أولًا: حول الكتاب المقدس (العهد القديم والجديد)
الكتاب المقدس هو اسم جامع للكتب (الأسفار) التي يؤمن بها اليهود والنصارى ويعتقدون أنها موحى بها من عند الله. فإذا قلنا الكتاب المقدس، فإننا لا نقصد كتب النصارى فحسب بل وكتب اليهود أيضًا والتي يؤمن بها النصارى كذلك.
ولذا يُقسم الكتاب المقدس إلى قسمين:
التناخ أو العهد القديم: يؤمن به اليهود والنصارى. (ويُسمى التناخ، حسب تسمية اليهود لأنهم لا يعترفون بأن هناك عهد جديد حتى تُسمى كتبهم بالعهد القديم، بينما يُطلق عليه النصارى: العهد القديم، لأنه عندهم قبل المسيح، في مقابل العهد الجديد وهو الذي جاء به المسيح ورسله عندهم).
العهد الجديد (الذي يؤمن به النصارى وحدهم).
والكتاب المقدس: هو مجموعة كتب مختلفة جدًّا، لم تظهر في فترة واحدة، بل امتد خروج هذه الكتب على فترة تعدت 1600 عام، وتنسب إلى اكثر من أربعين مؤلفًا (كاتبًا) مختلفًا، وكثير من مؤلفيها مجهولين، وأما عن لغة هذه الكتب، فبعضها وضع بالعبرية (مع بعض المقاطع بالآرامية) وبعضها الآخر باليونانية، وجميع أصول هذه الكتب في لغاتها الأصلية مفقودة، والذي يظهر بين أيدي اليهود والنصارى اليوم هي تراجم التراجم لاصول هذه الكتب المفقودة.
إذن فيمكن القول أن الكتاب المقدس يحوي: كل كتب الأنبياء المعترف بهم من قبل اليهود والنصارى والذين جاؤا قبل المسيح صلى الله عليه وسلم، وتُسمى كتبهم بالعهد القديم، أو التناخ والذي يشمل توراة موسى (الكتب الخمسة المنسوبة لموسى)، وكتب الأنبياء الكبار والصغار، مثل: زبور داود (مزامير داود) وكتاب اشعيا وإرميا وغيرهم. وأما الأناجيل الأربعة ورسائل بولس وغيره من الرسائل التي كُتبت بعد المسيح، ورؤيا يوحنا، فمجموعها يُسمى العهد الجديد.
يُعرف الكتاب المقدس عند اليهود بالعبرية بالـ “تاناخ” תנ״ך ، أو مِقرا מקרא.
والتناخ هو الاسم الأشهر. وهي كلمة مكونة من ثلاثة أحرف (ت ن خ) يمثل كل حرف منها الحرف الأول من المجموعات الرئيسية الثلاثة التي يندرج تحتها جميع اسفارهم (كتبهم)، وهي:
– توراة: اسفار موسى الخمسة.
– نبيئيم: وهي كتب الأنبياء.
– كتوبيم، وهي الكتب المدونة.
وتشمل المجموعتان الأخيرتان تسعة عشر سفراً، معظمها بالعبرية. ومع ذلك فإن أجزاء كبيرة من الـ “كتوفيم/الكتب” وردت بالآرامية.
والـ “تاناخ” برغم احتوائه كما بينا على توراة موسى، إلا أنه لم يُكتب بصورته الحالية إلا بعد موسى صلى الله عليه وسلم بقرون عديدة، وذلك في الفترة الواقعة بين السبي البابلي والقرن الأول الميلادي.
والكتاب المقدس (التناخ) عند اليهود هو ما يُسميه النصارى (العهد القديم)، ولا يسميه اليهود بالعهد القديم لأن هذه التسمية نصرانية. وتختلف هذه الكتب بين النصارى واليهود، في ترتيب وتقديم بعض كتب الانبياء، وفي بعض النصوص التي تتغير وتتخالف على حسب ترجمتهم، فاليهود يعتمدون على النص العبري، بينما يعتمد النصارى الكاثوليك والارثوذكس على النص المكتوب باليونانية. وبين النصين اختلافات في بعض الفقرات سواء بالترجمة أو بالزيادة والحذف.
كما أن التناخ عند اليهود، لا يحتوي على ما يسميه النصارى بالاسفار القانونية الثانية، التي يؤمن النصارى بأنها موحى بها من الله، بينما يعتقد اليهود بأنها ليست من الوحي، ويُسمونها بالكتب المنحولة (apocrypha).
الكتاب المقدس هو تسمية اليهود والنصارى لكتبهم وأسفارهم التي يعتقدون أنها موحى بها من عند الله.
ونحن المسلمون لا نُسمي هذا الكتاب بالكتاب المقدس، لأننا لا نؤمن بأن كل الكتاب موحى به من الله، بل فيه الحق وفيه الباطل، وفيه الوحي وفيه التحريف، ولذا نقول: الكتاب، واهل الكتاب كإسمٍ جامعٍ لما يؤمن به اليهود والنصارى (حقًا كان أو باطلًا)، ولذا سماهم الله في القرآن الكريم، أهلَ الكتاب (أي أهل هذا الكتاب الذي بين أيديهم بعهديه والذي يُطلقون هُم عليه الكتاب المقدس).
ثانيًا: حول تحريف الكتاب المقدس (العهد القديم والجديد)
الجواب المختصر على إطلاقه فلا، لأن في الكتاب المقدسِ الكثيرُ من الكتب التي نُسبت إلى الله ولا يُعرف كاتبها ولا متى كتبها، وفي أكثر هذه الكتب الكثير من الكذب مما لا يجوز على الله وأنبياء الله. وسواءً كان السائل مسيحيًا أو مسلمًا، فإن عدم معرفة من كتب الكتاب، ثم التجرؤ بنسبته إلى الله هو من شهادة الزور، والكذب على الله. إذن الكتاب المقدس يحوي ما هو حق وكلام الله، ويحوي كذلك معه ما هو باطل من إضافات البشر وتحريفهم. فلا يجوز الإطلاق على مجموعهم أنه كلام الله.
وأما على التقييد، فإن هذا الكتاب يحوي الإنجيل وهو كلام الله، ونقصد بالإنجيلِ ما بقي من أقوال المسيح صلى الله عليه وسلم، مما لم يتحرف معناه، ولا يُخالف ما جاء به الإسلام والأنبياء من قبله. وفيه كذلك من كلام الله التوراة، والتوراة كلام الله، التي أنزلها اللهُ على موسى، ولايزال الكثير من الحق فيها موجود في الكتاب المقدس، إضافة إلى التحريف والتبديل في المعاني والألفاظ. وفيه كذلك الزبور وهو كلام الله الذي أنزله على داود عليه الصلاة والسلام.
وهذه الكتب مثل الإنجيل والتوراة والزبور لا يسلمُ ما فيها حتى يُقيمها اليهود ويُنقونها من شوائب الكذب والتحريف، ويستخرجون ما فيها من حقٍ يعلمون انه من الله. قال تعالى: (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ)ن فإذا فعلوا، عرفوا الحق وظهر لهم جليًا وتبيَّن لهم أن ما جاء به الأنبياء والرسل قبل محمدٍ صلى الله عليه وسلم هو ما نزل في القرآن من دعوة الإسلام وهو دين الأنبياءِ وهو الحق.
وعلِم الله أن إقامة التوراة والإنجيل بهذا المعنى، تقودهم إلى الحق، وانها في مقدور العامة والخاصة من أهل الكتاب، فأما عامتهم فيمكنهم بالفطرة السوية والعلم الضروري التمييز بين الحق وما يُناقضه من باطل مكذوب، لا يجوز على الله، كما أنه بمقدور خواصهم من العلماء التحري بالدليل فيما بين أيديهم من المخطوطات المتاحة وعلم النقد النصي، الذي يحاولون به استرجاع النص الأصلي أو ما هو أقرب إليه، وكثيرون من علمائهم وعامتهم عرفوا الحق وآمنوا به، ومن لم يؤمن فقد كفر عن علمٍ، كبرًا وعدوانًا.
الجواب نعم، الإنجيل محرف بإقرار القرآن الكريم، والكتاب المقدس، وشهادة آباء الكنيسة الاوائل، وتأكيدات علماء الكتاب المقدس.
الدليل على أن الإنجيل محرف، هو أن الله تعالى بيّن ذلك في القرآن الكريم. ومن ذلك قوله تعالى: (أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ)- سورة البقرة:75. وجاءت السُّنة مؤكدة لذلك، كما في حديث ابن عباس في صحيح البخاري: حيث أخرج في كتاب ” الشهادات ” عن عبد الله بن عتبة أن عبد الله بن عباس قال : (يا معشر المسلمين كيف تسألون أهل الكتاب في شيء وكتاب الله الذى أنزله على نبيه – صلى الله عليه وسلم – أحدث أخبار الله ؟! تقرءونه غضًا لم يشب ولقد حدثكم الله تعالى أن أهل الكتاب قد بدلوا كتاب الله وغيروه وكتبوا بأيديهم الكتاب وقالوا هو من عند الله ليشتروا به ثمنًا قليلاً ) (أخرجه البخاري في كتاب ” الشهادات ” برقم 2488 ) .
ومن الأدلة كذلك: شهادة الكتاب المقدس نفسه على نفسهِ، أنه يُحرف ويُبدل ليل نهار، وأن التحريف مستمر منذ زمان أنبياء اليهود، وممكن إلى يومنا هذا. فجاء في العهد القديم – سفر إرميا (8/ 8): كيف تقولون: نحن حكماء وشريعة الرب معنا حقا إنه إلى الكذب حولها قلم الكتبة الكاذب). وكذلك، جاء في العهد الجديد– رؤيا يوحنا ، ما يُستدل به على أن الزيادة والنقص ممكنة على الكتاب وليست ممنوعة، وترتب العقاب على حدوث التحريف بالنفص من الكتاب أو الزيادة فيه: (وَإِنَّنِي أَشْهَدُ لِكُلِّ مَنْ يَسْمَعُ مَا جَاءَ فِي كِتَابِ النُّبُوءَةِ هَذَا: إِنْ زَادَ أَحَدٌ شَيْئاً عَلَى مَا كُتِبَ فِيهِ، يَزِيدُُ اللهُ عليه الضربات وَإِنْ حذف أَحَدٌ شَيْئاً مِنْ أَقْوَالِ كِتَابِ النُّبُوءَةِ هَذَا ، يُسْقِطُ اللهُ نَصِيبَهُ مِنْ شَجَرَةِ الْحَيَاةِ) – رؤيا (22/ 18).
ولم يقف الإقرار بالتحريف على تقريرات الكتب الموحى بها من الله، بل أكّد آباء الكنيسة الأوائل حدوث التحريف في زمانهم، وبينوا مواضعه، مع علمهم بعدم استطاعتهم استرجاع النص الأصلي الذي فُقِد وحُرِّف. ومن ذلك: