الاختيار في القراءات القرآنية وموقف الهذلي منها
إن كتاب الاختيار في القراءات القرآنية وموقف الهذلي منها، للدكتور نصر سعيد عضو هيئة التدريس بكلية القران الكريم للقراءات وعلومها، جامعة طنطا، هو أحد أهم الكتب التي يُنصح بها فيما يخص الإختيار في القراءة. وهذا الكتاب يُمثل مبحثًا مستلا من رسالة الدكتوراة الخاصة بالدكتور نصر سعيد.
التعريف بالهذلي:
هو الإمام هو يوسف بن علي بن جبارة الهذلي. ولد في حدود التسعين وثلاثمائة من الهجرة في بلدة بشكرة المغربية و بدأ رحلته العلمية في جميع القراءات حتى سافر من المغرب إلى المشرق، وطاف البلاد وألف كتابه (الكامل في القراءات الخمسين) وهو أكبر كتاب في القراءات يجمع مثل هذا العدد، وتوفي سنة 465هـ، ينظر ترجمته في معرفة القراء للذهبي.
معنى الإختيار في القراءة:
معنى الإختيار في القراءات القرآنية أن يعمد من كان أهلا الى القراءات المروية فيختار منها ما هو الراجح عنده. ويجرد من ذلك طريقا في القراءة على حده. ومعنى ذلك أن ينتقي من له حق الاختيار من القراءات المروية ما هو راجح عنده بناء على فكرة معينة سواء ذكرها أم لم يذكرها. ثم هو لم يتقيد بمذهب بعينه ولم ينسب إلى مصدر بذاته.
فأبو القاسم الهذلى – مثلا – انتقى أصول قراءته ومفراداتها من عدد كبير من شيوخ عصره بلغ عددهم: ثلاثمائة وخمسة وخمسين إماما. وهؤلاء الأئمة ممن اختار منهم، هم من أرباب الاختبارات الذين بلغوا رتبتها أي (السبعة والعشرة). فهو لم يترك إماما من الأئمة في القراءة واللغة حتى فند قراءته، ثم اختار من مجموع هذه القراءات ما رآه راجحا عنده.
الفرق بين القراءة والاختيار:
فرق الأندرابی بين القراءة والاختيار بقوله: إن القراءة تعني أن يكون للمقرئ قراءة مجردة على حرفٍ واحد من أول القرآن إلى آخره، وأما الاختيار فهو أن يأخذ القارئ من مجموع القراءات التي رواها حروقا يفضلها لسبب يذكره أو لا يذكره، قد يكون حرف منها من قراءة في حين يكون الحرف الآخر من قراءة أخرى، وهكذا إلى آخر القرآن الكريم[mfn]قراءات القراء المعروفين بروايات الرواة المشهورين للأندرابي ص۲۸، ۲۹[/mfn] .
الفرق بين الاختيارات والانفرادات:
كل من الاختيار والانفراد فيه معنى انتقاء واصطفاء بعض القراءات والأوجه القرائية التي يرجحها من اختارها أو انفرد بها بسند صحيح. ولكن الانفرادات معناها الدقيق يختلف عن الاختيارات. إذ الانفرادات هي ما انفرد به إمام أو راو من قواعد وأحكام قرائية أو حروف معينة من أول القرآن إلى آخره مع التزامه في بقية المواضع بما قرأ به الشيخ الإمام.
ولذلك سمي انفرادا. أي أنه سار على قراءة معينة من أول القرآن إلى آخره إلا في حروف معينة انفرد بها.[mfn]ينظر روضات الجنات في ما انفرد به ثلاثة الدرة من القراءات للشيخ محمود على بسه ص6.[/mfn]
– وأما الاختيار فهو انتقاء القارئ حروقا يفضلها. وقد يكون حرف منها من قراءة في حين يكون الحرف الآخر من قراءة آخرى. فهو يسر على قراءة واحدة کالأول.
– كما أن الاختيار يمكن فيه التعدد بمعنى أن ما اختاره أبو عبيد مثلا يمكن أن يختاره الهذلي وغيره وينسب إلى كل على حده، وليس ذلك في الانفراد.
– کما يمكن للشيخ أن يختار أكثر من اختيار في الموضع الواحد.
مثال الانفراد:
– مثل ما انفرد به أبو جعفر عن غيره من القراء العشرة – من تسهیل همز (إسرائيل) مع التوسط وصلا فقط في القرآن كله[mfn]المرجع السابق ص۱۲.[/mfn] وما انفرد به أبو جعفر – أيضا – من زيادة هاء السكت عند الوقف على كل من هو – هي – ياء المتكلم المشددة المفتوحة نحو: (مصرخي – إلي) والنون المشددة من ضمير جماعة المؤنثات الغائبات أي المسبوقة بهاء نحو (هِنّ) سواء اتصل بها شيء أم لا، وسواء كان قبل الهاء ياء أم لا كيفما وقعت هذه الضمائر الأربعة في القرآن»[mfn]المرجع السابق ص 15.[/mfn].
– وكانفراد رویس بزيادة هاء السكت عند الوقف على المنادي المندوب إذا كان آخره ألفا غير مسبوقة بنون في مواضعه الخمسة الواردة في القرآن. وهي (يا ویلتی) بالمائدة وهود والفرقان و(يا أسفى) بيوسف. و(يا حسرتی) بالزمر.
وبزيادة هاء السكت – أيضا – عند الوقف على (م) الظرف في مواضعها الثلاثة الواردة في القرآن. وهذه المواضع الثلاثة بالبقرة/115، والإنسان/ ۲۰، والتكویر/ ۲۱. [mfn]المرجع السابق ص۱۹. وهناك موضع رابع وهو قوله تعالى: (وأزلفنا ثمّ الآخرين) الشعراء / 64.[/mfn].
فهذه انفرادات وغيرها كثير وقد ألف بعضهم في هذا النوع[mfn]مثل القول الأصدق في بيان ما خالف فيه الأصبهاني الأزرق، تأليف على محمد الضباع.[/mfn].
– وفيه ما ينفرد الراوي عن الإمام، أو الإمام نفشه له انفراداته عن تلميذه الذي اشتهرت قراءته کانفرادات أبي جعفر وهو شيخ نافع.
التوسع في إطلاق الاختيار:
توسع العلماء في إطلاق لفظ الاختيار على القراءات القرآنية المنسوبة إلى أحد الصحابة أو غيرهم من القراء. وذلك لبيان سبب نسبة القراءة إليه. أيضا فإن قولنا: قراءة فلان يعني: اختياره وليس اختراعه أو اجتهاده.
يقول الإمام الداني في جامع البيان:
«إن معنى إضافة كل حرف مما أنزل الله تعالى إلى من أضيف إليه من الصحابة كأبي وعبد الله وزید وغيرهم من قِبَل أنه كان أضبط له وأكثر قراءة وإقراء به وملازمة له وميلا إليه، لا غير ذلك. وكذلك إضافة الحروف والقراءات إلى أئمة القراء بالأمصار. فهذا المراد بها أن ذلك القارئ وذلك الإمام اختار القراء، بذلك الوجه من اللغة وآثره على غيره، وداوم عليه ولزمه حتى اشتهر وعرف به وقصد فيه وأخذ عنه. فلذلك أضيف إليه دون غيره من القراء وهذه الإضافة إضافة اختيار ودوام ولزوم، لا إضافة اختراع ورأي واجتهاد.»[mfn]جامع البيان للداني ۲۱/ مخطوط مصور بكلية القرآن تحت رقم ۷۹، وقد نقل ابن الجزري – رحمه الله – في كتابه النشر کلام الداني دون أن يشير إليه – ينظر النشر ۱/ ۵۲.[/mfn].
فمنهج الاختيار في تاريخ القراءات نشأ عنه ماعرف بالقراءات السبع أو العشر.
واختار ابن مجاهد القراءات السبع للقراء السبعة وارتضى الأكثرون اختياره، وإن عارضه بعضهم»[mfn]في علوم القراءات مدخل ودراسة وتحقيق للدكتور السيد رزق الطويل ص. 56[/mfn].
ومما يندرج في الاختيار، اختيار ابن مجاهد للقراءات السبعة:
فهذا أيضا اختیار؛ إذ القراءات القرآنية كانت في عصره كثيرة. حتى وصل بها أبو عبيد القاسم بن سلام نحو ثلاثين قراءة. وأوشك ذلك أن يكون بابا لدخول شيء من الاضطراب على ألسنة القراء. وكان منهم المتقن – کما يذکر ابن مجاهد في تقديمه للكتاب – ومنهم غير المتقن الذي قد يعتريه النسيان. وزادت الطامة بما كان بعض القراء يرويه مثل ابن شنبوذ – عن مُصحفي أبي وابن مسعود. وما كان آخرون مثل ابن مقسِم العطار يستنبطونه بعقولهم من احتمالات القراءة لخط المصحف العثماني. مما جعل الحاجة تشتد إلى شيخ من شيوخ القراء النابهين. بحيث يضع الأصول والأركان لقبول القراءات من جهة، وليختار طائفة نابهة من القراء يكتفي بها عمن سواه. وذلك حتى تستطيع عقول أوساط القراء أن تتمثلهم وتستوعبهم. فاجتهد ابن مجاهد للأمة وللدين وقرآنه العظيم. [mfn]کتاب السبعة لابن مجاهد – كلام المحقق الدكتور شوقي ضيف ص۲۰.[/mfn].
وقد تصفحت كتاب السبعة أكثر من مرة لعلي أعثر على اختيار واحد لابن مجاهد فلم أعثر. مما يؤكد هذه الرواية الطريفة عن بعض تلاميذه ممن بهرتهم سعة روايته للقراءات وعلمه بوجوهها وضبط حروفها. حيث قال له أحد تلامذته: ألا تختار لنفسك قراءة تحمل عنك؟. فقال: نحن إلى أن نُعمل أنفسنا في حفظ ما مضى عليه أئمتنا أحوج منا إلى اختيار حرف يقرأ به مَن بعدنا.[mfn]المرجع السابق ص. 24[/mfn].
وهكذا ظهر لنا أن معنى الاختيار فيما فعله ابن مجاهد في اختيار القراء السبعة أوسع من هذا الذي رفضه ابن مجاهد تواضعا منه وتأدبا. وقد ذكر علماء القراءات كلمة «الاختيار» في تصانيفهم، وأرادوا بها الحرف الذي اختاره ولزمه[mfn]المرجع السابق نفسه.[/mfn].
للاستفادة الكاملة، ننصح بقراءة الكتاب
الاختيار في القراءات القرآنية وموقف الهذلي
ينصح كذلك بالاطلاع على: تساؤل عن القراءات والروايات وكيف تكوّنت القراءات القرآنية ؟