فيما يتعلق بإنجيل لوقا:
“إن استخدام المبشرين لإنجيل مرقس أمر مفروغ منه. إنه أحد المصادر الأساسية و غالباً ما كان يستعين به (أي لوقا يستعين بإنجيل مرقس) لتقديم الإطار العام لإنجيله (أي إنجيل لوقا)… لقد استعان لوقا بمرقس إلى حد كبير من الولاء لهذا المصدر على الرغم من الإضافات و التغييرات التي طرأت عليه. يبرر المعلقون هذا التردد (في الاعتراف بأن لوقا قد نسخ من مرقس) بقولهم في أماكن أخرى من الأناجيل أنه من الضرورة بمكان وصف ما ذكره لوقا على أنه ((إعادة صياغة)) أو ((نسخة منقحة بشكل جوهري)) لإنجيل مرقس.”
معجم مفسري الكتاب المقدس، العدد 3، ص 184 – مطابع أبينغدون
Interpreter’s Dictionary of the Bible, Vol. 3, p. 184, Abingdon Press
نفس الأشخاص الذين ألفوا هذا المعجم، تجدهم يقولون فيما يخص إنجيل متى:
“متى هو أول الأناجيل وفقاً للترتيب التقليدي، إلا أنه من غير الضروري أن يكون الأول في الترتيب الزمني. هنالك سبب جيد يدفعنا للقول بأن متى كان أحد الأناجيل اللاحقة عوضاً عن كونه أولها. لقد حافظ العرف على أقدمية إنجيل متى، كما أن كون إنجيل متى هو أول كتب العهد الجديد قد دعم بدوره هذا العرف – أو على الأقل فقد حافظ على قبول الرأي العام له بأنه أقدم الأناجيل. إلا أنه و بكل تأكيد فإن إنجيل متى كُتب بعد إنجيل مرقس الذي كان أساساً لإنجيل متى كما هو حال إنجيل لوقا… وحسب الدلائل الداخلية فإنه على الأرجح قد تم كتابة الأناجيل وفق الترتيب التالي: مرقس – متى – لوقا – يوحنا. كما أن هذه الاحتمالية المبنية على النقد الأدبي يؤكدها علم الآثار..”
معجم مفسري الكتاب المقدس، العدد 3، ص 302 – مطابع أبينغدون
Interpreter’s Dictionary of the Bible, Vol. 3, p. 302, Abingdon Press
في موسوعة جرولير (Grolier’s encyclopedia) و تحت عنوان ((الإنجيل وفق رواية مرقس)) نقرأ التالي:
“مرقس هو الإنجيل الثاني في العهد الجديد للكتاب المقدس. إنه أقدم و أقصر الأناجيل الأربعة… الكثير من المواضيع في مرقس تكررت في متى و لوقا، والذي دفع أغلب العلماء لاستنتاج أن مرقس قد كُتب أولاً و تم استخدامه بشكل مستقل من قبل المؤلفين الآخرين”
حسنٌ إذاً، ماهو المنظور الإسلامي في كل هذا؟ إن الإسلام يعلمنا بأن الله ليس مضطراً أن يذل نفسه حتى يظهر حبه و رحمته للبشرية، بل يحتفظ بعظمته و جلاله و ملكه ثم يسمو بالبشرية.
…يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (11)
القرآن الكريم – المجادلة
مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُوْلَئِكَ هُوَ يَبُورُ (10)
القرآن الكريم – فاطر
(1-2-3-20) لابد أن يكون هو الله و إلا فلن يتم إنقاذنا:
ستقول لنا الكنيسة بأنه لابد أن يكون عيسى (عليه السلام) ابن الله و أنه مات على الصليب تكفيراً للخطيئة الأصلية و قرباناً عظيماً، وإلا فإنه مقدرٌ لنا جميعاً أن نذهب إلى الجحيم. وفقاً لما علمهم بولس [وما مِنْ مَغفِرَةٍ بِغَيرِ إراقَةِ دَمٍ – العبرانيين 9: 22]. لذا دعونا ندرس إدعاء بولس هذا:
إن كانت خطيئة رجل واحد يمكن أن تجعل كل البشر خاطئين كما يزعم العدد [والخَطيئَةُ دَخَلَتْ في العالَمِ بإنسانٍ واحدٍ، وبالخَطيئَةِ دخَلَ الموتُ. وسَرى الموتُ إلى جميعِ البشَرِ لأنَّهُم كُلَّهُم خَطِئوا – رومية 5: 12] عندها:
- كل الأطفال حديثي الولادة آثمون منذ ولادتهم و خلاصهم يتوقف على “قبولهم اللاحق لتضحية سيدهم و تعميدهم”. أما الآخرون فإنهم يبقون ملطخين بالخطيئة الأصلية و مقدر لهم الهلاك. و حتى يومنا هذا، فإن الأطفال الرضع غير المعمدين لا يتم دفنهم في التراب المقدس لأنه يُعتقد أنهم ماتوا على الخطيئة الأصلية. يقول القديس أغسطن Saint Augustine بنفسه:
“لا يوجد أحد بلا خطيئة ولو كانت حياته ليوم واحد فقط”
قاموس التقاليد الإنجيلية في الأدب الإنكليزي، ص 577
A dictionary of Biblical tradition in English literature, p.577
إلا إن هذا يتناقض مع أقوال عيسى نفسه:
فقالَ يَسوعُ: ((دَعُوا الأطفالَ يأْتُونَ إليَّ ولا تَمنَعوهُم، لأنَّ لأمثالِ هؤلاءِ مَلكوتَ السَّماواتِ)).
الكتاب المقدس – متى 19: 14 و انظر أيضاً الأعداد: [مرقس 10: 14]،[لوقا 18: 16]
إذاً فإن عيسى (عليه السلام) يخبرنا بنفسه بأن الأطفال قد ولدوا بلا خطيئة و مقدر لهم الملكوت بلا قيد أو شرط. بمعنى أنه لا يولد أحد ملطخ بخطيئة أصلية، وهذا ما يوافق تعاليم الإسلام مرة أخرى. إن الإسلام يعلمنا أنك مقدر لك الخلاص من يوم ولادتك. هذا هو جزاؤك إن لم ترفض هذه النعمة و تصر على معصية الله.
- آلاف السنين مرت منذ عهد الأنبياء السابقين (موسى، إبراهيم، يعقوب، نوح…إلخ) و شعوبهم حكم عليهم جميعاً أن يحرموا من الخلاص الحقيقي لأن عيسى ببساطة – “ابن الله” المزعوم – قد وصل متأخراً لإنقاذهم. بمعنى أن الخطيئة قد ألصقت بهم قسراً عليهم من قبل آدم كما في العدد [وكما يَموتُ جميعُ النّاس ِ في آدمَ، فكذلِكَ هُم في المَسيحِ سَيحيَوْنَ – كورنثوس الأولى 15: 22] و حرموا من التكفير عنها بسبب وصول عيسى المتأخر بعد موتهم كما في العدد [ولكنَّنا نَعرِفُ أنَّ اللهَ لا يُبَرِّرُ الإنسانَ لأنَّهُ يَعمَلُ بأحكامِ الشَّريعَةِ، بَلْ لأنَّهُ يُؤمِنُ بيَسوعَ المَسيحِ – غلاطية 2: 16]. يقول بولس:
غَيرَ أنَّ الموتَ سادَ البشَرَ مِنْ أيّامِ آدمَ إلى أيّامِ موسى، حتّى الّذينَ ما خَطِئوا مِثلَ خَطيئَةِ آدمَ. وكانَ آدمُ صُورَةً لِمَنْ سيَجيءُ بَعدَهُ. [الكتاب المقدس – رومية 5: 14]
فلَو نالَ إِبراهيمُ البِرَّ بِالأَعمال لَكانَ لَه سَبيلٌ إِلى الاِفتِخار بِذلك, ولكِن لَيسَ عِندَ الله. [الكتاب المقدس – رومية 4: 2]
فلو أن عيسى قد وصل فور ارتكاب آدم لخطيئته و ليس بعد آلاف الأجيال لكان من الممكن لهذه الأجيال أن يمنحوا الخلاص الحقيقي (كحال هذا الجيل).
هل وعظ بـ”الصلب” إبراهيم أو أي من الأنبياء الآخرين ولو لمرة واحدة؟ هل دعوا إلى “الثالوث المقدس”؟ إني أطالب بكلمات واضحة و حاسمة وليس تفاسير شخصية أقحمت في كلامهم أو “معانٍ خفيةً” لكلامهم. إن لم تكن متأكداً من ذلك فلماذا لا نسأل اليهود الذين يقال أنهم قد نقلوا لنا ثلثي الكتاب المقدس دونما تبديل؟ هل كان أحد منهم يعبد “ثالوثاً مقدساً”؟ الكثير من الناس لا يكلفون أنفسهم بالتمعن في ذلك. طالما أنهم ذاهبون إلى الجنة، فما الفائدة في معرفة مصير الباقين؟
- أي حق كان لأنبياء الله خداع شعوبهم و إخبارهم بأنهم سيحصلون على الخلاص الأبدي و التكفير عن خطاياهم بمجرد الحفاظ على الوصايا العشرة؟ أي حق كان لهم في تعليمهم كل هذه الوصايا و أن يحافظوا على السَبَت و غير ذلك من التشدد إن كان كل عملهم لا قيمة له، و الطريق الوحيد للخلاص كان الإيمان بتضحية عيسى التي لم تحدث إلا بعد ألاف السنين من موتهم؟ أو كما قال بولس:
ومع ذلِك فنَحنُ نَعلَمُ أَنَّ الإِنسانَ لا يُبَرَّرُ بِالعَمَلِ بِأَحْكامِ الشَّريعة… فإِنَّه لا يُبَرَّرُ أَحَدٌ مِنَ البَشَرِ بِالعَمَلِ بِأَحْكامِ الشَّريعة.
الكتاب المقدس – غلاطية 2: 16
- فسر لنا العدد [حزقيال 18: 19-20] الذي يقول:
تسألونَ: لماذا لا يحمِلُ الابنُ إثْمَ أبيهِ؟ والجوابُ هوَ أنَّ الابنَ فعَلَ ما هوَ حَقًّ وعَدلٌ، وعمِلَ بِجميعِ فرائِضي، فهوَ لذلِكَ يحيا. النَّفسُ التي تَخطَأُ هيَ وحدَها تموتُ. الابنُ لا يحمِلُ إثْمَ أبيهِ، والأبُ لا يَحمِلُ إثْمَ ابنِهِ. الخيرُ يَعودُ على صاحبِهِ بالخيرِ، والشَّرُّ يعودُ على صاحبِهِ بالشَّرِّ.
إن هذا العدد موحىً به قبل أن يولد بولس بكثير و قبل مزاعمه حول “الخطيئة الأصلية” و “الفداء”. إن هذا العدد يصرح بوضوح بأن جميع البشر ليسوا مسؤولين أمام الله العلي عن خطيئة آدم.
لا يُقتَلُ الآباءُ بِخطيئةِ البَنينَ، ولا يُقتَلُ البَنونَ بِخطيئةِ الآباءِ. بل كُلُّ إنسانٍ بِخطيئتِهِ يُقتَلُ.
الكتاب المقدس – التثنية 24: 16
في تِلكَ الأيّامِ لا يُقالُ بَعدُ: الآباءُ أكَلوا الحِصرِمَ وأسنانُ البَنينَ تَضرَسُ، بل كُلُّ واحدٍ بِخطيئَتِهِ يموتُ، وكُلُّ إنسانٍ بِالحِصرِمِ الذي يَأكُلُهُ تَضرَسُ أسنانُهُ.
الكتاب المقدس – إرميا 31: 29-30
وقالَ ليَ الرّبُّ: ((ما بالُكُم تُردِّدونَ هذا المثَلَ في أرضِ إِسرائيلَ: الآباءُ أكلوا الحِصرمَ وأسنانُ البَنينَ ضَرِسَت؟ حَيًّ أنا، يقولُ السَّيِّدُ الرّبُّ، لن تُردِّدوا بَعدَ الآنَ هذا المثَلَ في إِسرائيلَ. فجميعُ النُّفوسِ هيَ لي: نفْسُ الأبِ ونفْسُ الابنِ، كِلتَاهُما لي. النَّفسُ التي تخطَأُ هيَ وحدَها تموتُ.((فإذا كانَ الإنسانُ صديقًا وعمِلَ ما هوَ حَقًّ وعَدل، وما عَبَدَ أصنامَ بَيتِ إِسرائيلَ ولا أكلَ مِنْ ذبائِحِها على الجبالِ، وما غرَّرَ اَمرأةَ قريبِهِ ولا ضاجعَ امرأةً طامِثًا، وما ظَلمَ أحدًا وردَ إلى المديونِ رهنَهُ، وما سرقَ وأعطى خبزَهُ للجائعِ وكَسا العُريانَ ثوبًا، وما أعطى بالرِّبى ولا أخذَ رِبحًا وكَفَ يَدَهُ عَنِ الإثمِ، وحكَمَ بالعَدلِ بَينَ النَّاسِ وسلَكَ في فرائضي وعمِلَ بأحكامي، فهوَ صدّيقٌ يستَحقُّ الحياةَ، يقولُ السَّيِّدُ الرّبُّ.
الكتاب المقدس – حزقيال 18: 1-9
مَنْ هُوَ إِلَهٌ مِثْلُكَ غَافِرٌ الإِثْمَ وَصَافِحٌ عَنِ الذَّنْبِ لِبَقِيَّةِ مِيرَاثِهِ! لاَ يَحْفَظُ إِلَى الأَبَدِ غَضَبَهُ فَإِنَّهُ يُسَرُّ بِـالرَّأْفَةِ.
الكتاب المقدس – ميخا 7: 18 ((ترجمة فاندياك – بسبب سوء الترجمة للعدد في باقي الترجمات))(1)
لا تُدَنِّسوا الأرضَ التي أنتُم فيها، لأنَّ الدَّمَ يُدَنِّسُ الأرضَ ولا يُكَفِّرُ عَنها الدَّمَ الذي سُفِكَ علَيها إلاَ بدَمِ سافكِهِ.
الكتاب المقدس – التثنية 35: 33
- يقول العدد [إشعياء 43: 11]: ((فأنا أنا الرّبُّ، ولا مُخلِّصَ غَيري)) كيف يكون عيسى هو المخلص إن كان الله بنفسه ينفي ذلك؟ تذكر بأننا لتونا طرحنا عقدية “التثليث” جانباً.
أنا اللهُ وليسَ إلهٌ آخرُ، أنا اللهُ ولا إلهَ مِثلي.
الكتاب المقدس – إشعياء 46: 9
والرّبُّ أراكُم ذلِكَ كُلَّهُ لتعلَموا أنَّهُ هوَ الإلهُ ولا إلهٌ سِواهُ.
الكتاب المقدس – التثنية 4: 35
اَنْظُروا الآنَ. أنا هوَ ولا إلهَ يَقِفُ أمامي.
الكتاب المقدس – التثنية 32: 39
لِتَعلَمَ جميعُ شعوبِ الأرضِ أنَّ الرّبَّ هوَ الإلهُ، ولا أحدَ سِواهُ.
الكتاب المقدس – الملوك الأول 8: 60
هل مِنْ إلهٍ غَيري؟ وهل مِنْ خالِقٍ ما عَلِمتُ بهِ؟
الكتاب المقدس – إشعياء 44: 8
أنا الرّبُّ ولا آخرَ، وسِوايَ لا يوجدُ إلهٌ. ألبَستُكَ وِشاحَ المُلْكِ وأنتَ لا تَعرِفُني.
الكتاب المقدس – إشعياء 45: 5
أمَا هوَ أنا الرّبُّ ولا آخرُ؟ لا إلهٌ غَيري، ولا إلهٌ عادِلٌ مُخلِّصٌ سِوايَ.
الكتاب المقدس – إشعياء 45: 21
تعالَوا إليَ تَخلُصوا يا جميعَ شُعوبِ الأرضِ! فأنا أنا اللهُ ولا آخرُ.
الكتاب المقدس – إشعياء 45: 22
- أجابَهُ يَسوعُ: مَنْ أحبَّني سَمِعَ كلامي فأحَبَّهُ أبـي، ونَجِـيءُ إلَيهِ ونُقيمُ عِندَهُ [يوحنا 14: 23]. إذا عَمِلتُم بِوصايايَ تَثبُتونَ في مَحَبَّتي، كما عَمِلتُ بوصايا أبـي وأثبُتُ في مَحبَّتِهِ [يوحنا 15: 10].
إذاً، ماذا كانت كلمات عيسى لنا؟
وأقبَلَ إليهِ شابٌّ وقالَ لَه: ((أيُّها المُعَلِّمُ، ماذا أعمَلُ مِنَ الصَّلاحِ لأنالَ الحَياةَ الأبدِيَّةَ؟)) فأجابَهُ يَسوعُ: ((لِماذا تَسألُني عمَّا هوَ صالِـحٌ؟ لا صالِـحَ إلاََّ واحدٌ. إذا أَرَدْتَ أنْ تَدخُلَ الحياةَ فاَعمَلْ بالوصايا.)) فقالَ لَه: ((أيَّ وصايا؟)) فقالَ يَسوعُ: ((لا تَقتُلْ، لا تَزْنِ، لا تَسرِقْ، لا تَشهَدْ بالزُّورِ، أكرِمْ أباكَ وأُمَّكَ، أحِبَّ قريبَكَ مِثلما تُحبُّ نَفسكَ.)) فقالَ لَه الشَّابُّ: ((عَمِلتُ بِهذِهِ الوصايا كُلِّها، فما يَعوزُني؟)) أجابَهُ يَسوعُ: ((إذا أردتَ أنْ تكونَ كامِلاً، فاَذهَبْ وبِعْ ما تملِكُهُ ووَزِّعْ ثمَنَهُ على الفُقراءِ، فيكونَ لكَ كنزٌ في السَّماواتِ، وتعالَ اَتْبَعْني!))
الكتاب المقدس – متى 19: 16-21
إن عيسى ينفي عن نفسه حتى أن يكون “صالحاً”. إن هذا هو من صفات البشر. إنك إن مدحت شخصاً وكان هذا الشخص متواضع فستراه يقول: ((لماذا تمدحني؟ لست بذاك بذاك الصلاح. أنا مجرد رجل متواضع)). هكذا يتكلم الرجال الصالحون المهذبون. وبهذا يظهرون طبيعتهم البشرية أمام الله. ولكن إن كان عيسى (عليه السلام) هو الله فيجب عليه أن يقول أنه صالح، ذلك لأن الله هو مصدر كل صلاح. إن قال الله بأنه ليس صالحاً فإنه سيكون بذلك منافقاً و مرائياً و هو أمر مستحيل.
ثم يتابع عيسى مبتعداً عن أي ذكر لأي خطيئة أصلية أو فداء. لم يقل لهذا الشاب ((الإِنسانَ لا يُبَرَّرُ بِالعَمَلِ بِأَحْكامِ الشَّريعة… فإِنَّه لا يُبَرَّرُ أَحَدٌ مِنَ البَشَرِ بِالعَمَلِ بِأَحْكامِ الشَّريعة))، بل قال له أن يحفظ الوصايا و أن يبيع ممتلكاته و يوزعه على الفقراء وهذا هو الطريق إلى الكمال. لا يوجد أي ذكر للخطيئة الأصلية. لا يوجد أي ذكر للفداء. لا يوجد أي ذكر للصلب. لا يوجد أي ذكر للإيمان دونما عمل. فكما رأينا في الأقسام 1-2-5 حتى 1-2-7 (و سنرى المزيد حول ذلك في أقسام لاحقة)، كل هذه المعتقدات كانت من لدن بولس و ليست من لدن عيسى!
إن بولس هو تلميذ لبرنابا الذي هو بدوره أحد تلاميذ عيسى. وقد قال بولس أن ناموس موسى لا قيمة له، و المطلوب فقط أن نؤمن بالصلب:
ولكنَّنا نَعرِفُ أنَّ اللهَ لا يُبَرِّرُ الإنسانَ لأنَّهُ يَعمَلُ بأحكامِ الشَّريعَةِ، بَلْ لأنَّهُ يُؤمِنُ بيَسوعَ المَسيحِ. ولذلِكَ آمَنّا بِالمَسيحِ يَسوعَ ليُبرِّرَنا الإيمانُ بِالمَسيحِ، لا العَمَلُ بأحكامِ الشَّريعَةِ. فالإنسانُ لا يتَبَرَّرُ لِعمَلِهِ بأحكامِ الشَّريعَةِ.
الكتاب المقدس – غلاطية 2: 16
فنَحنُ نَعتَقِدُ أنَّ الإنسانَ يتبَرَّرُ بِالإيمانِ، لا بِالعَمَلِ بأحكامِ الشَّريعةِ.
الكتاب المقدس – رومية 3:28
واللهُ بِكلامِهِ على ((عَهدٍ جديدٍ)) جعَلَ العَهدَ الأوَّلَ قديمًا، وكُلُّ شيءٍ عَتَقَ وشاخَ يَقتَرِبُ مِنَ الزَّوالِ.
الكتاب المقدس – العبرانيين 8: 13
مَنْ يُؤمِنُ ويتَعَمَّدُ يَخلُصُ، ومَنْ لا يُؤمِنُ يَهلِكُ.
الكتاب المقدس – مرقس 16: 16
قارن الأعداد أعلاه مع العدد الذي يقول:
شريعةُ الرّبِّ كاملةٌ تُنعِشُ النَّفْسَ، وفَرائضُهُ حَقًّ تجعَلُ الغبيَ حكيمًا.
الكتاب المقدس – المزامير 19: 8
ومن ناحية أخرى فإننا نجد عيسى (عليه السلام) يقول لنا:
الحقَّ أقولُ لكُم: إلى أنْ تَزولَ السَّماءُ والأرضُ لا يَزولُ حرفٌ واحدٌ أو نقطةٌ واحدةٌ مِنَ الشَّريعةِ حتّى يتِمَّ كُلُّ شيءٍ. فمَنْ خالفَ وَصيَّةً مِنْ أصغَرِ هذِهِ الوصايا وعلَّمَ النَّاسَ أنْ يَعمَلوا مِثلَهُ، عُدَّ صغيرًا في مَلكوتِ السَّماواتِ. وأمَّا مَنْ عَمِلَ بِها وعَلَّمَها، فهوَ يُعَدُّ عظيمًا في مَلكوتِ السَّماواتِ.
الكتاب المقدس – 5: 18-19
وهذا ما يؤكد عليه في إنجيل لوقا:
ولكِنَّ زَوالَ السَّماءِ والأرضِ أسهَلُ مِنْ أنْ تَسقُطَ نُقطَةٌ واحدةٌ مِنَ الشَّريعةِ.
الكتاب المقدس – لوقا 16: 17
حتى الحواري يعقوب يؤكد على ذلك في قوله:
ماذا يَنفَعُ الإنسانَ، يا إخوَتي، أنْ يَدَّعيَ الإيمانَ مِنْ غَيرِ أعمالٍ؟ أيَقدِرُ هذا الإيمانُ أنْ يُخلِّصَه؟ فلَو كانَ فيكُم أخٌ عُريانٌ أو أُختٌ عُريانةٌ لا قوتَ لهُما، فماذا يَنفَعُ قَولُكُم لهُما: ((إِذهَبا بِسَلامٍ! استَدفِئا واشبَعا))، إذا كُنتُم لا تُعطونَهُما شيئًا مِمّا يَحتاجُ إلَيهِ الجَسَدُ؟ وكذلِكَ الإيمانُ، فهوَ بِغيرِ الأعمالِ يكونُ في حَدِّ ذاتِهِ مَيتًا. ورُبَّما قالَ أحَدُكُم: ((أنتَ لكَ إيمانٌ وأنا لي أعمالٌ))، فأقولُ لَه: ((أرِني كيفَ يكونُ إيمانُكَ مِنْ غَيرِ أعمالٍ، وأنا أُريكَ كيفَ يكونُ إيماني بأَعمالي)). أنتَ تُؤمنُ أنَّ الله واحدٌ؟ حسَنًا تَفعَلُ. وكذلِكَ الشَّياطينُ تُؤمِنُ بِه وتَرتَعِدُ. أيُّها الجاهِلُ، أتُريدُ أنْ تَعرِفَ كيفَ يكونُ الإيمانُ عَقيمًا مِنْ غَيرِ أعمالٍ؟ أُنظُرْ إلى أبينا إبراهيمَ، أما بَرَّرَهُ اللهُ بِالأعمالِ حينَ قدَّمَ ابنَهُ إسحَقَ على المَذبَحِ؟ فأنتَ تَرى أنَّ إيمانَهُ رافَقَ أعمالَهُ، فصارَ إيمانُهُ كامِلاً بِالأعمالِ، فتَمَّ قَولُ الكِتابِ: ((آمَنَ إبراهيمُ باللهِ فبَرَّرَهُ اللهُ لإيمانِهِ ودُعيَ خليلَ اللهِ)). تَرَوْنَ، إذًا، أنَّ الإنسانَ يتَبَرَّرُ بِالأعمالِ لا بِإيمانِهِ وَحدَهُ. وهكذا راحابُ البَغِيُّ: أما بَرَّرَها اللهُ لأعمالِها حينَ رَحَّبَت بِالرَّسولَينِ ثُمَّ صَرَفَتهُما في طَريقٍ آخَرَ؟ فكما أنَّ الجَسَدَ بِلا رُوحٍ مَيتٌ، فكذلِكَ الإيمانُ بِلا أعمالٍ مَيتٌ.
الكتاب المقدس – رسالة يعقوب 14: 20
لقد وصلنا إلى مفترق طرق: من لكلماته الثقل الأكبر في نفوسنا، عيسى أم بولس؟ لقد قال كل من عيسى و الحواري يعقوب ((آمن بالله و احفظ الوصايا و سيتم خلاصك)). و من ناحية أخرى يقول بولس ((إنسى أمر الوصايا، فقط آمن بموت عيسى!)) بكلام من نثق، عيسى أم بولس؟
أنزل الله تعالى القرآن الكريم لكي يكون “شاهداً” على الكتب المقدسة السابقة و “يصحح” التحريفات التي تسللت إليها عبر العصور، كما زودنا الله تعالى بطريق الخلاص. و من الغرابة بمكان أن نجد في القرآن تأكيداً على رسالة كل من عيسى و الحواري يعقوب:
وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتَ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلاَ يُظْلَمُونَ نَقِيرًا (124)
القرآن الكريم – النساء
وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا (112)
القرآن الكريم – طه
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ (7)
القرآن الكريم – البينة
وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3)
القرآن الكريم – العصر
إن عيسى (عليه السلام) لم يقل أبداً بنفسه: ((آمنوا بتضحيتي على الصليب و سيتم خلاصكم)). لم يقل لذلك الشاب: ((إنك فاحش شرير و خاطئ ولن تدخل الملكوت إلا من خلال الفداء بدمي و إيمانك بتضحيتي)). بل كرر له قوله: ((إحفظ الوصايا)) ولا شيء غير ذلك. إن كان عيسى قد هُيّأ و أُعِدَّ لهذه التضحية منذ الأزل، فلماذا لم يذكرها لهذا الشاب؟ حتى عندما حاول هذا الشاب أن يضغط عليه ليقول له المزيد، أجابه عيسى بأنه إن أراد أن يكون “كاملاً” فما عليه إلا أن يبيع ممتلكاته و يوزعها على الفقراء. لم يأت على ذكر صلبه، الخطيئة الأصلية، أو الفداء لا من قريب ولا من بعيد. ألا يكون ذلك أمراً ساديّاً من عيسى (عليه السلام) إن كانت مزاعم بولس صحيحة بأن ((الإنسانُ لا يتَبَرَّرُ لِعمَلِهِ بأحكامِ الشَّريعَةِ))؟ لسنا ندري متى وكيف مات هذا الشاب لاحقاً. فلو فرضنا أنه مات في اليوم التالي مباشرةً بعد أن تلقى هذا الأمر من فم يسوع، فهل سيكون مصيره إلى جهنم لكونه لم يؤمن بأي “ثالوث مقدس” أو “خطيئة أصلية” أو “صلب” أو “فداء” حتى ولو كان يتّبع أوامر عيسى حرفياً؟
لو أن مهمة عيسى (عليه السلام) برمتها في هذه الحياة أن يموت على الصليب تكفيراً لـ”خطيئة آدم”، ولو أن ذلك هو السبب الأساسي الكامن وراء إرساله، أفلا نتوقع منه أن يمضي ليله و نهاره غارساً ذلك في أذهان أتباعه؟ ألا نتوقع منه ألا يتفوه بشيء دون ذلك؟ ألا نتوقع منه أن يمضي ليله و نهاره في الوعظ بأن الوصايا سيتم إلقاؤها قريباً من النافذة [والمَسيحُ حَرَّرَنا مِنْ لَعنَةِ الشَّريعَةِ بأنْ صارَ لَعنةً مِنْ أجلِنا – غلاطية 3: 13] و أن الإيمان بصلبه القادم سيكون هو الشيء الوحيد المطلوب منهم [فنَحنُ نَعتَقِدُ أنَّ الإنسانَ يتبَرَّرُ بِالإيمانِ، لا بِالعَمَلِ بأحكامِ الشَّريعةِ – رومية 3: 28]؟ ألا نتوقع من عيسى (عليه السلام) أن يردد صدى تعاليم بولس الذي لم يقابل عيسى أبداً في حياته بل ادعى بأن عيسى (عليه السلام) كان يعظه بهذه الأمور في “رؤاه”؟ ألا نتوقع من عيسى (عليه السلام) أن يخبر كل من يصادفه: ((الوصايا عديمة الفائدة و سأموت قريباً على الصليب. آمن بتضحيتي تلك و سيتم إنقاذ روحك))؟ أليس هذا ما يمليه علينا العقل و المنطق السليم؟ هل لنا أن نجد تصريحاً واضحاً كهذا من قبل عيسى و في أي مكان في كل الكتاب المقدس؟
- نقرأ في الكتاب المقدس بأن عيسى (عليه السلام) علّم أتباعه أن يدعوا لله كالتالي:
…واَغفِرْ لنا ذُنوبَنا كما غَفَرنا نَحنُ لِلمُذنِبينَ إلَينا
الكتاب المقدس – متى 6: 12
واَغفِرْ لنا خطايانا، لأنَّنا نَغفِرُ لِكُلِّ مَنْ يُذنِبُ إلينا.
الكتاب المقدس – لوقا 11: 4
إن عيسى يطلب منا أن ندعوا الله بأن يغفر لنا خطايانا، فكيف يريد من الله أن يغفر لنا خطايانا؟ بالتضحية بدم إله بلا خطيئة؟ كلا!! ليس هذا ما قاله، بل علمنا أن ندعوا الله أن يغفر لنا خطايانا “كما غَفَرنا نَحنُ لِلمُذنِبينَ إلَينا“. عندها يجب أن نتساءل: لو أن أحداً ما يدين لنا ببعض المال و نريد أن نسامحه، فماذا نفعل؟:
- هل نقول له ((إني أسامحك في دَينك… و الآن قم بتسديد كامل الدين!))؟
- هل نقول له ((إني أسامحك في دَينك… و الآن سأقوم بقتل جارك))؟
- أم نقول له ((إني أسامحك)) ثم ننسى الموضوع؟
لذا، هل علمنا عيسى أن ندعوا الله أن:
- يقول ((مغفور لكل البشرية… و الآن إدفعوا الثمن العظيم))؟
- يقول ((مغفور لكل البشرية… و الآن أنا بحاجة لقتل شخص بلا خطيئة))؟
- أو أن يقول ((مغفور لكل البشرية)) وهذا كل شيء!؟
يخبرنا القرآن بأن آدم (عليه السلام) قد تاب فعلاً عن ذنبه:
فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (37)
القرآن الكريم – البقرة
إذاً فإن آدم (عليه السلام) قد تلقى وحياً من الله يبين له كيف يتوب ،وهذا ما فعله. إن الله تعالى لم يأمر بموت و عذاب “ابنه الوحيد المولود له” بشكل شنيع أو دون ذلك. بل قبل توبة آدم ببساطة و لان بعدها. هذه هي الرحمة الحقيقية.
توم هاربر Tom Harpur – البروفسور السابق للعهد الجديد، مؤلف كتاب ((من أجل المسيح For Christ’s Sake)) وكاهناً إنجيلياً – كتب يقول:
“ربما أكون أعاني من نقص في التقوى أو بعض الغرائز الأساسية، ولكني أعلم أنني لست الوحيد الذي يجد في فكرة موت عيسى تكفيراً عن كل خطايا البشرية أمراً مربكاً من ناحية، و غير أخلاقي من ناحية أخرى. لم يقل عيسى حسب علمي أي شيء يشير به أن المغفرة من الله يمكن أن تمنح فقط (بعد) أو (بسبب) الصلب.”
من أجل المسيح، ص 75
For Christ’s Sake, p.75
مَّنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً (15)
القرآن الكريم – الإسراء
وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَإِن تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى إِنَّمَا تُنذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالغَيْبِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَمَن تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ (18)
القرآن الكريم – فاطر
أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى (33) وَأَعْطَى قَلِيلًا وَأَكْدَى (34) أَعِندَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ فَهُوَ يَرَى (35) أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى (36) وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى (37) أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى (38) وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى (39) وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى (40) ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاء الْأَوْفَى (41) وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنتَهَى (42) وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى (43) وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا (44)
القرآن الكريم – النجم
(1-2-3-21) لابد أن يكون هو الله لأنه صعد إلى السماء:
حدث مرة أن استشهد رجل مسيحي من كندا بالعدد [يوحنا 3: 15-16] في محاولة لإثبات أن عيسى (عليه السلام) قد مات و قام من الموت. العدد يقول:
وكما رفَعَ موسى الحَـيَّةَ في البرِّيَّةِ، فكذلِكَ يَجبُ أنْ يُرفَعَ اَبنُ الإنسانِ. لينالَ كُلُّ مَنْ يُؤمِنُ بِه الحياةَ الأبدِيَّةَ.
الكتاب المقدس – يوحنا 3: 14-16
إن كان لنا أن نستنتج أن رفع الله لأحدهم هو دليل أن هذا الشخص إله أو أنه هو الله نفسه، فيجب عندها أن نتساءل كيف نفسر حقيقة أن الله رفع إيليا [واَرْتَفَعَ إيليَّا في العاصفةِ نحوَ السَّماءِ – الملوك الثاني 2: 11] بالإضافة إلى أخنوخ [وسَلَكَ أخنوخ معَ اللهِ، ثُمَ تَوارَى لأنَّ اللهَ أخذَهُ إليهِ – التكوين 5: 24]. لم يمت أي منهما موتاً طبيعاً وفقاً للكتاب المقدس و إجماع العلماء المسيحيين، بل “رفعه” أو “أخذه” الله لورعه و استقامته و لأنه “سلك مع الله” – أي فعل ما أمر.
بالإضافة إلى ذلك، فإن أي شخص يقرأ العدد أعلاه بتمعن سيلاحظ أنه لا يوجد ذكر لأي من “الصلب” أو “القيامة”. كما أن العدد لم يأتِ على ذكر “الخطيئة الأصلية” أو “الفداء”، ولا يذكر حتى “ابن الله”. فما الذي يقوله هذا العدد؟ إنه يقول بالضبط ما يقوله المسلمون بأن عيسى (عليه السلام) لم يسلّمه الله إلى اليهود، بل رفعه الله إليه!
وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِن شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا (157) بَل رَّفَعَهُ اللّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا (158)
القرآن الكريم – النساء
إن هذا ما يقوله “إنجيل برنابا” أيضاً. فلو قرأنا إنجيل برنابا (أنظر الفصل السابع) لوجدنا أنه عندما زعم أن عيسى قد صُلب، كان كل المؤمنين به يبكونه في الشوارع و بدؤوا يشكون بشكل كبير في صدقه و نبوته. لقد كانوا يقولون: ((قال لنا عيسى أنه لن يموت إلا قرب نهاية الزمان، و الآن وقد صُلب من قبل أعدائه فهل كان دجالاً؟)) [و بالمناسبة فإن المسلمين يؤمنون أيضاً بأن عيسى عليه السلام سيعود إلى الأرض قبيل نهاية العالم و سيقود البشرية إلى رسالة الله الخاتمة – رسالة الإسلام]. ثم يتابع نفس الإنجيل ليصف لنا كيف أن عيسى (عليه السلام) عاد بعد عدة أيام مع أربعة من الملائكة إلى بيت أمه مريم (عليها السلام) و رآه الحواريون، ثم يصف لنا عيسى كيف أن الله أنقذه من أيدي اليهود، و أنه قد ألقي الشبه على يهوذا و قُبض عليه مكان عيسى. قال لهم أن الذين يؤمنون به يجب عليهم أن يؤمنوا أن ما بشّر به كان حقيقياً. فلو أنهم آمنوا أن الله رفعه إليه و لم يتخلى عنه لليهود ليصلب فسيحظون بالحياة الأبدية. أليس هذا ما يقوله العدد إعلاه؟ للمزيد أرجو قراءة الأجزاء (5-10) و (5-16) بالإضافة إلى الفصل السابع.
(1-2-3-22) لابد أن يكون هو الله لأنه كان الوريث لمجد الله:
بعض أعضاء الكنيسة سيقولون لنا الآن بأن عيسى كان “وريث” الله و أنه كان “ممجداً من قبل الله” في موته بالجلال الأبدي و سلطان الله. و لإثبات ذلك يقتبسون أعداداً مثل:
ولكنَّهُ في هذِهِ الأيّامِ الأخيرَةِ كَلَّمَنا بابنِهِ الّذي جَعَلَهُ وارِثًا لِكُلِّ شيءٍ وبِه خلَقَ العالَمَ.
الكتاب المقدس – العبرانيين 1: 2
فمَجِّدْني الآنَ يا أبـي عِندَ ذاتِكَ بِالمَجدِ الّذي كانَ لي عِندَكَ قَبلَ أنْ يكونَ العالَمُ.
الكتاب المقدس – يوحنا 17: 5
سيقولون لنا: ((من المؤكد أنك ترى بالضرورة أن هذا يجعل من عيسى إلهاً، لذا لابد أن يكون مع الله في ثالوث. فإن لم تتمكن من رؤية هذه الحقيقة الواضحة فلابد أن تكون مصاباً بالعمى)). إن هؤلاء القساوسة لا يكلفون أنفسهم أن يذكروا ماذا يقول الكتاب المقدس أيضاً:
وهذا الرُّوحُ يَشهَدُ معَ أرواحِنا أنَّنا أبناءُ اللهِ. وما دُمنا أبناءَ اللهِ، فنَحنُ الورَثَةُ: ورَثَةُ اللهِ وشُركاءُ المَسيحِ في الميراثِ، نُشارِكُه في آلامِهِ لِنُشارِكَهُ أيضًا في مَجِدِه.
الكتاب المقدس – رومية 8: 16-17
وبِه دَخَلنا بالإيمانِ إلى هذِهِ النِّعمَةِ الّتي نُقيمُ فيها ونَفْتَخِرُ على رَجاءِ المُشاركَةِ في مَجدِ الله.
الكتاب المقدس – رومية 5: 2
لأنَّ الّذي يُقدِّسُ والّذينَ تَقَدَّسوا لهُم أصْلٌ واحدٌ، فلا يَستَحي أنْ يَدعُوَهُم إخوَةً،
الكتاب المقدس – العبرانيين 2: 11
(1-2-3-23) لابد أن يكون هو الله، فقد صلب بتهمة الهرطقة :
بعض أعضاء الكنيسة – في محاولة لإثبات أن عيسى (عليه السلام) هو الله – يستشهدون بالعدد [يوحنا 10: 30] على سبيل المثال كما رأينا في الجزء (1-2-2-7) و الجزء (1-2-3-2)، في محاولة منهم لإثبات أن عيسى هو الله و أن هذا كان السبب وراء صلبه من قبل اليهود. من ناحية أخرى، فقد وجدنا في ذاك القسم كيف أنه لم يقل ما يزعمون و أن ذلك لم يكن السبب الحقيقي وراء رغبتهم الشديدة في قتله. إن ذلك كان أحد الأسباب الكثيرة التي أرادوا إلصاقها به ليخفوا أسبابهم الحقيقية و يبرروا أمام الجم الغفير إدانتهم له بالقتل. السبب الحقيقي كان أنه كان المسيح/المسيا الذي وعدهم الله به. فما كانوا يريدون مسيحاً يأتي و يوبخهم قائلاً لهم بأنهم كانوا مخطئين مضللين وكلهم فساداً و أن عليهم أن يتوبوا قبل أن ينتقم الله منهم، بل كانوا يريدون مسيحاً يخبرهم كم كانوا رائعين و أنهم أبناء الله التقاة المختارين و من ثم يقودهم إلى نصر ساحق على جميع أمم المعمورة. لذا فقد رفضوه كما رفضوا “المسيا الثاني” الموعودين به بعد قرون ستة و الذي سافروا عبر الصحاري القاحلة للجزيرة العرب انتظاراً لقدومه (للمزيد أرجو قراءة الفصل السادس و السابع و العاشر). و هذا ما يؤكد عليه الكتاب المقدس:
قالَ والداهُ هذا لِخوفِهِما مِنَ اليَهودِ، لأنَّ هَؤُلاءِ اتَّفَقوا على أنْ يَطردُوا مِنَ المَجمعِ كُلَّ مَنْ يَعتَرِفُ بأنَّ يَسوعَ هوَ المَسيحُ.
الكتاب المقدس – يوحنا 9: 22
فقالَ بَعضُ أهالي أُورُشليمَ: ((أما هذا هوَ الّذي يُريدونَ أنْ يَقتُلوهُ؟ 26ها هوَ يتكَلَّمُ جَهارًا ولا يَقولونَ لَه شَيئًا. فهلِ اَقتَنَعَ الرُؤساءُ أنَّهُ المَسيحُ؟))
الكتاب المقدس – يوحنا 7: 25-26
مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُوْلَئِكَ هُوَ يَبُورُ (10)
القرآن الكريم – فاطر
وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ (42) مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لاَ يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاء (43) وَأَنذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُواْ رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُّجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُواْ أَقْسَمْتُم مِّن قَبْلُ مَا لَكُم مِّن زَوَالٍ (44) وَسَكَنتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الأَمْثَالَ (45) وَقَدْ مَكَرُواْ مَكْرَهُمْ وَعِندَ اللّهِ مَكْرُهُمْ وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ (46)
القرآن الكريم – إبراهيم
فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللّهِ آمَنَّا بِاللّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (52) رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ (53) وَمَكَرُواْ وَمَكَرَ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ (54) إِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (55)
القرآن الكريم – آل عمران
(1-2-4) “اعبدوني” :
كيفَ تَدعونَني: يا ربُّ، يا ربُّ، ولا تَعمَلونَ بِما أقولُ؟
الكتاب المقدس – لوقا 6: 46
يقول السيد (جيه) : ((إن الذي يميز يسوع عن كلّ الشّخصيّات الدّينيّة الأخرى هو طبيعة ما ادعاه لنفسه. لقد ادعى امتياز الألوهية و الأحقية في الولاء السامي له كما تقبل العبادة و الطاعة من المؤمنين به)). لنقم بدراسة صحة هذا القول:
(1-2-4-1) من له أن يغفر الخطايا؟ :
يعلمنا الإسلام بأن المسلم يثاب على كل شدة يصبر عليها خلال حياته، و أن كل شدة يصبر عليها فإن الله يخصصها ليمحو بها خطيئة سابقة لهذا الشخص. حتى أصغر الأمور مثل وخز الإبرة فإن لها نفس المعاملة. فكم سيكون ثوابه عظيماً من صبر على الشلل! إن جزاءه يمكن أن يكون الغفران عن كل خطاياه. إن كانت المسيحية تؤمن أن غفران الخطايا دليل على الألوهية، فماذا نقول عن الملايين الكثيرة من البشر في الكهنوت الكسيحي و الذين قبولوا “اعترافات” الناس بشكل علني و “غفروا لهم خطاياهم” عبر الألفي سنة الأخيرة؟ هل هم جميعاً ذريةً لله و جزءً من الثالوث المقدس؟ هل كانوا يتصلون بالله هاتفياً و يستأذنوه ليغفر لكل شخص أو كان لهم “سلطان مغفرة الخطايا”؟
في كتاب (الأناجيل الخمسة The Five Gospels) – الذي كتبه /24/ من العلماء المسيحيين من أكثر الجامعات الأمريكية و الكندية بروزاً في أيامنا – نقرأ في الصفحة 44:
“إن القصص التي تحكي عن عيسى وهو يشفي شخصاً مشلولاً موجودة في كل الأناجيل التي نقلت إلينا. إلا أن الرواية في إنجيل يوحنا [يوحنا 5: 1-9] مختلفة بشكل جوهري… إن الجدال الذي دار قد اعترض قصة الإبراء – و التي نقرأها بسلاسة لو قمنا بحذف الأعداد [مرقس 2: 5-10] – و هذا الجدال غائب فيما رواه يوحنا في إنجيله… عادةً فإن العلماء يستنبطون من ذلك – بناءً على هذا الدليل – بأن مرقس قد أضاف هذا الجدال على ما كانت عليه القصة الأصلية لمجرد الإبراء… فلو أن هذه الكلمات قد نسبت إلى عيسى، فإن العدد /10/ [سأُريكُم أنَّ اَبنَ الإنسانِ لَه سُلطانٌِ على الأرضِ ليَغفِرَ الخَطايا] يقدم لنا زعماً جريئاً و جديداً عن عيسى و الذي يخوله أن يغفر الخطايا لكل البشرية… إن الكنيسة الأولى كانت في طريقها للزعم بأن لها الحق في غفران الخطايا و أن سلطتها في ذلك أتت من عيسى مباشرة”
و من ناحية أخرى: حتى لو أهملنا كل الأدلة فإن إصرارنا على العدد [مرقس 2: 1-12] دونما إبصار، فإن ذلك سينجم عنه إلغاء كامل مطلق لأحد أسس الإيمان المسيحي. و لإثبات ذلك أرجو قراءة القسم (5-16).
لقد تحدثنا لتونا في القسم (1-2-3-2) عن مصطلح “ابن الله” و عن معناه الحقيقي كما فهمه الناس في ذلك الوقت. إن ما نريده هو جملة على لسان عيسى يقول فيها “أعبدوني” كما يقول الله العلي على سبيل المثال:
ومِن رَأسِ شَهرٍ إِلى رَأسِ شَهْر ومِن سَبتٍ إِلى سَبْت كُلُّ بَشَرٍ يَأتي لِيَسجُدَ أَمامي، قالَ الرَّبّ.
الكتاب المقدس – إشعياء 66: 23
إنني أطلب ببساطة أن أعرف أين يقول عيسى (عليه السلام) مثل هذا القول.
(1-2-4-2) لقد قال عيسى “أنا كائنI am ” فهو الله إذاً : (1)
مرة أخرى فإن العدد [يوحنا 8: 56-59] و الذي يحتوي على لسان عيسى ((قَبلَ أنْ يكونَ إبراهيمُ أنا كائِنٌ – before Abraham was born, I am)) لا يماثل قوله ((اعبدوني!)). إن الحقيقة التي تقول بأن عيسى (عليه السلام) كان موجوداً قبل إبراهيم (عليه السلام) لا تماثل قوله (اعبدوني!). ماذا نقول إذاً عن سليمان (عليه السلام) [الرّبُّ اَقتناني أوَّلَ ما خلَقَ مِنْ قديمِ أعمالِهِ في الزَّمانِ.مِنَ الأزلِ صنَعَني، مِنَ البَدءِ، مِنْ قَبلِ أنْ كانتِ الأرضُ – الأمثال 8: 22-23] و عن ملكيصادق [ولا لأيَّامِهِ بِداءَةٌ ولا لِحياتِهِ نِهايَةٌ – العبرانيين 7: 3]، و الذين يفترض أنهما كانا موجودين ليس قبل ابراهيم فقط بل قبل كل الخليقة؟ ماذا عن الآخرين الكثر المسحاء أو المكرّسون أو المقُدسون قبل ولادتهم كما في الأعداد:
يومَ كلَّمْتَ تقيَّكَ في رُؤْيا قُلتَ لَه: ((نَصَرْتُكَ أيُّها الجبَّارُ. اَختَرتُكَ ورفَعتُكَ مِنَ الشَّعبِ. وجدْتُ داوُدَ عبدي، وبِزَيتي المُقدَّسِ مَسَحتُهُ.))
الكتاب المقدس – المزامير 89: 20-21
وهذا ما قالَ الرّبُّ لكورشَ الذي مسَحَهُ ملِكًا..
الكتاب المقدس – إشعياء 45: 1
روحُ السَّيِّدِ الرّبِّ عليَ، لأنَّ الرّبَّ مسَحني لهُ.
الكتاب المقدس – إشعياء 61: 1
حَرامٌ عليَ مِنَ الرّبِّ أنْ أفعَلَ هذا بسيِّدي شاوُلَ، وأرفَعَ يَدي على مَنْ مسحَهُ الرّبُّ مَلِكًا.
الكتاب المقدس – 24: 7
قَبلَ أنْ أُصوِّرَكَ في البَطْنِ اختَرتُكَ، وقَبلَ أنْ تَخرُج مِنَ الرَّحِمِ كَرَّستُكَ وجعَلتُكَ نبيُا للأُمَمِ.
الكتاب المقدس – إرميا 1: 5
فيما يخص مقارنتك ((أنا هوَ I am)) في العدد [الخروج 3: 14] مع مثيله في العدد [يوحنا 8: 59]، فإن شحّاذاً شفاه عيسى (عليه السلام) قد استخدم نفس الكلمات بالضبط للدلالة على شخصه و التي استخدمها عيسى ((أنا هوَ I am)) و ذلك في العدد:
وقالَ غَيرُهُم: ((هذا هوَ)). وقالَ آخرونَ: ((لا، بل يُشبِهُهُ)). وكانَ الرَّجُلُ نَفسُهُ يَقولُ: ((أنا هوَ! )).
الكتاب المقدس – يوحنا 9: 9
Some said, This is he (the beggar): others [said], He is like him: [but] he said, I am [he].
نجد هنا تصريحاً واضحاً من الشحاذ بأنه كان “يلمّح” إلى أنه هو أيضاً الله العليّ. أليس هذا ما قاله “المترجمون” و ما “فسروه” فيما يخص مثل هذه الأعداد؟ لاحظ في النص الإنكليزي أن كلمة [he] لم ينطق بها هذا الشحاذ. إن ما قاله حقيقةً كان (I am). لقد استخدم نفس الكلمات بالضبط التي استخدمها عيسى كلمةً بكلمة. هل هذا يجعل من الشّحاذ أيضاً تجسداً لله؟ لاحظ أيضاً أن اليهود عندما سألوا هذا الشحاذ عن هوية الشخص الذي شفاه (أي عيسى) أجابهم قائلاً:
فأجابَ: ((إنَّهُ نَبِـيٌّ! ))
الكتاب المقدس – يوحنا 9: 17
لاحظ أيضاً في النص الإنكليزي كيف أن “المترجمين” قد أضافوا كلمة [he] بعد تصريح الشحاذ، ولم يقوموا بالشيء نفسه عندما قال عيسى نفس الكلمات.
هل تلاحظ كيف أننا ندرس التلميحات دون وجود للعبارات الصريحة؟ لاحظ أن عيسى لم يقل أبداً “أنا الله” أو “اعبدوني”، بل إن رغبتنا الخاصة في قوله حقيقة بأنه الله تدفعنا إلى “تفسير” كل تصريح بريء يطلقه على أنه يماثل قوله “أنا الله!”
إن مجرد كون الترجمة الإنكليزية لهذه الأعداد تظهر تماثلاً في اختيار المفردات فإن ذلك لا يعني أن المفردات الأصلية واحدة. إن الكلمة اليونانية المستخدمة في العدد الأول هي ((إيمي – i-mee’)) بينما نجد أن الكلمة العبرية في العدد الثاني ((هاياه – haw-yaw)). فبينما نرى ترجمة كلتا الكلمتين إلى الإنكليزية بشكل متماثل، تبقيان كلمتين مختلفتين تماماً في الحقيقة.
إن الكلمة اليونانية ((إيمي – i-mee’)) قد تم ترجمتها إلى ((أنا – I)) كما هو في العدد:
فحَزِنَ التَّلاميذُ كثيرًا وأخَذوا يسألونَهُ، واحدًا واحدًا: ((هل أنا هوَ، يا سيِّدُ؟))
الكتاب المقدس – متى 26: 22
“And they [the disciples] were exceeding sorrowful, and began every one of them to say unto him, Lord, is it I?” (KJV)
و من ناحية أخرى، إن أردنا ترجمة هذه الكلمة عندما يتلفظ عيسى بها كما هي ((أنا كائن – I am))، فعندها يجب أن نتحلى بالأمانة و الانتظام ثم نقوم بترجمتها بنفس الطريقة عندما يتلفظ بها التلاميذ أيضاً. في مثل هذه الحالة، فإن العدد [متى 26: 22] يجب أن يترجم كالتالي:
فحَزِنَ التَّلاميذُ كثيرًا وأخَذوا يسألونَهُ، واحدًا واحدًا: ((هل أنا كائنٌ، يا سيِّدُ؟))
“And they [the disciples] were exceeding sorrowful, and began every one of them to say unto him, Lord, is it I am?”
لذا فإن اخترنا اتباع هذه التقنيات في “الترجمة” التي اختارها المترجم، هل يجب علينا القول أن تلاميذ عيسى هم أيضاً الله ؟ إن هذا ما يقولونه بكل وضوح! إنهم يسألون عيسى بوضوح الشمس ((هل نحن الله؟)). إليس هذا ما “يلمحون” إليه؟ هل يجب حصر وحي الله وفق أهواءنا و ما نريد؟
عندما لم يسمح المترجمون لعقيدتهم أن تؤثر مسبقاً على ترجمتهم، فإن نتيجة الترجمة للعدد [يوحنا 8: 58] كانت على درجة عالية من المصداقية:
“‘Truly, truly I tell you,’ said Jesus, ‘I have existed before Abraham was born’”
The Holy Bible Containing the Old and New Testaments, Dr. James Moffatt,
و بالعربية: ((الحق الحق أقول لكم، إني موجود قبل أن يولد إبراهيم))
“Jesus said to them, ‘I tell you, I existed before Abraham was born’”
The Complete Bible, an American Translation, by Edgar Goodspeed and J. M. Powis Smith, John 8:58
و بالعربية: ((أقول لكم، لقد كنت موجوداً قبل أن يولد إبراهيم))
في العدد [سفر الخروج 3: 4] نجد أن موسى قد استخدم نفس المصطلح عندما تحدث عن نفسه. و لكن الذي يدعو للاستغراب أن أحداً ما لم يدعي أن موسى هو الله أو أنه كان يحاكي كلمات الله الموجودة بعد عشر أعداد من قوله في نفس سفر الخروج:
“And when the LORD saw that he turned aside to see, God called unto him out of the midst of the bush, and said, Moses, Moses. And he said, Here I am.”
Exodus 3:4 (KJV)
فَلَمَّا رَأَى الرَّبُّ أَنَّهُ مَالَ لِيَنْظُرَ نَادَاهُ اللهُ مِنْ وَسَطِ الْعُلَّيْقَةِ وَقَالَ: ((مُوسَى مُوسَى)) فَقَالَ: ((هَئَنَذَا)). (ترجمة فاندياك)
هل تلاحظ كيف يتم توجيه العوام للإيمان بأمور معينة باستخدم الترجمة الانتقائية؟ تذكر أيضاً أن عيسى لم يكن يتحدث باليونانية. لهذا السبب شعرت الكنيسة بضرورة إحراق كل المخطوطات اليدوية الأصلية و التي كتبت باللغة العبرية.
هل من الصعوبة بمكان أن نجد عدداً واحداً يقول فيه عيسى (عليه السلام) بوضوح “أعبدوني!” كما هو الحال في العدد أعلاه [إشعياء 66: 23]؟ إن كان عيسى هو الله أو ابن الله فإن ذلك من حقه بالتأكيد. يجب أن يفيض الكتاب المقدس بأعدادٍ يأمر فيها عيسى تابعيه و بكل وضوح أن يعبدوه، أعدادٍ يأمر الله فيها البشر و بكل وضوح أن يعبدوا ابنه، أعدادٍ ينذر الله فيها و بكل وضوح كل من لا يعبد ابنه بأنه سيعذبه في جهنم، و ما إلى ذلك من الأعداد… إن الكتاب المقدس يفيض بأعداد يتحدث فيها الله بها عن نفسه بنفس الطريقة، و أعداداً يتحدث فيها عيسى (عليه السلام) عن الله، ولكن لا نجد أي عدد يتحدث فيه عيسى عن نفسه بنفس الطريقة. لماذا كان من الضروري:
- أن يأمرنا الله تعالى صراحةً أن نعبده.
- و أن يأمرنا عيسى صراحةً أن نعبد “الآب”.
في الوقت الذي يكون فيه من غير الضروري:
- أن يأمرنا عيسى (عليه السلام) صراحةً أن نعبده.
- و أن يأمرنا الله صراحةً أن نعبد “الإبن”؟!!
أليس طلبنا هذا عادلاً؟
(1-2-4-3) ولكن الناس “سجدوا” لعيسى و لم يعترض على ذلك:
بالنسبة إلى العدد [يوحنا 9: 38 – قالَ: ((آمنتُ، يا سيِّدي!)) وسجَدَ لهُ] و العدد [متى 28: 17 – فلمَّا رأوْهُ سَجَدوا لَه] فأرجو ملاحظة أن الكلمة المترجمة “سجد” في كلا العددين هي في اليونانية (prosekunesan) و المشتقة من الكلمة (pros-ku-neh’-o – بروسكونيهو). إن المعنى الحرفي لهذه الكلمة: (يقبّل، كما يلعق الكلب يد صاحبه). و بالمعنى العام فإن هذه الكلمة تعني: (ينحني – يجثو – يحبو – يركع – يُطرح على الأرض). أرجو فحص المعنى الحقيقي لهذه الكلمة في فهرس معجم سترونغ Strong. هل تقبيل يد أحدهم يماثل السجود له؟ إنها الترجمة الانتقائية مرى أخرى.
و من ناحية أخرى، فإن العددين أعلاه من إنجيل يوحنا و إنجيل متى ليسا الوحيدين في الكتاب المقدس الذين طُبّق عليهما الترجمة الانتقائية للتأثير على القارئ في تبني معتقد محدد. فعلى سبيل المثال في “إنجيل متى” فإن ما يسمى بـ”الترجمة” الإنكليزية (1) قد ذكرت أن عيسى قد سجد له المجوس الذين قدموا من الشرق [متى 2: 11] و رئيساً يهودياً [متى 9: 18] كما سجد له من كان في القارب [متى 9: 18] و المرأة الكنعانية [متى 15: 25] بالإضافة إلى أم يعقوب و يوحنا أبناء زبدي [متى 20: 20] و مريم المجدلية و مريم الأخرى [متى 28: 9].
و باعتبار أن السجود لغير الله خطيئة تكفر صاحبها، لذا، فإن القارئ يفهم من ذلك أن عيسى هو الله باعتبار أنه تغاضى عن “سجودهم” له. و باعتبار أن عيسى (عليه السلام) لم يقل أبداً لأحد “أعبدوني!” و لا في كل الكتاب المقدس (كما قال الله ذلك بنفسه في أماكن عدة)، لذا، و مرة أخرى يقولون لنا أن عيسى كان “يلمح” لنا في طلبه أن نسجد له. و لكننا نرى بوضوح أن ما أراد المؤلف قوله في هذه الأعداد هو أن هؤلاء الناس قد “انكبّوا على قدمي عيسى” أو أنهم قد “جثوا أمامه”.
كيف نفسر “جثوّ الناس أمام عيسى” في هذه الحالة؟ هل نفهم من هذا أنهم كانوا “يصّلون” له؟ ليس هذا أبداً. لنطلب من الكتاب المقدس أن يشرح لنا ذلك:
فلمَّا رأت أبيجايِلُ داوُدَ، نزَلَت في الحالِ عَنْ حمارِها واَنحنَت حتى الأرضِ أمامَهُ، ووقَعَت على رِجليهِ وقالت: ((عليَ يقعُ اللَّومُ يا سيِّدي، فَدَعْني أنا جاريَتكَ أتكلَّمُ على مسمَعِكَ، وأصغِ أنتَ لِكلامي))
الكتاب المقدس – صموئيل الأول 25: 23-24
عندما “جثت” أبجابيل أمام الملك داوود حتى لمس وجها الأرض، هل كانت بذلك “تسجد له أو تعبده”؟ هل كانت “تصلي” له؟ عندما قالت له ((يا سيدي my lord)) هل عنت بذلك أنه إلهٌ لها؟ و بالمثل:
فتَقَدَّمَت واَرْتَمَت على قدَمَيهِ إلى الأرضِ، وأخذَتِ اَبنَها وذهَبَت.
الكتاب المقدس – الملوك الثاني 4: 37
وجاءَ إخوتُه بِأنفُسِهِم فاَرتَمَوا بَينَ يَدَيهِ وقالوا: ((ها نحنُ عبيدٌ لكَ)).
الكتاب المقدس – التكوين 50: 18
ثُمَ عبَروا النَّهرَ ليأتوا بهِ وبأهلِهِ ويعمَلوا لَه ما يريدُ. وبَينما كانَ المَلِكُ يعبُرُ الأردُنَّ تقدَّمَ إليهِ شِمعي وركَعَ أمامَهُ.
الكتاب المقدس – صموئيل الثاني 19: 18
إن كلمة ((سَجَدَ – worship)) هي إحدى الكلمات في اللغة الإنكليزية (1) و التي تحمل في طياتها معنىً مزدوجاً. المعنى المعروف بين الناس هو “سجود العبادة”. هذا المعنى يقفز إلى الأذهان مباشرة عند قراءة هذه الكلمة. إلا أن كلمة “سَجَدَ” تحمل معنىً آخر وهو “سجود الاحترام – سجود الوقار – سجود التبجيل” (أنظر في معجم ميريام ويبستر الجامعي، الطبعة العاشرة Merriam Webster’s Collegiate Dictionary, tenth edition). إن المعنى الثاني أكثر شيوعاً في إنكلترا عليه في الولايات المتحدة مثلاً. إلا أن المعنى الأول يبقى الأكثر شيوعاً و استخداماً في أي بلد متحدث باللغة الإنكليزية. و مع ذلك فإنه من المألوف في بريطانيا – حتى عصرنا هذا – أن تجد أناساً يعبّرون عن نبلهم بـ”السجود و الإنحناء”.
لقد قام المترجمون يترجمة العدد بشكل صحيح من الناحية “الفنية”، إلا أن المعنى الحقيقي لهذه الكلمة قد ضاع تماماً.
و ختاماً نقدم الدليل القاطع تبديداً لأي شكوك في نفس القارئ، فإنني أدعو القارئ لاقتناء نسخة من الكتاب المقدس الحديث بالإنكليزية (New English Bible) الذي سنجد فيه ترجمة للأعداد المقتبسة أعلاه من إنجيل متى كالتالي:
[2: 11] انحنى إلى الأرض “bowed to the ground”.
[14: 33] انكبّ على قدميه “fell at his feet”.
[28: 9] جثى مطروحاً على الأرض أمامه “falling prostrate before him”.
[28: 17] جثى مطروحاً على الأرض أمامه “fell prostrate before him” …إلخ
أرجو أيضاً قراءة هذه الأعداد في النسخة الكاملة للكتاب المقدس، الترجمة الأمريكيـة (The Complete Bible, an American Translation” By Edward Goodspeed and J. M. Powis Smith) و الذي ترجم الأعداد أعلاه بأمانة أيضاً:
[2: 11] ألقوا بأنفسهم على الأرض و قاموا بتجيله:
“they threw themselves down and did homage to him”
[14: 33] انكبّوا على الأرض أمامه “fell down before him”
[28: 9] ذهبتا إليه و أمسكتا بقدميه و انحنتا أمامه على الأرض:
“and they went up to him and clasped his feet and bowed to the ground before him”
[28: 17] انحنوا أمامه “bowed down before him”
في الحقيقة فمن غير المستغرب في الكتاب المقدس أن نجد الناس “تسجد” لأنبياء الله. فعلى سبيل المثال نجد الملك الوثني نبوخذنصر قد “سجد” للنبي دانيال في العدد:
فوَقَعَ المَلِكُ نَبوخذنَصَّرُ على وجهِهِ ساجدًا لدانيالَ وأمرَ لَه بِتَقدِمَةٍ وذبيحَةِ رِضًى. وقالَ المَلِكُ لدانيالَ: ((إلهُكُم هوَ إلهُ الآلِهَةِ حقُا وربُّ المُلوكِ، لأنَّكَ قَدِرتَ أنْ تكشِفَ هذا السِّرَّ)). وأكرَمَ المَلِكُ دانيالَ، فوَهَبَهُ هدايا كثيرةً، وسَلَّطَهُ على كُلِّ إقليمِ بابِلَ، وجعَلَهُ على الدَّوامِ سيِّدَ حُكَّامِها جميعًا.
الكتاب المقدس – دانيال 2: 46-48
إن هذا النص يصف “جثوّ أحدهم على الأرض” أو “احناء رأسه على الأرض” تعبيراً عن الاحترام و التبجيل، تماماً كما وصفت الأعداد أعلاه سجود التبجيل لنبي الله عيسى (عليه السلام). إن هذا لا يعني أن الملك كان يصلي للنبي دانيال (عليه السلام). عندما يقرأ الناس وصفاً مماثلاً لأناس “ينكبون على الأرض” أمام النبي عيسى (عليه السلام) فإنهم يصرون دون تردد أن عيسى (عليه السلام) لابد و أن يكون هو الله لأنه تقبّل “صلاتهم” له و لم يعترض عليها. و من ناحية أخرى فإننا نجد هنا مثالاٍ عن نيبي آخر من عند الله (لم يعترض) على (سجود) الآخرين له. فهل هذا يعني أيضاً أن النبي دانيال هو الله أيضاً؟ الجواب واضح بالنفي. يجب علينا أن نأخذ بالكتاب المقدس كوحدة أدبية كاملة ثم نطبق معياراً ثابتاً على كل الحالات لغرض الوصول إلى المعنى الحقيقي لكلماته.
مرة أخرى فإن مثل هذا التلاعب الرهيب في الترجمات بهدف دفع القارئ للتبني المسبق لمعتقد ما قد كشفه الله تعالى في القرآن الكريم:
وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُم بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِنـدِ اللّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللّـهِ الْكَذِبَ وَهـُمْ يَعْلَمُونَ (78)
القرآن الكريم – آل عمران
(1-2-4-4) و لكنه ليس مضطراً أن يقول “أعبدوني!”:
يقول السيد (جيه) [هل قال يسوع “أنا اللّه” ؟ لا ((يسعدني أن نتفق على هذا الأمر)) لأنّه بذلك يُساء فهمه. يسوع ليس الآب (كما سيُظنُّ به), بل يسوع هو الابن.] ماذا؟! هل تقول أن عيسى عندما يقول لتلاميذه ((أعبدوا الآب)) عاجزٌ عن إضافة بعض الكلمات فيقول ((أعبدوا الآب و الإبن))؟ هل تدعي القول أن الناس الذين كان يخاطبهم عاجزون عن إدراك أن أحدهم كان أباً و الآخر كان إبناً؟ هل تودنا أن نصدق أن الاثني عشر تلميذاً كانوا على درجة من الغباء تمنعهم من إدراك الفرق بين “أب” و “إبن”؟ ألا يوجد مفردات في لغتهم تقول ((أنا لست الله و لكن ابن الله، أعبدونا كلينا))؟ عندما تزعم أن عيسى (عليه السلام) مات على الصليب، هل تسيء فهم ذلك بأن الله “الآب” هو من مات على الصليب؟ عندما تزعم أن عيسى “مولوداً” من الله، فهل تسيء فهم ذلك بأن عيسى قد ولد الآب؟ هل كان الحواريون الاثني عشر المصطفين متخلفين و أغبياء حقاً حسب تقديرك؟ إن المسلمين لا ينظرون إليهم بهذه الطريقة.
فيما يتعلق بمعجزات عيسى كدليل على ألوهيته، أرجو قراءة تعليقي حول معجزات الأنبياء الآخرين في القسم (2-2-3).
من الواضح أنك تحاول القول أن عيسى لم يقل لأحد أن يعبده و لم يدعي أن يكون الله حقيقةً، بل ترك الأمر لهم ليستخلصوه. فهل هذا دليل على أنه أرادهم أن يعبدوه؟ إن على الله أن يأمرنا بعبادته، و على عيسى أن يأمرنا أن نعبد الله، إلا أن عيسى (عليه السلام) يتلقى العبادة “دون أن يلومهم” دونما طلب بذلك؟ لماذا لا ينطبق ذلك على الله نفسه؟ لماذا لم يكتفِ الله بنفسه أن يبقى صامتاً (كما فعل عيسى) ثم يتوقع منا أن “نجتمع” و “نلاحظ” أنه يودنا أن نعبده؟ لماذا لم يتلقَّ الله نفسه العبادة “دون ملامة” إلا عندما أمرنا بذلك؟ لماذا؟!
فيما يتعلق بافتتاحية إنجيل يوحنا، فقد تم تفنيدها سابقاً بالتفصيل.
لم يطلب عيسى (عليه السلام) من أحد طوال حياته أن يعبده. إن الآخرين هم من قاموا بعبادته مخالفين بذلك عيسى (عليه السلام) و الذي عندما تحدث عن العبادة، كان ينسبها إلى الله و لم ينسبها لنفسه مطلقاً:
لِلرَّبِّ إلهِكَ تَسجُدُ، وإيَّاهُ وحدَهُ تَعبُدُ
الكتاب المقدس – لوقا 4: 8
لاحظ قوله (وإيَّاهُ وحدَهُ). لم يقل عيسى (وإيانا وحدنا) أو (هو و أنا فقط). كيف له أن يوضح ذلك أكثر من هذا؟ أي معنى مستنبط من هذا العدد ذلك الذي سنلفقه لنظهر بأن الذي كان يقصده عيسى “في الحقيقة” هو قوله “أعبدنا كلينا“؟
مشكلة أكثر المدافعين أنهم “يفسرون” ضمير الغائب (هو) على أنه (نحن) بما يناسبهم، ثم يُبقون على المعنى الأصلي لضمير الغائب (هو) بما يناسبهم أيضاً. ففي حالة مثل العدد [لوقا 4: 8] تراهم يزعمون أن “هو” تعني في الحقيقة “نحن”، بينما نجدهم في حالات أخرى عندما “يلد” الله عيسى أو “يضحي” الله بعيسى، فإن ضمير الغائب “هو” يقتصر على الله فقط و لا يعني “نحن”. ألا تلاحظ هذا الأمر؟
المزيد من ذلك:
- قالَ لها يَسوعُ: ((صدِّقيني يا اَمرَأةُ، يَحينُ وقتٌ يَعبُدُ النّـاسُ فيهِ الآبَ…))
[يوحنا 4: 21]
- وَلَكِنْ تَأْتِي سَاعَةٌ، وَهِيَ الآنَ، حِينَ السَّاجِدُونَ الْحَقِيقِيُّونَ يَسْجُدُونَ لِلآبِ بِالرُّوحِ وَالْحَقِّ، لأَنَّ الآبَ طَالِبٌ مِثْلَ هَؤُلاَءِ السَّاجِدِينَ لَهُ. [يوحنا 4: 23] (1)
لاحظ قوله ((السَّاجِدُونَ الْحَقِيقِيُّونَ يَسْجُدُونَ لِلآبِ)) و لم يقل: ((الساجدون الحقيقيون يسجدون للآب و الإبن)). لاحظ أيضاً قوله ((السَّاجِدِينَ لَهُ)) و لم يقل ((الساجدين لنا)) أو ((الساجدين لي)).
- ما كُلُّ مَنْ يقولُ لي: يا ربُّ، يا ربُّ! يدخُلُ مَلكوتَ السَّماواتِ، بل مَنْ يَعملُ بمشيئةِ أبـي الّذي في السَّماواتِ. [متى 7: 21]
- فأجابَهُ يَسوعُ: ((أحِبَّ الرَّبَّ؟ إلهَكَ بِكُلِّ قَلبِكَ، وبِكُلِّ نفسِكَ، وبكُلٌ عَقلِـكَ)) [متى 22: 37]
من الغريب أنه مع كون عيسى يعتبر “تجسداً” لله و مساوياً لله ككل في جميع المجالات، و أن الثلاثة هم إله “واحد”، إلا أنه لم يسترسل أحد و يحاول أن يشرح – إن كان الحال كذلك – سبب حاجة عيسى للصلاة ناهيك عن كونه يصلي لنفسه:
- واَبتَعَدَ عنهُم قَليلاً واَرتَمى على وجهِهِ وصلَّى فَقالَ: ((إنْ أمكَنَ يا أبـي، فلْتَعبُرْ عنِّي هذِهِ الكأسُ. ولكن لا كما أنا أُريدُ، بل كما أنتَ تُريدُ.)) [متى 26: 39]
- واَبتَعدَ ثانيةً وصلّى، فقالَ: ((يا أبـي، إذا كانَ لا يُمكِنُ أنْ تَعبُرَ عنِّي هذِهِ الكأسُ، إلاَّ أنْ أشرَبَها، فلْتكُنْ مَشيئتُكَ.)) [متى 26: 42]
- فتَركَهُم وعادَ إلى الصَّلاةِ مرَّةً ثالِثةً، فردَّدَ الكلامَ نفسَهُ. [متى 26: 44]
- وقامَ قَبلَ طُلوعِ الفَجرِ، فخَرَجَ وذهَبَ إلى مكانٍ مُقفرٍ، وأخذَ يُصلّي هُناكَ.
[مرقس 1: 35] - واَبتَعدَ قليلاً ووقَعَ إلى الأرضِ يُصلِّي حتّى تَعبُرَ عَنهُ ساعَةُ الألَمِ، إنْ كانَ مُمكِنًا.
[مرقس 14: 35] - واَبتَعَدَ ثانيةً وصَلَّى، فرَدَّدَ الكلامَ ذاتَهُ. [مرقس 14: 39]
- ولكِنَّهُ كانَ يَعتَزِلُ في البراري لِـيُصلِّي. [لوقا 5: 16]
- واَبتعَدَ عَنهُم مَسافةَ رَميةِ حجَرٍ وركَعَ وصَلَّى. [لوقا 22: 41]
إن كان عيسى (عليه السلام) “هو” الله، و إن عيسى و الله كلاهما اسمين مختلفين لـ”ثالوث” الله الأوحد، و إن كان كل الأقانيم الثلاثة “متساوون في المجد و الجلال الأبدي ومن جوهر واحد”، فهل كان عيسى يصلي لنفسه؟ هل كان يصلي لوجه آخر من شخصه؟ هل كان يصلي لنفس جوهره ؟ لماذا؟ لماذا يحتاج “تجسد” الله أن يصلي و يتضرع و يعرق و يتوسل لنفس جوهره؟ لو أنه لدينا أب و عدد من الأبناء، فهل يمكن للطبيعة “الأبوية” التوسل للطبيعة “الأبنوية” لتنقذها من الخطر؟ لماذا؟ و ما الهدف من ذلك؟
سيَقولُ لي كثيرٌ مِنَ النّاسِ في يومِ الحِسابِ: يا ربُّ، يا ربُّ، أما باَسمِكَ نَطَقْنا بالنُّبوءاتِ؟ وباَسمِكَ طَرَدْنا الشَّياطينَ؟ وباَسمِكَ عَمِلنا العجائبَ الكثيرةَ؟ فأقولُ لهُم: ما عَرَفتُكُم مرَّةً. اَبتَعِدوا عنِّي يا أشرارُ!
الكتاب المقدس – متى 7: 22
(1-2-5) الأصول التاريخية لخرافة “الثالوث” :
تَعرِفونَ الحقَّ، والحقُّ يُحرِّرُكُم.
الكتاب المقدس – يوحنا 8: 32
يقول السيد (جيه) :[تعتمد معظم “الأدلّة” ضدّ التّعاليم التّقليديّة للمسيحيّة على اسلوب التعرية – أي قذف فقرات معينة من الكتاب المقدس ووضعها في وجه فقرات أخرى]. أليس من المفترض عدم إمكانية “قذف فقرات معينة من الكتاب المقدس و ضعها في وجه فقرات أخرى”؟ ألا يجب أن تكون أعداد الكتاب المقدس متوافقة مع بعضها البعض؟ ألا يفترض أن تدعم الأعداد بعضها بعضاً بدلاً من تفنيدها لبعضها البعض؟ ما هذا المنطق؟
كما سنرى الآن، فإن البشرية قد قامت عبر العصور بانتهاكات لنصوص الكتاب المقدس، مما أدى في النهاية إلى وجود تناقضات لا تحصى بين الأعداد. إن هذا يعني أنه كنتيجة للتلاعب المستمر الصارخ، فإن رسالة الكتاب المقدس لم تعد محل ثقة على أنها كلمة الله الأصلية 100% غير المبدلة. إن الكتاب المقدس يشهد بنفسه أن شهادة الزور ينتج عنها التناقضات بشكل دائم [لأنَّ أُناسًا كَثيرينَ شَهِدوا علَيهِ زُورًا فتَناقَضَت شَهاداتُهُم – مرقس 14: 56]. يتابع السيد (جيه) فيقول: [نازعةً إياها من سياقها الذي وجدت فيه].
أرجو أن تعود إلى الأعداد مثل [أنا والآبُ واحِدٌ] و الأعداد الأخرى الكثيرة التي تم تفنيدها في القسمين الأخيرين، ثم انظر من الذي يتزع الأعداد من سياقها: المسلمون أم الكنيسة؟ أرجو أن تبين لي متى كنت غير عادل و أمين في تقديمي لهذه الأعداد. إن كان الكتاب المقدس هو كلمة الله 100% فإنه من المستحيل أن نتاقض أعداده بعضها بعضـاً. و من ناحية أخرى، إن كان البشر قد قاموا بانتهاكات لكلام الله فإن الأعداد ستناقض بعضها بعضاً بالفعل!
أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا (82)
القرآن الكريم – النساء
لماذا لا نطبق نفس الاختبار على الكتاب المقدس؟
[تدور الرّسالة المسيحيّة عن يسوع حول ثلاثة حقائق : التّجسّد, الصّلب و القيامة] ألم نتخلى بعد عن أمور مثل ((الثالوث المقدس – الخطيئة الأصلية – الفداء)) وما إلى ذلك؟ لقد أثبتنا لتونا بطلان كل هذه الأمور. [أثبت من خلال الإنجيل أو غيره أن أيّاً من هذه الأمور الثّلاثة غير صحيح, و ستنهار حقيقة الرسالة كما ينهار كرسي بثلاثة أرجل] أرجو أن تعود لتلقي نظرة على كرسيك هذا. ألا يتطلب هذا الكرسي وجود عقيدة “الثالوث”، “ابن الله المولود”، ” الخطيئة الأصلية”، “الفداء” ليبقى منتصباً؟ إنك ستجد العديد من التناقضات الخطيرة في رواية الصلب، و أموراً أخرى كثيرة – إن أحببت – في كتب أحمد ديدات ((الخيار The Choice)) – ((الصلب بين الحقيقة و الخيال Crucifixion or Cruci-fiction)) بالإضافة إلى الكثير من منشوراته (يمكنك أخذ فكرة من القسم 2-1 و القسم 2-2).
إن أحداً ما سيقول: [إن كان الثالوث المقدس غير موحىً به من عند الله العليّ أو من قبل عيسى (عليه السلام) فلماذا تؤمن المسيحية به؟] يكمن الجواب في مجمع نيقية 325 م.
كما قرأنا في القسم (1-2-2-16) في ((الموسوعة الكاثوليكية الحديثة – The New Catholic Encyclopedia)) الحائزة على الموافقة و الإجازة الرقابية (الموافقة الرسمية)، فإننا نأخذ نظرة خاطفة كيف أن مفهوم الثالوث المقدس لم يجد طريقه إلى المسيحية إلا بعد 400 سنة تقريباً من رحيل عيسى (عليه السلام) :
“من الصعوبة بمكان في النصف الثاني من القرن العشرين أن نقدم بموضوعية تقريراً واضحاً و مباشراً عن كيفية الوحي الإلهي فيما يخص لغز الثالوث المقدس، تطوره المذهبي، و تفصيله اللاهوتي. إن النقاشات المتعلقة بالثالوث المقدس، الروم الكاثوليك، و غيرهم آخرون قد عرضوا مفهوماً غير واضحٍ نوعاً ما. يدرك المفسرون و علماء الإنجيل اللاهوتيون بالإضافة إلى عدد كبير من الروم الكاثوليك أنه يجب على المرء ألا يتحدث بموضوع الثالوث المقدس في العهد الجديد مالم يكن مؤهلاً تماماً لذلك. و بالمثل يدرك مؤرخو العقيدة و علماء اللاهوت أنه عندما يتحدث أحدهم عن الثالوث المقدس دونما تأهيل فإنه يقفز بحواره من عهد الأصول المسيحية إلى الربع الأخير من القرن الرابع بعد الميلاد. في ذلك الوقت فقط تمكّن ما يسمى بـ((التعريف المحدد لعقيدة الثالوث : إله واحد في ثلاثة أقانيم)) من الانصهار في حياة المسيحيين و فكرهم… لقد كان هذا المفهوم نتاج ثلاثة قرون من التطور العقائدي”
الموسوعة الكاثوليكية الحديثة ، الإصدار الرابع عشر ، ص 295
The New Catholic Encyclopedia, Volume XIV, p. 295
إنهم يعترفون بذلك! إن كلاً من عيسى (عليه السلام)، يوحنا، متى، لوقا، مرقس، جميع الحواريين، و حتى بولس – جميعهم كانوا يجهلون أمر أي “ثالوث مقدس”!
(أرجو قراءة القسم 1-2-2-16 و القسم 1-2-3-1 لمعرفة المزيد)
إذاً، فما الذي حصل بالضبط في القرن الرابع بعد الميلاد؟ لنسأل السيد ديفيد رايت David F. Wright المحاضر الرئيسي في التاريخ الكنسي في جامعة إيدينبورو University of Edinburough. لقد قام السيد رايت بنشر تفصيل لتطور عقيدة “الثالوث”، حيث يقول:
“لقد كان أريوس Arius من كبار القساوسة المسؤولين عن أبرشية بوكاليس Baucalis – واحدة من الأبرشيات الإثني عشر في الاسكندرية. لقد كان مبشراً نشطاً يتبعه الكهنة و الناسكون، و قام أيضاً بنشر تعاليمه على شكل أغانٍ و منظومات شعرية. وفي عام 318 بعد الميلاد تصادم مع أسقف كنيسة الاسكندرية. لقد ادعى أريوس أن الآب فقط هو الإله الحق، و أن الإبن كان مختلفاً عن الآب بشكل جوهري. و قال أيضاً أن الإبن لم يكن يملك – من حيث الطبيعة أو الأحقية – أي صفات إلهية من حيث الخلود و الملك و المعرفة التامة و الصلاح و الطهارة. قال أن الإبن لم يكن موجوداً قبل أن يولد من الآب، و أن الآب قد أنتجه كمخلوق. و كونه مخلوق كباقي المخلوقات فإنه كان موجوداً – بصرف النظر عن عامل الزمن – قبل كل الخليقة. و على الرغم من ذلك فإنه لم يشارك الآب في الألوهية و لم يكن على دراية تامة به.”
ثم يتابع السيد رايت Wright في كتابه ليأكد على أنه قبل القرن الثالث للميلاد كان “الثلاثة” منفصلين في الإيمان المسيحي و كان لكل منهم منزلته الخاصة.
دليل إيردمان في تاريخ المسيحية – فصل ((المجامع و المذاهب))
“Eerdman’s Handbook to the History of Christianity,” chapter on “Councils and Creeds,”
ترتوليان Tertullian (155-220 م) – محامياً و قسيساً لكنيسة قرطاجة في القرن الثالث – هو أول مسيحي يبتدع كلمة “الثالوث” عندما تقدم بنظرية أن الإبن والروح يشتركان في الألوهية، ولكن كليهما كينونة واحدة من جوهر واحد مع الآب.
أنظر معجم مفسري الكتاب المقدس/ الإصدار الرابع ص 711
Interpreter’s Dictionary of the Bible, V4, p. 711
في هذا الوقت، كان مقدّر لحادثتين مختلفتين أن تمهدا للاعتراف الرسمي بالكنيسة من قبل الإمبراطورية الرومانية. فمن ناحية، كان الإمبراطور قسطنتين – الإمبراطور الوثني للرومانيين – قد بدأ يلاحظ التزايد المستمر لأعداد الناس المعتنقين للديانة الجديدة من رعيته. فلم يعودوا هؤلاء الحاشية القليلي الشأن بالنسبة للإمبراطورية، بل كان وجودهم يزداد بشكل ملحوظ، كما أن الإنقسام الصارخ و العداوة بين مختلف طبقاتهم كان يشكل بداية خطر محدق على الاستقرار الداخلي للإمبراطورية ككل.
و من جانب المسيحيين، كان قد اندلع خلاف حول مسألة “الثالوث” سنة 318 بعد الميلاد بين رجلين من رجال كنيسة الاسكندرية: أريوس Arius (الشماس[5]) و ألكسندر Alexander (الأسقف الذي يتبع له أريوس). قام الإمبراطور قسطنتين بالتدخل في هذا الخلاف، فأرسل العديد من الرسائل يحثهم فيها على وضع الخلافات جانباً – و التي وصفها بأنها “تافهة” – فيما يخص طبيعة الله و عدد الآلهة وما إلى ذلك. فبالنسبة إلى شخص قد اعتاد على ملازمة أمور مثل تعدد الآلهة ذكوراً و إناثاً، أشباه الآلهة، الآلهة البشر، تجسد الآلهة، بعث و قيامة الآلهة، وما إلى ذلكم.. فكانت مسألة عبادة جزء من حاشيته لإله واحد أو ثلاثة آلهة أو حتى “ثلاثة آلهة في إله واحد” هي مسألة تافهة و ثانوية إلى أبعد الحدود.
بعد أن فشلت محاولات الإمبراطور المتكررة لتهدئة الأوضاع، وجد نفسه أخيراً سنة 325 بعد الميلاد في مواجهة خطيرة لخلافين خطيرين فرّقا بين الرعية المسيحية: أولهما كان الاحتفال بذكرى خروج اليهود من مصر في يوم الأحد من عيد الفصح، و ثانيهما كان مفهوم “الثالوث المقدس”. لاحظ الإمبراطور قسطنتين أن وجود كنيسة موحدة كان مطلباً لأي مملكة قوية. فعندما فشلت المفاوضات لإنهاء الخلافات، نادى الإمبراطور لعقد “مجمع نيقية” لحل هذه النزاعات و لتحقيق أهداف أخرى. عُقد الاجتماع و تم التصويت على ألوهية عيسى (عليه السلام). و نظراً لكون أريوس Arius عائقاً ملحوظاً في التصويت، لم يمنح مقعداً في المجمع من الأساس. عندها صوت المجلس بالإجماع على ألوهية عيسى بالإضافة إلى تعديل في القرار يدين المسيحيين المؤمنين بوحدانية الله. عندها أُحرقت كل الكتب التي ألفها أريوس و قُتل كل من أخفى هذه الكتب.
و مباشرةً، قام أتباع الثالوث باستحداث كلمة (من نفس الجوهر homoousious) ثم استخدموا الدعم السياسي الجديد لإكراه كل الحضور لقبول تعريفهم لطبيعة الله. لم يقبلوا حلولاً وسطية. حتى هؤلاء ذوي الآراء الوسطية أجبروا على توقيع القرار و التمسك به و قبوله لإدانة الموحدين، و إلا سيكونوا محط ظلم و اضطهاد شديدين. و درءاً للنفي و لكي يبقى على إيمانه نوعاً ما، حاول الأسقف يوسيبيوس Eusebius of Nicomedia التوفيق بإضافة حرف على كلمة (من نفس الجوهر) لتصبح (homoiousios) بمعنى (مشابهاً للجوهر). فتم نفيه بعد ذلك بفترة وجيزة بحجة السماح لأتباع أريوس (الأريوسيون) دخول كنيسته.
يجب علينا أن نتذكر أيضاً أن كل ما جرى لم يكن مبنياً على أصول دينية بل حاجات سياسية. لقد كان الجدال في المجمع مشابهاً إلى حد كبير جدال الديمقراطيين و الجمهوريين في البرلمان. من يدري ما كان يجري وراء الكواليس من تأثيرٍ على الأعضاء و عقدٍ للصفقات للتحكم بنتيجة التصويت.
يقول أحد المؤرخين الكاثوليك:
“في بداية المجمع، كان حزب أتباع أريوس الوسطيين مهيمناً و كان الأسقف يوسيبيوس Eusebius of Nicomedia أحد أعضائه الأكثر تأثيراً. واجهت كلمة (من نفس الجوهر homoousious) بعض المصاعب في التأييد و القبول: فقد تم فرضها بدل من أن تحظى بالقبول، و قام هوسيوس Hosius بتأييد هذه الكلمة بكل ما أوتي من قوة، و كذلك فعل أساقفة كنيسة الاسكندرية و أنتيوش Antioch. و أعلن الأمبراطور ميله لاستخدام هذه الكلمة، فكان ذلك حجة رئيسية للكثيرين.”
يقول مؤرخ آخر:
“لقد كان المجمع من وجهة نظر قسطنتين مسألةً تخص الدولة أكثر من كونه مسألة تخص الكنيسة. لقد كان تواقاً لإنهاء الخلافات التي أقضت مضجعه، و لم يمكن مهتماً بالموافقة على ما يقوله أريوس Arius أو ألكسندر Alexander بقدر اهتمامه الكبير بوصول الأغلبية لنتيجة يمكن توظيفها في إسكات المعارضين بغض النظر عن هويتهم.”
كلا الاقتباسين أعلاه من كتاب (الردة عن عقيدة الكنيسة) للمؤلف جيمس باركر
“Apostacy from the Divine Church” by James L. Barker
كما يوجد أيضاً دليل قاطع على أن أغلب الذين وقعوا على هذا القرار لم يؤمنوا به حقيقةً أو يفهموه، بل ظنوا أنه من المناسب سياسياً فعل ذلك. كانت الفلسفة الأفلاطونية الحديثة هي الوسيلة التي تم بها صياغة هذا المعتقد المعرّف حديثاً – “الثالوث”. كتب أبوليوس Apuleius و هو أحد الحضور قائلاً: [لقد قمت بتمرير الورقة بهدوء] شارحاً السبب: [تلك المعتقدات الدينية الأفلاطونية الرهيبة فهمها القليل فقط من التقاة، أما المدنسين فقد كانوا على جهل تام بها] إن الغالبية العظمى ممن وقّع كانوا تحت ضغط سياسي مواسين أنفسهم بكلمات مثل [إن الروح أغلى من قليل الحبر]. روي أنه من بين /2030/ من الحضور فقط /318/ قد قبلوا هذا المذهب عن طيب خاطر (السيرة النبوية – أبو الحسّان الندوي، ص 306). بعد ذلك تمت المصادقة على معتقد (homoiousios) و الذي يعني (المجد المتساوي Co-Equality، الجلال الأبدي Co-Eternity، من نفس الجوهر Consubstantiality)(1) للأقنوم الثاني من الثالوث المقدس مع الآب. هذا المعتقد أصبح معروفاً فيما بعد بقانون الإيمان النيقوي.
بعد العودة إلى منازلهم، قام بعض الحضور – أمثال يوسيبيوس Eusebius of Nicomedia و ماريس Maris of Chaledon و ثيوغنيس Theognis of Nicaea – باستجماع شجاعتهم و عبّروا بالكتابة لقسطنتين عن مدى ندمهم على إدراج تواقيعهم في الصيغة النيقوية: [أيها الأمير، لقد قمنا بعمل لا ينّم عن التقوى] كتب يوسيبيوس Eusebius of Nicomedia [و ذلك باشتراكنا في الهرطقة خوفاً منك].
إلا أن الضرر قد وقع ولا مفرّ منه. يذكر أنه تم عقد ثلاثة عشر مؤتمراً في القرن الرابع الميلادي تم من خلالها إدانة أريوس Arius و معتقداته، بينما عقد خمسة عشر مؤتمراً لتأييده. و عقد سبعة عشر مؤتمراً مصدرين قرارات تساند ما نادى به أتباع أريوس – الأريوسيين Arians (السيرة النبوية – أبو الحسّان الندوي، ص 306).
أحد ثمار هذا المجمع كان التأليه الواضح لعيسى (عليه السلام). بعد ذلك بقليل منحت والدته مريم (عليها السلام) لقب (العذراء الوحيدة Ever Virgin). و لم يمض وقت طويل حتى دمجت هذه المفاهيم سنة 431 للميلاد لمنحها لقب (منجبة الله Theotokos). و بهذا أصبحت معروفة لنا باسم (والدة الله).
عندها وصل اضطهاد اليهود أوجه بالإضافة إلى الازدراء و التعصب الشديدين ضد جميع المسيحيين الذين لم يعتنقوا المذهب الجديد. أعطي الأمر بإحراق جميع كتب أريوس Arius و كل من تعاطف معه، و ساد عهد من الرعب على كل من لم يتماشى مع الإيمان المسيحي “الرسمي” الجديد. أحد المنشورات التي وزعت على العوام في هذا الخصوص:
“من الآن فصاعداً إفهموا و عوا من خلال هذا القانون يا أتباع نوفاتيوس(1) و فالنتاين(2) و مارشون(3) و بولس(4) يا من تدعون بالكاتافريجيين(5)… كم من كذب و تكبر و سموم و أخطاء مشينة لزمكم لحياكة عقيدتكم الباطلة! إنّا نحذركم… لا تفكروا من الآن فصاعداً أن تلتقوا في تجمعات. و لكي نمنع حدوث ذلك، نأمر بتجريدكم من كل البيوت التي اعتدتم التجمع فيها… و تلك البيوت سيتم نقل ملكيتها مباشرةً للكنيسة الكاثوليكية (أي الكنيسة الرسمية).”
بعد المؤتمر الذي عُقد في نيقية بقيت مسألة “الثالوث” بعيدة كل البعد عن الاستقرار أو الثبات. فعلى الرغم من الآمال الكبيرة التي علّقت على دور قسطنتين Constantine، إلا أن أريوس Arius و الأسقف الجديد لكنيسة الاسكندرية (أثانسيوس Athanasius) بدؤوا جدالاً جديداً حول الموضوع على الرغم من توقيع قانون الإيمان النيقوي، فأصبحت كلمة ( الأريوسية Arianism) تضم من ذلك الوقت كل شخص لم يتمسك بالمذهب المعرّف حديثاً “الثالوث المقدس”. لم يستطع أتباع أثانسيوس Athanasians أن يدحضوا من خلال المخطوطات ما قاله أريوس Arius و الأساقفة الشرقيين بأن المسيح هو مخلوق. لم يكن جميع أعضاء تلك الجماعة (ما سمّي بالأريوسيين) من أتباع أريوس Arians بل ضمت كافة الجماعات التي لم تمتثل للتعريف الثالوثي الجديد و التي وضعت جميعها تحت سقف “الأريوسيين Arians”، و ذلك لتعطي الانطباع بأن طبيعة الإله الذي يعبده هؤلاء الناس كان أمراً مستحدثاً ظهر مع شخص “أريوس Arius” إلا أن ذلك كان بعيداً كل البعد عن الواقع. لقد تلقى أريوس Arius تدريبه من لدن لوسيان Lucian of Antioch – العالم المسيحي الأكثر شهرةً في القرن الرابع و آخر ضحايا ظلم ديوكليتيان Diocletian. كما ضمت مدرسته كلاً من:
- يوسيبيوس Eusebius of Nicomedia
- منبوبهانتوس Menpophantus of Ephesus
- ثيوجنيس النيقوي Theognis of Nicæa
- ماريس Maris of Chaledon
- ليونتيوس Leontius of Antioch
- أثانسيوس Athanasius of Anarzabus
- أستيريوس Asterius the Sophist
تاريخ العقيدة، الإصدار الرابع – المؤلف هارناك ص 3
History of Dogma, Vol. iv, Harnack, p. 3
اعترف أثانسيوس Athanasius – الأسقف الذي أعيل إليه صياغة هذا المعتقد – بأنه كلما كتب أكثر هذا الموضوع انقلبت أفكاره عليه خاسئةً و أصبح أكثر عجزاً في التعبير عن ما يجول في ذهنه بوضوح. و بعد مجمع كاليدونيا 451 بعد الميلاد، لم يتم التساهل في أي جدال حول هذا الخصوص: فقد اعتبر التحدث على الملأ ضد الثالوث هرطقة تستوجب حكماً صارماً يتراوح بين التشويه الجسدي و الموت. فانقلب المسيحيون على بعضهم يشوهون و يذبحون الآلاف بسبب اختلافٍ في المعتقدات.
البعض قد يعترض على عدم صحة كلاً من أقوال هؤلاء العلماء البارزين و المراجع التي حظت على كامل الاحترام. يزعم هؤلاء بأن عيسى (عليه السلام) قد علّم تلاميذه فعلاً عقيدة “الثالوث المقدس” سراً و حصراً لهم، ثم قام التلاميذ بتعليم الآخرين سراً. و بعد قرنين من الزمن تم الإفصاح عنه للعامة. إلا أن هذه النظرية إضافة إلى كونها مبنية بلا دليل من الكتاب المقدس، فإنها تناقض قول عيسى نفسه:
فأجابَهُ يَسوعُ: ((كَلَّمْتُ النّـاسَ عَلانيةً، وعَلَّمتُ دائِمًا في المَجامِـعِ وفي الهَيكَلِ حَيثُ يَجتَمِـعُ اليَهودُ كلُّهُم، وما قُلتُ شيئًا واحدًا في الخِفيَةِ.))
الكتاب المقدس – يوحنا 18: 20
لقد كانت عبادة الشمس كآلهة رومانية أمراً منتشراً في القرن الثالث بعد الميلاد بين الأمميين الوثنيين (من غير اليهود) نظراً لانتشار هذا الأمر قروناً قبل ذلك. وكما جرت العادة، فإن الإمبراطور قسطنتين Constantine – الذي ترأس مجمع نيقية – قد اعتبر “تجسداً” للآلهة الشمس الرومانية. و لهذا السبب، و سعياً لإرضاء قسطنتين Constantine، قامت كنيسة الثالوث بترضيته بقليل من التوافق في النقاط التالية:
- حددوا عيد الميلاد ليكون في اليوم الخامس و العشرين من كانون الثاني (ديسمبر) موافقاً ليوم ولادة الآلهة الشمس الرومانية.
- بدلوا يوم السَبَت المسيحي من السبت إلى الأحد (وهو يوم الشمس)، ليتوافق مع مع اليوم المقدس للآلهة أبولو Apollo الآلهة الشمس (أنظر في الفصل الثالث).
- أخذوا من شعار الآلهة الشمس الرومانية – صليب النور – ليكون شعاراً للمسيحية. و قد كان الشعار الرسمي للمسيحية قبل ذلك سمكة تشير إلى العشاء الأخير (أنظر في الفصل الثالث).
- قاموا بدمج أغلب الطقوس التي تمارس في يوم ولادة الآلهة الشمس و أدخلوها في احتفالاتهم الخاصة.
دوّن لنا محمد عطاء الرحيم أن الحرص كان شديداً على ألا يشك العامة في كون قسطنتين Constantine قد أجبر هؤلاء الأساقفة على التوقيع رغماً عنهم، لذا التجأ إلى معجزة إلهية: فقد قام بجمع 270-4000 إنجيل (نسخة من كل إنجيل متوفر في ذلك الوقت) و وضعها تحت طاولة الاجتماع و أوصدت أبواب الغرفة عليها. ثم طلب من الأساقفة الصلاة بجدية طوال الليل. و في الصباح حدثت “معجزة” بأن جمعت الأناجيل التي قبلها أثانسيوس Athanasius (الأسقف الثالوثي لكنيسة الاسكندرية) و وضعت على الطاولة و أحرقت باقي النسخ.
المسيح نبي الإسلام – محمد عطاء الرحيم
Jesus Prophet of Islam, Muhammad ‘Ata ur-Rahim
“لعب عهد قسطنتين الدور في تحويل المسيحية من كونها ديانة لتصبح نظاماً سياسياً. و مع ذلك فقد حطّ من قدر هذا النظام السياسي بطريقة ما لينزله لمرتبة الوثنية، و بأخرى نهض به كنسخة مطورة عن الأساطير اليونانية القديمة. ((عندما يصطدم جسمان فإن هيئة كل منهما تتغير)) مثلٌ ينطبق على الواقع الاجتماعي و الحركي الميكانيكي. لقد عُدّلت الوثنية من قبل المسيحية، كما عثدّلت المسيحية من قبل الوثنية. لقد كان الهدف الأساسي لنقشات الثالوث التي اندلعت في مصر – موطن أتباع الثالوث – هو تحديد الموقف من كلمة (الإبن)”
تاريخ الصراع بين الدين و العلم – البروفسور جون درابر، ص 52-53
History of the Conflict between Religion and Science, Prof. John Draper, pp. 52-53
لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ (78) كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ (79) تَرَى كَثِيرًا مِّنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ أَن سَخِطَ اللّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ (80) وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِالله والنَّبِيِّ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاء وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ (81)
القرآن الكريم – المائدة
إن التاريخ يكرر نفسه. لقد حذر الله اليهود في الماضي ألا يتنازلوا في دينهم للكفار. إلا أنهم عصوا الله و ظنوا أن قليلاً من كسب الرضى و التوافق هنا و هناك يمكن أن يأتي بـ”نفع أكبر” و استمراراً للإيمان. إن هذه النزعة للتنازل تكرر نفسها. القليل من التوافق هنا و تنازلٌ هناك و لن يطول الأمر حتى تندثر الفروقات. ولكن ما هو الثمن؟
إن هذا هو السبب في الحقيقة وراء تحذير نبي الله الخاتم محمد ( ) ألا يقدم أي تنازل في دين الله ولو كان بسيطاً مهما قدم الكفار من نتازلات سخية.
ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ (1) مَا أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ (2) وَإِنَّ لَكَ لَأَجْرًا غَيْرَ مَمْنُونٍ (3) وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ (4) فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ (5) بِأَييِّكُمُ الْمَفْتُونُ (6) إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (7) فَلَا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ (8) وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ (9)
القرآن الكريم – القلم
انطلقت الكثير من الحملات الساحقة بهدف التدمير التام و المطلق لكافة الأناجيل “المرفوضة” من قبل الكنيسة الثالوثية عبر القرون اللاحقة. مثال على تلك الحملات هو الحملة التي انطلقت خلال الفترة 379-395 بعد الميلاد في عهد الإمبراطور المسيحي فلافيوس ثيودوسيوس Flavius Theodosius و التي تم القضاء فيها على كل كتابات المسيحيين الكاثوليك من غير الرومان. و مثلها حملة الإمبراطور المسيحي فالانتينيان الثالث Valentinian III في الفترة 425-454 بعد الميلاد و التي أمرت مرة أخرى بالإتلاف التام لكل الكتابات المتبقية للمسيحيين الكاثوليك من غير الرومان. مثل هذه الحملات ستكون معياراً للقرون اللاحقة.
يؤكد محمد عطاء الرحيم في كتابه أن أريوس Arius قد أُدين فوراً و تم استبعاده كنسياً، ومن ثم أعيد مرة أخرى ثم زُعم أنه سُمم و قتل على يد الأسقف الثالوثي أثانسيوس Athanasius سنة /336/ للميلاد. فاعتبرت الكنيسة أن موته “معجزة”. اكتُشفت خيانة أثانسيوس Athanasius من قبل مجلس عينه قسطنتين Costanatine و تم إدانته لقتله أريوس Arius (1).كما زُعم أن أثانسيوس Athanasius – الذي أعلن هرطقة أريوس Arius – قد زوّر رسالة باسم قسطنتين Costanatine تفيد بعقوبة الإعدام لكل من احتفظ بأي من كتابات أريوس Arius. فقام قسطنتين Costanatine بإرساله إلى المنفى، إلا أنه بعد موت الإمبراطور مباشرة صدر العفو من قبل قسطنتينوس الثـانيConstantius II ابن الإمبراطور سنة /337/ للميلاد(2).
لقد جعل قسطنتين من قانون الإيمان النيقوي قانوناً ملكياً. لقد كان إمبراطوراً وثنياً و في نفس الوقت لم يكترث البتة في كون هذا المعتقد يتناقض و تعاليم عيسى (عليه السلام) و تعاليم أنبياء الله في قرون سبقت و الذين عانوا ظلماً شديداً ليوصلوا رسالة التوحيد إلى أقوامهم كما نرى من خلال العهد القديم إلى يومنا هذا. جُمّ مراده كان منحصراً في تهدئة و توحيد “خرفاه – رعاياه”. و ما يدعو للسخرية هو ما سجله لنا السيد عطاء الرحيم بأن قسطنتين Costanatine اعتنق معتقدات الأريوسيين Arians و تم تعميده في فراش الموت سنة /337/ للميلاد من قبل قس أريوسي و مات بعد ذلك بفترة قصيرة. بمعنى أنه مات مؤمناً بوحدانية الله و بتعاليم الأريوسيين Arians تاركاً معتقدات أتباع الثالوث Trinitarian المستحدثة للمذهب الأثانسي.
لم تكن نظرية “مثلث الآلهة” مفهوماً جديداً بل كانت رائجةً بشكل كبير خلال الفترة المسيحية الأولى:
- مثلث الآلهة المصري: رمسيس الثاني – آمون رع – نوت.(1)
- مثلث الآلهة المصري: حوروس – أُزوريوس – إيزيس.(2)
- مثلث الآلهة التدمرية: آلهة القمر – سيد السماء – آلهة الشمس.(3)
- مثلث الآلهة البابلية: عشتار – سين – شماش.(4)
- ماهيانا الثالوث البوذي: جسد التحوّل – جسد المتعة – جسد الحقيقة.(5)
- مثلث الآلهة الهندوسية: براهما – فيشنو – سيفا.(6)
وما إلى ذلك … (للمزيد أنظر الفصل الثالث)
و من المعروف لدى الجميع أن “الثالوث – مثلث الآلهة”، و الذي كان له الأثر العميق في تعريف “الثالوث المقدس” لدى المسيحيين، كان نتاجاً فلسفياً لأفلاطون أحد الفلاسفة اليونانيين. بنيت فلسفته على تمييز ثلاثي لكل من “المسبب الأول”، “السبب” أو اللوجوس(7)، “روح الكون” (أرجو قراءة القسم 1-2-2-6). إدوارد جيبون Edward Gibbon – و الذي يعتبر أحد أعظم مؤرخي العالم الغربي و مؤلف كتاب “انحدار و سقوط الإمبراطورية الرومانية” و الذي يعتبر تحفة فنية من الناحيتين التاريخية و الأدبية – قال في كتابه:
“لقد كان خياله الشعري في بعض الأحيان سبباً في ترميم و بث الحيوية في هذه الأفكار الفلسفية المجردة، و مثلث القوس أو المبادئ الأصلية بعضها مع بعض من خلال جيل غامض يفوق الوصف، و اللوجوس الذي يعتبر عملياً من أكثر المفاهيم شيوعاً للإبن الخاص بالآب الأبدي خالق و حاكم هذا العالم”
إنحدار و سقوط الإمبراطورية الرومانية – إدوارد جيبون، ص 9 المجلد الثاني
“Decline and fall of the Roman Empire,” II, Gibbon, p. 9.
كما أن ترقية أناس إلى مرتبة الألوهية كان عملاًً منتشراً بين الأممين من غير اليهود في ذلك الوقت. فعلى سبيل المثال تم تنصيب يوليوس قيصر Julius Caesar من قبل أهل إفسس ليكون “تجلي الآلهة و مخلصاً عاماً لكل الحياة البشرية”. في النهاية فإن كلاً من اليونانيين و الرومانيين جعلوا من قيصر إلهاً. تم ترقيته لهذه المنزلة في معبد في روما من خلال النقش الذي أهدي إليه: “إلى الإله الذي لا يقهر”. كما رُقّي رجل آخر إلى مرتبة الآلهة من قبل الأممين وهو أغسطس قيصر Augustus Caesar، فقد تم تنصيبه إلهاً و “المخلص الإلهي للعالم”. كما يعتقد أيضاً أن الإمبراطور قسطنتين Constantine كان تجسداً بشرياً للآلهة الشمس الرومانية.. و غيرذلك كثير. هل من غير المعقول ألا يقوم هؤلاء الناس بترقية عيسى (عليه السلام) إلى منزلة الألوهية بعد أن سمعوا عن معجزاته العديدة و إقامته للأموات و إبرائه للأعمى؟ هؤلاء الناس الذين اعتادوا على آلهة بشرية لا تحصى كانوا من البسطاء، و أصبح عيسى (عليه السلام) أسطورة بينهم حتى في أيام حياته. فلا عجب ألا يستغرقوا الكثير من الوقت لجعله إلهاً بعد رحيله. في الحقيقة فإن عيسى نفسه قد تنبأ في إنجيل برنابا بأن البشر سيجعلون منه إلهاً و أدان بشدة كل من يجرؤ على فعل ذلك (أنظر الفصل السابع). إن الإنجيل يشهد بنفسه على حقيقة أن هؤلاء الأممين كانوا على أتم الاستعداد ليس لتزكية عيسى (عليه السلام) فقط، بل حتى حواريي عيسى ليصلوا إلى منزلة الآلهة:
وكانَ في لِسْترَةَ رَجُلٌ عاجِزٌ كسيحٌ مُنذُ مَولِدِهِ، ما مَشى في حياتِهِ مرَّةً. وبَينَما هوَ يُصغي إلى كلامِ بولُسُ، نظَرَ إلَيهِ بولُسَ فرَأى فيهِ مِنَ الإيمانِ ما يَدعو إلى الشِّفاءِ، فقالَ لَه بأعلى صوتِهِ: ((قُمْ وقِفْ مُنتصِبًا على رِجْلَيكَ! )) فنهَضَ يَمشي. فلمَّا رَأى الجُموعُ ما عَمِلَ بولُسُ، صاحوا بلُغتِهِم اللِّيقونيَّةِ: ((تَشبَّهَ الآلهَةُ بالبَشرِ ونَزَلوا إلَينا! )) وسَمُّوا بَرنابا زَيُوسَ، وبولُسَ هَرْمَسَ لأنَّهُ كانَ يَتَولَّى الكلامَ. وجاءَ كاهِنُ زَيُوسَ الّذي كانَ مَعبَدُهُ عِندَ مَدخَلِ المدينةِ بِثِيرانٍ وأكاليلَ مِنْ زَهرٍ إلى الأبوابِ، يُريدُ أنْ يُقَدِّمَ ذَبيحةً معَ الجُموعِ.
الكتاب المقدس – أعمال الرسل 14: 8-14
بل أكثر من ذلك، لم يكن مفهوم القيامة من بين الأموات أمراً مستحدثاً. كان اليونانيون – كغيرهم من الوثنيين – يعبدون الأرض و يربطون خصوبتها بخصوبة المرأة. كثير من الآلهة (الأنثى) الأم-الأرض نتجوا عن هذا الاعتقاد، مثل أفرودايت Aphrodite و هيرا Hera و غير ذلك. من خلال هذه الآلهة الأنثى الأم-الأرض نشأ مفهوم الآلهة البشر الذي غالباً ما تشخّص في دورة النباتات و الدورة الشمسيـة. بالنسبة للآلهـة أوسيروس Osirus و بعل Baal و كرونوس Cronus صوّر لنا أيضاً ملكاً ميتاً يُعبد على أنه إله. كما يفترض أيضاً أن هذه الآلهة البشرية قد وُلدت في /21/ كانون الأول (ديسمبر) ليوافق يوم الإنقلاب الشتوي (1) (اليوم الذي “تولد” في الشمس). و بعد أربعين يوماً، أي ما يقارب يوم عيد الفصح، وجب على هذه الآلهة البشرية أن تذبح و توضح في القبر ثم تُبعث من الموت بعد ثلاثة أيام ليسفك هذا الدم على الأرض و ذلك للحفاظ أو استرجاع خصوبة الأرض و منح الخلاص لكل الذين يعبدونه، و إشارةً إلى كل المؤمنين به أنهم بدورهم أيضاً سيُمنحون الحياة الأبدية. غالباً ما يدعى هذا الإله البشري بـ(المخلّص Soter). في بعض الأحيان يكون هذا المخلص منفرداً، ولكنه عادةً ما يكون “المخلص ثالث الثلاثة” أو “المخلص الذي هو الثالث”. و عادةً يُهزم هذا الإله البشري و يمزق إلى أشلاء و يغلبه أعداءه. في ذلك الوقت تبدو الحياة و كأنها قد انتُزعت من الأرض، ثم تأتي كينونة ثالثة لتقوم بإحياء الإله الميت، أو أن تكون هذه الكينونة نفسها ذلك الإله البشري و يحي نفسه، و بذلك يهزم أعداءه. نجد شرح ذلك بالتفصيل في الفصل الثالث.
لمعرفة المزيد من التفاصيل كيف أن تأقلم الفريسيين مع عبادة الآلهة ميثرا Mithra (1) كان له التأثير الواضح على بولس في إعادة صياغة دين عيسى، أرجو قراءة كتاب (محمد نبوءة قد تحققت – Mohammed A Prophesy Fulfilled) للمؤلف H. Abdul Al-Dahir. كما أحثّ على قراءة كتاب (الإسلام و المسيحية في العالم الحديث – Islam and Christianity in the modern world) للمؤلف الدكتور محمد الأنصاري، و كتاب (أساطير الكتاب المقدس و ما يماثلها في الديانات الأخرى – Bible myths and their parallels in other religions) للمؤلف دوان T. W. Doane، و كتاب (تاريخ المسيحية في ضوء المعرفة الحديثة، عمل جماعي – The history of Christianity in the Light of Modern Knowledge; a collective work) للمؤلف Blackie & son limited, 1929.
ألا يبدوا كل هذا مؤلوفاً؟ هل ذلك مجرد مصادفة عجيبة في أن ينتهي المطاف بعد ثلاثة قرون بالعهد الجديد الذي كتبه بولس، و الذي بشّر به الوثنيين من غير اليهود، في هيئة تماثل إلى حد بعيد المعتقدات الوثنية الراسخة؟ أم أن الله قد أعاد صياغة دينه عمداً بعد رحيل عيسى (عليه السلام) ليكون قريباً إلى حد كبير لديانة الأممين الوثنية ؟ تذكر الكلمات التي قالها بولس نفسه:
كُلُّ شَيءٍ يَحِلُّ لي، ولكِن لَيسَ كُلُّ شَيءٍ يَنفَع. كُلُّ شَيءٍ يَحِلُّ لي، ولكِنِّي لن أَدَعَ شَيئًا يَتَسَلَّطُ عليَّ.(2)
الكتاب المقدس – الأولى إلى أهل كورنثوس 6: 12
فَصِرتُ لليَهودِ يَهودِيّاً لأربَحَ اليَهودَ، وصِرتُ لأهلِ الشَّريعةِ مِنْ أهلِ الشَّريعةِ وإنْ كُنتُ لا أخضَعُ للشَّريعةِ لأربَحَ أهلَ الشَّريعةِ، وصِرتُ للَّذينَ بِلا شريعةٍ كالّذي بِلا شريعةٍ لأربَحَ الّذينَ هُمْ بِلا شريعةٍ … وصِرْتُ لِلضُّعفاءِ ضَعيفًا لأربَحَ الضُّعَفاءَ، وصِرتُ لِلنّاسِ كُلِّهم كُلَّ شيءٍ لأُخلِّصَ بَعضَهُم بِكُلِّ وسيلَةٍ.
الكتاب المقدس – الأولى إلى أهل كورنثوس 9: 20-22
سنتكلم عن ذلك فيما بعد.
و مع أن “الثالوث المقدس” قد تم صياغته في مجمع نيقية، إلا أن الفكرة القائلة بأن “عيسى هو الله” أو أنه “تجسد الله” (كما ذكر السيد جيه) لم يتم صياغتها إلا لاحقاً في مجامع إفسس Ephesus سنة /431/ و مجمع كالسيدون Chalcedone سنة /451/:
“… لقد وقف المسيحيون الكاثوليك على حرف الهاوية يرتجفون، فلم يكن بمقدورهم التراجع، ولا الوقوف حيث هم لخطورة ذلك، و لا السقوط المفزع. و تفاقم مذهبهم بالمزيد من عدم الملائمة من خلال نظامهم اللاهوتي الرهيب. لقد ترددوا في أن يقولوا بأن الله نفسه – الأقنوم الثاني للثالوث المقدس الذي هو من نفس الجوهر و مساوٍ له – قد ظهر في الجسد، ترددوا أن يقولوا بأن الكينونة التي تعمّ الكون كانت محصورة في رحم مريم، أن استمراه الخالد قد تم تحديده بالأيام و الشهور و السنين الخاصة بالبشر، أن الله العلي قد تم جلده و صلبه، أن جوهره الذي لا يمكن تجاوزه قد شعر بالأوجاع و الآلام، أن علمه المطلق لم يكن خالياً من الجهل، و أن مصدر الحياة و الخلود قد نفذ على جبل الجمجمة Mount Calvary. تم التأكيد ببساطة على هذه العواقب التي تحمل الخطر في طياتها دونما حياء من قبل أبولينانس Apollinans أسقف كنيسة لاوديسيا Laodicia أحد أعلام الكنيسة البارزين.”
إنحدار و سقوط الإمبراطورية الرومانية – المجلد السادس، جيبون ص 10
“Decline and Fall of the Roman Empire,” VI, Gibbon, p. 10.
تخبرنا موسوعة جروليرز Groliers encyclopedia تحت عنوان “التجسد”:
“يرمز التجسد إلى اتخاذ الآلهة جسداً على هيئة البشر. هذه الفكرة تتكرر بشكل مستمر في علم الأساطير. ففي العصور القديمة كان يُعتقد أن بعض الناس هم آلهة – و خاصةً الملوك و الكهنة. يعتقد في الهندوسية أن فيشنو Vishnu قد اتخذ تسعة أجساد أو تجسدات. و بالنسبة للمسيحيين فإن التجسد عقيدة أساسية تشير للإيمان بأن ابن الله الخالد – الأقنوم الثاني من الثالوث المقدس – أصبح بشراً في شخص يسوع المسيح. لم يُعترف بالتجسد كعقيدة إلا بعد نضال طويل عن طريق مجامع الكنيسة الأولى. ففي مجمع نيقية Council of Nicea /325/ تم الاعتراف بألوهية المسيح على حساب الأريوسية Arianism (الأفكار التي نادى بها أريوس)، و في مجمع القسطنطينية Council of Constantinople /381/ تم الاعتراف بالبشرية التامة للمسيح المتجسد على حساب الأبولينانسية Apollinarianism (الأفكار التي نادى بها أبولينانس)، و في مجمع إفسس Council of Ephesus /431/ تم الاعتراف على وحدة شخص المسيح على حساب النيستوريانسية Nestorianism (الأفكار التي نادى بها نستوريان)، وفي مجمع كالسيدون Council of Chalcedon /451/ تم تحديد طبيعتين للمسيح: طبيعة بشرية و طبيعة إلهية، و ذلك على حساب إيوتيش Eutyches.”
لاحظ أن الكنيسة احتاجت لقرابة /500/ سنة بعد رحيل عيسى لبناء و تبرير و من ثم المصادقة على فكرة “التجسد”. لاحظ أيضاً أن الحواريين و أبناءهم و أبناء أبنائهم لعشرة أجيال كانوا على جهل أيضاً بأي وجود لفكرة “التجسد”. كما كان أقرب الأتباع لعيسى (عليه السلام) على جهل أيضاً بهذه “الحقيقة”.
(للمزيد أرجو قراءة القسم 5-11)
فمن العجب عندها ألا نجد ذكراً لأي عقيدة تجسد في العهد الجديد. و من ناحية أخرى فإن العدد الوحيد الذي يصادق على هذا الزعم هو [الأولى إلى تيموثاوس 3: 16] و مرة أخرى فإن هذا العدد قد تم التعرف عليه على أنه تزوير لاحق ألصق بعيسى (عليه السلام) بعد ست قرون كاملة من رحيله.
فيما يتعلق بهذا العدد فإن سير إسحاق نيوتنSir Isaac Newton يقول:
“لم يظهر (العدد) على المسرح أبداً في جميع أوقات الخلاف المستمر مع الأريوسيين Arian .. فإن كل من يقرأ (الله ظهر في الجسد) لابد أن يقول بأنه من أوضح و أوثق النصوص في هذا المجال”
عيسى رسول الإسلام – محمد عطاء الرحيم، ص 157
Jesus, Prophet of Islam, Muhammad Ata’ Ur-Rahim, P. 157
“قد يكون هذا التعبير القوي مبرَّراً في لغة القديس بولس [الأولى إلى تيموثاوس 3: 16]، إلا أنه تم خداعنا في أناجيلنا العصرية. إن كلمة ((الذي – “o”)) قد تم استبدالها بكلمة ((الله – theos)) في مجمع القسطنتينية في بداية القرن السادس للميلاد. تلك القراءة الصحيحة للعدد، و التي نجدها في النسخ اللاتينية و السريانية، لازالت موجودة في حجج اليونانيين بالإضافة إلى آباء الكنيسة اللاتينيين. و هذا الخداع، بالإضافة إلى الشهود الثلاثة في رسالة القديس يوحنا، قد تم تتبعه بشكل رائع من قبل سير إسحق نيوتن Sir Isaac Newton”
إنحدار و سقوط الإمبراطورية الرومانية – المجلد السادس، جيبون ص 10
“Decline and Fall of the Roman Empire,” VI, Gibbon, p. 10.
لاحظ كيف أنه بعد وقت قصير من القبول الرسمي “للتجسد”، لوحظ أن الكتاب المقدس بحاجة لـ”التصحيح” و “التوضيح” ليصبح بمقدور القارئ أن يرى بوضوح ما يدل على “التجسد”. كل ما وجب عمله هو تغيير كلمة واحدة في العدد [الأولى إلى تيموثاوس 3: 16] كالتالي:
- قبل “التصحيح” الملهم به في القرن السادس:
ولا خِلافَ أنَّ سِرَّ التَّقوى عَظيمٌ ((الّذي ظهَرَ في الجَسَدِ وتَبَرَّرَ في الرُّوحِ، شاهدَتْهُ المَلائِكَةُ، كانَ بِشارَةً للأُمَمِ، آمَنَ بِه العالَمُ ورفَعَهُ الله في المَجدِ)).(1)
- بعد “التصحيح” الملهم به في القرن السادس:
وَبِالإِجْمَاعِ عَظِيمٌ هُوَ سِرُّ التَّقْوَى: اللهُ ظَهَرَ فِي الْجَسَدِ، تَبَرَّرَ فِي الرُّوحِ، تَرَاءَى لِمَلاَئِكَةٍ، كُرِزَ بِهِ بَيْنَ الأُمَمِ، أُومِنَ بِهِ فِي الْعَالَمِ، رُفِعَ فِي الْمَجْدِ.(2)
و لحسن الحظ فإن نسخاً حديثة من الكتاب المقدس أكثر أمانة كالنسخة القياسية المنقحة (RSV) قد بدأت باستبعاد مثل هذه الإضافات. لازلنا نتوق إلى المزيد، و على كل حال تلك مجرد بداية. (للمزيد أرجو قراءة القسم 2-1)
حتى يوم الفصح إنما هو بدعة وثنية لم يكن عيسى (عليه السلام) على علم بها ولا الحواريون. إن كلمة (الفصح – Easter) مشتقة من مهرجان الربيع الوثني للآلهة الأنثى الأنجلوساكسون Anglo-Saxon آلهة النور و الربيع (Eostre) [Eastre, Ishtar, Astarte] و التي أُهدي لها شهر نيسان (أبريل). كثيرةٌ تلك التقاليد الشعبية الملازمة لعيد الفصح كالبيض الملون (الذي يرمز إلى ضوء شمس الربيع في مهرجان الآلهة)، و الأرنب (رمز الخصوبة) و جميعها من أصل وثني أيضاً. كان مهرجان الآلهة يقام في اليوم الذي يصادف يوم الاعتدال الربيعي (21 آذار – مارس)، و كذلك كان “عيد الفصح” المسيحي. كان الاحتفال إحياءً لذكرى قدوم الربيع و استعادة الشمس قوتها. ونرى مرةً أخرى أن “الإبن” عيسى (عليه السلام) قد استعاد قوته و عاد للحياة في نفس التوقيت. (للمزيد أنظر الفصل الثالث)
بعد مجمع نيقية سنة /325/ للميلاد صدر البيان التالي:
“كما أننا نبعث لكم أخباراً طيبة بالقبول الجماعي فيما يخص الاحتفال بعيد الفصح أكثر الأعياد قداسة، فقد تم أيضاً تسوية الاختلافات بفضل صلواتكم. لذا فإن إخواننا في الشرق – و الذين يحتفلون رسمياً بهذا العيد في نفس اليوم الذي يحتفل في اليهود – سيقتدون بنا و بالرومانيين (من حيث التوقيت) و بكل من حذا حذونا في طريقة الاحتفال بعيد الفصح.”
هنالك العديد من الأمثلة كيف أنه – بعد أن حصلت الكنيسة الثالوثية على دعم الإمبراطورية الرومانية – قد تم وضع دين لعيسى (عليه السلام) شيئاً فشيئاً للتوفيق مرةً بعد مرة حتى لم يبقى من دين (عيسى) إلا بعض الأثر الذي يصعب تتبعه. فعلى سبيل المثال نقرأ:
“لايوجد في العهد الجديد بأكمله أي وصية واضحة تنص على أحادية الزواج، أو وصية صريحة تحرّم التعدد.”
الأب الكنسي يوجين هيلمان – إعادة النظر في التعدد: تعدد الزواج في إفريقيا و الكنائس المسيحية، كتب أوربس 1975، ص 140
Father Eugene Hillman, Polygamy Reconsidered: African Plural Marriage and the Christian Churches, Orbis Books, 1975, p. 140.
لم يتحدث عيسى أبداً ضد تعدد الزوجات في العهد الجديد على الرغم من ممارسة اليهود للتعدد في مجتمعه. يبين لنا الأب هيلمان Hillman حقيقة أن الكنيسة في روما قد حرمت تعدد الزوجات تماشياً مع المجتمع الروماني الإغريقي (و الذي يحدد زوجة شرعية واحدة بينما يتساهل مع الخليلة و بنات الهوى). و يستشهد بالقديس أغوستاين St. Augustine فيقول:
“الآن و في الوقت الحاضر، و تماشياً مع الأعراف الرومانية، لم يعد مسموح لنا اتخاذ زوجة أخرى”
غالباً ما تقوم الكنائس الإفريقية بالإضافة إلى المسيحيين الإفريقيين بتذكير إخوانهم المسيحيين في أوربا بأن تحريم الكنيسة لتعدد الزوجات كان عرفاً اجتماعياً و لم يكن وصيةً مسيحيةً أصلية. إلا أنه في عصرنا هذا، قليلٌ هم الذين يدركون هذه الحقيقة.. و عندما يستنكرون على الآخرين من المجتمعات الأخرى ممارستهم للتعدد فإنهم يستنكرون ذلك بشدة و بإسم المسيح غير مدركين أن “المسيح” بريء من هذه التوجهات “المسيحية” الحالية فيما يخص هذا الموضوع. إنهم مجرد نتيجة مباشرة للتوافق الذي حصل مع الرومان الوثنيين. و للمزيد حول هذا الموضوع فإني أزكي كتاب (المرأة في الإسلام و أعراف المسيحية الأولى بين الخرافة و الحقيقة) للدكتور شريف عبد العظيم.
Women In Islam Versus Women In The Judeo-Christian Tradition: The Myth & The Reality,” By Dr. Sherif Abdel Azeem.
“إن التشريع قد صان حقوق الزوجات، جاريةً كانت أم حرة. و فقاً لتفسير علماء الدين اليهودي للعدد [اللاويين 21: 13] فإنه لا يحق للكاهن أن يجمع بين زوجتين… يزودنا العدد [الخروج 21: 10] بمجموعة الواجبات الزوجية تجاه الزوجة الأولى حتى ولو كانت خليلة اشتراها… التفريق بين الزوجة و الخليلة يرجع إلى الزوجة الأكثر رفعةً و أشرفها مولداً، و غالباً ما يدعم ذلك الأقربون المستعدون للدفاع عنها… و كجزء من ممتلكات الرجل فإن الزوجات ينتقلن بالوراثة في بعض الأحيان إلى ملكية الورثة، على ألا يأخذ الوريث أمه. لقد استمرت هذه العادات في شبه الجزيرة العربية إلى أن حُرّمت في القرآن (السورة الرابعة).”
قاموس الكتاب المقدس – جيمس هاستينغ، سكريبنرز، ص 626
Dictionary of the Bible, James Hastings, Scribners, p. 626
لقراءة المزيد و المزيد حول تأثّر “مسيحية” اليوم بالوثنية، أرجو قراءة الكتب التالية:
- الإسلام و المسيحية في العالم المعاصر، للدكتور محمد أنصاري.
“Islam and Christianity in the modern world” by Dr. Muhammad Ansari
- أساطير الكتاب المقدس و ما يماثلها في الديانات الأخرى، للمؤلف دوان.
“Bible myths and their parallels in other religions” by T. W. Doane
كما ذكرنا سابقاً، فإن المسيحيين الأوائل كانوا جميعاً يهوداً أتقياء. إن أتباع عيسى (عليه السلام) الأوائل – بما فيهم الحواريين أنفسهم – قد اتبعوا نفس الدين الذي اتبعه موسى (عليه السلام) و أتباعه لقرون من قبلهم. لم يكونوا على علم بأي “عهد جديد” أو إبطالٍ لوصايا موسى (عليه السلام). لقد تعلموا من عيسى (عليه السلام) بأن دينه كان تثبيتاً لدين اليهود و إكمالاً له.
يقول جيبون:
“إن الأساقفة الخمسة عشر الأوائل في القدس كانوا جميعاً يهوداً مختونين، و أن الحشود التي ترأسوها وحدّت شريعة موسى و عقيدة المسيح.”
إنحدار و سقوط الإمبراطورية الرومانية، المجلد الثاني، جيبون ص 119
“Decline and fall of the Roman Empire,” II, Gibbon, p. 119
و كما رأينا أنه في أقسام سابقة، فإن هذه الحقيقة يؤكد عليها الكتاب المقدس حيث يذكر لنا أنه بعد رحيل عيسى حافظ أتباعه المخلصون على حضورهم اليومي إلى هيكل اليهود (أقدس معابد اليهود) و على مرأىً من أتباع دين موسى.
وكانوا يَلتَقونَ كُلَّ يومٍ في الهَيكَلِ بِقَلبٍ واحدٍ، ويكسِرونَ الخُبزَ في البُيوتِ، ويَتَناولونَ الطَّعامَ بِفرَحِ وبَساطةِ قَلبٍ.
الكتاب المقدس – أعمال الرسل 2: 46
تذكر أيضاً ما قاله البروفسور روبرت ألي Professor Robert Alley:
“إن النصوص (الوارد ذكرها في الكتاب المقدس) التي تحدث بها عيسى عن ابن الله إنما هي إضافة لاحقة… بما يوافق ما قالته الكنيسة عنه. إن مثل هذا الإدعاء بالألوهية لنفسه لا يكون متوافقاً مع اسلوب حياته كما يتبين لنا. و خلال العقود الثلاثة الأولى بعد موت عيسى استمرت المسيحية كجزء من اليهودية. و خلال العقود الثلاثة الأولى منذ نشأة الكنيسة كانت جزء من الكنيس اليهودي. لا يمكننا تصديق ذلك لو أنهم (أتباع عيسى) أعلنوا ألوهية عيسى بكل شجاعة.”
كما لا يمكننا تصديق ذلك لو أنهم بشّروا بالإلغاء و الهدم الكامل لشريعة موسى كما فعل بولس.
يقول تولاند Toland:
“نعرف مسبقاً درجة الاحتيال و السذاجة التي انتقلت من شخص إلى شخص في العهود الأولى للكنيسة المسيحية، فكان آخر من تسلّم هو أول من قام بتزوير الكتب. ولم يكتف هذا الشر بالتفاقم على هذا النحو، بل ازداد الطين بلة عندما كان الرهبان هم وحدهم الناسخون و حفظة كل الكتب جيدها و سيئها، و مع مرور الوقت أصبح من المستحيل تمييز التاريخ من الخرافة أو الصح من الخطأ كما كان في البداية وفقاً للأصول المسيحية الأصلية. فكيف للجيل اللاحق للحواريين – إن كان هذا هو الحال – أن يفندوا التعليم الأصلي لأساتذتهم على أنها منسوبة إليهم زوراً؟ و نظراً لكون الحواريين في جهل تام بتلك الأمور منذ البداية، فكيف لمن يأتي بعدهم أن يكون أكثر منهم هدايةً؟ و نلاحظ أن مثل تلك الكتب المنحولة (الأبوكريفا) عادة ما كان يؤخذ بها بنفس مصداقية الكتب التي اعترف بها آباء الكنيسة، و بنفس درجة مصداقية الكتب التى أخذت صبغة القانونية و نُقلت إلينا على أنها وحي إلهي، بل في بعض الأحيان فإن ما نعتبره وحياً كان مرفوضاً من قبلهم. سأطرح سؤالين آخرين: لماذا اعتُبرت أصيلة كل كتب كليمنت الاسكندراني Clement of Alexander، أوريجن Origen، ترتوليان Tertullian بينما لم يؤخذ بباقي الكتبة على قدم المساواة من حيث المصداقية؟ وما هو الجهد الواجب تكريسه على شهادة هؤلاء الآباء الذين لا يكتفون بمناقضة بعضهم البعض فحسب، بل يناقضون أنفسهم أيضاً في علاقتهم بذات الحقائق؟”
لقد تنبأ عيسى (عليه السلام) نفسه بهذا الوضع المأساوي فقال:
سيَطرُدونَكُم مِنَ المَجامِـعِ، بل تَجيءُ ساعةِ يَظُنُّ فيها مَنْ يَقتُلُكم أنَّهُ يُؤدِّي فَريضةً للهِ. وهُم يَعمَلونَ ذلِكَ لأنَّهُم لا يَعرِفونَ أبـي ولا يَعرِفوني. أقولُ لكُم هذا، حتّى إذا جاءَتِ السّاعةُ تَتذَكَّرونَ أنِّي قُلتُهُ لكُم. ما قُلتُ لكُم مِنَ البَدَاءَةِ لأنِّي كُنتُ مَعكُم.
الكتاب المقدس – يوحنا 16: 2-4
واَنتَبِهوا، لأنَّ النَّاسَ سَيُسلمونَكُم إلى المَحاكِمِ، ويَجلِدونَكُم في المجامِعِ، ويَسوقونكُم إلى الحُكّامِ والمُلوكِ بسببي، لتَشْهَدوا عِندَهُم وعِندَ الأمميين.
الكتاب المقدس – متى 10: 17-18 (الترجمة القياسية المنقحة)
حسنٌ إذاً، لماذا الناس الذي عاشوا في القرون التي لحقت هذه الأحداث لم يقوموا بإشعال الثورة و يجددوا التعاليم الأصلية لعيسى (عليه السلام)؟ لأن الكتاب المقدس في ذلك الوقت كان في أيدي أقليةٍ مُنحت حق امتلاكه. لم يُسمح لأحد قراءته أو ترجمته إلى لغاتٍ أخرى. عندما تسلّمت هذه الأقلية مقاليد السلطة في ما سُمّي لاحقاً في الغرب بـ”العصور المظلمة” (المصطلح السياسي الأكثر صحةً في أيامنا هو العصور الوسطى)، قام هؤلاء الرجال بالاحتفاظ بالكتاب المقدس لأنفسهم زاعمين أنهم الوحيدين القادرين على فهم تعاليمه. أول ترجمة رسمية للكتاب المقدس إلى اللغة الإنكليزية كانت للسيد ويليام تيندال William Tyndale، و اعتبرت لدى العوام أصلاً للنسخ العبرية و اليونانية. و اتخذت نسخة الملك جيمس من هذه الترجمة أساساً لها. ثم نُفي السيد ويليام سنة 1524م و بعدها تمت إدانته بالهرطقة و أُعدم حرقاً في تشرين الأول (أكتوبر) 1536م لفعله الخسيس و هرطقته بأن قام بترجمة الكتاب المقدس إلى اللغة الإنكليزية.(1)
باستلام الكنيسة مقاليد الحكم، ظهرت محاكم التفتيش الواسعة. و محاكم التفتيش إنما هي محكمة تابعة للكنيسة في القرون الوسطى أنشأت بهدف ملاحقة المهرطقين و محاكمتهم. و من خلال الإجراءات القاسية سيئة السمعة تم حماية محكمة التفتيش أثناء حكم الكنيسة بالاستعانة بالممارسات الواردة في الكتاب المقدس و بالأب الكنسي القديس أغسطين Augustine نفسه (354-430) – وهو الشخص البارز في الكنيسة و الذي فسر العدد [لوقا 14: 23] بإطلاق العنان في استخدام القوة ضد المهرطقين بهدف إعادتهم إلى ما كانوا عليه (2).
يقول السيد توم هاربر Tom Harpur:
“الرعب من الحملات الصليبية و محاكم التفتيش رديئة السمعة كان مجرد جزء صغير من هذه الرواية المفجعة” (3)
نقش مجهول المصدر من القرن السادس عشر يصور لنا أمثلةً عن العقوبات التي انتشرت في “العصور المظلمة” للمسيحية. الصف في الأعلى يظهر لنا إعدام بالحرق، الشنق، والغرق. الصف في الوسط يصور لنا عيناُ مفقوءة، أعضاء داخلية قد انتُزعت، وآذاناً مقطوعة. أمام الطاولة يوجد رجلٌ يتم تجهيزه حتى تتهشم عظامه بالعجلة (صُوّرت بحجم أصغر مما هي عليه) – لن يتم قتله بالضرورة و لكن سيحطمون جميع عظامه. السطر في الأسفل يظهـر حالة جلد، ضرب للعنق، وقطع للأيدي.(4)
حسنٌ، ولكن لابد أنه من بين هؤلاء الذين أُذن لهم بالوصول إلى الكتاب المقدس أناس أشاروا إلى تلك الأمور. نعم هذا صحيح.. و لكنهم للأسف أعدموا أو عُذبوا حتى قاموا بالتراجع عن آرائهم، كما أحرقت جميع كتبهم. فعلى سبيل المثال إسحاق ديلابيير Isaac de la Peyere كان واحداً من العلماء الكثر الذين لاحظوا تناقضات خطيرة في الكتاب المقدس و كتبوا عنها على الملأ. فمنع تداول الكتاب و أحرق، و ألقي القبض عليه و أخبروه أنه ليتم إطلاق سراحه يجب عليه أن يتراجع عن آرائه أمام البابا، ففعل. هنالك أعداد لا تحصى من مثل هذه الأمثلة لمن أراد أن يبحث في كتب التاريخ.
لقد استمرت حملة القتل و التعذيب التي أطلقتها الكنيسة الثالوثية على مدار قرون عديدة من اختراع الثالوث المقدس عام 325م. الكثير من العلماء و القادة اللامعين من المسيحيين الموحدين تمت إدانتهم و عذِّبوا و أُحرقوا أحياء بإسلوب ضمن لهم عذاباً طويلاً جداً. بعضٌ من هؤلاء الرجال هم: أوريغن Origen (185-254م)، لوشان Lucian (توفي سنة 312م)، أريوس Arius (250-336م)، مايكل سيرفيتوس Michael Servetus (1511-1553م)، فرانسيس دافيد Francis David (1510-1579م)، ليليو فرانشيسكو سوزيني Lelio Francesco Sozini (1525-1562م)، فاوستو باولو سوزيني Fausto Paolo Sozini (1539-1604م)، جون بيدل John Biddle (1615-1662م)… و غيرهم.
تلك الإدانات الجماعية أصبحت مكثفة بشكل كبير لدرجة أنه لم يكن كافياً إدانة أشخاص معينين، بل تعداه إلى إدانة أمم بأكملها و قتلهم. مثال على ذلك الحكم المقدس الصادر بتاريخ 15/2/1568م و الذي أدان كل سكان هولندا و حكم عليهم بالموت بتهمة الهرطقة. ثلاثة ملايين من الرجال و النساء و الأطفال أعدموا على منصة الإعدام في ثلاثة صفوف من قبل الكنيسة الثالوثية المبجلة. لماذا لا يصيح أحد و يشير إلى هذه المجزرة التي أصابت هؤلاء المساكين؟ (1)
” في يوم /25/ من فبراير-شباط من عام 1568 صدر عن المكتب المقدس حكم بالموت أدان كل سكان هولندا بتهمة الهرطقة. و تم اسثناء أناس معينين بالإسم من هذا الموت العام. ثم صدر تصريح عن الملك فليبس الثاني ملك اسبانيا بعد عشرة أيام مؤكداً هذا الحكم الصادر عن محكمة التفتيش، و أمر بنقله فوراً إلى حيز التنفيذ… ثلاثة ملايين من الرجال و النساء و الأطفال أعدموا على منصة الإعدام في ثلاثة صفوف. و بناءً على الحكم الجديد تم التنفيذ دون تردد. فقاموا بجر رجالٍ ذوي مكانة نبيلة و رفيعة إلى الأوتاد يومياً و على مدار الساعة ليتم إعدامهم. في رسالةٍ إلى فليب الثاني قامت ألفا Alva و ببرود بتقدير عدد الذين سينفذ فيهم الحكم بعد انقضاء الاسبوع المقدس بـ((ثمانمائة رأس))”
قيام الجمهورية الهولندية – جون لوثروب مولتي
“Rise of the Dutch Republic” John Lothrop Motly
في كتابه “الناصريين The Nazarenes” يسأل المؤلف تولاند Toland:
“و باعتبار أن الناصريين و الأبونيين Ebonites (النصارى الموحدين) يعترف بهم جميع مؤرخي الكنيسة على أنهم عموماً يؤلفون الجماعات المسيحية الأولى، أو أنهم الذين آمنوا بالمسيح من بين اليهود شعب المسيح الذي عاش و مات بينهم، و شهدوا أعماله و خرج منهم الحواريون – باعتبار هذا كله أتساءل كيف يكون ذلك ممكنٌ أن يصبحوا هم أول المهرطقين دون الآخرين، و أن تكون مفاهيمهم خاطئة عن عقيدة و خطط عيسى؟ و كيف للأممين الذين آمنوا به بعد موته على يد مبشرين لم يعرفوه قط أن يصبحوا الأمم الأكثر صدقاً في هذه المسائل، ومن أين لهم أن يأتوا بالمعلومات إلا من اليهود المؤمنين به؟”
من كتاب: عيسى نبي الإسلام
From: Jesus a Prophet of Islam
اليوم فقط و قد اجتمعت لدينا الحرية الدينية و المعرفة العلمية و المكتشفات الأثرية في دراسة الكتاب المقدس و غيرها من المستندات الأثرية – بدأ المسيحيون بإبصار الحقيقة. مثال عن ذلك ما ورد في الصحيفة البريطانية “ديلي نيوز Daily News” أن استقراءً أجري على /31/ من أصل /39/ من الأساقفة الإنجيليين، و وجد أن /19/ منهم يعتقدون أنه من غير الضروري للمسيحيين أن يؤمنوا بأن عيسى (عليه السلام) هو الله، بل “أداته العليا”. و من الغرابة بمكان أن يخبر الله العلي المسلمين بذلك في القرآن الكريم منذ /1400/ سنة. القرآن يخبرنا أن عيسى ليس هو الله أو إبناً لله (بالمفهوم العام)، بل عبداً تقياً مصطفاً و رسولاً من عند الله. إن هذا مايشهد عليه عيسى نفسه:
والحياةُ الأبديَّةُ هيَ أنْ يَعرِفوكَ أنتَ الإلهَ الحَقَّ وحدَكَ ويَعرِفوا يَسوعَ المَسيحَ الّذي أرْسَلْتَهُ.
الكتاب المقدس – يوحنا 17: 3
(1-2-6) الهدم التدريجي لشريعة عيسى :
لقد كان عيسى (عليه السلام) يهودياً على درجةٍ عالية من التقوى. لم يكن يمقدور أحدٍ من اليهود أن يمد له أصابع الاتهام و يقول له لماذا لم تحافظ على السَبَت؟ لماذا تأكل الخنزير؟ في الحقيقة فإن الحواريين هم الذين يوصفون في العهد الجديد على أنهم ينتهكون الشريعة. إن الكتاب المقدس يخبرنا أن عيسى (عليه السلام) قد رحل و لم يتناول لحم الخنزير قط، لم ينتهك حرمة السَبَت، و كان الطلاق محرّماً أثناء أيام حياته إلا في حالة الزنا، وكان يتّبع شريعة موسى حرفياً. إلا أن أحلام بولس قد أحلّت للمسيحيين اليوم كل الذي كان يؤمن به عيسى و مات عليه (وفقاً للكتاب المقدس).
إنك لن تجد كاهناً واحداً أو مبشراً يقول لأتباعه من المسيحيين أنهم “عليهم أن يحفظوا الوصايا ليدخلوا الفردوس” (كما فعل “سيده”). إن الغالبية العظمي من المسيحيين اليوم لا ينفكون عن أكل لحم الخنزير و لا يحافظون على السَبَت كما فعل “سيدهم” و مات عليه. هنالك الكثير من الاختلافات بين مسيحيي اليوم و بين عيسى و أفعاله. إن المسيحيين في الغالب يتّبعون وصايا بولس و آخرين أعطيت لهم السلطة لإلغاء وصايا كل من موسى و عيسى على حد سواء، ولا يوجد مسيحي واحد يتحفظ على ذلك و لا بأي شكل. إن المسيحية مبنية حرفياً على أساس أن أتباع الأتباع له الحق في إلغاء وصايا أنبيائهم بل يتعداه إلى الشريعة التي طبقها ابن الله المزعوم بنفسه.
لنأخذ نظرة أقرب على هذا الموضوع. لقد أمر الله اليهود بالحفاظ على نظام منضبط للطعام، و من هنا جاء اليهود بكلمة “كوشر Kosher”. هذه الكلمة تشير إلى كل الطعام المباح عند اليهود. من بين الأطعمة التي حرّمها الله على كل اليهود هو لحم الخنزير. و لهذا السبب فإننا نجد أن عيسى (عليه السلام) اعتبر الخنزير حيواناً قذراً و مقززاً، و لم يكتف بعدم تذوق لحمه مطلقاً (علماً أن المسلمين أيضاً يعيشون حياتهم دون أن يتناولوا لحم خنزير قط)، بل اعتبره حيواناً منحطاً بكل معنى الكلمة لا يصلح إلا مكبّاً لنفايات الشياطين. نقرأ في إنجيل متى الإصحاح الثامن:
فتوَسَّلَ الشَّياطينُ إلى يَسوعَ بقولِهِم: ((إنْ طرَدْتَنا، فأرْسِلنا إلى قطيعِ الخنازيرِ)). فقالَ لهُم: ((اَذهَبوا! )) فخَرجوا ودَخَلوا في الخنازيرِ، فاَندفَعَ القطيعُ كُلُّهُ مِنَ المُنحَدَرِ إلى البحرِ وهَلَكَ في الماءِ.
الكتاب المقدس – متى 8: 31-32
إلا أنه بعد رحيل عيسى بفترة قصيرة جاء بولس و أحل أكل كافة مخلوقات الأرض:
إنْ دَعاكُم وثَنِيٌّ وقَبِلتُم دَعوَتَهُ، فكُلوا ما يُقَدِّمُهُ لكُم ولا تَسألوا عَنْ شيءٍ بِدافِعِ الضَّميرِ.
الكتاب المقدس – الأولى إلى كورنثوس 10: 27
وفي لحظة مأساوية واحدة، ضاع جهد عيسى طوال أيام حياته هدراً على الأرض ليوضع تحت البساط.
يؤمن الكثيرون أن رؤيا بولس الموجودة في كتاب أعمال الرسل كانت العامل الرئيسي في إلغاء هذه الشريعة الأساسية لليهود. و من ناحية أخرى، فإن علماء المسيحية اليوم يدركون أن كتابات بولس هي الأقدم في الكتاب المقدس. فقد تمت كتابتهم بين 50-60م ، بينما نجد أن الأناجيل الأربعة نفسها قد كتبت بعد ذلك بعقود بين 70-110م. و على الرغم من أن كتاب أعمال الرسل (70-90م) يعتبر لدى العامة من تأليف بولس، إلا أنه تبين أنه قد كتبه مؤلف (أو أكثر) مجهول دون بولس و الذي كان (أو كانوا) متعاطفاً مع الأحداث التي جرت معه.
وفقاً للكتاب المقدس فإن عيسى (عليه السلام) أمضى حياته كلها في ولاء تام لوصايا شريعة موسى (عليه السلام). لقد رحل تاركاً أتباعه مع كلمات قالها لهم:
((لا تَظُنُّوا أنّي جِئتُ لأُبطِلَ الشَّريعَةَ وتَعاليمَ الأنبياءِ: ما جِئتُ لأُبطِلَ، بل لأُكمِّلَ. الحقَّ أقولُ لكُم: إلى أنْ تَزولَ السَّماءُ والأرضُ لا يَزولُ حرفٌ واحدٌ أو نقطةٌ واحدةٌ مِنَ الشَّريعةِ حتّى يتِمَّ كُلُّ شيءٍ. فمَنْ خالفَ وَصيَّةً مِنْ أصغَرِ هذِهِ الوصايا وعلَّمَ النَّاسَ أنْ يَعمَلوا مِثلَهُ، عُدَّ صغيرًا في مَلكوتِ السَّماواتِ. وأمَّا مَنْ عَمِلَ بِها وعَلَّمَها، فهوَ يُعَدُّ عظيمًا في مَلكوتِ السَّماواتِ.
الكتاب المقدس – 5: 17-19
إلا أن أحلام بولس قد أطاحت بالوصايا يمنة و يسارا”. هنالك الكثير من الأمور التي كان يقوم بها عيسى (عليه السلام) أثناء حياته و التي يتجاهلها كلياً أتباعه اليوم، و ليس السبب في أن عيسى (عليه السلام) طلب منهم أن يخالفوا الوصايا بل لأن بولس طلب منهم لاحقاً أن يخالفوا الوصايا معتمداً على السلطة الممنوحة له في الرؤى التي كان يتلقاها.
إذا، فالذي نستخلصه من النظرة الحالية على الخطة الرئيسية لعيسى هو التالي:
- لقد عاش عيسى (عليه السلام) بين شعبه لمدة ثلاثة و ثلاثين عاماً أظهر لهم الكثير من المعجزات و يعلمهم أن يحفظوا وصايا موسى، أن يحافظوا على السَبَت، أن يمتنعوا عن أكل لحم الخنزير، أن يختنوا أولادهم، أن يصوموا مع اليهود، أن يقيموا عبادتهم في الكنيس اليهودي، و ما إلى ذلك. لم يأمرهم بمجرد الكلام بل كان قدوةً لهم من خلال أفعاله. كلما تحدث عن معجزاته كان يقول أنه يقوم بها “بإصبع الله” و أنه “لايقدر أن يفعل شيئاً من نفسه“. كلما تحدث عن العبادة كان يقول “اعبدوا الآب” و لم يقل “اعبدوني”، أو “اعبدوا الثالوث المقدس”، أو “اعبدونا”. كذلك لم يقل أبداً “أنا إله”. إن مصطلح “ابن الله” كان شائعاً بين شعبه منذ قرون قبله للدلالة على عبد لله تقي، و قد طبّق في الكتاب المقدس على أنبياءٍ كثر قبله و حتى على الناس العاديين. بالإضافة إلى أن الناس في وقته كانوا يفهمون من كلمة الله أنه “الآب” لكل من أحبه.
- على مدار ثلاثة قرون من رحيل عيسى (عليه السلام)، استمر حواريوه و أتباعهم (ياستثناء بولس و أتباعه) على نفس الخطى التي مشى عليها عيسى (عليه السلام) كيهودٍ مؤمنين متمسكين بشريعة موسى (عليه السلام). مارسوا عبادتهم في معابد اليهود، و قاموا بزيارة الهيكل يومياً، و كانوا لا يتميزون عن اليهود بشيء و من كافة الجوانب إلا في حقيقة تأكيدهم على أن عيسى (عليه السلام) كان هو المسيا (المسيح) المنتظر الذي لم يؤمن به كثير من اليهود آنذاك (ولا زالوا لا يؤمنون به). كل هؤلاء الناس، ولا حتى بولس، لم يسمعوا بأي ثالوثٍ مقدس قط. فقرر عيسى ألا يكشف طبيعته (و طبيعة الله) “الحقيقية”إلا بعد ثلاثة قرون من رحيله. قرر أنه بعد ثلاثة قرون من رحيله سيكون الوقت قد حان ليذهب إلى الكنيسة و يقدم لهم “وحياً” إلهياً ليقوموا بـ”إضافة” أعداد على الكتاب المقدس تثبت شرعية “الثالوث” (كالعدد يوحنا الأولى 5: 7). تلك الكشوفات “الموحى بها” من عند عيسى تم توثيقها من قبل المؤرخين المسيحيين على استمراريتها حتى القرن الخامس عشر بعد الميلاد على الأقل. كما أوحى لهم عيسى أن يتلفوا كل الأناجيل بشكل تام و التي كتبت قبل القرن الرابع و لم تعلّم هذه الطبيعة “الحقيقية” لعيسى بأنه الله. ثم “أوحى” بعد ذلك إلى الكنيسة أن يتلفوا بشكل تام جميع المخطوطات اليدوية القديمة و التي كتبت باللغة الآرامية أو العبرية – اللغة الأصلية لعيسى (عليه السلام) و الحواريين. “أوحى” لهم أن المخطوطات اليدوية اللاتينية و الإغريقية ستكون كافية و وافية. و أخيراً “أوحى” لهم أن يطلقوا حملة ضخمة من “التفتيش” لـ”تنقية” الأرض من بقايا المسيحيين الموحدين أو تحويل عقيدتهم.
- عندما رحل عيسى (عليه السلام)، استمر أتباعه بإخلاص بالحذو حذوه و حافظوا على شريعة موسى. ثم جاء بولس و اضطهد أتباع عيسى بكل الأساليب التي عرفها. إنه يعترف بذلك فيقول:
سَمِعتُم بِسيرَتي الماضِيَةِ في ديانَةِ اليَهودِ وكيفَ كُنتُ أضْطَهِدُ كَنيسةَ اللهِ بِلا رَحمَةٍ وأُحاوِلُ تَدميرَها.
الكتاب المقدس – غلاطية 1: 13
(أنظر أيضاً: أعمال الرسل 7: 58-60 ، 8: 1-3)
عندها قرر عيسى (عليه السلام) تجاوز حوارييه و الذهاب مباشرةً إلى أسوء مضطهدي أتباعه على وجه الأرض من خلال “رؤية” و يعطيه علماً غير متوفر للحواريين. و كشف بولس أن الله يحمّل كل البشرية مسؤولية خطيئة آدم (رومية 5: 11-19، كورنثوس الأولى 15: 22). إلا أن الله نفسه يقول قبل أن يولد بولس بزمن بعيد:
لا يُقتَلُ الآباءُ بِخطيئةِ البَنينَ، ولا يُقتَلُ البَنونَ بِخطيئةِ الآباءِ. بل كُلُّ إنسانٍ بِخطيئتِهِ يُقتَلُ.
الكتاب المقدس – التثنية 24: 16
النَّفسُ التي تَخطَأُ هيَ وحدَها تموتُ. الابنُ لا يحمِلُ إثْمَ أبيهِ، والأبُ لا يَحمِلُ إثْمَ ابنِهِ.
الكتاب المقدس – حزقيال 18: 20 …إلخ
- و بعد ذلك كشف بولس أن عيسى أتاه في رؤى و أمره بإلغاء وصايا الله التي أمضى ثلاثة و ثلاثين سنة على الأرض محافظاً عليها و يعلم أتباعه أن يفعلوا كذلك، و قال له أن تلك الوصايا قد “فسدت” و أصبحت جاهزة كي “تتلاشى بعيداً“، و أنها كانت “لعنة” علينا. الأمر الوحيد المطلوب للحصول على الخلاص الحقيقي، وفقاً لبولس، هو أن نؤمن بالخطيئة الأصلية و الفداء. أي عمل ملموس هو غير ضروري، و إن هذا المعتقد الواحد هو الشرط الوحيد الضروري و الكافي. ومن ناحية أخرى، رحل عيسى (عليه السلام) و لم يكتف بعدم خرقه شريعة موسى فحسب بل و أخبر شعبه أنه “إلى أن تزول السماء و الأرض” فإن أي أحد يجرؤ على خرق شريعة موسى فإنه سيدعى “الأصغر في ملكوت الله“. يُزعم أن عيسى (عليه السلام) قد تم تهيئته و وضعه من أجل “الفداء” منذ الأزل، إلا أنه كلما سُئل عن الطريق إلى الفردوس لم يكتف بعدم ذكر أي فداء بل أخبر أتباعه (و بشكل متكرر) أن “يحفظوا الوصايا“. حتى عندما ضغطوا عليه ليدلهم إلى طريق الكمال طلب من أتباعه أن يبيعوا ممتلكاتهم فقط.
- لم يرى عيسى من الملائم أبداً خلال حياته أن يكتب كلمة واحدة موحى بها. إلا أنه بعد موته بدأ بالظهور للكثيرين في الأحلام و الرؤى يأمرهم أن يكتبوا باسمه و يرشد كلامهم. لم يرى من الملائم أن يجنب أيديهم من كتابة الأعداد المتناقضة لنفس القصة (أنظر الفصل الثاني) باعتبار أن مثل هذه التناقضات القصد منها تقوية إيمان المسيحي.
- باعتبار أن الطريق الوحيد للحصول على الخلاص هو القبول بتضحية عيسى (عليه السلام) و أن شريعة موسى لا قيمة لها، لذا فإن الله وجد أنه من غير الملائم لهؤلاء الذين ولدوا قبل عيسى (عليه السلام) – بما فيهم أعداداً لا تحصى من الأنبياء – أن يدخلوا الفردوس، بل رأى أن يبقيهم ملطخين بخطيئة آدم و أعطاهم شريعة صارمة و منظمة لا قيمة لها إطلاقاً و غير قادرة على إزالة هذه اللطخة الموروثة. هؤلاء الناس لن يتلقوا أبداً الخلاص الحقيقي، أما من وُلد بعد عيسى (عليه السلام) فإنه سيحصل على الخلاص الحقيقي (رومية 3: 28 …إلخ).
(1-2-7) بولس المؤسس الحقيقي للمسيحية يعترف بالتحريف :
إن المسلمون لا يقولون بأن حواريي عيسى الحقيقيين قد عبثوا بالكتاب المقدس، بل آخرون فعلوا ذلك لاحقاً زاعمين أنهم يتصرفون بإسمهم. ما يصادق على ذلك هو حقيقة أن الكنيسة الثالوثية عندما قدمت “الثالوث” رسمياً إلى العالم شعرت بضرورة طمس كل مخطوطات الأناجيل اليدوية تماماً و التي كتبت قبل 325م. لهذا السبب فإننا نجد تلك التناقضات الخطيرة حتى في تعاليمها الأساسية. فعلى سبيل المثال يُذكر لنا أن شاؤول الطرطوسي (القديس بولس) هو مؤلف غالبية كتب العهد الجديد. يُزعم أنه مؤلف كل من الرسائل التالية: إلى أهل رومية، كورنثوس الأولى و الثانية، غلاطية، إفسس، فيلبي، كولوسي، تسالونيكي الأولى و الثانية، تيموثاوس الأولى و الثانية، تيطس، فيلمون، العبرانيين. إننا نتوقع من مثل هذه الشخصية المحورية في الكتاب المقدس و مؤلف غالبية كتب العهد الجديد أن تكون قادرةً على رواية قصصه بأمانة على الأقل فيما يخص أموراً جوهريةً كالرواية التي تتكلم عن تحوله للمسيحية و كيف تم “خلاصه”. و من ناحية أخرى فإننا نجد في الكتاب المقدس شهادة خطية لبولس يقسم فيها أنه قد قام بالتحريف. هل يبدوا ذلك مستحيلاً؟ لنلقي نظرة إذاً:
إذا قمنا بقراءة النص في [أعمال الرسل 9: 19-29] و [أعمال الرسل 26: 19-21] فإننا نجد أن بولس كان منهمكاً في اضطهاد أتباع عيسى في أورشليم و جرّهم من بيوتهم لتعذيبهم أو قتلهم أو تركهم لديانتهم، و في يومٍ ما قرر فجأة التوسع في اضطهادهم إلى دمشق. و من أجل ذلك ذهب إلى رئيس الكهنة طالباً منه رسائل تمنحه صلاحية أفعاله في دمشق. و بقي السبب وراء طلبه هذا غامضاً بالنسبة للكثيرين علماً أن رئيس الكهنة في أورشليم ليس له أي سلطة على دمشق – إلا أننا سنكمل على كل حال.
ثم باشر عمله الشرير في دمشق، و بعد فترة قصيرة زعم بولس أنه “رأى السيد-الرب في طريقه” و قبل المسيحية بعد أن كان عدواً لدوداً للمسيحيين و اشتهر باضهاده العظيم لهم. ثم زُعم أن برنابا (أحد حواريي عيسى) قد كفله و أقنع الحواريين بقبوله. بعد ذلك ذهب بولس مع جميع الحواريين في حملة تبشيرية في داخل أورشليم و خارجها في بلاد اليهودية مبشراً شعبها بشجاعة. ثم عيّن بولس نفسه حوارياً لعيسى فأصبح الحواري رقم /12/ (بديلاً عن يهوذا الذي كان به مس من الشيطان) كما نقرأ في كتبه [رومية 1:1]،[كورنثوس 1:1]… إلخ
الأعداد التي ذكرناها هي:
ثُمَّ أكَلَ، فعادَت إلَيهِ قِواهُ. وأقامَ شاوُلُ بِضعَةَ أيّامِ معَ التَّلاميذِ في دِمَشقَ، ثُمَّ سارَعَ إلى التَّبشيرِ في المَجامِعِ بأنَّ يَسوعَ هوَ اَبنُ اللهِ. فكانَ السّامِعونَ يَتعجَّبونَ ويَقولونَ: ((أمَا كانَ هذا الرَّجُلُ في أُورُشليمَ يَضطَهِدُ كُلَ مَنْ يَدعو بِهذا الاسمِ؟ وهَلْ جاءَ إلى هُنا إلاَّ ليَعتَقِلَهُم ويَعودَ بِهِم إلى رُؤساءِ الكَهنَةِ؟)) لكِنَّ شاوُلَ كانَ يَزدادُ قُوَّةً في تَبشيرِهِ، فأثارَ الحيرةَ في عُقولِ اليَهودِ المُقيمينَ في دِمَشقَ بِحُجَجِهِ الدّامِغةِ على أنَّ يَسوعَ هوَ المَسيحُ. وبَعدَ مُدَّةٍ مِنَ الزَّمنِ وضَعَ اليَهودُ خُطَّةً ليَقتُلوهُ، فوصَلَ خَبرُها إلَيهِ. وكانوا يُراقِبونَ أبوابَ المدينةِ ليلَ نهارَ لِيَغتالوهُ، فأخذَهُ التَّلاميذُ ليلاً ودَلُّوهُ مِنَ السُّورِ في قُفَّةٍ. ولمَّا وصَلَ شاوُلُ إلى أُورُشليمَ حاوَلَ أنْ يَنضَمَ إلى التَّلاميذِ. فكانوا كُلُّهُم يَخافونَ مِنهُ ولا يُصَدِّقونَ أنَّهُ تِلميذٌ. فجاءَ بِه بَرنابا إلى الرُّسُلِ ورَوَى لهُم كيفَ رأى شاوُلُ الرَّبَّ في الطَّريقِ وكَلَّمَهُ الرَّبُّ، وكيفَ بَشَّرَ بِشجاعَةٍ باَسمِ يَسوعَ في دِمَشقَ. فأخَذَ يَروحُ ويَجيءُ معَ التَّلاميذِ في أُورُشليمَ، يُبَشِّرُ بِشجاعةٍ باَسمِ الرَّبِّ. وكانَ يُخاطِبُ اليَهودَ المُتكلِّمينَ بالُّلغةِ اليونانِـيَّةِ ويُجادِلُهُم، فحاوَلوا أنْ يَقتُلوهُ.
الكتاب المقدس – أعمال الرسل 9: 19-29
ومِنْ تِلكَ السّاعةِ، أيُّها المَلِكُ أغريبَّاسُ، ما عَصَيتُ الرُّؤيا السَّماوِيَّةَ، فبشَّرْتُ أهلَ دِمشقَ أوّلاً، ثُمَّ أهلَ أُورُشليمَ وبِلادَ اليَهوديَّةِ كُلَّها، ثُمَّ سائِرَ الأُممِ، داعيًا إلى التَّوبَةِ والرُّجوعِ إلى اللهِ، والقِيامِ بأعمالٍ تَدُلُّ على التَّوبَةِ. ولِهذا قبَضَ عليَّ اليَهودُ وأنا في الهَيكَلِ، وحاوَلوا قَتلي.
الكتاب المقدس – أعمال الرسل 26: 19-21
وهذا يتناقض مع:
ولكِنَّ اللهَ بِنِعمَتِهِ اختارَني وأنا في بَطنِ أُمِّي فدَعاني إلى خِدمَتِهِ. وعِندَما شاءَ أنْ يُعلِنَ ابنَهُ فيَّ لأُبشِّرَ بِه بَينَ الأُمَمِ، ما استَشَرتُ بَشَرًا ولا صَعِدتُ إلى أُورُشليمَ لأرى الّذين َ كانوا رُسُلاً قَبلي، بل ذَهَبتُ على الفَورِ إلى بلادِ العَرَبِ ومِنها عُدتُ إلى دِمَشقَ. وبَعدَ ثلاثِ سَنواتٍ صَعِدتُ إلى أُورُشليمَ لأرى بُطرُسَ، فأقَمتُ عِندَهُ خَمسةَ عشَرَ يومًا، وما رَأَيتُ غَيرَهُ مِنَ الرُّسُلِ سِوى يَعقوبَ أخي الرَّبِّ. ويَشهَدُ اللهُ أنِّي لا أكذِبُ في هذا الّذي أكتبُ بِه إلَيكُم.
ثُمَّ سافَرتُ إلى بلادِ سورِيَّةَ وكيليكيَّةَ، وما كُنتُ مَعروفَ الوَجهِ عِندَ كنائِسِ المَسيحِ في اليَهودِيَّةِ، وإنَّما أنَّ ((الّذي كان يَضطَهدُنا هوَ الآنَ يُبَشِّرُ بالإيمانِ الّذي كانَ يُريدُ أنْ يُدَمِّرَهُ)).
الكتاب المقدس – غلاطية 1: 15-23
بالإشارة إلى النصين الأولين، يقول ريفرند ديفيس Reverend Dr. Davies في كتابه ‘المسيحي الأول The First Christian‘: ((إن هذه التأكيدات لا تتوافق مع بعضها البعض بل تهدم بعضها بعضاً لسببٍ آخر: إنها تتناقض مع ما كتبه بولس نفسه في رسالته إلى أهل غلاطية في الإصحاح الأول و الثاني)). و يلفت ريفرند ديفيس انتباهنا إلى قسم بولس “ويَشهَدُ اللهُ أنِّي لا أكذِبُ في هذا الّذي أكتبُ بِه إلَيكُم” مما يجعل من كتابته هذه شهادة تحت القسم. ثم يتابع فيقول:
“بالنسبة للرواية في أعمال الرسل فإن ذلك التناقض بمثابة كارثة. لم يكن هنالك أبداً أي حملة تبشيرية في أورشليم و بلاد اليهودية [أعمال الرسل 26: 20]. إن كان بولس معروفاً بالنسبة للجماعات اليهودية كما يقول فإنه لم يأخذ على عاتقه أي مهمة عندهم. في الحقيقة فإنه لم يشترك أبداً بالحركة اليهودية و لم يحاول حتى أن يشارك بها. و قد قابل الملقب بالصخرة (بطرس أو شمعون) و يعقوب أخو عيسى. حتى باقي التلاميذ فلم يذكر منهم إلا مؤمنون عاديون و يعترف فيقول: ((وما رَأَيتُ غَيرَهُ مِنَ الرُّسُلِ)). و بدلاً من أن ((يَروحُ ويَجيءُ معَ التَّلاميذِ في أُورُشليمَ، يُبَشِّرُ بِشجاعةٍ باَسمِ الرَّبِّ)) فإن الناس في أورشليم لم تكن تعلم حتى أنه كان هناك. يقول لنا أنهم ((سَمِعوا أنَّ الّذي كان يَضطَهدُنا هوَ الآنَ يُبَشِّرُ بالإيمانِ الّذي كانَ يُريدُ أنْ يُدَمِّرَهُ))، و لكنهم لم يسمعوا أنه كان يبشّر في بلاد اليهودية إطلاقاً.”
يستنتج ريفرند ديفيس Rev. Davies أنه:
“إن كان هناك أي جزء في العهد الجديد محل ثقة، فإنه سيكون رسالة بولس إلى أهل غلاطية. و إن لم يكن بمقدورنا أن نثق في هذه الرسالة، فإننا لا يمكننا أن نثق بشيء و لنا أن نغلق تحقيقنا هذا، و لكننا في الحقيقة يمكننا الاعتماد عليها. إن هذه الرسالة هي من بولس نفسه و قد أظهرت أصوليتها بعد كل اختبار.”
المسيحي الأول – بوول ديفيس، فاررار ستراوس و كوديه، ص 30-31
“The First Christian,” A Powell Davies, Farrar Straus & Cudahy, pp. 30-31
وفقاً لرواية كتاب أعمال الرسل فإن بولس قد رأى رؤياه المزعومة، و بعدها “مباشرةً” بدأ بالتبشير في كنيس اليهود في دمشق. لقد بنى سمعته من خلال تبشيره الشجاع الذي أذهل الكثيرين، و أربك اليهود في دمشق. و بعد عدة أيام، حاول اليهود قتله فهرب إلى أورشليم. و هناك قابل برنابا الذي قدّمه للتلاميذ و عرفهم به لأول مرة. لقد كانوا جميعاً مذعورين منه، إلا أن برنابا أقنهعم بقبوله. و عندها ذهب بولس و جميع التلاميذ في حملة تبشيرية داخل أورشليم و خارجها و تكلم بشجاعة باسم عيسى.
إلا أنه وفقاً للرواية في الرسالة إلى أهل غلاطية، فإن بولس قد رأى رؤياه المزعومة و لم يستشر بشراً “حينها” و لم يذهب إلى أورشليم ليرى التلاميذ، بل سافر إلى بلاد العرب و من ثم إلى دمشق. لم يذكر نشاطاً تبشيرياً في أي من هذه الأماكن. و بعد ثلاث سنوات على الأقل ذهب إلى أورشليم للمرة الأولى و قابل من التلاميذ بطرس و يعقوب فقط. و مكث معهم خمسة عشر يوماً، و مرةً أخرى لا يذكر أي حملة تبشيرية سواء مع كافة التلاميذ أو بعضهم أو بمفرده. و لم يكن قد ذهب إلى هناك من قبل و لم يقم بأي حملة تبشيرية فيها في الماضي باعتبار أنه وجه جديد بالنسبة لهم و أنهم “سمعوا فقط” عن اعتناقه المزعوم للمسيحية.
نورد بعض التناقضات:
- يدعي كاتب غلاطية أنه بعد الرؤيا المزعومة، بولس لم يتحدث إلى بشر “مباشرةً“، بل سافر إلى بلاد العرب و منها إلى دمشق. لذا لم يقم “من فوره” بالتبشير بشجاعة في دمشق كما يدعي كاتب أعمال الرسل – هذا إن قام بالتبشير أصلاً (كم من الوقت يلزم للسفر من دمشق إلا بلاد العرب مع العودة؟ هل يستطيع أن يباشر تبشيره “فوراً” على الرغم من سفره إلى هناك و عودته؟).
- وفقاً لرواية غلاطية، فإن بولس لم يذهب إلى أورشليم حيث يوجد التلاميذ. بل ذهب إلى بلاد العرب و من ثم إلى دمشق. و بعد ثلاث سنوات على الأقل (ليسوا أياماً كثيرة!!) ذهب إلى أورشليم. تذكر الرواية بوضوح ((ولا صَعِدتُ إلى أُورُشليمَ لأرى الّذين َ كانوا رُسُلاً قَبلي)). إذاً فإن تلك هي زيارته الأولى إلى أورشليم بعد رؤياه المزعومة كما يقول. هذه الزيارة الأولى يزعم أنها حدثت بعد ثلاث سنوات على الأقل بعد رؤيا بولس المزعومة. إلا أن كتاب أعمال الرسل يقول أنه بعد عدة أيام من رؤياه سافر إلى أورشليم و قام بحملة تبشيرية ملؤها الشجاعة مع جميع التلاميذ. كما أن أعمال الرسل لا يذكر أي توسط لرحلة إلى بلاد العرب.
- وفقاً لغلاطية، و فور وصول بولس لأورشليم قابل من التلاميذ بطرس و يعقوب فقط. لا يمكن أن يكون قد قابل أي من التلاميذ في أورشليم قبل ذلك بسبب قوله أنه بعد رؤياه مباشرةً ((لا صَعِدتُ إلى أُورُشليمَ لأرى الّذينَ كانوا رُسُلاً قَبلي)). بل يقول أنه ذهب إلى أورشليم للمرة الأولى بعد “ ثلاثِ سَنواتٍ “على الأقل من رؤياه المزعومة. و من ناحية أخرى فإن كتاب أعمال الرسل يقول أنه قابل التلاميذ لأول مرة بعد عدة أيام من رؤياه المزعومة حيث قابل هناك جميع التلاميذ. إن هذا هو لقاءه الأول معهم باعتبار أنهم جميعهم فزعوا منه. لاحظ الكلمات ((فكانوا كُلُّهُم يَخافونَ مِنهُ)). لن تكون حالهم كذلك لو أن بطرس و يعقوب قابلوه من قبل، و على فرض أنهم لم يذكروه أمام التلاميذ الآخرين فعلى الأقل لن يخافه بطرس و يعقوب أنفسهم. لاحظ أيضاً أن برنابا هو الوحيد الذي وقف في صفه و لم يقل (برنابا و بطرس و يعقوب).
- يقول كتاب أعمال الرسل أنه بعد زيارة بولس الأولى لأورشليم، خاف منه جميع التلاميذ ثم أقنعهم برنابا لقبوله و ذهبوا جميعاً يداً بيد وبدأ ((يَروحُ ويَجيءُ معَ التَّلاميذِ في أُورُشليمَ)) و يبشّر ((بِشجاعةٍ)) بين اليهود. إلا أن رسالة غلاطية تقول أن زيارته الأولى لأورشليم كانت بعد ثلاث سنوات و في هذه الزيارة الأولى قابل يعقوب و بطرس فقط. لم يزعم كاتب الرسالة بأنه ذهب مع بطرس و يعقوب في حملة تبشيرية داخل و خارج أورشليم، و لا يمكن أن يكون قد فعل ذلك سابقاً مع جميع التلاميذ على اعتبار أنه لم يكن ((مَعروفَ الوَجهِ عِندَ كنائِسِ المَسيحِ في اليَهودِيَّةِ)) و أنهم ((سَمِعوا)) فقط باعتناقه المسيحية، و لكنهم كانوا شهود عيان على حملته الشجاعة مع جميع التلاميذ بأمّ أعينهم.
إذا كان كؤلف غالبية كتب العهد الجديد لا يستطيع حتى أن يحافظ على نفس الرواية فيما يتعلق بـ”خلاصه”، فكيف لنا أن نؤمن له في مثل هذه الأمور الحساسة كالمعنى “الحقيقي” لكلمات عيسى و ما إلى ذلك؟
إن حقيقة عدم رؤية بولس لعيسى في حياته، عدم سفره معه، عدم تناوله الطعام معه، و عدم تعلمه منه مباشرةً – يجعل من حواريي عيسى المصدر الأول للهداية بالنسبة لأتباع عيسى الذين يرغبون في معرفة تعاليمه. إن السبب الوحيد الذي قد يدفع المرء لتجاهل الحواريين و التحدث مع بولس هو أن بولس قد بدأ تقلي سلسلة رؤى من عيسى. لم يدعي الحواريون أنهم يتلقون رؤىً من عيسى، لذا فمن الواضح أن ادعاء بولس في تلقيه رؤىً من عيسى سيصب حتماً في خدمة إبعاد أتباع عيسى عن حوارييه و خدمة تفسيره لرسالة عيسى. يصرّح بولس نفسه بفخر أنه ليس بحاجة إلى أن يتعلم من أي من البشر، و لا حتى الحواريين، و أنه مستقلٌ تماماً عن علمهم و أن كل ما يحتاجه هو الرؤى:
فاعلَموا، أيُّها الإخوَةُ، أنَّ البِشارَةَ الّتي بَشَّرتُكُم بِها غَيرُ صادِرَةٍ عَنِ البَشَرِ. فأنا ما تَلقَّيتُها ولا أخَذتُها عَنْ إنسانٍ، بَلْ عَنْ وَحيٍ مِنْ يَسوعَ المَسيحِ.
الكتاب المقدس – غلاطية 1: 11-12
كما سنرى قريباً، بأن عدم رغبته في تلقى أي شيء من الحواريين أو أن يتعلم منهم كان نتيجة حتمية لعدم قدرته على إثبات مزاعمه من خلال ما قاله عيسى. و يكاد يكون مستحيلاً أن تجد بولس يستشهد بأقوال عيسى عند محاولة لنشر عقيدته، بل تراه يشير دوماً إلى فلسفته الخاصة المبنية على أساس “الرؤى” التي يزعم أنه يتلقاها و على وحي من الروح القدس. و عند اختلافه مع أحد التلاميذ حول مسألة ما، فلم يكن بمقدوره أن يدعي أنه أكثر علماً منهم بتعاليم عيسى لأنه لم يقابله مطلقاً. و لهذا السبب رأى ضرورة الالتجاء دوماً إلى فلسفة الأمور على نطاق واسع و الادعاء بأن عيسى و الروح القدس قد “أوحوا” له بهذه الفلسفة. و كما سنرى في الأسطر القادمة فقد ادعى أنه تم اصطفاؤه من بين جميع البشر لتلقي رؤىً دون جميع الحواريين، و أنه قد أُذن له من خلال هذا الوحي أن يكسب الأتباع ((بِكُلِّ وسيلَةٍ)). و يدعي أيضاً أن ((كُلُّ شَيءٍ يَحِلُّ لي)).
إن القارئ الفطن سيتمكن من ملاحظة الثغرات في قصة “تحول” بولس المزعومة. فعلى سبيل المثال، في العدد [أعمال الرسل 22: 9] يقول بولس أنه عندما تحدث إلى عيسى (عليه السلام) كان الذين يسافرون معه ((يَرونَ النـّورَ)) و لكنهم ((لا يَسمَعونَ صَوتَ مَنْ يُخاطِبُني)). بينما نجد العدد [أعمال الرسل 9: 7] يزعم أن الذين كانوا برفقة بولس ((وَقَفوا حائِرينَ يَسمَعونَ الصَّوتَ ولا يُشاهِدونَ أحدًا)). إن لسان حاله يقول: لا تأخذ بكلامي فقط و لكن ((امتَحِنوا كُلَّ شيءٍ)) بشتى السبل. إن تعاليم المسيحية في أيامنا هذه مبنية على تعاليم بولس مؤلف غالبية كتب العهد الجديد. إنه محل ثقة من قبلهم دونما تحقيق لادعائه أنه رأى عيسى (عليه السلام) في رؤيا مقدسة، و لأن الحواري برنابا قد كفله، و لأن الحواريون قابلوه و قبلوه، و لأنه بشر مع جميع الحواريين بشجاعة باسم عيسى في أرض اليهودية، و لأنه تعرض لصعوبات و اضطهاد كبيرين نتيجة لذلك. إلا أنه كل من يقرأ ببساطة كتابهم المقدس سيجد أن بولس نفسه يقسم بالله العلي بأن ذلك كله كان مجرد اختراع نظراً لأن الناس في بلاد اليهودية لم يروا وجهه قط و أنهم “سمعوا فقط” باعتناقه المزعوم للمسيحية. كما أنه لم يلتقي أبداً بأي من التلاميذ ماعدا بطرس و يعقوب. و مع هذا كله فإن الكنيسة تصرّ على تفسير كلام عيسى في نطاق تعاليم بولس.
لم يكن ريفرند ديفيس Reverend Dr. Davies الشخص الوحيد الذي لاحظ هذه المشكلة الفاضحة. فقد كتب أيضاً رئيس الكهنة السابق دان باركر Dan Barker دراسة تفصيلية عن المشاكل في روايات بولس. هذا المقال موجود في مجلة ((النظرة المشككة The Skeptical Review)) عام 1994، المقال الأول – وهو بعنوان ((هل سمع رجال بولس صوتاً؟ Did Paul’s men hear a voice)). إني أوصي بشدة جميع الباحثين عن الحقيقة أن يحصلوا على نسخة و يقرؤوها. لقد قام السيد باركر بدراسة النصوص من منظور اللغة الإنكليزية بالإضافة إلى اليونانية حتى يعرض درجة التناقض الصارخة بين الأعداد.
هنالك أمثلة أخرى عن مشاكل أكثر جوهرية تتعلق بالترتيب الزمني للأحداث الموجودة في العهد الجديد. أحد المشاكل الأكثر سطوعاً تلك التي قدمتها مجلة ((النظرة المشككة The Skeptical Review)) في ولاية كانتون Canton في سويسرا. لقد قدمت المجلة جائزة مقدارها /2000/ دولار أمريكي لمن يقدم لهم قصة (قيامة عيسى) كاملة بالترتيب الزمني و التي تأخذ بكافة أعداد الكتاب المقدس و لا تترك شيئاً منها. إن هذا التحدي هو كالآتي:
كتب بولس يقول:
وإنْ كانَ المَسيحُ ما قامَ، فتَبشيرُنا باطِلٌ وإيمانُكُم باطِلٌ، بَلْ نكونُ شُهودَ الزّورِ على اللهِ، لأنَّنا شَهِدْنا على اللهِ أنَّهُ أقامَ المَسيحَ وهوَ ما أقامَهُ، إنْ كانَ الأمواتُ لا يَقومونَ.
الكتاب المقدس – الأولى إلى كورنثوس 15: 14-15
إن شروط التحدي بسيطة و معقولة. إبدأ في كل من الأناجيل بصباح عيد الفصح و اقرأ حتى نهاية الكتاب (متى 28، مرقس 16، لوقا 24، يوحنا 20-21). و اقرأ أيضاً [أعمال الرسل 1: 3-12] و النقل المختصر للرواية من قبل بولس في [الأولى إلى كورنثوس 15: 3-8]. هذه الأعداد الـ/165/ يمكن قراءتها في بضع دقائق. ثم قم بكتابة ما جرى من أحداث بين القيامة و الصعود دون حذف أي تفصيل ورد في هذه الأعداد بالترتيب الزمني و بشكل بسيط: ماذا جرى أولاً و من ثم حدث كذا ثم كذا.. من و أين قال كذا و أين جرت هذه الأحداث. ثم أرسل ما كتبته إلى مجلة ((النظرة المشككة The Skeptical Review)) على العنوان البريدي:
P.O. Box 717, Canton, IL 61520-0717
إن تمكن أحد من القيام بهذه المهمة فإنه سيحصل على /2000/ دولار أمريكي.
يوجد الكثير من الأمثلة المشابهة تبين كيف قام بولس بإحداث تغييرات جذرية لدين عيسى بشكل مفضوح و على الملأ فأصبح يناقض بشكل صارخ تعاليم كل من عيسى و حوارييه. مثال آخر يمكن رؤيته من خلال التحليل التالي:
يأمرنا الله العلي في العهد القديم:
((وهذا هوَ عهدي الذي تحفظونَه بَيني وبَينكُم وبَينَ نسلِكَ مِنْ بَعدِكَ: أنْ يُختَنَ كُلُّ ذَكَرٍ مِنكُم. فتَختِنونَ الغُلْفةَ مِنْ أبدانِكُم، ويكونُ ذلِكَ علامةَ عَهدٍ بَيني وبَينَكُم. كُلُّ ذَكَرٍ مِنكُم اَبنُ ثمانيةِ أيّامِ تَختِنونَه مدَى أجيالِكُم، ومِنهُمُ المَولودونَ في بُيوتِكُم أوِ المُقتَنونَ بِمالٍ وهُم غُرَباءُ عَنْ نسلِكُم. فيُختَنُ المَولُودون في بُيوتِكُم والمُقتنَونَ بمالِكُم ليكونَ عَهدي في أبدانِكم عَهدًا مؤبَّدًا. وأيُّ ذَكَرٍ لا يُختَنُ يُقطَعُ مِنْ شعبِهِ لأنَّهُ نقَضَ عَهدي)).
الكتاب المقدس – التكوين 17: 10-14
وفقاً للعهد القديم فإن الله يخبرنا بنفسه أن عهده بيننا و بينه هو الختان. لقد لاحظ علماء الكتاب المقدس أهمية الختان ليس لكونه عملاً مادياً مجرداً:
“لقد كان هذا هو العلامة و الختم بأن إسرائيل هم شعبه المختار. من خلاها كانت حياة الرجل متربطة بمنحة عظيمة و كانت كرامته تتجلى في وعيه التام بأن ذلك يلبّي الغاية الربانية”
تفسير الكتاب المقدس، ص 613
Interpreter’s Bible, p. 613
اعتُبر الختان ذا أهمية كبرى في الإيمان اليهودي حتى أنهم كانوا ينتهكون حرمة السَبَت ليختنوا أولادهم إذا صادف اليوم الثامن في السَبَت:
أمَركُم موسى بالخِتانِ، وما كانَ الخِتانُ مِنْ موسى بل مِنَ الآباءِ، فأخَذتُم تَختُنونَ الإنسانَ يومَ السَّبتِ. فإذا كُنتُم تَختُنونَ الإنسانَ يومَ السَّبتِ لِئَلاَّ تُخالفوا شريعةَ موسى، فكيفَ تَغضبونَ علَيَّ لأنِّي شَفيتُ إنسانًا بأكمَلِهِ يومَ السَّبتِ؟
الكتاب المقدس – يوحنا 7:22-23
حتى عيسى نفسه تم ختانه في اليوم الثامن مثله كمثل بافي اليهود المخلصين:
ولمَّا بلَغَ الطِّفلُ يومَهُ الثّـامنَ، وهوَ يومُ خِتانِهِ، سُمِّي يَسوعَ..
الكتاب المقدس – لوقا 2: 21
كما أن يوحنا المعمدان (يحيى عليه السلام) قد اختُتن وفقاً للعدد [لوقا 1: 59]. بعد رحيل عيسى أصبح الختان مسألة نزاع شخصي بين الحواري بطرس الذي أصرّ عليها (من خلال تبشير اليهود فقط) و بين بولس الذي أراد طرح الختان جانباً (و تبشير غير اليهود أيضاً).
إِذْ رَأَوْا أَنِّي اؤْتُمِنْتُ عَلَى إِنْجِيلِ الْغُرْلَةِ كَمَا بُطْرُسُ عَلَى إِنْجِيلِ الْخِتَانِ. (1)
الكتاب المقدس – غلاطية 2: 7
ثم يفصّل لنا بولس بشكل دقيق كيف أن الحواريين كانوا على خطأ و أنه على صواب، و كيف أنه حتى الحواري برنابا قد حذا حذوهم في “نفاقهم”، و أنه كان من الضروري بالنسبة له أن يبين الحقيقة للحواريين. (في نسخة الملك جيمس نجد أن الكلمة التي استخدمها بولس في العدد [غلاطية 2: 13] قد تم ترجمتها بشكل دبلوماسي إلى “رياء dissimulation”، إلا أننا نجد أن النسخة القياسية المنقحة للكتاب المقدس – و التي جُمعت من مخطوطات يدوية أكثر قدماً من التي جمعت منها نسخة الملك جيمس – قد ترجمت الكلمة التي استخدمها بولس بشكل أمين أكثر إلى “نفاق hypocrisy”)(1).
ثم يذكر لنا بولس كلاً من الحواري يعقوب (يعقوب الملقب بابن الرعد، يعقوب العادل)، و الحواري بطرس (الملقب بالصخرة)، و الحواري برنابا (معلم بولس و المدافع عنه) بالأسلوب التالي:
رَأيتُ أنَّهُم لا يَسيرونَ سِيرَةً مُستقيمَةً معَ حَقيقةِ البِشارَةِ..
الكتاب المقدس – غلاطية 2: 14
لقد أصبح واضحاً من كلام بولس – بالإضافة إلى ما ذكرنا أعلاه – أن الحواريين قد ضلوا عن الصواب. من المثير للاهتمام أن نسمع لبرهة أن نقل برنابا لهذه الأحداث قد تم اختياره على أنه “مؤلف غالبية” الكتاب المقدس بدلاً عن بولس. وفقاً لمقاطع أخرى مماثلة، نرى أن الحواريين كانوا بحاجة مستمرة لإرشادات بولس حتى يتمكنوا من إدراك الحقيقة. للحصول على نقل برنابا لتلك الأحداث، و رأيه في بولس، و لمعرفة ما حدث فعلاً علىالصليب، أرجو البحث عن (إنجيل برنابا ISBN 0089295-133-1) في مكتبتكم المحلية أو احصلوا على نسختكم من العنوان المدرج في نهاية الكتاب.
من المثير للدهشة أن نعلم أن بولس نفسه لم يكن واثقاً من “رؤياه” الخاصة به. نقرأ في الكتاب المقدس:
وإنْ كانَ لا بُدَّ لي مِنَ الافتِخارِ معَ أنَّهُ لا نَفْعَ مِنهُ فأنتَقِلُ إلى الكلامِ على رُؤى الرَّبِّ وما كَشَفَهُ لي. أعرِفُ رَجُلاً مُؤمِنًا بالمَسيحِ خُطِفَ قَبلَ أربَعَ عَشْرَةَ سنَةً إلى السَّماءِ الثَّالِثَةِ. أبِجَسَدِهِ؟ لا أعلَمُ. أمْ بِغَيرِ جَسَدِهِ؟ لا أعلَمُ. الله يَعلَمُ. وإنَّما أعلَمُ أنَّ هذا الرَّجُلَ خُطِفَ إلى الفِردَوسِ: أَبِجَسَدِهِ أمْ بِغَيرِ جَسَدِهِ؟ لا أعلَمُ. اللهُ يَعلَمُ. 4أعلَمُ أنَّهُ خُطِفَ إلى الفِردَوسِ وهُناكَ سَمِعَ كلامًا لا يَقدِرُ بَشَرٌ أنْ يَنطِقَ بِه ولا يَجوزُ لَه أنْ يَذكُرَهُ. أمَّا هذا الرَّجُلُ فأفتَخِرُ بِه، وأمَّا أنا فَلا أفتَخِرُ إلاَّ بِضُعفي..
الكتاب المقدس – الثانية إلى كورنثوس 12: 1-5
إذاً فإن بولس لم يكن يعلم إن كان الرجل في “رؤياه” ((بِجَسَدِهِ)) أم ((بِغَيرِ جَسَدِهِ)). كما اشتملت رؤيا بولس على ((كلام لا يَقدِرُ بَشَرٌ أنْ يَنطِقَ بِه)) و الذي ((لا يَجوزُ لَه أنْ يَذكُرَهُ)).
لو قلت لك أني رأيت شخصاً ما في “رؤيا”، و أني سمعت في هذه الرؤيا ((كلامًا لا يَقدِرُ بَشَرٌ أنْ يَنطِقَ بِه ولا يَجوزُ لَه أنْ يَذكُرَهُ))، و أن هذا الشخص قد أمرني بإلغاء الوصايا التي تمسك بها عيسى (عليه السلام) في كل حياته و أمر البشرية أن يتمسكوا بها إلى آخر الزمان، فماذا ستخبرني عن هوية ذلك الرجل الذي أصفه؟ من هذا الذي رأيته؟
يقول الله تعالى في القرآن الكريم:
وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ (21)
القرآن الكريم – لقمان
ما الخطأ في هذه الصورة؟ حتى لو تجاهلنا قَسَم بولس و اعترافه بالتحريف ثم قبلنا معتقداته المبنية على الوحي و العصمة من الخطأ (هذا لو)، فإننا لازلنا في الصورة التالية:
بولس هو رجلٌ – وفقاً لاعترافاته – اضطهد الكثير من المسيحيين اضطهاداً “يفوق الوصف” و ذبّحهم و “أضاع” الكنيسة [غلاطية 1: 13-15]،[أعمال الرسل 8: 1-3، 9: 1-2، 9: 41، 6: 5 إلخ]، رجلٌ لم يقابل عيسى وجهاً لوجه إطلاقاً، تحول حاله بشكل معجز من مضطهد و قاتل للمسيحيين إلى معلم مثالي للمسيحية أكثر من الحواريين أنفسهم. تم اختياره من قبل شبح عيسى ليتلقى “الرؤى” التي تجاهلت الحواريين المصاحبين لعيسى (عليه السلام) خلال حياته [غلاطية 1: 10-12]. لقد كان بولس ذو سمعة رهيبة كمضطهد للمسيحيين حتى أن أحداً لن يصدق مزاعمه في التحول إلى المسيحية. إلا أن تدخل الحواري برنابا – الذي كانت كلمته على ما يبدو لها من الثقل الشيء الكثير في نفوس باقي الحواريين – كان سبباً في قبول الحواريين له كرهاً. ثم سافر برنابا مع بولس بشكل واسع مكوناً سمعة جيدة بين اليهود كمعتنق حقيقي للمسيحية. لما أصبح لبولس سمعته الخاصة بين اليهود حدث نزاع بينه و بين برنابا [أعمال الرسل 15: 39]،[غلاطية 2: 13] فافترقا. ثم ادعى بولس أن عيسى (عليه السلام) أراده أن “يبسّط” الشريعة لتكون مستساغة أكثر بالنسبة للمعتنقين الجدد. و من هنا بدأ بولس بإحداث تغييرات صارخة في شريعة عيسى (عليه السلام).
اعتبر بولس أن رؤاه كانت لها سلطة كافية لمخالفة تعاليم الحواريين و اعتبارهم منافقين. حتى برنابا – ذلك الحواري التي سافر مع بولس معلماً إياه و مبشّراً اليهود، و الذي كان مستعداً لقبول مضطهد المسيحيين هذا و بظاهر مزاعمه حول اعتناقه للمسيحية، و الذي أقنع جميع الحواريين بمفرده لقبول مضطهد المسيحيين نفسه – اعتبره بولس من المنافقين و أقل قدرة منه على فهم دين عيسى (عليه السلام). بالإضافة إلى اعتقاد بولس بـ:
إنِّي جاهَدتُ أكثَرَ مِنْ سائِرِ الرُّسُلِ كُلِّهِم..
الكتاب المقدس – الأولى إلى كورنثوس 15: 10
و هكذا فإن الحواريين كانوا هؤلاء الكسالى المبعثرين حتى أن بولس كان يبذل جهداً أكثر من كل الحواريين الأحد عشر مجتمعين. و مع كل هذا إلا أن الحواريين قد أمضوا السنوات العديدة مع عيسى (عليه السلام) متعلمين منه مباشرةً على عكس بولس الذي لم يقابل عيسى شخصياً، و الذي تحوّل عملياً في أحد اليالي من مضطهد و قاتل للمسيحيين و الحواريين إلى معلمٍ أكثر مثاليةً من الحواريين أنفسهم. من حسن حظنا أن تلقى بولس هذه “الرؤى”، و إلا لكنا قد انحرفنا عن الطريق من قبل الحواريين الكسالى المضللين و المنافقين. و لمعرفة رواية برنابا حول هذه الأمور أرجو قراءة (إنجيل برنابا).
لنستريح قليلاً و نقرأ التحليل السريع للأعداد التي ذكرناها:
- أمر عيسى (عليه السلام) البشرية خلال حياته التي قضاها على الأرض أن يلتزموا بدين موسى بشكل تام إلى نهاية الزمن بلا تساهل. [متى 5: 18]. أخبرهم أن الالتزام بدين موسى و بيع ممتلكاتهم سيجعل منهم أناساً “مثاليين” [لوقا 18: 18-22].
- بعد رحيل عيسى، قام بولس باضهاد العديد من المسيحيين بشكل “يفوق القياس” و ذلك باعتراف شخصي منه، و بذل قصارى جهده لـ”تذبيحهم”، كما أنه “أضاع” الكنيسة [غلاطية 1: 13-15]،[أعمال الرسل 8: 1-3، 9: 1-2، 9: 41، 6: 5، 22: 4] ..إلخ. و كان راضياً عن رجم الحواري استيفانوس حتى الموت [أعمال الرسل 22: 20].
- تلقى بولس “رؤى” و تم خلاصه [أعمال الرسل 22: 9، 9: 7] .. إلخ.
- لم يكن بولس متأكداً مما رأى في رؤياه. كما أن هذه الرؤى قد تضمنت ((كلامًا لا يَقدِرُ بَشَرٌ أنْ يَنطِقَ بِه ولا يَجوزُ لَه أنْ يَذكُرَهُ)) [الثانية إلى كورنثوس 12: 1-5].
- يقول لنا بولس أن الرجل الذي أتاه في الرؤى هو عيسى (عليه السلام). و يصرح لنا أنه استقى تعاليمه لـ”المسيحية” من هذه الرؤى و ليس من أحد آخر، و لا حتى الحواريين [غلاطية 1: 12]. بمعنى أنه لم يكن بحاجة لأن يتعلم من الحواريين. كما أن لرؤياه سلطة تعلو على كل ما يمكن أن يقولوه. ثم يتابع ليبين للجميع كيف كان حواريو عيسى بحاجة دائمة لهديه حتى يميزوا الحقيقة [مثال: غلاطية 2: 11-13].
- يدعي بولس أن كل الأمور أحلت له و أنه لن يتّبع أحداً [الأولى إلى كورنثوس 6: 12]. و يدعي أيضاً أن سيلجأ إلى كل الوسائل حتى يتّبعه الناس، بغض النظر عما يستلزم ذلك منه.
- اختلف الحواريون مع بولس فيما يخص “حقيقة” الختان الذي أمر به الله بالإضافة إلى أمور أخرى [الأولى إلى كورنثوس 7: 19]،[غلاطية 2: 7] ..إلخ.
- وفقاً لبولس فإن الحواريين لم يسيروا ((سِيرَةً مُستقيمَةً)) وفقاً لـ ((حَقيقةِ البِشارَةِ)) و كانوا كسالى مضللين و منافقين [الأولى إلى كورنثوس 15: 10]،[غلاطية 2: 14]،[غلاطية 2: 13].
- غالبية كتب العهد الجديد قد كتبت من قبل بولس. و نجد فيهم أن بولس نفسه يصرح دونما حياء أنه كان بلا منازع الحواري الأرفع درجة بين الحواريين الذين صاحبوا عيسى (عليه السلام) خلال فترة كهنوتيته، و أنهم جميعاً كانوا بحاجة إلى هديه ليروا “حقيقة” رسالة عيسى و كيف أن عيسى (عليه السلام) و حوارييه قد عينوه بحماس الحواري الثاني عشر.
الخـلاصـة:
إذا كان الحواريون الذين عاشوا مع عيسى و بشّروا معه و أكلوا و شربوا معه لسنوات عديدة هم جميعهم – وفقاً لبولس – كسالى مضللين و منافقين ، و غير قادرين على إبصار “حقيقة” رسالة عيسى بوضوح كما يبصرها هو، و إذا كان بولس – الذي لم يقابل شخص عيسى مطلقاً و مع ذلك فإنه مؤلف غالبية كتب العهد الجديد بين أيدينا – على هدىً حقيقي أكثر من الحواريين مجتمعين بسبب “رؤياه” المزعومة مع أنه لا يستشهد بأقوال عيسى إطلاقاً و ليس بحاجة إلى أن يتعلم من الحواريين، و مع ذلك فهو على هدىً حقيقي أكثر من الحواريين أنفسهم أجمعهم و فقاً للبشارة الخاصة به.. إذا كان هذا كله فلماذا شعر عيسى بضرورة تبشير البشرية جمعاء بشريعة موسى؟ لماذا التزم بها بنفسه بهذا الشكل الصارم؟ وفقاً لبولس فإن فائدة عيسى الوحيدة تكمن في كونه جسداً يتم تعليقه على الصليب. لقد شعر عيسى بضرورة أن يأمر أتباعه بالالتزام بشريعة موسى بشكل تام دونما تساهل. كما شعر أنه من الضروري أن يحيا حياته محافظاً على هذه الشريعة بشكل تام ليكون مثلنا الأعلى. لم يذكر بشكل صريح في حياته قط أي خطيئة أصلية، أو فداء و صلب، أو خلاصاً من الخطيئة و إلغاءً لشريعة موسى. إلا أنه لم يمضي وقتٌ طويل على رحيل عيسى عن هذه الأرض حتى يستخدم بولس رؤياه المزعومة ليلغي و بشكل تام كل ما علّمه و مارسه عيسى. إنه ليس بحاجة لأن يتعلم من الحواريين، و كل ما يحتاجه هو الرؤى. لهذا السبب فإنه يكاد لا يستشهد بأقوال عيسى مطلقاً. بل يلجأ إلى فلسفته للأمور بدلاً من لاستشهاد بأقواله. فلماذا لم يأتي عيسى إلى الأرض ببساطة بعدما اقترف آدم خطيئته، ثم لا يتفوه بأي كلمة، فيثير غضب بعض أعداء الله و يترك لهم المجال فيصلبوه و ينتهي الأمر سريعاً على ذلك؟ حتى لو أن عيسى قرر الانتظار مئات الألوف من السنين ثم أتي قبل ألفي سنة مضت، فلماذا يبشّر بشريعةٍ سيتم رميها من النافذة بعد سنين قليلة فقط؟ لماذا يحافظ بنفسه على هذه الشريعة بتفانٍ؟ لماذا يأمر الجميع لكي يتمسكوا بهذه الشريعة ((إِلَى أَنْ تَزُولَ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ))؟ لماذا يهددهم بأن كل من يخالف وصية واحدة فإنه يعدّ ((صغيرًا في مَلكوتِ السَّماواتِ))؟ ألن يموت من أجل خطايا العالم و من ثم يعود في رؤىً حصرية لبولس فيأمره بإلغاء شريعة موسى؟ ألن يعود في رؤى بولس و يأمره أن يخبر الجميع أن “الإنسان يُبرر بالإيمان لا بأحكام الشريعة”؟ لماذا لم يقم بنفسه بالتبشير بتلك العقيدة عندما كان بين حوارييه بدلاً من الانتظار حتى يذكرها لأول مرة بعد موته من خلال رؤيا بولس؟
هؤلاء الحواريين الذين ينظر إليهم بولس بازدراء على أنهم منافقين مضللين و كسالى هم نفسهم الحواريون الذين رافقوا عيسى (عليه السلام) أثناء حياته، الذين علّموا البشرية جمعاء (بمن فيهم بولس نفسه) تعاليم عيسى (عليه السلام)، و الذين تعرضوا لاضطهاد من قبل الكثيرين (بمن فيهم بولس) و ذلك ليبلّغوا هذه الرسالة دونما مجاملات كما علّمها عيسى لهم مباشرة. فكان أن تبنّت الكنيسة البولوسية (الكنيسة الرومانية الكاثوليكية و التي نشأ عنها كنائس أخرى ككنيسة البروتوستانت) عقيدة التثليث بشكل رسمي بعد قرنين من الزمن بعد رحيل عيسى، و قامت بالإدانة و الاضطهاد الشديدين و تقتيل كل مسيحي لم يعتنق مذهبهم الشخصي المنشق عن المسيحية، و أشرفت على موت الملايين من المسيحيين الذين لم يعتنقوا هذا المعتقد. كما أشرفت على تدمير المئات الكثيرة من الأناجيل “غير المقبولة”، و أصدرت تحريماً عاماً بعدم جواز قراءتها علناً أو سراً، و أقامت العقوبات الشديدة جداً على كل من أخفى هذه الكتب. من أمثال رجال الكنيسة هؤلاء أثانسيوس Athanasius (مات سنة 373م) و روفينوس Rufinus (مات سنة 410م) و قد استخدموا كلمة (أبوكريفا apocrypha)(1) لوصف الكتب التي لم يقبلوها.
و على الرغم من هذا فقد نجى إنجيل برنابا (2) (أنظر الفصل السابع) من هذه الحملة لتدمير الأناجيل وهو متوفر لدينا اليوم. إنه يؤكد كل ما ذهبنا إليه و ما قاله القرآن منذ قرون مضت. كما يتضمن رد برنابا على مزاعم بولس و شهادته على ما جرى حقيقةً على الصليب و كيف أن الله لم يتخلى عن عيسى (عليه السلام) و يسلمه لليهود، بل رفعه الله إليه، و صنع من يهوذا الخائن شبهاً لعيسى (عليه السلام) الذي أُخذ مكانه على الصليب. و بالطبع فقد رافق برنابا عيسى (عليه السلام) و كان شاهد عيان على بعثته، بينما بولس لم يكن كذلك.
نعود إلى قصتنا.. حصل خلاف بين بولس و الحواريين فقرر الأول أنه ((لا الخِتانُ لَه مَعنى ولا عَدَمُ الخِتانِ، بَلْ ِ الخَيرُ كُلُّ الخَيرِ في العمَلِ بوَصايا اللهِ – الأولى إلى كورنثوس 7: 19)). و مع أن الختان كان يُعتبر ذا شأن أكبر من المحافظة على السَبَت نفسه وفقاً لشريعة موسى و “وصايا الرب“، إلا أن تعاليم بولس تقول أنه من الممكن حفظ الوصايا على الرغم من خرق وصية الختان الأساسية، و بما يناقض تعاليم عيسى و الحواريين.
في النهاية، قرر بولس أن جميع وصايا الله التي أوصاها لموسى (عليه السلام)، و التي حافظ عليها عيسى (عليه السلام) بنفسه و بإخلاص حتى حادثة الصلب، و التي حافظ عليها الحواريون أيضاً – قرر أنها جميعها لا قيمة لها و أنها وصايا مُفسدة و على وشك الزوال، و أن الإيمان هو المطلب الوحيد لاغياً بذلك تماماً كلما علّمه “ربه – سيده” عيسى و مارسه خلال حياته.
فنَحنُ نَعتَقِدُ أنَّ الإنسانَ يتبَرَّرُ بِالإيمانِ، لا بِالعَمَلِ بأحكامِ الشَّريعةِ.
الكتاب المقدس – رومية 3: 28
فقرر أن شرائع موسى (عليه السلام) [لا تسرق، لا تقتل ..] التي علّمها عيسى (عليه السلام) للمؤمنين خلال فترة حياته إنما هي “لعنة” عليهم ولم تعد ضرورية بعد الآن:
والمَسيحُ حَرَّرَنا مِنْ لَعنَةِ الشَّريعَةِ..
الكتاب المقدس – غلاطية 3: 13
و من ثم ذهب إلى شرح المعاني “الحقيقية” لتعاليم عيسى وما بشّر به بولس بما يعرف اليوم بـ”المسيحية”.
إن بولس نفسه يعترف عن طيب خاطر أنه كان قادراً و راغباً في كسب المعتنقين الجدد لديانته بشتى الوسائل المتاحة له:
فَصِرتُ لليَهودِ يَهودِيّاً لأربَحَ اليَهودَ، وصِرتُ لأهلِ الشَّريعةِ مِنْ أهلِ الشَّريعةِ وإنْ كُنتُ لا أخضَعُ للشَّريعةِ لأربَحَ أهلَ الشَّريعةِ.
الكتاب المقدس – الأولى إلى كورنثوس 9: 20
..وصِرتُ لِلنّاسِ كُلِّهم كُلَّ شيءٍ لأُخلِّصَ بَعضَهُم بِكُلِّ وسيلَةٍ.
الكتاب المقدس – الأولى إلى كورنثوس 9: 22
كُلُّ شَيءٍ يَحِلُّ لي، ولكِنِّي لن أَدَعَ شَيئًا يَتَسَلَّطُ عليَّ.
الكتاب المقدس – الأولى إلى كورنثوس 6: 12
لقد رأينا لتونا كيف أن بولس يعترف علناً أن تعاليمه لم تقتبس من حواريي عيسى، بل من رؤيا عيسوية تجاهلت جميع الحواريين: [لأَنِّي ما تَلقَّيتُها ولا أَخَذتُها عن إِنسان، بل بِوَحْيٍ مِن يسوعَ المسيح – غلاطية 1: 12] إذا فالحواريون ليسوا فقط منافقين مضللين و كسالى بل كل ما تعلموه عن عيسى كان في نظر بولس لا ضرورة له. إن ما تعلموه من عيسى نتيجة الاتصال المباشر معه يكون مفيداً في حالة توافقه مع “رؤياه” فقط. بمعنى أنهم بحاجة إلى أن يتعلموا منه و ليس العكس.
يقول برنابا الحواري العظيم لعيسى (عليه السلام) [المدافع عن بولس و المحسن إليه] في بياته الافتتاحي لإنجيله متحدثاً عن بولس و غيره:
((نبي جديد مرسل من الله إلى العالم بحسب رواية برنابا. برنابا رسول يسوع الناصري المسمى المسيح يتمنى لجميع سكان الأرض سلاماً وعزاء. أيها الأعزاء إن الله العظيم العجيب قد افتقدنا في هذه الأيام الأخيرة بنبيه يسوع المسيح برحمة عظيمة للتعليم والآيات التي اتخذها الشيطان ذريعة لتضليل كثيرين بدعوى التقوى، مبشرين بتعليم شديد الكفر، داعين المسيح ابن الله، ورافضين الختان الذي أمر به الله دائما، مجوزين كل لحم نجس، الذين ضل في عدادهم أيضا بولس الذي لا أتكلم عنه إلا مع الأسى، وهو السبب الذي لأجله أسطر ذلك الحق الذي رأيته وسمعته أثناء معاشرتي ليسوع لكي تخلصوا ولا يضلكم الشيطان فتهلكوا في دينونة الله، وعليه فاحذروا كل أحد يبشركم بتعليم جديد مضاد لما أكتبه لتخلصوا خلاصا أبديا. وليكن الله العظيم معكم وليحرسكـم من الشيطان ومن كل شـر. آمين..))
إن بولس نفسه يعترف أنه كان هنالك أناسٌ يبشرون ببشارة مختلفة عن بشارته و أنهم كانوا يكسبون الأتباع. لم يقم بذكر أسماء خصومه، إلا أننا نجد ذكر أنبل خصومه في مكانين اثنين حيث يستخدم بولس في وصفهم ألفاظاً يصفها البروفسور براندون Brandon على أنها “ألفاظاً جديرة بالملاحظة”:
عَجيبٌ أمرُكُم! أَبِمِثلِ هذِهِ السُّرعَةِ تَترُكونَ الّذي دَعاكُم بِنِعمَةِ المَسيحِ وتَتبَعونَ بِشارةً أُخرى؟ وما هُناكَ ((بِشارةٌ أُخرى))، بَلْ جَماعةٌ تُثيرُ البَلْ بلَةَ بَينَكُم وتُحاوِلُ تَغييرَ بِشارَةِ المَسيحِ. فلَو بَشَّرناكُم نَحنُ أو بَشَّرَكُم مَلاكٌ مِنَ السَّماءِ بِبِشارَةٍ غَيرِ الّتي بَشَّرناكُم بِها، فلْيكُنْ مَلعونًا. قُلْنا لكُم قَبلاً وأقولُ الآنَ: إذا بَشَّرَكُم أحَدٌ بِبِشارَةٍ غَيرِ الّتي قَبلتُموها مِنَّا، فاللَّعنَةُ علَيهِ.
الكتاب المقدس – غلاطية 1: 6-9
لكنِّي أخافُ أنْ تَزوغَ بَصائِرُكُم عَنِ الصِّدقِ والوَلاءِ الخالِصِ للمَسيحِ، مِثلَ حَوَّاءَ الّتي أغوَتْها الحَـيَّةُ بِحيلَتِها. فلَو جاءَكُم أحَدٌ يُبَشِّركُم بِـيَسوعَ آخرَ غَيرِ الّذي بَشَّرناكُم بِه، أو يَعرُضُ علَيكُم رُوحًا غَيرَ الّذي نِلتُموهُ، وبِشارَةً غَيرَ الّتي تَلقَّيتُموها. لكُنتُم احتَملتُموهُ أحسنَ احتِمالٍ. ولا أظُنُّ أنِّي أقَلُّ شأْنًا مِنْ أُولئِكَ الرُّسُلِ العِظامِ! فإنْ أعوَزَتني الفَصاحَةُ، فلا تُعوِزُني المَعرِفَةُ. وهذا ما أظهَرناهُ لكُم جميعًا في كُلِّ شيءٍ.
الكتاب المقدس – الثانية إلى كورنثوس 11: 3-6
خصوم بولس هؤلاء كانوا يبشرون بـ”بشارة أخرى” و يدعون للإيمان بـ”يسوع آخر“. و من الواضح أنهم كانوا يستهدفون جماعة بولس بعينها و يجعلون من أتباع بولس أتباعاً لهم. حدث هذا مع أن تعاليمهم لم تُظهر تلك “البساطة” التي بشّر بها بولس بل تطلبت من أتباعها العمل من أجل خلاصهم. إلا أن بولس يبدي تقيُّداً مذهلاً عند الإشارة إليهم بعدم توبيخهم بخطاب شديد اللهجة – و هو أمر قادر عليه تمام القدرة – أو التشكيك بسلطتهم، بل يقدم إشارة إلى هويتهم بكلمات ((ولا أظُنُّ أنِّي أقَلُّ شأْنًا مِنْ أُولئِكَ الرُّسُلِ العِظامِ)) و بقوله ((فلَو بَشَّرناكُم نَحنُ أو بَشَّرَكُم مَلاكٌ مِنَ السَّماءِ)) و قوله ((بِشارةً أُخرى، وما هُناكَ بِشارةٌ أُخرى)).
كما رأينا في فصول سابقة، يُجمع علماء المسيحية اليوم على أن المسيحيين الأوائل – بمن فيهم حواريي عيسى (عليه السلام) – كانوا جميعاً موحدين و يتّبعون دين موسى، و أن الثالوث لم يتم انتاجه حتى بداية القرن الثاني تقريباً. هؤلاء الموحدين تمتعوا بعدد كبير من الأتباع و انتشروا بشدة في غالبية شمال افريقيا و مناطق أخرى. خلال هذه الفترة فإن أياً من الأممين الرومان أو الإغريق يريد الدخول في المسيحية كانوا مخولاً له اختيار “المسيحية” التي يريد. إما أن تكون تلك التي بشّر بها برنابا و الحواريون المتضمنة شريعة موسى (عليه السلام) المنضبطة و الصارمة، أو ذلك “العهد الجديد” الأكثر تبسيطاً الخاص ببولس الذي تطلّب فقط “الإيمان بعيسى”، و الذي جعلت منه الكنيسة البولوسية أكثر إغراءً عن طريق دمجه بـ”الثالوث المقدس” و غيره من التغييرات ليكون أكثر شبهاً بالمعتقدات اليونانية و الإغريقية السائدة و المتعلقة بتعدد الآلهة، الآلهة الآب، الآلهة الابن، أشباه الآلهة، و الآلهة الأنثى… إلخ. يقول تولاند Toland في كتابه “الناصري The Nazarenes”: ((لقد كان الحقد ضد اليهود متأصلاً بين الأمميين لأن كل ما يحافظون عليه في دينهم كان معقولاً و ضرورياً، وكان هذا دافعاً كافياً لرفضه من قبل العتنق الجديد من الأمميين)) [من كتاب عيسى نبي الإسلام – Jesus, Prophet of Islam]. إن أراد بولس تنصير هؤلاء الناس فعليه أن يقدّم التنازلات و أن يجعل من المسيحية أكثر إغراءً بالنسبة لهم، و هذا ما فعله هو و كنيسته.
أحد هؤلاء المسيحيين الموحدين الأوائل رجلٌ اسمه إيرينايوس Irenaeus (130-20م). يخبرنا السيد محمد عطاء الرحيم في كتابه (عيسى نبي الإسلام – Jesus, Prophet of Islam) بأنه كان أحد أوائل المسيحي الذين قتلوا بسبب موالاتهم لوحدانية الله. و قد استشهد بقوله فيم يتعلق بالمحاولات غير المنتهية للعبث بالكتاب المقدس: ((من أجل أن يُدهشوا البسطاء الجاهلين بأمور الكتب المقدسة الحقة، قاموا بإقحام أعداد مهولة من الأعدكتب المزيفة و الكاذبة من اختراعهم الخاص)) [وهي الأناجيل التي بحوزتنا اليوم].
عندما حصلت الكنيسة البولسية على السلطة و التأثير في روما قامت بإدانة هؤلاء المسيحيين الموحدين بشكل رسمي، اضطهدتهم، و قتلتهم. كان هنالك محاولة لطمسهم و كتبهم كلياً عن طريق إجبارهم لقبول معتقد “الثالوث المقدس” و إلا قتلهم بتهمة الهرطقة و إحراق أناجيلهم. أكثر من ميلون من هؤلاء المسيحيين الموحدين أُعدموا بسبب رفضهم للتسوية بإيمانهم. و على الرغم من هذا فقد نجى إيمانهم حتى يومنا هذا. عندما جاء الإسلام بدعوته لله الواحد و بالإيمان بعيسى (عليه السلام) و بمعجزاته، كان هؤلاء المسيحيين الموحدين بين أوائل الناس ممن تعرّفوا على كلمة الله و قبلوا الإسلام.
و بهذا دخل بولس و كنيسته في إبادة شاملة لكافة تعاليم عيسى (عليه السلام) و تلاميذه الأوائل فلم ينجو منها إلا القليل، و لا حتى الطريقة المفضلة لعيسى (عليه السلام) في إلقاء التحية على أتباعه. كان أنبياء الله في الأزمنة الغابرة بمن فيهم موسى و يوسف و يعقوب و عيسى و ملائكة الله و آخرون بمن فيهم الله نفسه – كان من عادتهم أن يحيّوا المؤمنين بقولهم ((السلام عليكم)). يمكننا قراءة ذلك في أعداد مثل [التكوين 43: 23]،[القضاة 6: 23]،[صموئيل الأول 25: 6]،[العدد 6: 26]،[صموئيل الأول 1: 17]،[لوقا 24: 36]،[يوحنا 20: 19]،[يوحنا 20: 26]، و بخاصة العدد:
وأيَّ بَيتٍ دَخَلْتُم، فَقولوا أوّلاً: السَّلامُ على هذا البَيتِ.
الكتاب المقدس – لوقا 10: 5
هل لأحد منكم أن يخمّن ما علّم محمد ( ) أتباعه أن يقولوا عند إلقاء التحية على بعضهم البعض أو عندما يفترقوا؟ نعم! إنها ((السلام عليكم)). هل قابلت يوماً مسيحياً يحيي الآخرين بكلمات عيسى (عليه السلام): ((السلام عليكم))؟
إذاً، فماذا يقوله علماء المسيحية عن بولس؟:
هينز زاهرنت Heinz Zahrnt يسمي بولس “مفسد إنجيل عيسى”.
التقرير اليسوعي – جوان ليمان ص 126
“The Jesus Report,” Johannes Lehman, p. 126.
يصفه ويرد Werde على أنه “المؤسس الثاني للمسيحية”. ثم يقول ويرد عن بولس: ((إن الانقطاع بين عيسى التاريخي و مسيح الكنيسة أصبح كبيراً لدرجة جعلت من توحيد الاثنين أمراً يصعب إدراكه))
التقرير اليسوعي – جوان ليمان ص 127
“The Jesus Report,” Johannes Lehman, p. 127
كتب سكونفيلد Schonfield يقول: ((لقد تحولت الهرطقة البولسية إلى أساساً للمذهب المسيحي الأورثوذوكسي و أُنكر على الكنيسة الحقيقية شرعيتها بتهمة الهرطقة)).
التقرير اليسوعي – جوان ليمان ص 128
“The Jesus Report,” Johannes Lehman, p. 128
السيد مايكل هارت Michael H. Hart في كتابه (المئة الأكثر تأثيراً في التاريخ – The 100, a Ranking of the Most Influential Persons in History) يضع محمد ( ) في المرتبة الألى، و من ثم بولس، و عيسى (عليه السلام) بعد بولس. و كحالة أغلب العلماء في الغرب فإنه يدرك أن بولس يستحق فضلاً أكبر من “المسيح” نفسه فيما يخص “المسيحية”.
تقول موسوعة جرويلر Grolier’s encyclopedia تحت باب (المسيحية):
“بعد صلب عيسى، شكل أتباعه الجماعة المسيحية الأولى في أورشليم يُآزرهم في ذلك إيمانهم بأنه قام من الأموات و أنهم قد امتلؤوا بقوة الروح القدس. وفي أواسط القرن الأول نشر المبشرون الدين الجديد بين شعوب مصر، سوريا، الأناضول، اليونان، و إيطاليا. أحد المبشّرين الأساسيين كان القديس بولس الذي أرسى دعائم اللاهوت المسيحي و لعب دوراً أساسياً في تحويل المسيحية من كونها جزء يهودياً إلى ديانة عالمية. حافظ المسيحيون الأصليون – باعتبارهم يهوداً – على امتناعهم عن أكل المحرمات و على أداء شعائر الشريعة الواردة في التوراة، و طلبوا من غير اليهود المعتنقين للمسيحية الشيء نفسه. ففضّل بولس و غيره إزالة الواجبات لجعل المسيحية أكثر جذباً للأمميين.”
الدكتور آرنولد ماير Dr. Arnold Meyer يقول:
“إن كنا نفهم من المسيحية أن الإيمان بالمسيح إنما هو إيمان به كإبن الله السماوي، الذي لم ينتمِ إلى البشرية الدنيوية بل عاش في شبهٍ و مجدٍ إلهيين، الذي نزل من السماء إلى الأرض، الذي دخل الجنس البشري و اتخذ لنفسه هيئة بشرية من خلال عذراء، و الذي سيقوم بتكفير خطايا البشر من خلال دمه المهدور على الصليب، و الذي أُقيم بعدها من الموت و رُفع إلى يمين الله، و الذي هو سيد (رب) شعبه المؤمنين به، و الذي يسمع صلواتهم، يحميهم و يرشدهم، و الذي سيأتي مرة أخرى على سحاب السماء ليحكم العالم، و الذي سيقضي على جميع أعداء الله و سيجلب شعبه معه إلى موطن النور السماوي حتى يصبحوا كمثل جسده الممجد – إن كانت هذه هي المسيحية، فإن مثل تلك المسيحية قد أُسست من قبل القديس بولس و ليس من قبل سيدنا (ربنا).”
عيسى أو بولس، الدكتور آرنولد ماير بروفسور اللاهوت في جامعة زوريتش، ص 122.
Dr. Arnold Meyer, Professor of Theology, Zurich University, Jesus or Paul, p. 122
كما نرى فإن هذه المعلومات ليست بجديدة علينا. لقد تم التعرّف عليها و توثيقها من قرون مضت. وحتى في ذلك الوقت كان معروفاً أن غالبية مزاعم الكنيسة لا يمكن اثباتها من خلال الكتاب المقدس. و تغيرت بعض المفاهيم: فبدل من أن يحصل المرء على الوحي من الكتاب المقدس، بدأ بالحصول عليه من الكنيسة “عروس يسوع”. فعلى سبيل المثال تم توبيخ فرا فلوجينتيو Fra Flugentio من قبل البابا في رسالة قال فيها: ((إن التبشير من الكتب المقدسة هو أمر مشبوه. كل من يبقى قريباً من الكتب المقدسة فإنه سيخرب الإيمان الكاثوليكي)). و في رسالته التالية كان أكثر وضوحاً: ((إنه كتاب يدمر الإيمان الكاثوليكي إذا ما بقي المرء قريباً منه))
رباعية جون تولاند (من كتاب عيسى نبي الإسلام)
Tetradymus, John Toland (From: Jesus a Prophet of Islam)
كما رأينا فقد بدأ الأمر كله برجل واحد، ألا وهو بولس. من المنطق أن نقوم بدراسة حياة و معتقدات و تعاليم هذا الشخص حتى نتحقق من صحة ما يدعيه. إن بولس يدعي أنه نبي الله أو/و عيسى. نجد ذلك على سبيل المثال في العدد:
فأنا ما تَلقَّيتُها ولا أخَذتُها عَنْ إنسانٍ، بَلْ عَنْ وَحيٍ مِنْ يَسوعَ المَسيحِ... ولكِنَّ اللهَ بِنِعمَتِهِ اختارَني وأنا في بَطنِ أُمِّي فدَعاني إلى خِدمَتِهِ. وعِندَما شاءَ أنْ يُعلِنَ ابنَهُ فيَّ لأُبشِّرَ بِه بَينَ الأُمَمِ، ما استَشَرتُ بَشَرًا..
الكتاب المقدس – غلاطية 1: 12-16
و بالتالي، إن كان بولس يخبرنا في الكتب المؤلفة للكتاب المقدس أنه نبي، فلابد أن يكون أحد صنفين من الأنبياء: إما أنه نبي حقيقي أو نبي مزيف. و لهذا السبب فإن العدالة تتطلب أن يكون الحكم شخصاً مقبولاً في صدقه و كماله بشكل مسبق من قبل الجميع و دون تردد. لهذا السبب سيكون الحكم و هيئة المحلفين في هذه الحالة عبارة عن شخصين اثنين: الله العلي و عيسى المسيح. إضافة إلى ذلك فإن الشاهد الوحيد الذي سيتم عرضه هو بالتحديد الكتاب المقدس. دعونا إذاً نصفّي أذهاننا و قلوبنا من أي تحيّز و نترك الفرصة لله و عيسى فقط أن يخبرونا ماذا نقبل و ماذا نرفض. هل اتفقنا؟ لنبدأ إذاً:
دعونا نستفتح بكلمات من الله الذي يقول:
فأُجيبُكُم أنَّ النبيَ الذي تكلَّمَ باَسْمِ الرّبِّ ولم يَحدُثْ كلامُهُ بصُدقٍ، فذلِكَ الكلامُ لم يتكلَّمْ بهِ الرّبُّ، بل زادَ فيهِ النَّبيُّ على الحقيقةِ فلا تخافوا مِنهُ.
الكتاب المقدس – التثنية 18: 22
لنتابع مشوارنا و نستمع إلى شهادة عيسى (عليه السلام) :
فسيَظهرُ مُسَحاءُ دجّالونَ وأنبـياءُ كذّابونَ، يَصنَعونَ الآياتِ والعَجائبَ العَظيمةَ ليُضَلِّلوا، إنْ أمكَنَ، حتّى الّّذينَ اَختارَهُمُ اللهُ.
الكتاب المقدس – متى 24: 24
و يتابع عيسى (عليه السلام) فيقول:
إيَّاكُم والأنبياءَ الكَذَّابينَ، يَجيئونَكُم بثِيابِ الحُملانِ وهُم في باطِنِهِم ذِئابٌ خاطِفةٌ. مِنْ ثِمارِهِم تعرِفونَهُم. أيُثمِرُ الشَّوكُ عِنَبًا، أمِ العُلَّيقُ تِينًا؟ كُلُّ شَجرَةٍ جيِّدةٍ تحمِلُ ثَمرًا جيِّدًا، وكُلُّ شَجَرةٍ رَديئةٍ تحمِلُ ثَمرًا رَديئًا. فما مِنْ شَجرَةٍ جيِّدةٍ تَحمِلُ ثَمرًا رَديئًا، وما من شَجرَةٍ رَديئةٍ تَحمِلُ ثَمرًا جيِّدًا. كُلُّ شَجرَةٍ لا تَحمِلُ ثَمرًا جيِّدًا تُقطَعُ وتُرمَى في النَّارِ. فمِنْ ثِمارِهِم تَعرِفونَهُم. ما كُلُّ مَنْ يقولُ لي: يا ربُّ، يا ربُّ! يدخُلُ مَلكوتَ السَّماواتِ، بل مَنْ يَعملُ بمشيئةِ أبـي الّذي في السَّماواتِ. سيَقولُ لي كثيرٌ مِنَ النّاسِ في يومِ الحِسابِ: يا ربُّ، يا ربُّ، أما باَسمِكَ نَطَقْنا بالنُّبوءاتِ؟ وباَسمِكَ طَرَدْنا الشَّياطينَ؟ وباَسمِكَ عَمِلنا العجائبَ الكثيرةَ؟ فأقولُ لهُم: ما عَرَفتُكُم مرَّةً. اَبتَعِدوا عنِّي يا أشرارُ!
الكتاب المقدس – متى 7: 15-23
و الآن و قد تم وضع المعايير الأساسية من قبل الله و رسوله المصطفى عيسى المسيح (عليه السلام)، دعونا نستمع لشهادة بولس من خلال الكتاب المقدس و نترك لكلماته العنان أن تتحدث عن نفسها. و حتى نتمكن من ذلك فإننا سنقوم بتجزئة المعيار الذي وضعه الله و عيسى إلى سبعة نقاط:
1- نبوءات النبي المزيف لا تتحقق.
2- يمكن للمسحاء الدجالين و الأنبياء الكذبة أن يُظهروا الآيات و العجائب التي يمكن أن تضل الذين اختارهم الله.
3- الأنبياء الكذبة ينتج عنهم ثمار رديئة.
4- الأنبياء الكذبة سيزعمون أنه يكفي القول لعيسى “يا رب يا رب” لنكون من الصالحين.
5- النبي الكاذب سيتنبأ باسم عيسى.
6- النبي الكاذب يمكن له أن يطرد الشياطين و يعمل العجائب.
7- النبي الكاذب سيطرده عيسى و يلعنه.
فيما يتعلق في المعيار الأول فإننا سنستمع لكلمات بولس في العدد التالي الذي يتحدث عن نبوءته في القدوم الثاني لعيسى. يقول بولس:
لأنَّ الرّبَّ نفسَهُ سينزِلُ مِنَ السَّماءِ عِندَ الهُتافِ ونداءِ رئيسِ الملائِكَةِ وصوتِ بوقِ اللهِ، فيقومُ أوَّلاً الّذينَ ماتوا في المَسيحِ، ثُمَّ نُخطَفُ معَهُم في السَّحابِ، نحنُ الأحياءَ الباقينَ، لمُلاقاةِ الرّبِّ في الفضاءِ، فنكونُ كُلَّ حينٍ معَ الرّبِّ. فلْيُشجِّعْ بعضُكُم بعضًا بهذا الكلامِ.
الكتاب المقدس – الأولى إلى تسالونيكي 4: 16-18
من المفترض أن هذه النبوءة ستحدث في زمن بولس الذي أخبر أتباعه بأن عيسى سينزل من السماء في أي لحظة. و أنه سيُرفع و أتباعه في الجو ليلاقو عيسى في السحاب. إنما كان يخبرهم أن هذا سيحدث و هم لازالوا أحياء يرزقون. هل تحقق ذلك؟ كلا! لقد كانت نبوءة كاذبة. لقد مرت ألفين من السنين منذ ذلك الوقت، ولم يتحول هو و الذين يخاطبهم إلى رميم فحسب، بل إن أجيال كثيرة من أتباع أتباعهم قد مرّت و نحن لازلنا ننتظر هذه النبوءة كي تتحقق.
دعونا الآن ندرس المعيار الثاني. يجب علينا أن ندرك أن بولس نفسه و كنيسته من بعده هم الذين يقصون علينا تلك المعجزات المزعومة، إلا أننا سنقبل بها بالظاهر و نأخذ بكلامهم. في كتاب أعمال الرسل الإصحاح /27/ يدعي بولس أن ملاكاً أنقذه من سفينة كانت تغرق. وفي الإصحاح /28/ من نفس الكتاب يدعي بولس أنه شفى العديدين من مرضى الزُحار. بالإضافة إلى مزيد من أعمال الإبراء في الإصحاح /19/. بسبب هذه المعجزات المزعومة الكثير من الناس قد زعموا الإيمان به. و كما رأينا في الصفحات السابقة، فقد استغرق الأمر حوالي ثلاثة قرون حتى ترسخت تعاليم بولس في أذهان الصفوة (الذين اختارهم الله) و صرفتهم عن الرسالة الأصلية لعيسى و تعاليمه وعن التمسك بالشريعة الموسوية، و استمرار المحافظة على هذه الشريعة في المعابد اليهودية و هيكل اليهود استرشاداً بخطى الحواريين الأوائل [أعمال الرسل 2: 46].
إن المعيار الثالث يلفت انتباهنا إلى قول بولس:
فهوَ في الزَّمَنِ الحاضِرِ يُظهرُ بِرَّهُ ليَكونَ بارُا ويُبرِّرَ مَنْ يُؤمنُ بيَسوعَ. فأينَ الفَخرُ؟ لا مَجالَ لَه. وبِماذا نَفتَخِرُ؟ أبِالأعمالِ؟ لا، بَلْ بالإيمانِ. فنَحنُ نَعتَقِدُ أنَّ الإنسانَ يتبَرَّرُ بِالإيمانِ، لا بِالعَمَلِ بأحكامِ الشَّريعةِ.
الكتاب المقدس – رومية 3: 26-28
لقد تمكن بولس من قلب الشريعة الموسوية، فألغى كامل الشريعة التي ناصرهاا كل من الله و موسى و عيسى و أمروا أتباعهم بالتمسك بها حتى نهاية الزمان [التثنية 6: 17-18، 11: 1]،[متى 15: 1-15، 5: 17-20، 19: 16-21]..إلخ.
في الحقيقة فإن العدد [إشعياء 42: 21 – كانَ الرّبُّ راضيًا أنْ يُبرِّرَ شعبَهُ، لو عظَّمَ الشَّريعةَ وأكرَمَها] يبين لنا نبوءة تتطلب من النبي القادم أن يعظّم شريعة موسى لا أن يدمرها.
بمعنى آخر، فإن الله يقول:
لا تزيدوا كلِمةً على ما آمركُم بهِ ولا تُنقِصوا مِنْهُ، واَحْفَظوا وصايا الرّبِّ إلهِكُم التي أُوصيكُم بها.
الكتاب المقدس – التثنية 4: 2
و يقول عيسى:
الحقَّ أقولُ لكُم: إلى أنْ تَزولَ السَّماءُ والأرضُ لا يَزولُ حرفٌ واحدٌ أو نقطةٌ واحدةٌ مِنَ الشَّريعةِ حتّى يتِمَّ كُلُّ شيءٍ. فمَنْ خالفَ وَصيَّةً مِنْ أصغَرِ هذِهِ الوصايا وعلَّمَ النَّاسَ أنْ يَعمَلوا مِثلَهُ، عُدَّ صغيرًا في مَلكوتِ السَّماواتِ. وأمَّا مَنْ عَمِلَ بِها وعَلَّمَها، فهوَ يُعَدُّ عظيمًا في مَلكوتِ السَّماواتِ.
الكتاب المقدس – متى 5: 18-19
ثم يأتي بولس و يقول:
والمَسيحُ حَرَّرَنا مِنْ لَعنَةِ الشَّريعَةِ…
الكتاب المقدس – غلاطية 3: 13
فنَحنُ نَعتَقِدُ أنَّ الإنسانَ يتبَرَّرُ بِالإيمانِ، لا بِالعَمَلِ بأحكامِ الشَّريعةِ.
الكتاب المقدس – 3: 28
لننتقل سوية إلى المعيار الرابع. يقول بولس:
ولا فَرْقَ بَينَ اليَهوديِّ وغَيرِ اليَهوديِّ، لأنَّ اللهَ رَبُّهُم جميعًا، يَفيضُ بِخيراتِهِ على كُلِّ مَنْ يَدعوهُ. فالكِتابُ يَقولُ: ((كُلُّ مَنْ يَدعو باسمِ الرَّبِّ [عيسى] يَخلُصُ)).
الكتاب المقدس – غلاطية 10: 12-13
و المعيار الخامس يقول أنه سيتنبأ باسم عيسى. يقول بولس:
فأنا ما تَلقَّيتُها ولا أخَذتُها عَنْ إنسانٍ، بَلْ عَنْ وَحيٍ مِنْ يَسوعَ المَسيحِ.
الكتاب المقدس – غلاطية 1: 12
لذا وفقاً لبولس فإن كل ما علّمه كان وحياً مباشراً من عيسى.
المعيار السادس يقول أن بولس سيطرد الأرواح الشريرة و يقوم بالعجائب. إن هذا ما يدعيه في العدد [أعمال الرسل 19: 11-12].
المعيار السابع يلفت انتباهنا إلى كلمات بولس:
أنا فَرِّيسيٌّ اَبنُ فَرِّيسيٍّ.
الكتاب المقدس – أعمال الرسل 23: 6
حقيقةٌ يرددها بولس بكل فخر في أكثر من مناسبة. فيردّ عيسى (عليه السلام) و يقول:
الوَيلُ لكُم يا مُعَلِّمي الشَّريعةِ والفَرِّيسيَّونَ المُراؤونَ! تَقطَعونَ البحرَ والبَـرَّ لتكسِبوا واحدًا إلى دِيانَتِكُم، فإذا نَجَحتُم، جَعَلْتموهُ يستَحِقُّ جَهنَّمَ ضِعفَ ما أنتُم تَستَحِقُّونَ!
الكتاب المقدس – متى 23: 15
وكانَ اَجتَمَعَ عَشَراتُ الأُلوفِ مِنَ النّـاسِ، حتّى داسَ بَعضُهُم بَعضًا، فقالَ أوّلاً لِتلاميذِهِ: ((إيَّاكُم وخَميرَ الفَرِّيسيِّينَ الّذي هوَ الرّياءُ. فما مِنْ مَستورٍ إلا سَينكَشِفُ، ولا مِنْ خفيٍّ إلاّ سيَظهَرُ. وما تَقولونَهُ في الظَّلامِ سيَسمَعُهُ النّـاسُ في النّـورِ، وما تَقولونَهُ هَمسًا في داخِلِ الغُرَفِ سيُنادونَ بِه على السُّطوحِ)).
الكتاب المقدس – لوقا 12: 1-3
و بالتالي فقد صنّف عيسى (عليه السلام) الفريسيين بأنهم منافقين يستحقون جهنم، و كما تنبأ تماماً فقد كشف الله ما بذلوا جهدهم أن يخفوه بتنزيله القرآن الكريم.
وكما نعلم فإن عيسى لم “يعرف” بولس أبداً. في الواقع فإن معلومات بولس عن عيسى كانت شحيحةً جداً لدرجة أنه لم يستشهد بأقواله مباشرة إلا مرة واحدة خلال فترة كهنوته [الأولى إلى كورنثوس 11: 26]. القليل فقط من تعاليم عيسى الحقيقية قد ذُكرت في رسائل بولس الإنجيلية، وحتى عندما تُذكر فإنها لا تُنسب إلى عيسى. هذه التعاليم كانت مجرد مواعظ دينية للعوام تناقلها الناس فوجدت طريقها إلى رسائله الإنجيلية.
إن العدد [دانيال 7: 25] يصف أعظم مسيح دجال كالتالي:
ويَتَكَلَّمُ بِأَقْوالٍ ضِدَّ العَلِيّ ويَبتَلِي قِدِّيسي العَلِيّ وَينْوي أَن يُغَيِّرَ الأَزمِنَةَ والشَّريعَة سيُسلَمونَ إِلى يَدِه إِلى زَمانٍ وزمانَينِ ونِصفِ زَمان.
على الرغم من أن بولس ليس هو المسيح الدجال الأخير، و على الرغم من أنه لا يوجد مسلم سيحاول الادعاء بمثل ذلك، إلا أنه من المثير أن نلاحظ درجة التماثل التي يبديها مع أكثر الأنبياء الكذبة شراً. على سبيل المثال، فإن المسيح الدجال سيغير الأزمنة و الشريعة وكذلك فعل بولس بإلغائه الشريعة. و المسيح الدجال سيتكلم بأقوال ضد الله العلي و كذلك فعل بولس. فعلى سبيل المثال، يقول الكتاب المقدس:
شَريعَةُ الرَّبِّ كامِلَةٌ تُنعِشُ النَّفْسَ… أَوامِرُ الرَّبِّ مُستَقيمةٌ تُفَرِّحُ القُلوب وَصِيَّةُ الرَّبِّ صافِيَةٌ تُنيرُ العُيون.
الكتاب المقدس – المزامير 19: 8-9
فأحبُّوا الرّبَ إِلهَكُم يا بَني إِسرئيلَ واَعمَلوا بِأوامِرِهِ وسُنَنِهِ وأحكامِهِ ووصاياهُ كُلَ الأيّامِ.
الكتاب المقدس – التثنية 11: 1
الحقَّ أقولُ لكُم: إلى أنْ تَزولَ السَّماءُ والأرضُ لا يَزولُ حرفٌ واحدٌ أو نقطةٌ واحدةٌ مِنَ الشَّريعةِ حتّى يتِمَّ كُلُّ شيءٍ. فمَنْ خالفَ وَصيَّةً مِنْ أصغَرِ هذِهِ الوصايا وعلَّمَ النَّاسَ أنْ يَعمَلوا مِثلَهُ، عُدَّ صغيرًا في مَلكوتِ السَّماواتِ. وأمَّا مَنْ عَمِلَ بِها وعَلَّمَها، فهوَ يُعَدُّ عظيمًا في مَلكوتِ السَّماواتِ.
الكتاب المقدس – متى 5: 18-19
إلا أن بولس يقول في العدد [غلاطية 7: 6] بأن الشريعة قد اندثرت، ثم يقول بعد ذلك في العدد [غلاطية 3: 13] بأن الشريعة إنما هي لعنة. في العدد [غلاطية 3: 10] يزعم أن الذين يعملون تحت شريعة الله إنما هم تحت اللعنة. و يزعم في العدد [العبرانيين 8: 13] أن ميثاق الله إنما هو ميثاق قديم مُفسد و على وشك الزوال.
كما نرى، فإن كلاً من الله و عيسى قد أدان بولس و تعاليمه دون أي مجال للشك. كلاهما يشهدان عليه و على افتراءاته التي يرفضانها تماماً، و التي ستكون شاهداً عليه في يوم الحساب. من أفضل و أنزه حكماً من الله و عيسى نفسيهما و الذي يتوجب علينا أن نلجأ إليه ليشهد على بولس و افتراءاته؟
فأجابَهُم يَسوعُ: ((إيَّاكُم أنْ يُضلِّــلَكُم أحدٌ. سيَجيءُ كثيرٌ مِنَ النّـاسِ مُنتَحِلينَ إِسمي، فيقولونَ: أنا هوَ المَسيحُ! ويَخدَعونَ أُناسًا كثيرينَ))
الكتاب المقدس – مرقس 13: 5-6
((يا اَبنَ البشَرِ، تنبَّأْ على أنبياءِ إِسرائيلَ. تنبَّأْ على المُتنبِّئينَ حسَبَ أهدافِهِم وقُلْ: إِسمعوا كلِمةَ الرّبِّ: ويلٌ للأنبياءِ الحَمقَى الذينَ يتبعونَ هَواهُم وهُم لم يرَوا رُؤيا. أنبياؤُكُم يا شعبَ إِسرائيلَ كالثَّعالبِ بَينَ الخرائبِ. ما صعِدوا يومًا لسدِّ ثغرةٍ في الجدارِ، ولا بَنوا جدارًا لكُم، حتى يُدافِعوا عَنكُم في القتالِ في يومِ الرّبِّ. إنَّما رُؤياهُمُ الباطلُ والعِرافةُ الكاذبةُ. قالوا: يقولُ الرّبُّ، والرّبُّ ما أرسلَهُم، واَنتظروا مِنهُ أنْ يُتِمَ كلامَهُم. أما رأيتُم رُؤيا باطلةً ونطَقتُم بعِرافةٍ كاذبةٍ كُلَّما قُلتُم: يقولُ الرّبُّ، وأنا ما تكَلَّمتُ؟ ((لذلِكَ هكذا قالَ السَّيِّدُ الرّبُّ: فبما أنَّ كلامَكُم باطلٌ ورُؤياكُم كَذِبٌ، فأنا خصمُكُم، يقولُ السَّيِّدُ الرّبُّ. فتكونُ يَدي على الأنبياءِ الذينَ رُؤياهُمُ الباطلُ وعِرافتُهُمُ الكَذِبُ، فلا يكونونَ في عِدادِ شعبي، ولا يُسجلونَ في سجلِّ بَيتِ إِسرائيلَ، ولا يدخلونَ أرضَ إِسرائيلَ، فيعلَمونَ أنِّي أنا السَّيِّدُ الرّبُّ.))
الكتاب المقدس – حزقيال 13: 2-9
وأيُّ نبيٍّ تكلَّمَ باَسْمي كلامًا زائدًا لم آمُرْهُ بهِ، أو تكلَّمَ باَسْمِ آلهةٍ أُخرى، فجزاؤُهُ القَتْلُ.
الكتاب المقدس – التثنية 18: 20
و كيف مات بولس؟ وفقاً للعرف الشعبي فإنه قد ألقي القبض عليه أورشليم و أُرسل أخيراً إلى روما حيث أُعدم في يوم /22/ من شهر شباط (فبراير) سنة /62م/ و فقاً للأعراف المسيحية في القرن الرابع.
وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوْحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَن قَالَ سَأُنزِلُ مِثْلَ مَا أَنَزلَ اللّهُ وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلآئِكَةُ بَاسِطُواْ أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُواْ أَنفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ (93)
القرآن الكريم – الأنعام
الكثير من المبشرين المسيحيين الذين يتبعون لاهوت بولس يودّون و بشدة أن يمنحوا الخلاص لجيرانهم. إلا أنهم لا يفهمون كيف أن جيرانهم لا يرون المحبة الواضحة والنقية التي يُكنّها الله لهم حتى أنه قد ضحّى من أجلهم بانبه الوحيد المولود له. و حتى يوضحوا الأمر لجيرانهم فإنهم يضربون الأمثال الكثيرة. فعلى سبيل المثال، رجل مسيحي من كندا أرسل لنا مرة إلى المركز الإسلامي المحلي كتيباً من /6/ صفحات بعنوان “الله أبانا السماوي” هدفه توضيح محبة الله لنا بالدليل. لقد قدرنا جهده كل التقدير و قبلنا رسالته بروحها المعنوية. إلا أنه تاه عما يصبوا إليه وما أضاف كُتيبه إلى المسألة إلا مزيداً من الحيرة.
تضمن الكتيب قصة خيالية قصيرة لرجل عربي نزيه و على خُلق اسمه “أكبر”. و يوماً ما اقترف ابنه جريمة خطيرة استوجبت عقوبة الإعدام. فوجدت السلطات دليلاً يربط الجريمة ببيت هذا الرجل. و عندما أتت السلطات اعترف الأب زوراً بالجريمة لإنقاذ ابنه من الإعدام. يستنتج الكُتيب أنه كما دفعت محبة الأب لابنه للتضحية بنفسه، فإن محبة الله للبشرية دفعته للتضحية بعيسى بنفس الأسلوب.
ربما الموضوع يقتصر علينا أن نتوقع تماثلاً في نهاية القصة في أن الله العلي “الآب” سيقوم بالتضحية بنفسه حتى لا يموت عيسى “الابن”، كما ضحى بنفسه الأب “العربي” لينقذ ابنه. و على الرغم من تقديرنا لاهتمامه إلا أننا لا نرى وجه الشبه في القصتين.
عندما يكون الشخص ذو خلق و نزيه، فإنه قد يكون مستعداً للتضحية بالآخرين لتحقيق مصلحة أعظم في سبيل الآخرين. فعلى سبيل المثال عندما ترى أماً ابنها في خطر و على وشك أن تدهسه سيارة ما، فإنها ستجري بالتأكيد أمام اليارة لتنقذ طفلها. إن كانت قد ربّت ابن الجيران فكان كمثل ابنها، فإنها ستكون أيضاً مستعدة للتضحية بنفسها من أجل ابن الجيران كذلك. ولكن، هل سمعت بأمٍ ترى سيارة عى وشك أن تصدم ابن الجيران فترمي بإبنها في وجه السيارة فيتهشم جسد ابنها الرضيع على زجاج السيارة الأمامي فيتسبب ذلك في إبعاد ابن الجيران بعيداً؟
كما يقول الكتاب المقدس: [امتَحِنوا كُلَّ شيءٍ وتمسَّكوا بالحسَنِ – الأولى إلى تسالونيكي 5: 21] و يقول أيضاً: [الوَصيَّةُ الأولى هيَ: ..أحِبَّ الرَّبَّ إلهَكَ.. بِكُلّ فِكرِكَ – مرقس 12: 30]
ليس هنالك شيء أحب إلى قلبي أكثر تقديم المزيد من الأدلة المؤيدة لتلك الأمور، إلا أن هذه العينة ستكون كافية إن شاء الله. من أجل المزيد من التفسير التاريخي للأمور أعلاه مأخوذة عن كتابات الكنيسة نفسها فإنني أرشح الكتب التالية:
- “عيسى نبي الإسلام” للمؤلف محمد عطاء الرحيم
Jesus, Prophet of Islam” by Muhammad `Ata ur-Rahim
- “دم على الصليب” للمؤلف أحمد تومسون.
Blood on the cross,” by Ahmed Thomson.
إن وجدتم أحدى هذه المؤلفات في مكتبتكم المحلية فيمكنكم الحصول على نسخة مباشرة من إحدى العناوين المدرجة في نهاية هذا الكتاب.
في كتاب يُزعم أنه حافظ على كونه كلمة الله الموحى بها 100%، فإن فيه من التناقضات الكثيرة في نقل الروايات ما يستخف بالعقول (أنظر الفصل الثاني). إن هذه الأمور معروفة تماماً و موثقة لدى علماء المسيحية المحافظين منذ وقت طويل. إن عامة الناس هم من يجهل مثل هذه الأمور. تلك المعلومات متوفرة لكل من يحاول البحث عنها. إن التضارب التاريخي و التناقضات في الكتاب المقدس قد تم التعرف عليها بدقة في هذا القرن و أُصدرت الكثير من الكتب في هذا الخصوص. إلا أن دراساتهم ينقصها خطوة أخيرة. اعتقد الناس عموماً أنه لا يوجد طريقة لاسترجاع التعاليم الأصلية لعيسى (عليه السلام) بعد هذا التنقيح المكثف و المستمر لنصوص الكتاب المقدس من قبل الكنيسة على مدار قرون عديدة، بالإضافة إلى حملة الكنيسة البولسية لتدمير كافة الأناجيل التي لا تتوافق مع معتقداتهم الشخصية. ولما فشل العقل البشري، كان لله أن يتدّخل في ذلك. لقد أُنزل القرآن من قبل نفس الذي أنزل الإنجيل الأصلي على عيسى (عليه السلام). إنه يتضمن التعاليم الإلهية الأصلية غير المبدلة. إني أدعو جميع القرّاء لدراسة القرآن تماماً كما قمنا بدراسة الكتاب المقدس، و أن يقرروا إن كان ما ندعيه يستحق العناء.
(1-2-8) الخلاصة – ما هو “الثالوث المقدس” :
علمنا في التحليل التاريخي أعلاه أنه في السنة 325م قامت الكنيسة الثالوثية باستحداث معتقد (الهوموسيوس homoousious) بمعنى [المجد المتساوي CO-EQUALITY، الجلال الأبدي CO-ETERNITY، من نفس الجوهر CONSUBSTANTIALITY] و ذلك للأقنوم الثاني من الثالوث مع أقنوم الآب. عُرف هذا المعتقد باسم [قانون الإيمان النيقوي – Creed of Nicea]. كما طوروا أيضاً عقيدة “الإيمان الأعمى”. ذلك أن الذين طوروا مفهوم “الثالوث” لم يكن بمقدورهم تعريفه بأسلوب لا يمكن دحضه من خلال الكتاب المقدس من قبل المسيحيين الموحدين الصامدين. في البداية حاولوا تعريف “الثالوث” من خلال المنطق و الكتاب المقدس، و استمر هذا لوقت طويل إلى أن توقفت الكنيسة الثالوثية أخيراً عن محاولة إثبات مزاعمها من خلال الكتاب المقدس. لذا فقد طلبوا من أتباعهم الإيمان الأعمى في عقائدهم. كل من لم يؤمن مغمض العينين و يتجرأ على مساءلتهم سيتم وشمه بصفة الهرطقة فيعذّب أو يقتل. ما يلي نموذج صغير لأعداد من الكتاب المقدس تدحض هذا التعريف للثالوث:
المجد المتساوي CO-EQUALITY:
الله و عيسى لا يمكن أن يتساووا لأن الكتاب المقدس يقول:
..الآبَ أعظَمُ مِنِّي.
الكتاب المقدس – يوحنا 14: 28
بما أن الله أعظم من عيسى (عليه السلام) فمن الواضح أنهم لا يتساوون. نقرأ أيضاً:
وأمَّا ذلِكَ اليومُ أو تِلكَ السّاعةُ فلا يَعرِفُهُما أحَدٌ، لا الملائِكَةُ في السَّماءِ ولا الابنُ، إلاَّ الآبَ.
الكتاب المقدس – مرقس 13: 32
إن كان عيسى و الله متساوون فلا بد أن يتساووا بالعلم. إلا أننا نرى أن الله أعظم من عيسى (عليه السلام) في العلم.
وكانَ يَسوعُ يَنمو في القامَةِ والحِكمَةِ..
الكتاب المقدس – لوقا 2: 52
وتعَلَّمَ الطّاعَةَ، وهوَ الابنُ، بِما عاناهُ مِنَ الألَمِ
الكتاب المقدس – العبرانيين 5: 8
إن كان عيسى و الله يساوي أحدهما الآخر، فهل كان الله أيضاً “ينمو بالقامة و الحكمة”؟ هل تعلّم الله “الطاعة” أيضاً؟ من كان يطيع؟ وجهاً آخر من نفس جوهره؟
الجلال الأبدي CO-ETERNITY:
يُزعم أن الله قد “ولد” عيسى (عليه السلام). كما يُزعم أن عيسى هو “ابن” الله. إن فعل (يلد) يدل ضمناً على عمل ما. بغض النظر عن طريقتك في تحديد ما فعله الله لكي “ينجب” عيسى (عليه السلام)، فإن أي طريقة تتطلب قيام الله بعمل ما و من ثم يجيء عيسى (عليه السلام) إلى الوجود. و قبل أن يقوم الله بهذا العمل لم يكن عيسى موجوداً. و بعد أن قام الله بهذا العمل كان عيسى. و بالتالي فإن عيسى (عليه السلام) ليس أزلياً فقط – على اعتبار أن هنالك زمان “قبل الولادة” لم يكن فيها موجوداً – بل إنه لا يمكن أن يكون مساوياً لله على اعتبار أن الله كان في الوجود عندما لم يكن عيسى كذلك. إن هذا منطق بسيط يجيده طلاب المدارس.
من نفس الجوهر CONSUBSTANTIALITY:
في البداية إقرأ التعليقات أعلاه. هل تذكر عندما زُعم أن عيسى قد مات [مرقس 15: 37، يوحنا 19: 30]؟ إن كان الله و عيسى جوهر واحد فإن الله قد مات أيضاً. ولكن من كان يحكم كافة الخلائق عندها؟ تذكر أيضاً:
وصرَخَ يَسوعُ صَرخةً قويَّةً: يا أبـي، في يَدَيكَ أستَودِعُ رُوحي. قالَ هذا وأسلَمَ الرُّوحَ.
الكتاب المقدس – لوقا 23: 46
إن كان عيسى و الله “جوهر واحد” فلن يضطر عيسى (عليه السلام) ليسلم روحه لله، لأنها روح الله الخاصة به في المقام الأول، و التي هي روح عيسى أيضاً. تذكر:
واَبتَعَدَ عنهُم قَليلاً واَرتَمى على وجهِهِ وصلَّى فَقالَ: ((إنْ أمكَنَ يا أبـي، فلْتَعبُرْ عنِّي هذِهِ الكأسُ. ولكن لا كما أنا أُريدُ، بل كما أنتَ تُريدُ)).
الكتاب المقدس – متى 26: 39
أنا لا أقدِرُ أنْ أعمَلَ شيئًا مِنْ عِندي. فكما أسمَعُ مِنَ الآبِ أحكُمُ، وحُكمي عادِلٌ لأنِّي لا أطلُبُ مَشيئَتي، بل مشيئَةَ الّذي أرسَلَني.
الكتاب المقدس – يوحنا 5: 30
واَبتَعدَ ثانيةً وصلّى، فقالَ: ((يا أبـي، إذا كانَ لا يُمكِنُ أنْ تَعبُرَ عنِّي هذِهِ الكأسُ، إلاَّ أنْ أشرَبَها، فلْتكُنْ مَشيئتُكَ)).
الكتاب المقدس – متى 26: 42
إن كلا العددين أعلاه يخبرانا بأن لعيسى و لله إرادتين مختلفتين، و أن إرداة عيسى تابعة لتلك التي لله. إن كان عيسى و الله جوهر واحد فلابد لهذا الجوهر الواحد أن يكون له إرداة واحدة.
وبَعدَما كَلَّمَ الرَّبُّ يَسوعُ تلاميذَهُ، رُفِـعَ إلى السَّماءِ وجلَسَ عَنْ يَمينِ اللهِ.
الكتاب المقدس – مرقس 16: 19
إن كان عيسى و الله “جوهو واحد” فكيف للجوهر الواحد أن يجلس عن يمين نفسه؟
ومتى خضَعَ كُلُّ شيءٍ للابنِ، يَخضَعُ هوَ نَفسُهُ للهِ الّذي أخضَعَ لَه كُلَّ شيءٍ، فيكونُ اللهُ كُلَّ شيءٍ في كُلِّ شيءٍ.
الكتاب المقدس – الأولى إلى كورنثوس 15: 28
إن كان عيسى و الله “جوهر واحد” فكيف للجوهر الواحد أن “يخضع” لنفسه؟
تذكر أيضاً:
ونحوَ السَّاعةِ الثَّالثةِ صرَخَ يَسوعُ بِصوتٍ عَظيمِ: ((إيلي، إيلي، لِما شَبقتاني؟)) أي ((إلهي، إلهي، لماذا تَركتَني؟))
الكتاب المقدس – متى 27: 46
إن كان عيسى و الله جوهر واحد فكيف للجوهر الواحد أن يتخلى عن نفسه؟ لم يحتاج الجوهر الواحد أن يصلّي لنفسه؟
يقول توم هاربر Tom Harpur:
“إن فكرة الأقنوم الثاني للثالوث المقدس و تخلي الله عنها لا توصف إلا أنها فكرة سخيفة منافية للعقل”
من أجل المسيح، ص 45.
For Christ’s Sake, pp. 45
لذلِكَ أقولُ لكُم: كُلُّ خَطيئةٍ وتَجْديفٍ يُغْفَرُ .لِلنَّاسِ، وأمَّا? التَّجديفُ على الرُّوحِ القُدُسِ فلَنْ يُغفرَ لهُم. ومَنْ قالَ كلِمَةً على اَبنِ الإنسانِ يُغفَرُ لَه، وأمَّا مَنْ قالَ على الرُّوحِ القُدُسِ، فلن يُغفَرَ لَه، لا في هذِهِ الدُّنيا ولا في الآخِرَةِ.
الكتاب المقدس – متى 12: 31-32
إن كان الله و عيسى و الروح القدس من “نفس الجوهر” فكيف التجديف على عيسى أن يغفر في الوقت الذي لا يُغفر فيه تجديفٌ على الروح القدس؟
حتى ولو ذهبنا في توضيح “الثالوث” المفترض على أنه أمر”غامض” فإن ذلك لا يحفظ ماء الوجه. في العدد [الأولى إلى كورنثوس 14: 23] نقرأ: ((اللهَ لَيْسَ إِلَهَ تَشْوِيشٍ)). لهذا فإن التشويش لا يمكن أن يكون من طبيعته الحقة.
حتى لو اخترنا التجاهل التام للأعداد أعلاه، فلازلنا غير قادرين على القول بأنه مجرد أمر “غامض”. على سبيل المثال، بعض أعضاء الكنيسة سيقولون أننا لسنا مضطرين لمعرفة آلية عمل المحرك لنتمكن من قيادة السيارة. إلا أن استخدام مثل هذا المنطق هو أمر خاطئ باعتبار أنه بمقدوري بذل جهد مدرك في دراسة ميكانيك السيارات و أن أتوصل إلى إدراك مفصل لهذه المفاهيم. أما في حالة الثالوث، لم يدّعي أيٌ من أتباع الثالوث أن تمكن من “إرداك” أو شرح الثالوث كلياً ضمن نصوص و أعداد الكتاب المقدس و التي ذُكر بعضها أعلاه. إنهم يقولون لنا ببساطة أن ذلك أمر “غامض” و علينا أن “نتحلّى الإيمان”. هذا بالإضافة إلى أن الله لم يقل بشكل صريح ولا في أي موضع في الكتاب المقدس: ((أنا ثالوث، فلا تحاولوا الفهم. آمنوا فقط)). في هذه الحالة دون سواها يمكننا القول بأن الأمر قد جاء من عند الله (وليس من قبل الكنيسة) و أننا نعصي الله بفعلنا هذا.
لهذا السبب طُلب الإيمان الأعمى، و لهذا السبب أُعدم اثنا عشر مليون مسيحي من قبل الكنيسة بتهمة الهرطقة خلال “محاكمات” الكنيسة رديئة السمعة.
عن كتاب: اعتذار لمحمد و للقرآن، جون دافينبورت
Apology for Muhammad and the Qur’an, John Davenport
(1-2-9) النتيجة :
إن ما تعلمناه في هذا الفصل هو:
- لا يوجد ذكر لأي “ثالوث” في الكتاب المقدس من قبل الله أو عيسى أو بولس أو أي شخص آخر. لقد اخترعته الكنيسة البولسية (الرومانية الكاثوليكية) في القرن الرابع بعد الميلاد، و بدأ إقحام أعداد في الكتاب المقدس في سبيل إقرار شرعية هذا المفهوم (كالعدد [يوحنا الأولى 5: 7] الذي طرحته جانباً جميع نسخ الكتاب المقدس الحديثة). كلاً من عيسى، متى، لوقا، مرقس، يوحنا، جميع الحواريين، و حتى بولس كانوا على جهل تام بأي “ثالوث مقدس”. يدرك علماء المسيحية البارزين (نعم، حتى الرومان الكاثوليك منهم) عن طيب نفس هذا الأمر على أنه حقيقة معروفة، و ذلك في أكثر كتبهم بروزاً و مراجعهم الموافق عليها من قبل الكنيسة. لقد رأينا كيف أن الكتاب المقدس لا يحتوي على أي عدد يقر شرعية “الثالوث المقدس”، و أن السبب الوحيد الذي يجعل المسيحيين يؤمنون به هو أن الكنيسة قد أخذت على عاتقها مهمة “شرح” و “توضيح” الكتاب المقدس لهم. غالبية هذه الشروحات تعتمد على:
- الاستدلال بأعداد “يشير” فيها عيسى بشكل ضمني أنه هو الله، أو
- السماح لعقيدة مُسبقة في توجيه الترجمات عن اللاتينية لكي تصبح ألوهية عيسى “جلية” في “الترجمات” الانكليزية و غيرها، أو
- الاستشهاد بأعداد بُترت عن السياق الواردة فيه.
- على اعتبار أنه لا يوجد ثالوث مقدس، إن كان عيسى (عليه السلام) إلهاً فذلك يتطلب أن يكون إلهاً منفصلاً عن الله. هذا يعني أنه لابد أن يكون هناك إلهين اثنين على الأقل في الوجود، إلا أن ذلك يتعارض مع عدد تلو الآخر في الكتاب المقدس الذي لا ينفك عن قرع رؤوسنا بالحقيقة القائلة أنه لا يوجد إلا إله واحد في الوجود [إشعياء 43: 10-11، التثنية 4: 39، إشعياء 45: 18 ..إلخ] و لهذا السبب دعت الحاجة في الدرجة الأولى لإقحام أعداد تـثبت “الثالوث المقدس” (مثل العدد [يوحنا الأولى 5: 7] الذي حالياً قد تم طرحه جانباً).
- على اعتبار أن عيسى (عليه السلام) لا يمكن أن يكون إلهاً، و هو نفسه لم يدّعِ يوماً كذلك و لم يطلب من أحدٍ يوماً أن يعبدوه بل أن يعبدوا “الآب” فقط، لذا فإن الله العلي هو وحده الذي يجب أن يُعبد [يوحنا 17: 3، يوحنا 4: 2، يوحنا 4: 23، متى 7: 21، متى 23: 37 ..إلخ].
- “الخطيئة الأصلية لآدم” و التي يفترض أن البشرية قد ورثتها إنما هي من اختراع بولس. أماكن كثيرة في الكتاب المقدس تدحضها بوضوح [مثلاً: حزقيال 18: 19-20، التثنية 24: 16، إرميا 31: 29-30، حزقيال 18: 1-9].
- على اعتبار أن عيسى (عليه السلام) لا يمكن أن يكون إلهاً أو ابن الله (في المعنى الشامل للكلمة)، و على اعتبار أن عيسى (عليه السلام) لم ينادي بـ”الخطيئة الأصلية” و أنها مجرد اختراع، لهذا يتبين أن “الفداء” أيضاً ليس من رسالة عيسى بل إضافة لاحقة عليها. بمعنى: إن كنا لا نحمل “الخطيئة الأصلية لآدم” فليس هناك حاجة أن يقوم عيسى أو أي شخص آخر لفدائها. إن هذا منطق بسيط: لست بحاجة لمراكز الإطفاء إن لم يكن هنالك حريق أساساً.
- إن عيسى لم يقم بتعليم أتباعه أي من هذه المفاهيم. لقد علمهم أن يتبعوا دين موسى (عليه السلام) فقط. حالما ندرك حقيقة أن كل هذه المعتقدات هي إضافات لاحقة إلى دين عيسى، عندها نصبح مستعدين للتعرّف على رسالة عيسى الصحيحة في كونها مجرد استمرارية لدين موسى (عليه السلام). [متى 5: 17-18، متى 19: 16-21]. لقد أُرسل ببساطة ليقيّم الدين اليهودي، ليعيده للرسالة الأصلية التي دعا بها موسى (عليه السلام)، و يطرح جانباً البدع و التغييرات التي طرأت عليه على يد أناس بلا ضمير.
- الحقائق التاريخية تشير أن رسالة عيسى (عليه السلام) كانت موجهة لليهود فقط. لم تتبدل عن هيئتها الأصلية تلك إلا عندما وُجّهت لهؤلاء الذين لم تكن مرسلة لهم أساساً: الوثنيين من غير اليهود (الأمميين).
- بولس هو مؤلف غالبية كتب العهد الجديد. ما تبقى هو من اختراع أتباعه و لم يكتبهم حواريي عيسى (عليه السلام)، و الأدلة على ذلك من تلك الكتب نفسها تفيض عن الحاجة. إن تعاليم بولس في الكتاب المقدس تناقض بشكل تام تعاليم عيسى نفسه و تحتوي تضارباً واضحاً حتى في الأمور الجوهرية، كرواية تحوله (بولس) للمسيحية و تقبّل التلاميذ له. إنه يزعم أن حواريي عيسى كسالى و مضللين منافقين، و يصرح لنا بكل فخر أنه ليس بحاجة لأن يتعلم من الحواريين. و أن معرفتهم برسالة عيسى إنما هي معرفة مشوهة و بحاجة إلى تصحيح من خلال تعاليمه المبنية على سلطة “رؤياه”.
- العديد من علماء الكتاب المقدس أنفسهم يعترفون أنه كان من الشائع في ذلك الوقت إضافة أو حذف أعداد من الكتاب المقدس أو حتى الادعاء أنها كلمات عيسى (عليه السلام)، أو كلمات الله، أو غيرهم دون أي تحفظ من أي نوع. إنهم يعترفون عن طيب خاطر أن الخطابات الموجودة في الكتاب المقدس لم تكن أبداً من تأليف المتحدثين. و أن الغالبية العظمى من هذه الخطابات إنما هي من صنع المؤلفين وفقاً لـ”تصورهم” عمّا قالت تلك الشخصية الإنجيلية.
- كل ذلك أُوحي به في القرآن من قبل الله قبل /1400/ سنة مضت. لقد تم التعرّف عليه من قبل الغرب و بشكل مستقل فقط في القرن الحالي (العشرين).
- كل هذا، بالإضافة إلى النبوؤات عن محمد ( ) في الكتاب المقدس (الفصل السادس)، و الدليل السابق على تحريف الكتاب المقدس – كل ذلك يؤكد بصورة مستمرة ما قاله القرآن بأن البشرية قد قامت بانتهاكات صارخة على الكتب المنزلة من عند الله، و أنه كان من الضروري أن يُنزّل الله رسالته الخاتمة، رسالة الإسلام، حتى يُعيد تعاليمه الأصلية المنزلة على أنبياء الله السابقين بمن فيهم نبيه المختار عيسى (عليه السلام).
وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ (21)
القرآن الكريم – لُقمان
وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (27) قُرآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (28) ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَّجُلًا فِيهِ شُرَكَاء مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِّرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (29) إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ (30) ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِندَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ (31) فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْكَافِرِينَ (32) وَالَّذِي جَاء بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (33) لَهُم مَّا يَشَاءونَ عِندَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ جَزَاء الْمُحْسِنِينَ (34) لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ (35) أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِن دُونِهِ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (36) وَمَن يَهْدِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّضِلٍّ أَلَيْسَ اللَّهُ بِعَزِيزٍ ذِي انتِقَامٍ (37)
القرآن الكريم – الزمر
وهوَ باطِلاً يَعبُدُني بِتعاليمَ وضَعَها البشرُ.
الكتاب المقدس – متى 15: 9 ، مرقس 7: 7
(2) الفصل الثاني : تناقضات في الكتاب المقدس |
[1] إله في الأساطير الرومانية كان رسولاً إلى الآلهة الأخرى بالإضافة إلى كونه إله التجارة و السفر و السرقة
1 الإفساد الأورثوذكسي للكتاب المقدّس, البارونيت إهرمان، ص 266
The Orthodox Corruption of Scripture, Bart D. Ehrman, p. 266
(1) في العدد [متى 16: 18] نقرأ أن عيسى قد لقّب الحواري بطرس بالصخرة و عينه رئيساً لكنيسته.
(1) ولد محمد (عليه الصلاة و السلام) ويحمل بين كتفيه ((خاتم النبوة)) حيث جاء إليه بحثاً عن هذا الخاتم بعض من “أهل الكتاب” أمثال الراهب بُحيرة و النصراني سلمان الفارسي. لقد شُبّه هذا الخاتم مثل خيلان (جمع الخال – الشامة في الجسد) أو مثل بيضة الحمامة. و سنترك هذا الموضوع لوقت آخر.
(1) نجد هذا العدد في نسخة المللك جيمس يقول:
((Who is a God like unto thee, that pardoneth iniquity))
أما الترجمة العربية المشتركة فتقول : ((مَنْ مِثلُكَ يَنسى ذُنوبَنا)) و في الترجمة الكاثوليكية: ((مَن هو إِلهٌ مِثلُكَ حامِلٌ لِلآثام)). و الفرق واضح في المعنى بين الترجمات المختلفة
(1) أود الإشارة إلى أن هذه الفقرة مرتبطة بالترجمة الإنكليزية للكتاب المقدس أكثر مما هي عليه في الترجمات العربية. فنحن اليوم لا نجد نصرانياً عربياً يتمسك بهكذا حجة لعدم تماثل الأعداد في الرتجمات العربية، و لكنني وجدت من المفيد أن أضع النصوص كما هي من نسخة الملك جيمس سويةً مع ما يماثلها من الترجمات العربية حتى تعم الفائدة. (المترجم)
(1) حالها كحال الترجمات العربية.
(1) كلمة سجد في اللغة العربية تحمل معنيين أيضاً: سجود العبادة و سجود التبجيل. و دليل ذلك قوله تعالى للملائكة في سورة الحجر عند خلق آدم [فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ] و مثيل ذلك سجود أخوة يوسف عليه السلام في قوله تعالى في سورة يوسف [وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّواْ لَهُ سُجَّدًا] (المترجم)
(1) هذا العدد مقتبس من ترجمة فاندياك كونها الأكثر توافقاً مع نسخة الملك جيمس الإنكليزية في هذا العدد.
[5] رجل دين روماني كثوليكي رتبته أقل من كاهم و أعلى من مساعد شماس. (المترجم)
(1) عن قانون الإيمان النيقوي مترجماً باللغة العربية من قبل الكنيسة.
(1) Novatians: followers of Novatius.
(2) Valantinians: followers of Valentine.
(3) Marcionites: followers of Marcion.
(4) Paulinians: followers of Paul.
(5) Cataphrygians: Montanism, a second century heresy from Phrygia, was also known as the Cataphrygian heresy. The chief source on it are Esebius and Tertullian.
(1) عيسى رسول الإسلام – محمد عطاء الرحيم / Jesus Prophet of Islam, Muhammad ‘Ata ur-Rahim
(2) Deschner, Abermals krähte der Hahn, Stuttgart 1962, pp. 373-401
(1) Ramses II, Amon-Ra, and Nut.
(2) Horus, Osiris, and Isis.
(3) moon god, Lord of the Heavens, and sun god.
(4) Ishtar, Sin, and Shamash
(5) Transformation body, enjoyment body, and truth body.
(6) Brahma, Vishnu, and Siva.
(7) Logos العقل – المبدأ العقلاني في الكون في الفلسفة اليونانية القديمة.
(1) اليوم الذي تكون فيه الشمس أبعد ما تكون عن الأرض
(1) ميثرا: إله الضوء و الصفقات و الصداقة عند الفرس القدماء.
(2) عن الترجمة الكاثوليكية. نرى ترجمة مختلفة للعدد في الترجمة العربية المشتركة حيث يقول العدد [هُناكَ مَنْ يَقولُ: ((كُلُّ شَيءٍ يحِلُّ لي))، ولكِنْ ما كُلُّ شَيءٍ يَنفَعُ. ((كُلُّ شَيءٍ يَحِلُّ لي)) ، ولكِنِّي لا أرضى بأنْ يَستَعبِدَني أيُّ شيءٍ] و الفرق واضح بين المعنيين.
(1) عن الترجمة العربية المشتركة و موافقاً للترجمة الكاثوليكية في حذف كلمة “الله” من العدد و إرجاعها إلى أصلها كما هو في النسخ اللاتينية و السريانية.
(2) عن ترجمة فاندياك.
(1) في الصفحة /759/ ملحق أكسفورد للكتاب المقدس Oxford Companion to the Bible نقرأ: “(تيندال Tyndale) خصم في مناظرة دارت حول كون المسيحيين أفضل حال بدون شريعة الرب (الكتب المقدسة) منهم بدون الشريعة البابوية… لم يستطع أخذ الموافقة في إنكلترا لنشر ترجمته فحافظ على رباطة جأشه… و في نهاية فبراير-شباط من عام 1526 تم نشر كامل العهد الجديد. و بعد شهر من ذلك بدأت النسخ بالظهور في إنكلترا… قام أسقف لندن كوثبرت تونستول Cuthbert Tunstall بشراء النسخ بأعداد كبيرة و قام بإحراقها أمام الناس… في هذه الأثناء كان يقطن مدينة أنتويرب Antwerp حيث كان محط محاولات لإغرائه في العودة إلى إنكلترا. تعرض للخيانة في /21/ مايو-أيار 1535 و ألقي القبض عليه من قبل عملاء الإمبراطور تشارلز الخامس و سيق إلى مدينة فلفورد Vilvorde الواقعة على بعد ستة أميال شمال بروكسل Brussels حيث سجن في إحدى الحصون. حوكم في شهر أغسطس-آب حيث ثبتت عليه تهمة الهرطقة و أحيل إلى السلطة العامة لتنفيذ حكم الإعدام. و في يوم /6/ أكتوبر-تشرين الأول 1536 أعدم شنقاً و حُرّق حتى الموت على الوتد…”
(2) كان علماء اللاهوت المسيحيين الأوائل على خلاف في مسألة القتال. فبينما بعضهم أمثال أوريجن Origen كان يعارض هذه الحرب بكل صراحة، نجد أن تصريحات أغسطين Augustine مؤيدة بشكل كبير له. في رسالة له إلى مانيشيان فاوستوس Manichaean Faustus يقول: ((لماذا ترفض القتال؟ أرجو ألا يكون السبب في هؤلاء الذين قتلوا في الحرب و الذين كانوا سيموتون في كل الأحوال؟)) تتلخص وجهات نظره كالتالي: ((أي خرق لشريعة الله أو تعديل بسيط عليها، و أي خرق لعقيدة المسيحيين فإنه يعتبر ظلماً يستوجب عقوبة غير محدودة… لعامة الناس دونما تمييز بين جنود و مدنيين. يمكن لجنود العدالة أن يقتلوا حتى هؤلاء الذين يعتبرون أبرياء أخلاقياً دون ملامة منقادين من قبل غضبهم الصالح.)) [حرب العدالة في القرون الوسطى – Russell, The Just War in the Middle Ages, Cambridge 1975]
(3) أحد الأمثلة عن هذه الحملات تلك التي قام بها كريستوف كولومبوس Christopher Columbus. عندما وصل لأول مرة إلى شواطئ ما يسمى اليوم بأمريكا، “اكتشف” أن الهنود الأمريكيين الأصليين هم أناس ذوي نوايا حسنة للغاية و أنهم أخيار و ودودين و مضيافين إلى أبعد الحدود. لقد سجل ذلك بنفسه حيث يقول: ((إن شعب هذه الجزيرة و جميع الجزر الأخرى التي وجدتها و شاهدتها، … جميعهم عراة… إنهم … على درجة كبيرة من السذاجة و الحرية فيما يملكونه، حتى أنك لن تصدق ذلك إلا إذا ما رأيته. و إذا ما طلبت حاجةً عندهم، فإنهم لا يرفضون لك طلباً مهما كان، بل يدعونك لمشاركتهم و يظهرون حباً كبيراً و كأنهم بذلك يمنحون قلوبهم لك…)) و بسبب هذه الخصال، لاحظ كولومبوس بأن السكان الأصليين ((لابد أنهم سيصبحون خدماً جيدين… و يمكن تنصيرهم بسهولة)) حيث أن السكان الأصليين قد قُدّر لهم من قبل الله ((أن يصبحوا تحت سلطة الأمراء أو الأمم المتحضرة الورعة، فيصبح بإمكانهم أن يتعلموا … سلوكاً أخلاقياً و عادات أفضل و طريقة للحياة أكثر تحضراً.)) ثم يتابع بالإسبانية و يصرّح للسكان الأصليين: ((أشهد لكم و بعون الله أننا سندخل بلادكم بالقوة و سنشن حرباً عليكم بشتى الطرق و الأساليب التي نقدر عليها، و أننا سنُخضعكم تحت سلطة الكنيسة و كل رجالها. سنأخذكم و نساءكم و أطفالكم و نجعل منكم عبيداً لهم.))
(4) للمزيد من المعلومات المؤثرة فإنه كان يعتبر من الرحمة شنقهم أولاً قبل إحراق جثثهم. آخرون كانوا يجبَرون على البقاء بين النيران حتى تتآكل لحومهم عن أجسادهم. و بعدها تم ابتكار طرق أخرى للإعدام بالنار، و ذلك لكي يضمنوا آلاماً مبرحة قبل موتهم. و في نهاية المطاف قاموا بابتكار “المحرقة Bruloir” و هي عبارة عن فرن كبير يُحبس فيه الناس و “يشوون” حتى الموت. و هكذا أصبح عذابهم يفوق مرحلة الألم بكثير. لقد كانوا يأخذون وقتاً أطول ليتم “طبخهم” في المحرقة عنه إذا ما “أحرقوا على الوتد” ببساطة. وكان لهم أن ابتكروا طرق و أساليب أخرى للإعدام على مر العصور، و من بينها كان اسلوب الإعدام بالعجلة (لتهشيم كل العظام)، المخنق (كسر العنق عن طريق طوق حديدي)، العذراء الحديدية (إطار من حديد فيه مسامير تُطبق على الضحية لتدخل كامل جسده في نفس الوقت)، المعذِّب (يستخدم لتعذيب الجسم عن طريق الشد)، الحذاء (يستخدم لسحق قدمي و رجلي الضحية)، ماء التعذيب (تربط الضحية للأسفل و يجبر على شرب الماء حتى تتفجر أمعاؤه)…إلخ
(1) أسوةً بما يفعل اليهود الذين لا يكفون عن تذكير العالم بالمجزرة التي افتعلها هتلر في الحرب العالمية الثانية. (المترجم)
(1) هذا العدد مأخوذ عن ترجمة فاندياك لكونه الأقرب في اختيار الألفاظ من التراجم الأخرى بما يقارب ترجمة الملك جيمس التي تقول:
I had been entrusted with the gospel for the uncircumcised, just as Peter had been entrusted with the gospel for the circumcised.
أما الترجمات العربية الأخرى فقد أخفت مفهوم الختان لتواريه في معانٍ أخرى. فعلى سبيل المثال:
رأَوا أَنَّه عُهِدَ إِليَّ في تَبْشيرِ القُلْفِ كما عُهِدَ إِلى بُطرُسَ في تَبْشيرِ المَختونين (الترجمة الكاثوليكية)
رأَوا أنَّ اللهَ عَهِدَ إليَّ في تَبشيرِ غَيرِ اليَهودِ كما عَهِدَ إلى بُطرُسَ في تَبشيرِ اليَهودِ (الترجمة العربية المشتركة). (المترجم)
(1) حالها كحال الترجمات العربية في انتقاء لفظة “رياء”.
(2) المسلم لا يقبل أو ييتبّع أياً من الكتب عدا القرآن. كما أنه لا يقبل أي من الأناجيل على أنه إنجيل عيسى (عليه السلام) الأصلي 100% دون تحريف. إلا أن هذا الإنجيل يبدو في الحقيقة أكثر قرباً للكلمة الأصلية لعيسى (عليه السلام) قياساً بباقي الأناجيل. هذا على الرغم من المحاولات الهائلة التي تعرض لها من الأورثوذكس الذين ما فتئوا من مهاجمته بشتى السبل، فتارةً يدّعون أنه من عمل مسلمين متآمرين، و تارةً يزعمون أنه من نتاج مسيحيين مرتدين. و للحصول على دراسة مفصلة حول الأدلة التي تدعم قدمه و أصوليته يمكنك قراءة الفصل الخاص بـ”لفائف البحر الميت، إنجيل برنابا، و العهد الجديد”.